إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

ملحق

مجمع الفقه الإسلامي

التأصيل الشرعي والتاريخ

قال يوسف القرضاوي: مجمع الفقه الإسلامي هو مؤسسة من مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي، انبثق عنها؛ ليمثل الجانب الفقهي في الأمة الإسلامية. الأمة الإسلامية أمة تتميز بأنها أُمَّة صاحبة عقيدة وشريعة، أُمَّة منضبطة، فتنضبط بأحكام الشريعة، سواء الفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الدولة. فالفقه الإسلامي هو الذي يضبط مسيرة الفرد، ومسيرة الجماعة، بأحكام الشرع.

هناك نوعان من الاجتهاد الفقهي، هناك اجتهاد فردي، وهناك اجتهاد جماعي، هناك علماء يجتهدون وهذا هو أغلب أنواع الاجتهاد، وهناك اجتهاد جماعي، وهذا بدأ منذ عهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ التشاور في الأمور التي تطرأ على الناس لاستنباط حكم لهم، حكم لهذا الأمر الطارئ عليهم كما قال الله تعالى: )وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ(. وفي عصر الخلفاء الراشدين، كان أبو بكر وعمر يسألان الناس عن القضايا الطارئة: هل عندكم فيها شيء من كتاب الله أو من سُـنَّة رسوله؟ فإن وجد أحدهم شيئاً في الكتاب، أو في السُّـنَّة قضى به، وإن لم يجد جمع الناس، فتشاوروا، حتى يصلوا إلى الحكم، جمع رؤوس الناس فاستشارهم. وهذا أصل الإجماع، الذي يُروى. يقول لك: أجمع الصحابة كذا أو أجمع. وهذه إجماعات بدأت من عهدَيْ أبي بكر وعمر، في جمع الناس في هذه الأمور، التي تَجِدُّ عليهم. وقد سأل علي ابن طالب النبي، عن الأمر يطرأ عليهم ماذا يفعلون؟ قال: "تدعون له العابدين وتجعلونه شورى بينكم".

فعلى هذا كان الاجتهاد الجماعي. أمّا في العصور الحديثة، فقدبدأت فكرة الاجتهاد الجماعي بإنشاء هيئات لكبار العلماء. كان في الأزهر هذه الهيئة، وتُعرض عليها القضايا الكبيرة ذات الشأن، فلا يُكتفى فيها باستفتاء عالم واحد، أو بفَتْوَى عالم واحد، فتصدر هذه الهيئة فتاواها بشكل جماعي بالإجماع أو الأغلبية. وكذلك، في المملكة العربية السعودية، أُنشئت مثل هذه الهيئة. وقد ألغيت هيئة كبار العلماء في الأزهر، وأنشئ بَدَلها مجمع البحوث الإسلامية، وهي هيئة عالمية، يمثِّل فيه أناس من بلاد أخرى كثيرة من البلاد العربية، ومن البلاد الإسلامية، من باكستان، ومن الهند، ومن غيرها. ثم أنشئ بعد ذلك المجلس الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، يُمَثل فيه علماء من بلدان شتَّى. ثم أنشئ بعد ذلك، في أوائل القرن العشرين، المجمع الفقهي الدولي العالمي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لينظر في الأحداث الطارئة والقضايا المستجدة. في العصور الماضية، كان التغير فيها بطيئاً، والحياة كانت رتيبة، قلَّما يحدث تغير، ومع هذا وجدنا الإمام الشافعي له مذهب في العراق، وقبل أن يستقر في مصر، ومذهب بعد أن استقر في مصر، يُسمى هذا الجديد، وذلك القديم. تغير الزمان، تغير المكان أيضاً؛ لأن مصر غير البلاد السابقة. وتغير النضج،  بعد كان شاباً ثم أصبح ناضجاً. هذا المجمع يمثل الدول الإسلامية المشاركة في منظمة المؤتمر الإسلامي،  كلّ بلد لا بد أن يكون لها ممثل، تختاره من علمائها، ليمثلها في هذا المجمع. المجامع الأخرى لا تلتزم بهذا، فيها أعضاء من بلدان شتى ولكن لا تلتزم بأن يمثل كلّ بلد، فهذا المجمع يمثل كلّ بلد، ويمثل المؤسسات أيضاً الأخرى، مثل مجمع البحوث الإسلامية، ومجمع رابطة العالم الإسلامي.

ومجمع الفقه الإسلامي ممثل من فئتَيْن: فئة هي أعضاء المجمع يمثلون الدول الإسلامية، أو يمثلون المجامع الأخرى، أو بعض أفراد يختارهم المجمع بصفتهم الشخصية. وهناك أيضاً ممن يشارك في المجمع خبراء، يُدعون باستمرار في المجمع، وهناك خبراء يُدعون للكشف والشرح لقضية معينة. سنة 1978، عُقدت دورة لهذا المجمع في عَمَّان؛ للبحث في قضية إثبات الأهلّة، ودور الفلك في إثبات الأهلّة، فدُعي بعض علماء الفلك ليشرح قضية الأهلّة، وكيف يولد الهلال.

تختار الأمانة العامة الموضوعات الحَيَّة، وكثيراً ما يأتي هذا باقتراح من بعض الأعضاء، فتتجمع عند الأمانة العامة عدة موضوعات، يطلبها الأعضاء أو الخبراء أو الناس من البلدان، ثم تختار هذه الموضوعات حسب الأولوية، تكتب فيها إلى الأعضاء والخبراء؛ ليبحثوها، بعد أن تقسمها إلى عناصر ومحاور، قبل انعقاد المجمع بعدة أشهر. وتمحص المسائل الفقهية بدقة شديدة؛ فالفقه هو الذي يحكم الجميع ويرجع إليه الجميع، ولذلك مما ورد عن السلف قولهم: "الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك" وفي هذا قال الشاعر:

إن الأكابر يحكمون على الورى              وعلى الأكابر يحكم العلماء

مدى إلزامية قرارات المجمع الفقهي على الدول الأعضاء

الإلزام يحتاج إلى سلطة لا يملكها المجمع. فلماذا قامت منظمة المؤتمر الإسلامي بإنشاء المجمع أساساً؟

ليفتي في المسائل، التي تطرأ على الأمة ويسأل عنها الأفراد، أو الجماعات، أو الحكومات نفسها، أو المسلمون خارج العالم الإسلامي، مثل أشياء سأل عنها معهد الفكر الإسلامي في واشنطن، وقدم إلى المجمع في أوائل دوراته أسئلة معينة مما يعانيه المسلمون في الجاليات والأقليات الإسلامية المختلفة. فالمجمع مهمته أن يجيب عن هذه التساؤلات، ويضع لمشاكل المسلمين حلولاً من داخل الشرع،  بهذا الاجتهاد الجماعي. المجمع في دوراته المختلفة ناقش  كثيراً من القضايا الحية المعاصرة التي تهم المجتمعات الإسلامية، ويسأل عنها الناس في كلِّ مكان، بعضها موضوعات اقتصادية، بعضها موضوعات طبية، بعضها موضوعات اجتماعية، بعضها موضوعات عبادية، في العبادات، في الصلاة، أو في الصيام، بعضها موضوعات سياسية.  

أول دورة عقدت، في جدة، المملكة العربية السعودية، بُحثت فيها عدة موضوعات، ستة موضوعات: زكاة الديون، وزكاة العقارات والأراضي المؤجرة غير الزراعية، وموضوع القديانية، وموضوع بنوك اللبن الحليب، وموضوع التأمين وإعادة التأمين، وحكم التعامل المصرفي بالفوائد، وحكم التعامل بالمصارف الإسلامية، وخطاب الضمان.

الدورة الثانية: أجوبة على استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، في شأن توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع، بلا تمليك فردي للمستحق، وأطفال الأنابيب، وأجهزة الإنعاش، وتوحيد بدايات الشهور القمرية، والإحرام للقادم بالحج والعمرة بالطائرة والباخرة؛ هل يصح تأخيره إلى أن ينزل من الطائرة أو من الباخرة، ثم يحرم في جدة، أم لابد من الإحرام في الطائرة؟ وكذلك  أجوبة على استفسارات المعهد العالي للفكر الإسلامي بواشنطن.

الدورة الثالثة: انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر؛ حيّاً كان أو ميتاً، وصرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي، (وصندوق التضامن الإسلامي هو أيضاً مؤسسة من مؤسسات المؤتمر)، وزكاة الأسهم في الشركات، وانتزاع الملكية للمصلحة العامة، وسندات المقارضة وسندات التنمية والاستثمار، وبدل الخلو، وطائفة البهائية، ومكافحة المفاسد الأخلاقية، ومجالات الوحدة الإسلامية،وأسلمة التعليم. وثمة موضوعات حية: مثل حقوق الإنسان والعنف الدولي، وقضية الإرهاب والجهاد، وقضية الشركات القابضة وأحكامها الشرعية. عدد من الموضوعات تبحث وتقدم فيها البحوث، وعادة  يعرض أحد البحوث ويلخصها ويقدمها ويبين مواضع الاتفاق ومواضع الافتراق  بينها، ثم يفتح الباب لمناقشة مستفيضة ثم تكون  لجنة تصوغه صياغة نهائية.

الجلسات كلّها مسجلة ، وتنقل  كثير منها في الصحف. والمجمع وظيفته علمية إفتائية، ومحدود العدد،  كما قلت مثلاً يمثل مصر، 70 مليوناً، يمثلها واحد، وباكستان يمثلها واحد، وبنجلاديش يمثلها واحد، والشيعة مُمثلون بممثل دولة إيران.

هل يُراعى عند صياغة الفَتَاوَى أن في بعض الدول يسود مذهب دون آخر، لو كان فيه خروج على مألوفات هذا المذهب الفقهي الدارج؟

د.يوسف القرضاوي: البحوث لا تُقدم على مذهب معين، وإنما هي تُبحث بحثاً مقارناً، بين المذاهب المختلفة بعضها وبعض، ويُرجح كلُّ باحثٍ الرأي حسب ما يراه، ومعظم الباحثين غير ملتزمين بمذهب  معين، وقد يكون أحدهم ملتزماً بمذهب، والآخر ملتزم بالمذهب الآخر، من خلال النظر في البحث، وما أتى به من مرجحات، من خلال  الموازنة بين المرجحات بعضها وبعض يكون الوصول إلى القرار، لا  يُلتزم مذهب معين، الراجح الذي قامت عليه الأدلة ودلَّت عليه الأدلة.

الفَتْوَى الجماعية بدأت منذ عصر الصحابة، كانوا يجمعون رؤوس الناس ويستشيرونهم،  فيما ليس فيه كتاب ولا سُـنَّة، في عهد أبو بكر وفي عهد عمر وهو أصل الإجماع في الفقه الإسلامي، هذا أمر عُرف في هذا العصر، عصر هيئات كبار العلماء، وهذا أمر مطلوب، والله تعالى يقول: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى(، ما يبين ضرورة الاجتهاد الجماعي؛ لأن الأمَّة تحتاج إلى أن تتجمع العقول وتبحث.