إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي
الفصل السابع

مقومات الاجتهاد المعاصر

من أسباب الخطأ في الفَتْوَى، عدم فهْم الواقع، الذي يعيشه السّائل والمسؤول، فهْماً صحيحاً. ومن الناس من يجازف بالفتاوي في أمور المعاملات الحديثة، مثل التأمين بأنواعه، وأعمال المصارف، والأسهم والسّندات، وأصناف الشركات؛ فُيَحرِّم أو يحللِّ، من دون أن يحيط بهذه الأشياء خبراً، ويدرسها جيداً. ومهما يكن علمه بالنصوص، ومعرفته بالأدلة، فإن هذا لا يغني، ما لم يؤيد ذلك بمعرفة الواقع المسؤول عنه، وفهمه على حقيقته. ومثال على ذلك تضارب علماء محدثين في الفَتْوَى في شان مشاركة الجنود المسلمين الأمريكيين في الحرب على أفغانستان. (انظر ملحق تضارب العلماء في فَتَاوَى تتعلق بأمور خطيرة ومصيرية في واقعنا المعاصر).

في الواقع العملي، لا يوجد إفتاء إلاّ ومعه اجتهاد، في الوقائع والنوازل. ويستثنى من ذلك مطلق الإخبار بحكم الله ـ تعالى ـ؛ كمن سأل عن أعظم آية في كتاب الله، فقيل له إنها آية الكرسي؛ لورود ذلك نصاً عن النبي.

وإذا كانت الفَتْوَى قد بلغت ذروة ازدهارها، في القرنَين السّابع والثامن الهجريين. ثم هزلت في القرون التالية؛ بسبب إغلاق باب الاجتهاد، على الرغم من تعرض المجتمعات الإسلامية لجملة من التحديات والأزمات والنوازل. ففي عصرنا هذا، نشط كثير من المجددين إلى ضرورة إعادة النظر في مؤهلات الاجتهاد، في ضوء الواقع. وانتهوا إلى القول بضرورة الرجوع في الفَتْوَى إلى أصحاب الاختصاص في الدِّين الإسلامي. وبرز هذا الأمر في الآونة الأخيرة، مع أحداث التفجيرات التي تعرضت لها مدينة الرياض، العاصمة السعودية؛ ماتوجب معه بيان مسائل: مثل ضوابط الجهاد، والوفاء بالعهد، وطاعة أولي الأمر، وغير ذلك. (انظر ملحق الفتيا يجب أن تكون من أصحابها العلماء).

تتحدد أدوات النظر الاجتهادي المنشود، في العصر الحاضر، في أدوات معرفية ست، هي:

1. اللغة العربية: هي وعاء النص الشرعي، الذي جاء متوشحاً بمزاياها وخصائصها وأساليبها؛ ما يستلزم ضرورة التمكن من علوم تلك اللغة، وإلا ظل فهْم النص الشرعي كليلاً؛ قرآناً وسُنة. وقد تمتع النص الشرعي بإعجاز بياني جلي، لا يمارى، وتفوق تعبيري، لا يجارى. فمن لم يكن مدركاً لأسس اللغة وقوانينها وآدابها في التعبير؛ فلن يمكنه التوصل إلى حُسن فهْم معاني النصوص ومراميها. وإذا عجز امرؤ عن هذا، فإنه لا يليق به أن يبذل وسعه في التوصل إلى المعاني، التي تدل عليها نصوص الوحي الإلهي، كتاباً وسُنة؛ لأنه لا يأمن، عندئذ، من الخطأ في تحديد المراد الإلهي.

اختلف العلماء في القدر الواجب على المرء تحصيله في علم هذه اللغة: فمن قائل إنه لا بدّ أن يبلغ مبلغ الأئمة، كالخليل بن أحمد، وسيبويه، والأخفش[1]، ومن سواهم من أساطين العربية. ومن قائل: ينبغي النظر إلى العربية، في مجال النظر الاجتهادي، على أنها مجرد أداة للنظر الاجتهادي. وقيل: "العلوم التي هي آلة لغيرها، لا ينبغي النظر إليها، إلاّ من حيث إنها آلة فقط،". ومن ثم، يكفي من علم اللغة قدر، يعين المرء على تذوقها، وفهْمها فهماً سليماً، بحيث يصبح قادراً على فهْم نصوص الوحي، كتاباً وسُنة.

2. أصول الحديث

المقصود معرفة الجانب، الذي يعرفه علماء الجرح والتعديل بعلم الحديث، رواية ودراية. ويتمثل ذلك في التثبت من صحة ورود الحديث، وصدق رواته، ثم التوصل إلى المعاني المرادة منه، شرعاً. ومن ثم؛ فالمطلوب من الفقيه الإلمام بمبادئ أصول الحديث، وقواعد قبوله وردّه، وإتقان مبادئ الترجيح بين الأحاديث المختلفة، التي قد تتعارض، ظاهرياً.

وقد اشتُرط، كذلك، حفظ عدد من أحاديث الأحكام؛ فضلاً عن إجادة مبادئ التمييز بين درجات الأحاديث، صحة وضعفاً، وقبولاً وردّاً. ومن ثم، إضافة إلى ذلك، إذا أحكم الفقيه مباحث الجرح والتعديل، وأشرف على مباحث العلل القادحة في الروايات، وتمكن من مناهج نقد متون الأحاديث وأسانيدها، فإنه يغدو قادراً على تحديد ما يستحق من النصوص الحديثية دراسة وتحليلاً؛ بما يجنبه الوقوع في متاهات الاستدلال بأحاديث ضعيفة. وليس من شرط ذلك أن يكون حافظاً لحال الرجال، عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يتمكن، بالبحث في كتب الجرح والتعديل، من معرفة حال الرجال، مع كونه ممن له معرفة تامة بما يوجب الجرح، وما لا يوجبه من الأسباب، وما هو مقبول منها، وما هو مردود، ومعرفة ما ثبت نسخه من الأحاديث، كالأحاديث التي رويت في جواز (نكاح المتعة)، فقد ثبت نسخ حكمها، بأحاديث أخرى. ويلزمه، كذلك، معرفة أسباب ورود الحديث.

3. أصول الفقه

أي العلم بمجموع القواعد والمبادئ الأساسية الأصولية، التي يتوصل بها إلى حُسن فهْم المعاني المرادة للشارع، من نصوص الوحي، أمقاصد كانت تلك المعاني أم أحكاماً. وقد تنامت مباحث هذا العلم وموضوعاته ومسائله، وتطورت، على أيدي سائر علماء الأمة من محدثين،ولغويين، ومتكلمين، وفقهاء...إلخ. وأمكن تفصيل مباحثه، ووضع قواعده. وانتهى علماء القرن السادس الهجري إلى أنها العلم الأهم، الذي يحتاج إليه المرء للتأهل للنظر الاجتهادي، بكونه عماد الاجتهاد وركن بنائه الأساسي، الذي يُمَكِّن من إدراك الخطاب الإلهي ومراميه، من الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والإجمال والتفصيل، والمنطوق والمفهوم. وتشتمل مباحث هذا العلم على المعارف الجزئية من أدلة الأحكام، والقياس، والاستحسان، والإجماع، واستصحاب الحال، والبراءة الأصلية، والأدلة العقلية.

4. علم المقاصد

هو إدراك الغايات والحكم والأهداف الثابتة، العامة والخاصة، التي رتبها الشّارع الحكيم، في جميع أحوال تشريعاته، المتعلقة بالفرد والمجتمع، سواء أكانت تلك التشريعات عقدية أم خلقية أم عملية. يضاف إلى ذلك ضرورة التعامل مع كثير من مستجدات العصر وقضاياه، وتوجيهها وفق إرادة الإسلام ورؤيته؛ إذ غدت الحاجة، في هذا العصر، ملحة إلى إبراز الأهداف والأسرار، التي تحتويها الشّريعة الإسلامية، وتدل على صلاحيتها لكل زمان ومكان، وتبرهن على مرونتها وسعتها وقدرتها على تنظيم حياة البشر.

ويدخل في هذا العلم مراعاة البيئة والظروف وتأثيرهما، المباشر وغير المباشر. أمّا القدر الذي يحتاج إليه المجتهد من هذا العلم، فهو ما يكفل له القدرة على استخلاص مقاصد الشّارع من نصوص الوحي؛ ويؤهله للتمييز بين مراتب المقاصد، من حيث الكلية والجزئية، والأصلية والتبعية، والقطعية والظنية، والمصلحة الحقيقية والمصلحة المتوهمة، والثبات والتغير. (انظر ملحق الضروريات والحاجيات والتحسينات).

5. علم الخلاف

هو العلم الذي يقتدر به على حفظ الأحكام الفرعية، المختلف فيها بين الأئمة، أو هدمها، بتقرير الحجج الشرعية، وقوادح الأدلة، أو هو ما يعرف اليوم بالفقه المقارن، الذي يجمع الآراء الفقهية ويقومها، ويوازن بينها بالتماس أدلتها، وترجيح بعضها. ويعنى علم الخلاف بإبراز مناهج الاستنباط والاستدلال وأصولهما المرعية عند الأئمة، الذين كانت لهْم مناهج خاصة في فهم نصوص الوحي، كتاباً وسُنة؛ ما يعين على حُسن التعامل معها، وفهم المراد منها. وفهم هذا العلم، يجعل المجتهد لا يفني عمره في إعادة عقارب الساعة، وتوليد اجتهاد جديد، بل يبني على ما سبق، ويطوره، ويحاول تيسير اتساقه مع الاجتهادات المغايرة والمخالفة له.

ولا يكون العالم عالماً، إلاّ باستيعاب الاختلاف. وقد قيل في ذلك: "من لم يسمع الاختلاف، فلا تعدوه عالماً". و"من لم يعرف الاختلاف، لم يشم أنفه الفقه". و"لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالماً باختلاف الناس. فإن لم يكن كذلك، رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه". و"أجسر الناس على الفَتْوَى، أقلُّهم علماً باختلاف العلماء".

6. مبادئ العلوم الإنسانية المعاصرة

والمقصود بها المعارف، التي تُعنى بدراسة الإنسان وواقعه، من النواحي: الاجتماعية والنفسية والتربوية والسياسية والاقتصادية والقانونية والتاريخية؛ من أجل فهم المؤثرات في توجهه وتطلعاته ورغباته، وإدراك الواقع المحيط به، وما يؤثر فيه، إيجاباً وسلباً. كل هذا يتيح لمن يتصدى للإفتاء فهم معطيات العصر، ومشكلات الناس.

وليس صحيحاً أن الاكتفاء باجتهادات السّابقين أولى، بزعم أنها تسد حاجات كل عصر؛ لأن كثيراً من الاجتهادات في حاجة ماسة إلى مراجعة وتطوير؛ وربما أمكن الاستغناء عنها. ولعل الاجتهادات، التي دارت رحاها حول المرأة وشؤونها، من حيض ونفاس وحمل، من أوضح الاجتهادات المحتاجة إلى مراجعة ونقد، في ضوء التطورات العلمية الطبية الحديثة. وكذلك اجتهادات السابقين، في شأن العلاقات الدولية، وأحكام أهل الذمة، وحقوقهم، وغيرها. فقد تأثر كثير منها بواقعهم وظروفهم وبيئاتهم، وكل ذلك قد تغير حالياً. يقول ابن القيم عن المُفْتِي، أو الحاكم، الذي لا يفهم المعارف الإنسانية والواقع، ويراعيها في اجتهاده: "كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وقد يتصور له الظالم بصورة المظلوم، والمحق بصورة المبطل، ويروج عليه المكر والخداع والاحتيال".

يرى بعض العلماء، في العصر الحديث، صعوبة النظر الاجتهادي المنشود، في ضوء أنواع التحديات وأشكال النوازل، التي تموج بها الحياة المعاصرة، ما لم يكن لدى العالم بها معرفة موازية لمعرفته الدِّينية. وأن أي مؤسسة دينية، تستبعد العلوم الحديثة من مناهجها، لا يمكن أن تُعِد علماء قادرين على الاجتهاد في قضايا عصرهم. بل قال أحد العلماء المعاصرين: لا يصح اجتهاد من تمكن من علوم الشريعة، ما لم يتمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية تمكناً كافياً. بل هي تقع ضمن إطار الفروض العينية، لمن يتصدى لعملية الاجتهاد. ومن ثم، يجب على علماء الدِّين، في عالمنا الإسلامي، اليوم، الاعتراف بأن آليات العلوم، قد تطورت تطوراً هائلاً، على أيدي غير المسلمين. ثم يجب عليهم دفع أنفسهم، وحث أبناء مجتمعهم على الأخذ بهذه العلوم، وبيان أن من الواجب على الأمة الإسلامية ألاّ تفوقها أمة أخرى، مهما كانت، في كل علم ينفع الناس؛ بهدف قيومية الدِّين على الواقع، وتسديد الحياة بتعاليم الدِّين السامية؛ ليتحقق لأبناء هذه الأمة الوسط، أن يكونوا شهداء على الناس.

أمّا القول بأن الصحابة وأجيال التابعين، كانوا أعظم المجتهدين، من دون أن تكون لهم معرفة شاملة بالعلوم والمعارف الحديثة، في عصورهم ـ فهو قول، يرده أن المعروف عنهم التفاوت في المستوى، المعرفي والعلمي؛ إذ كان منهم من هو عالم بالحرب، ومنهم عالم بالتجارة والسياسة، وغير ذلك. ومن ثم انتهجوا في فهمهم للنصوص المنهج الجماعي، في أكثر الأحيان؛ فيستعان بمن كان عارفاً بالطب، في المسائل الطبية، وبمن كان عارفاً بالحرب، في المسائل الحربية، وهكذا.

فقد كان مبدأ الشورى، في الإسلام، يقوم على مشاورة أهل الاختصاص والدراية والمعرفة بالموضوع المبحوث. إضافة إلى ذلك، فإن الفقه الإسلامي، عقدياً كان أو عملياً، اطَّرد بعد الرسول، وأخذ التابعون، وأتباعهم، فتاوي الصحابة، وطوروها، ووسعوها، وبنوا عليها، واستنبطوا منها الأحكام؛ التماساً للمصالح المتجددة. ووالوا تطوير الفقه، فكلما حدثت حادثة، حاصرها الفقهاء، والتمسوا لها حلاً، واستنبطوا لها أحكاماً. ولكن الأجيال، التي جاءت في أواخر القرن الثامن الهجري، وما بعده، أخذت تفرق بين العلوم المعينة على فهم الواقع، والعلوم المعينة على فهم النص الشرعي، ورأت أنه لا يصح الجمع بينهما. وازداد هذا الاتجاه الخاطئ، في القرون المتأخرة إلى يومنا هذا. ولا تزال الهوة، بين المعرفة الدِّينية النصية والمعرفة الإنسانية الواقعية، تزداد وتتعمق، يوماً بعد يوم. ولا عجب أن ينتج هذا الفصام النكد، بين المعرفتَيْن المتداخلتَيْن، شرعاً، لا واقعاً، صنفَيْن من علماء الأمة، هما:

أ.  صنف يفقه معاني النصوص، وخاصة الأحكام العملية منها؛ ولكن ليس له دراية كافية بالواقع، الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي؛ وليس له إلمام كاف بأدواء الواقع، وسبل تطويعه للمراد الإلهي، على سائر المستويات.

ب. وصنف يفقه رجاله الواقع، الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري، ولكن ليس لهم دراية عميقة بمعاني نصوص الوحي، ومقاصدها والأهداف العامة منها. ونتيجة لهذا الاختلاف بين الصنفَيْن، غدا كل صنف مسيطراً على الدائرة، التي يفقهها ويتقنها. ففقهاء النصوص متمكنون منها؛ ومستأثرون بتقديم تفسيرها المشروع؛ ولكنهم عاجزون كلّ العجز عن تنزيل معاني تلك النصوص في الواقع، الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري؛ بغض النظر عن سائر الأعذار والعلل، التي ينسبون إليها عجزهم ذاك. وأمّا فقهاء ذلك الواقع، فهُم متمكنون منه ومسلطون على توجيهه، وفق مرادهم وخططهم ومآربهم؛ وليس في الإمكان زعزعتهم عن السيطرة والتحكم فيه. ولكنهم مع كل ذلك، عاجزون عن الاستقلال بالتنظير المنهجي، لما ينبغي أن يسير عليه نظامهم، السياسي والفكري والاقتصادي والاجتماعي؛ فهُم عالة، إن على غرب أو على شرق، في التنظير والتخطيط الممنهج.

وأمّا الحوار والتشاور، بين هذَين الصنفَين من علماء الأمة، فإنهما أمسيا أمراً محالاً، في كثير من الأقطار الإسلامية المنكوبة. ومرد ذلك إلى ما يحمله كل صنف، للآخر، من تصور قائم على التشكيك والريبة. ففقهاء النصوص، يرون في فقهاء الواقع خصوما، يحولون دونهم ودون الحكم، الذي يرون أنفسهم أجدر به. وأمّا فقهاء الواقع، فإنهم ينظرون إلى فقهاء النصوص، على أنهم زمرة، تصبو إلى الاستئثار بالحكم، وتبوّء المنازل التي يتبوءونها، قهراً وقوة، لا من أجل تحقيق قيومية الدِّين، أو تسديد الحياة بتعاليم الدِّين السامية؛ وإنما من أجل تحقيق رغباتهم الشخصية، وتعطشهم إلى الحكم والسيطرة.

وهكذا فإن كلاً من الصنفَيْن، يتحمل مسؤولية عدم تحقيق قيومية الوحي الإلهي على الواقع الإنساني القائم. كما يتحمل مسؤولية عدم تسديد الحياة بالتعاليم الإلهية.

(تُعَدّ الجامعة الإسلامية العالمية، في ماليزيا، المؤسسة التعليمية العالمية، الرائدة في اعتماد سياسة الدمج بين المعرفة الدِّينية والمعرفة الواقعية في برامجها ومناهجها التعليمية. وتكاد  تكون الجامعة الوحيدة، التي تعتمد نظام التخصص المزدوج في التعليم الجامعي؛ إذ إنها تتبنى إلزام طلابها الدارسين العلوم الشرعية دراسة تخصص فرعي من المعرفة الإنسانية؛ بغية تمكنهم استيعاب المبادئ الأساسية التي تشتملها جميع المعارف الإنسانية: من اجتماع، وسياسة، وفلسفة، وتاريخ، وعلم نفس، وعلم إنسان .. إلخ. كما أن الجامعة تلزم طلابها الذين يدرسون العلوم الإنسانية ضرورة التخصص؛ تخصصاً فرعيا، في المعرفة الدِّينية بجانب تخصصهم في إحدى فروع المعرفة الواقعية. وبناء على هذه السياسة التعليمية المبتكرة والفريدة، فإن الطالب يتخرج، في هذه الجامعة، حاملاً تخصصين مختلفين: تخصص أساسي، إمّا في المعرفة الدِّينية، أو في المعرفة الواقعية، وتخصص فرعي، إمّا في المعرفة الدِّينية، أو في المعرفة الواقعية).

لذا، فليس من عجب، اليوم، أن يكون جانب كبير من الآراء والفتاوي الفقهية الاجتهادية، الموروثة من نهايات القرن الثامن الهجري إلى قرننا هذا ـ لا تخاطب، في كثير من قضاياها ومسائلها، هموم الواقع وتحدياته، الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ بل إنه ليس من المبالغة في شيء، أن يكون جانب كبير، لا يستهان به، من هم واقعنا، الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ـ لا تغطيه مدوناتنا الفقهية القديمة، ولا يمكن أن يغطيه، بأي حال من الأحوال، الفقه والفهْم، اللذان ورثناهما عن أئمة الاجتهاد، في بعض معاني نصوص الوحي، كتاباً وسُنَّة. ويمكن المرء أن يلاحظ هذا الفصام، بين تحديات الواقع والأفهام الموروثة، التي لم تجبه هذه الظروف الاستثنائية والتحديات المعقدة، التي تمر بها أمتنا الإسلامية، على جميع مستويات الحياة، وعلى الأخص بعد أن غزتنا "الحضارة الغربية، في القرنين الأخيرين، وأحدثت في واقعنا صوراً جديدة، لا تزال تتكثف، كلما تسارع عصر النهضة، وكلما تعقد المجتمع".

ولئن كان القانون، لا يتهاون في معاقبة أي إنسان، يمارس مهنة عامة، كالطب وغيره من المهن، التي لها مساس مباشر بحياة العامة والخاصة، قبل إشرافه على الأدوات المؤهلة لتلك المهنة. فما أحرى القانون نفسه، أن يعاقب أي إنسان، يمارس النظر الاجتهادي الشرعي، قبل التأهل له، والتمكن من أدواته الضرورية؛ إذ إن هذا النظر الاجتهادي، له مساس مباشر بحياة العامة والخاصة. ويكفي أن كثيرا من الأحداث والتخريبات نتجت بسبب عدم إدراك الكثيرين لمفاهيم الجهاد وضوابطه، لا سيما في العصر الحالي. فإن ما كتبه الفقهاء، قديما، في أبواب الجهاد، كان خاضعاً لظروف عصرهم، والقِيَم التي كانت سائدة فيه، وللطريقة التي كان يجري بها التعامل في تلك الازمان. فقد كان العالم يسير على قانون الغابة، في علاقات الدول والقبائل بعضها مع البعض، فكل دولة تبغي على الأخرى. ولا مانع يمنعها إلا أنْ تكون ضعيفة؛ لا تقوى على الاعتداء، أو يكون ثمة ميثاق يُحترم; ما بقيت القوتان متعادلتين. فاذا احست احداهما بضعف الأخرى، انتهزتها فرصة سانحة، وانقضت عليها، لا ترقب إلاً ولا ذمة. أمّا اليوم: فالأصل في العلاقات بين الأمم هو (الممانعة) وقد انضمت أغلب الدول إلى المعاهدة، ضمن هيئة الأمم المتحدة.

فالواجب على من يكتب في موضوع الجهاد اليوم، وفي العلاقات الدولية: أنْ يراعي تغير أوضاع العالم، وانتقال الأصل من (المقاتلة) إلى (الممانعة).

ونحن اليوم بحاجة ماسة الى كتابة فقه جديد للجهاد يراعي التغير الكبير، الذي حصل في طبيعة العلاقات بين الأمم، والاختلاف الواسع في القِيَم والأعراف الدولية، عما كانت عليه قبل قرون. ولكن لا بد من العلم الأكيد أن أدلة الأحكام بنوعيها ـ المتفق عليها والمختلف فيها ـ بعيدة كلّ البعد عن "مسرح تجديد الفقه". أمّا بالنسبة للأحكام الفقهية القديمة، التي دونت من قبل في عصور الإسلام الأولى، من مئات المصنفات والمجلدات، لجميع المذاهب الفقهية، فهي أنواع كذلك:

* الأول: ما كان دليله قطعي الثبوت، قطعي الدلالة: كمعظم القرآن وكثير من الأحاديث النبوية. مثل وجوب جلد الزانية والزاني الثابت بقوله تعالي: )الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ( (النور: 2). فهذا نص قطعي الثبوت والدلالة لا مجال للاجتهاد فيه وكذلك حكم الحدود علي اختلاف أنواعها.

* الثاني: ما كان دليله ظني الثبوت والدلالة معا. مثل أحاديث الآحاد. فمن حيث الثبوت: يجتهد المجتهد بالنظر الي سند الحديث ومنزلة رواته، فإذا اطمئن الي شئ من ذلك، انتقل اجتهاده إلي المعني المراد من بين المعاني المحتملة فاذا توصل الي شئ حكم به ومثاله: قول الرسول: )لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ( (الترمذي: 230). فهذا حديث ظني الثبوت؛ لأنه لم ينقل إلينا متواتراً، وظني الدلالة؛ لأنه يحتمل أن يكون النفي فيه نفي كمال الصلاة، ويحتمل أن يكون النفي فيه نفي صحة الصلاة. فلذلك نري الحنفية قد اجتهدوا فتوصلوا الي أن المراد نفي الكمال، وعليه حكموا بصحة صلاة من ترك قراءة الفاتحة في الصلاة، بينما نري أن الشافعية أدّى اجتهادهم إلي أن المراد نفي الصحة فحكموا ببطلان الصلاة إذا لم يقرأ المُصَلِّي الفاتحة.

* الثالث: ما كان دليله قطعي الثبوت وظني الدلالة. مثل بعض نصوص القرآن مما يحتمل عدة تفسيرات. لذا، فهي، وإن كانت قطعية الثبوت فهي ظنية الدلالة. ويكون مجال الاجتهاد فيها بالبحث في معرفة المعني المراد من ذلك الدليل وقوة دلالته علي هذا المعني؛ مستعيناً في ذلك بالقواعد الأصولية ومقاصد الشرع ومبادئه العامة في التشريع. ومثاله: قال تعالي: )وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ( (البقرة: 228). فإن لفظ القروء في النص قطعي الثبوت، ولكنه ظني الدلالة؛ وذلك لأنه محتمل أن يراد به الحيض، كما يحتمل أن يكون المراد به الطهر. ودلالة اللفظ علي أحدهما دلالة ظنية، فلذا أجيز للمجتهد أن يجتهد فيبذل قصاري جهده للوصول الي المراد. ولذلك نجد أن العلماء قد اختلفوا في المفهوم من هذا النص علي النحو التالي :

- اجتهد الحنفية، فتوصلوا الي أن المراد بالقروء الحيض، فحكموا بأن عدة المطلقة أن تحيض ثلاثاً.

- واجتهد الشافعية: فتوصلوا إلي أن المراد به الطهر، فحكموا أن عدة المطلقة أن تطهر من حيضها ثلاث مرات.

* الرابع: ما كان دليله ظني الثبوت قطعي الدلالة. ويكون مجال الاجتهاد فيه بالبحث في سند ذلك الدليل، وطريق وصوله إلينا ودرجة رواته من حيث العدالة والضبط وغيرها. فاذا أدّى اجتهاد الي صحة الحديث وثبوته، عمل بموجبه، وإن لم يصل إلي ثبوته وصحته، تركه ولم يعمل به. ومثاله : قوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: )فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ( (البخاري: 1362)، فإنه نص قطعي الدلالة، ولكنه ظني الثبوت؛ لأنه لم يصلنا متواتراً فكان محلاً للاجتهاد من جهة الظنية في الثبوت.

والنوع الأول، يجب عدم المساس به؛ لأنه أقوى الأحكام. والنوع الرابع، وهو ظني الثبوت قطعي الدلالة، لا تخضع دلالته كذلك للتجديد. وإنما يمكن إعادة النظر في الثاني والثالث. وكذلك الأحكام التي أجمع عليها علماء الأمة، لا تخضع لإعادة النظر؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة أبدًا. لذا، فإن إعادة النظر ممكنة في كلِّ ما كان احتمالياً ظنياً، وهذا مجال الاجتهاد فيه واسع.

وفقه العبادات كالصلاة والزكاة والحج والصيام، يجب إبعاده عن إعادة النظر، وخضوعه لمبدأ "تجديد الفقه". ولا إخال الذين ينادون الآن بمبدأ "تجديد الفقه" يقصدون فقه العبادات، وإنما هم يقصرون دعوتهم على إعادة النظر في "فقه المعاملات" المدنية، بمختلف أنواعها.

كما أن فقه المعاملات القطعي الدلالة والثبوت أو القطعي الدلالة، أو ما قام عليه إجماع علماء الأمة، هذه الأفرع محصنة شرعاً، فلا يجوز إعادة النظر فيها وإخضاعها لمبدأ "تجديد الفقه".

من ثَمَّ، يتضح أن مجال الاجتهاد المقبول الوحيد هو ما كان ظني الدلالة، فهذا من حيث المبدأ يجوز إعادة النظر فيه، وإخضاعه لمبدأ "تجديد الفقه". ولكن من حيث الواقع والمصير، فإن إعادة النظر فيه قليلة الجدوى. لأنه ثبت، من خلال تجربة عملية ودراسة نموذجية، وإن كانت قصيرة، لأحكام الفقه الاجتهادي عند السلف، أنهم، في كل مسألة اجتهادية، استوعبوا كلّ ما يمكن أن يقال. لذلك فإن من العسير على المجتهدين المعاصرين أن يجدوا منفذاً يأتون فيه بجديد لم يقله الأقدمون. فمثلاً قوله ـ سبحانه وتعالى ـ: )وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ(، بعضهم فسر القرء بالطهر، وبعضهم فسره بالحيضة الواحدة. فإذا أعيد فيها النظر، فما الذي سيقال جديداً في المسألة ؟!

ومثال آخر: إذا طلقت المرأة من زوجها الغائب؛ مع انقطاع أخباره، وحكم لها القضاء بالتطليق؛ لرفع الضرر عنها. ثم تزوجت بآخر، وبعد زواجها عاد زوجها القديم، فهي زوجة من فيهما؟ بعضهم قال للأول، ويفرق بينها وبين الثاني. وبعضهم قال للثاني، ولا يُمَكّن منها الأول. وبعضهم قال هي للأول إلاّ إذا أنجبت من الثاني. فإذا أعيد النظر في هذه المسألة، فهل بقي شيء جديد يقال فيها؟

ومثال ثالث: إذا أكره رجل رجلاً آخر على قتل رجل ثالث، فقتله. فعلى من يقع القصاص؟ على المكرِه الذي أمر بالقتل؟ أم على المكرَه الذي قام بالقتل؟ بعضهم قال: يقتص من الاثنين معاً: الآمر بالقتل والقاتل؛ صونا للدماء. وبعضهم قال: يقتص من الآمر؛ لأنه السبب، ولا يقتص من القاتل؛ لأنه مكره فاقد الإرادة. وبعضهم قال: لا قصاص على أحد منهما؛ لأن الآمر بالقتل لم يباشر فعل القتل. ولأن القاتل مجبور لا إرادة له. وبعضهم قال: يقتص من القاتل؛ لأنه هو الذي باشر القتل، وعلى الآمر بالقتل دية الاثنَيْن: دية المقتول عدواناً وظلماً، ودية المقتول قصاصاً. هذه مسألة اجتهادية لم يرد حكم لها في الكتاب ولا في السنة، وقد استوعب الفقهاء فيها أقسام الحكم العقلي، فإذا أعيد النظر في هذه المسألة، فهل بقي شيء جديد يقال فيها؟ وهكذا صنع الفقهاء الأقدمون في المسائل الاجتهادية كلها.

إذاً فإن إخضاعها لمبدأ "تجديد الفقه"، وإن كان ممكنًا نظرياً؛ فإنه لا جدوى فيه عملياً. والأحرى بالمنادين بتجديد الفقه القديم، وإحلال فقه جديد محله، أن يرصدوا كل المستجدات، وأن يبحثوا لها عن أحكام فقهية مناسبة، بدل أن يصبوا جام غضبهم على جهود علماء كبار أفذاذ ملؤوا الدنيا نوراً وهدى. (انظر ملحق بيان المؤتمر العام الثالث عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التجديد في الفكر الإسلامي).

وأمّا القدر المطلوب للمجتهد تحصيله، من العلوم الإنسانية المعاصرة ـ فهو لا يجاوز الإلمام بالمبادئ والمداخل الأساسية، التي تقوم عليها هذه العلوم؛ ما يجعله قادراً على حُسن فهْم واقعه؛ إضافة إلى استعداده الدائم وترحيبه باستشارة أهل الاختصاص، في كل مسألة تتعلق به.

الاجتهاد الجماعي

الحاجة، اليوم، ماسة، في الأمة الإسلامية، إلى إعادة النظر في تشكيل المجامع الفقهية القائمة، مثل: مجمع الفقه الإسلامي، في مكة المكرمة؛ ومجمع الفقه الإسلامي، في جدة، ومجمع البحوث، في القاهرة، (انظر ملحق مجمع الفقه الإسلامي). وقد اقترح أحد العلماء تكوين ثلاثة أنواع من المجامع الاجتهادية:

الأول: مجمع اجتهادي محلي

يُعنى بالقضايا والمستجدات، ذات الصبغة المحلية، المرتبطة بمواطنين يعيشون في دولة واحدة. ويكون له الحق المطلق في تبني واختيار أي رأي اجتهادي، قديم أو جديد، في المسائل، التي تمس حياة أبناء المجتمع. ولا حرج عليهم، أن يتبنوا رأياً مخالفاً لما تبناه السلف لمجتمعاتهم، وفق الظروف والأحوال والأجواء، التي كانت سائدة آنذاك.

الثاني: مجمع اجتهادي إقليمي

يختار أعضاؤه من المجامع المحلية، وفق أسس علمية دقيقة. ويُعنون ببذل جهدهم في الاجتهاد في النوازل والقضايا والمسائل، ذات الصبغة الإقليمية البحتة، من خلال البحث في الآراء والأفهام، القديمة والجديدة، ما دامت مفضية إلى تحقيق مقاصد الشرع العامة، في واقع الدول المنضوية إلى هذا المجمع. وكذلك، لا حرج على هذا المجمع، أن يتجاوز بعضاً من الآراء والأفهام السابقة، إذا تبين له عدم جدواها.

ومهمة هذا المجمع، تعد امتداداً للمهمة الأساسية، التي تضطلع بها المجامع الاجتهادية المحلية. وينبغي ألا يكون ثمة تعارض، أو تناقض، بين قرارات هذا المجمع، وقرارات المجامع المحلية، في القضايا المتشابهة والمتداخلة؛ تحقيقاً لمقصد التضامن والوحدة والترابط بين الشعوب الإسلامية، التي تعيش في إقليم بعينه.

الثالث: مجمع اجتهادي عالمي

يختار أعضاؤه المنتدبون من المجامع، الإقليمية أو المحلية، وفق أسس علمية دقيقة. و أعضاؤه ببذل جهدهم في الاجتهاد في النوازل والقضايا والمسائل، التي تمس حياة كل مسلم من أبناء الأمة الإسلامية، بغض النظر عن دولته وإقليمه. ولهذا المجمع الحق في مراجعة الآراء والأفهام الموروثة، المتأثرة بواقع السابقين، الفكري والسياسي والاقتصادي. ولا بدّ له من بذل الوسع، لتخليص أمة الإسلام من عوامل الفرقة والخلاف، وإخراجها من دورها الهامشي، الذي تعيشه في المجتمع الدولي. وكذلك، لا حرج على هذا المجمع في التخلي عن أحكام واجتهادات سبقت؛ إذا رأى أنها أمست غير ملائمة للظروف الحالية.

وعليه كذلك محاولة حسم مسائل ملحّة عالمية، مثل رحلات الفضاء، وعقود التأمين المتنوعة، ومواعيد بدء صوم رمضان وعيد الفطر، ومواقيت الصلاة والصوم في المناطق القطبية وغيرها.

ينبغي أن تكون العلاقة بين المجامع الثلاثة مبنية على التكامل والتآزر؛ وأن يعي كلٌّ منها واجباته ومسؤولياته، ويحاول البلوغ بها درجة الإتقان الكامل.

ولا يحق للمجمع العالمي التدخل، أو مناقشة المسائل ذات الصبغة، المحلية والإقليمية. وكذلك، لا حق للمجمعَين: المحلي والإقليمي، في مناقشة أو تداول المسائل، التي تمس حياة كل مسلم بعامة. ولا حق لهما، كذلك، في تبني مواقف وآراء، معارضة لما انتهى إليه المجمع العالمي، في القضايا المصيرية لعموم الأمة الإسلامية.

أمّا عضوية المجامع، فيراعى فيها الشروط والآداب، التي ذكرت من قبل، والمطلوب توافرها في المُفْتِي. ويختار الأفضل فالأفضل، على المستوى المحلي، ثم الإقليمي، ثم العالمي. يضاف إليهم ذوو الاختصاصات الدقيقة، الذين يُستدعون، للاسترشاد بآرائهم وتقاريرهم، كلٌّ في مجال تخصصه.

وقد تبلورت كلّ هذه الأمور في مؤتمر عالمي للفتوى وضوابطها، كان لقراراته وتوصياته دوى وصدى واسع في أرجاء العالم الإسلامي، من 20 إلى 23 المحرم 1430، الموافق من 17 إلى 20 يناير 2009. (انظر ملحق ميثاق الفَتْوَى).



[1] هو الأخفش الكبير: شيخ العربية، أبو الخطاب البصري، يقال اسمه: عبد الحميد ابن عبد المجيد، تخرج به سيبويه، وحمل عنه النحو، وأخذ عنه أيضا عيسى بن عمر النحوي وأبو عبيدة معمر بن المثنى وغيرهما وله اشياء غريبة ينفرد بنقلها عن العرب.