إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

ملحق

بيان المؤتمر العام الثالث عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

"التجديد في الفكر الإسلامي"

من 8 إلى 11 ربيع الأول 1422

ناقش مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، في دورتين متتابعتين، "مشروعًا حضاريًا لنهضة شاملة للعالم الإسلامي"، رأى بعدهما أن الأمر يتطلب تكملة ضرورية تمثل الأساس الأهم في الوصول إلى هذه القضية، وهي قضية "تجديد الفكر الإسلامي"، التي يستحيل تحقيق أي نهضة، من دونها؛ في ظلِّ المتغيرات الهائلة، التي حدثت في العالم، والتي تفرض التعامل معها بالفكر الملائم لها.

وهنا تجب الإشارة إلى أن التجديد لا يعني، بأي حال من الأحوال، أدنى مساس بثوابت العقيدة، والعبادات، وما ورد في الكتاب والسُّـنَّة من أحكامٍ قطعية، ولكنه إعمال للعقل والفكر في مشكلات حياتنا المعاصرة لاستنباط الأحكام المناسبة لها من أدلتها الشرعية.

إضافة إلى ذلك، فإن للتجديد في الفكر الإسلامي أسساً يقوم عليها، ومعالم يسترشد بها، وضوابط يلتزم بها، وليس دعوة إلى الانفلات من كلِّ قيدٍ، أو بداية للتفريط في كلِّ شيء.

ومن ناحية أخرى، فإننا نحن – المسلمين - لا نعيش في جزر منعزلة، ولا نستطيع بحالٍ من الأحوالِ أن نعزل أنفسنا عن العالم المحيط بنا، ولا عن المتغيرات التي طرأت على عالمنا المعاصر في جميع المستويات. ومن ثَمَّ، فلا مجال للتخوف من أن يؤدي التجديد إلى التفريط في شيء من تعاليم الدِّين وقيمه الثابتة؛ فحقيقة التجديد: هي إحياء ما اندرس من سنن الإسلام، وأحكامه وقواعده، من دون أي إخلال بثوابت الشريعة وأصولها. وهذا التجديد يقوم على أصـل إسلامي، قوامـه قول الرسـول: )إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا( (أبوداود: 3740).

وهذا يعني أن التجديد سُـنَّة إسلامية لازمة لضمان حيوية الشريعة، واستمرار صلاحيتها عبر الزمان والمكان، وهو ما فهمه أئمة الفقه الإسلامي، الذين سطّروا ذلك في كتبهم، ومارسوه بالفعل في أحكامهم ومواقفهم.

لكن المستجدات، التي حدثت في العالم، فرضت أنواعاً أخرى من فقهٍ جديدٍ كان منه "فقه الواقع" و"فقه الأولويات" و"فقه البيئة" و"فقه الأقليات المسلمة"، وغيرها من القضايا الملحة، التي لا يجوز إغفالها، إذا ما أردنا لأمتنا أن تواكب متغيرات العصر، وهي تصون شريعتها، وتحافظ على هويتها.

إن القضية المصيرية لأمتنا المسلمة اليوم هي قضية التخلف، وعلى العقل المسلم أن يضطلع بدوره كاملاً؛ للخروج بالأمة من تخلفها.

والتجـديد لا يعني إهدار جهود المجتهدين السابقين، أو التقليل من شـأنها، وإنما يوجب استصحابها لاسـتخراج ما يناسب ظروف العصر منها، دون التقيد برأي فقهي معين، أو بمذهب بعينه.

ولأن دين الإسلام متسق مع سُـنَن الكون والحياة ونواميس الفطرة الإنسانية، التي أساسها الحركة والتطور، فقد شجّع الإسلام التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع، وصولاً إلى المستوى الأفضل في جميع المجالات؛ لأن البديل للتجديد، هو الجمود والموت.

وقد اعتمد الإسلام آلية للتجديد متمثلة في مبدأ "الاجتهاد" في كل مناحي الحياة بما فيها الفكر الدِّيني، بطبيعة الحال. وقد كان ختم النبوة مؤذنًا برفع الوصاية عن العقل، ومطالبًا له أن يثق في قدراته، وأن يعتمد على نفسه، في كلِّ ما لم يرد فيه نص شرعي قاطع. وقد كان ذلك واضحًا، كلّ الوضوح، في حديث معاذ بن جبل عندما سأله النبي: )كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَلا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ( (آلُو: أي لا أقصر)  (أبو داود: 3119).

وكان مبدأ "الاجتهاد" من أهم الخطوات، التي قررها الإسلام للمساعدة على تطوير الفكر وتحريره للمزيد من التقدم؛ فانفسخ المجال أمام العقل للاجتهاد في رعاية القرآن الكريم والسُّـنَّة النبوية المطهرة. وفي ظلِّ القاعدة، التي تقول: )إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد( (النسائي: 5286).

وقد كان حرص مفكري الإسلام على رشد الحياة وإثرائها واضحًا في كلِّ العصور من منطلق غيرتهم على الإسلام وتعاليمه، وصفاء الفكر الإسلامي ونقائه، وكان لكلِّ منهم أسلوبه في التجديد ومنهجه في الإصلاح، ولكنهم جميعًا يتفقون في الهدف المتمثل في ضرورة فهم الدِّين على أنه دين للحياة بكلِّ أبعادها. ومن هنا، فإنه لا يجوز عزل الدِّين عن الحياة؛ فالدِّين فضلاً عن كونه عقيدة وشريعة، فهو علم ومعرفة وحضارة وثقافة.

والتجديد يتطلب التشخيص السليم لأوضاع العالم الإسلامي، والتعرف على مواطن العلة فيه؛ بهدف تقديم العلاج الصحيح والخروج بالأمة من أزمتها الحضارية الخانقة؛ حتى تشارك في صنع التقدم الحضاري للبشرية جمعاء.

يوصي المؤتمر بالتأكيد على أن التجديد لا يعني إلغاء أو إهدار جهود المجتهدين السابقة، وإنما يوجب استصحابها؛ لاستخراج ما يناسب ظروف العصر منها، من دون التقيد برأي فقهي معين أو مذهب بعينه. كما يوجب الاسترشاد باجتهاداتهم، في استنباط أحكام المستجدات، التي لم يعالجوها في كتبهم. وكلُّ ذلك في إطار اجتهاد جماعي، تتولاه المجامع الفقهية، أو الهيئات المعنية بذلك في البلاد الإسلامية، ويصدر به تشريع من ولي الأمر (السلطة التشريعية).

كما يوصي المؤتمر علماء المسلمين بإبراز جوانب الوسطية الإسلامية، القائمة على الخير والرحمة والعدل والمساواة، وتطبيقاته في التشريع الإسلامي. وخاصة مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي؛ ضمانًا لتماسك الأسرة المسلمة، وتربية الأجيال على أسس سوية؛ وتحقيقًا للتوازن الاقتصادي بين صالح الفرد وصالح الجماعة. كما يوصي بإبراز الجانب الإيماني لهذه الوسطية، وعدم الانسياق وراء التيارات التي تدير ظهرها للدين.

كما يوصي المؤتمر علماء المسلمين بالتأكيد على أن مبادئ الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، في المجتمعات الإسلامية، وأن تكون هناك مجالس فقهية متخصصة يرجع إليها فيما يصدر من تشريعات.

ولمّا كان التشريع يتناول بطبيعته أمور ومستجدات الحياة المعاصرة على اختلافها وتنوعها، كان ضرورياً أن تضم الهيئات والمجامع الفقهية متخصصين في الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية بجانب الفقهاء حتى تأتي التشريعات مواكبة للتطورات في جميع هذه الأمور، ملتزمة بأحكام الشريعة ومستجيبة لحاجات الناس المتغيرة.

كما يؤكد المؤتمر ضرورة الرجوع إلى الأدلة الفقهية الاجتهادية، وخاصة المصالح المرسلة والعرف لاستنباط الأحكام حتى يتمكن المسلمون من مواجهة مستجدات العصر.

كما يوصي المؤتمر علماء المسلمين بضرورة الإفادة بما استجد من حقائق علمية مستقرة في مجالات الطب والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا ما دامت لا تخالف حكماً قطعياً ولا تؤدي إلى فساد خلقي.

كما يطالب المؤتمر بضرورة التزام كلّ من يتصدى لتفسير القرآن الكريم بالمعايير والضوابط، التي اعتمدها علماء المسلمين، ونبذ التفسيرات الشاذة، التي تخالف إجماع الأمة وتقدح في ثوابتها، مع جواز الإفادة من الحقائق العلمية المستقرة.

ويؤكد المؤتمر ضرورة الالتزام بأحكام السُّـنَّة النبوية الصحيحة بوصفها الأصل الثاني للإسلام، ورفض كلّ دعاوى التشكيك في حجيتها.

ويؤكد المؤتمر على أن حقوق الإنسان مكفولة في الشريعة الإسلامية، التي هي مصدر جميع الحقوق والواجبات. وليس من التجديد في شيء الدعوة إلى تعديل الأحكام القطعية الخاصة بالأحوال الشخصية، مثل: المواريث، أو حقوق الطفل، أو حقوق المرأة، أو غير ذلك من أحكام مقررة في الشريعة الإسلامية. فكلُّ ما خالف الشرع ليس من هذه الحقوق، وليس من حق أي منظمة أو جماعة في الخارج أو في الداخل أن تتدخل في أي أمر يتعلق بالأحكام الشرعية المطبقة في العالم الإسلامي.

ويناشد المؤتمر الدول، التي تعيش فيها أقليات إسلامية احترام العقيدة الإسلامية وما يرتبط بها من شعائر دينية، كما يناشد الأقليات الإسلامية في هذه الدول الالتزام بأحكام الإسلام مع احترام النظام العام السائد في هذه الدول.

ويناشد المؤتمر علماء المسلمين وضع القواعد الشرعية، التي تنظم حياة الأقليات الإسلامية في ضوء ظروف البلاد التي يعيشون فيها، بما يكفل تيسير حياتهم ورفع الحرج عنهم ويضمن في الوقت نفسه حسن الجوار مع أبناء هذه البلاد.

ويوصي المؤتمر بضرورة توخي الحرص التام في طريقة عرض الإسلام في الغرب، وذلك بالتركيز على ما يلي:

أ.  تقوم الدعوة الإسلامية على الحكمة والموعظة الحسنة ونبذ العنف، فلا إكراه في الدِّين، وتسوّي في المعاملة بين المسلمين وغيرهم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).

ب. إبراز أن الإسلام يوفق بين العقل والإيمان، ويفسح المجال للعقل في غير أمور العبادات والعقيدة، التي تقوم على الاتباع والطاعة.

ج. أن يكون الداعية على علم تام بالموضوعات الخلافية بين الإسلام والنظم الغربية، مثل: نظام المواريث، والزواج، وغيرهما من مسائل الأحوال الشخصية.

ويوصي المؤتمر ببذل المزيد من الجهد للنهوض باللغة العربية، لغة القرآن والسُّـنَّة؛ ضمانًا لتواصل الأجيال سواء في البلاد العربية أو البلاد الإسلامية غير الناطقة بالعربية، بحيث تكون اللغة العربية هي لغة الخطاب الرسمي، والتعبير الثقافي، ولغة التعليم في جميع مؤسسات التعليم، بما فيها التعليم العالي والجامعي، بحيث تكون هي اللغة الأساسية الثانية بعد اللغة الوطنية المحلية في البلاد الإسلامية غير الناطقة بالعربية.