إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



القسم الحادي عشر

المبحث الثامن

مبررات استمرار الحلف

    في أعقاب سقوط حلف وارسو في أول يوليه 1991، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، الذي أعلن في ألما آتا "Alma Ata" في 21 ديسمبر من نفس العام، برز العديد من التساؤلات، حول مستقبل حلف شمال الأطلسي بعد اختفاء مصدر التهديد الذي نشأ الحلف وتطور لمواجهته. وقد برز تيار، ينبع من المدرسة الواقعية، رأى أن السقوط هو المآل الطبيعي للحلف، بعد تلاشي مصادر التهديد الأساسية وذلك من منظور نظرية توازن القوة. غير أن تياراً أخر يرى من منظور توازن التهديد، أن تفكك الحلف لا يعد أمراً حتمياً، ومن ثم فانه يمكنه أن يتعزز ويقوى ويستمر لفترات طويلة قادمة، إذا ما تم وضع تصور جديد لمصادر تهديد جديدة يمكن من خلالها تطوير المفهوم الإستراتيجي للحلف.

    كثرت الدراسات، للبحث عن التهديدات الجديدة، التي يمكن أن تشكل مبررات لاستمرار الحلف، مع ما يعنيه ذلك ضمناً، من استمرار القيادة الأمريكية للحلف، واستمرار القيادة الأمريكية، لمنظومة الدول المنتصرة في الحرب الباردة، استمراراً لدورها في قيادة المعسكر الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عصر الحرب الباردة)، لان هذا الدور سيفقد الكثير من مقوماته إذا ما ضعف أو تفكك حلف الأطلسي من هنا كانت إرادة الحلفاء في استمرار الحلف، ومن ثم استمر الناتو وبدا في تطوير عضويته وآلياته حتى يتمشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية..

أولاً: دوافع استمرار الحلف:

    كان من المنطقي أن يؤدى تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف "وارسو" لنفسه والإعلان عن بدء نظام عالمي جديد، إلى حل حلف الناتو لنفسه هو الأخر، بانتهاء الحرب الباردة، لانحسار التهديد من الشرق، الذي قامت هياكل وآليات الحلف على أساسه، غير أن مرحلة جديدة من مسيرة الحلف بدأت تفرض نفسها على ارض الواقع، مغايرة لكل التوقعات، وكل النظريات الاستراتيجية في هذا المجال.

    شكل مؤتمر قادة الحلف الذي عقد بمدريد في يوليه عام 1997، علامة فارقة للحلف، يجب التوقف عندها، لما أدت إلية من تحولات جذرية في مفاهيم استراتيجية الحلف، إذ لم يعد يقتصر ذلك على استمرار الحلف بصورته التقليدية، بل غير في بداية المرحلة الجديدة من الشكل التقليدي، إلى عملية توسيع عضوية ونطاق عمل ومسؤولية ومهام الحلف، وذلك من منظور آخر وتهديدات جديدة، قام الحلف على أساسها، بالعمل على احتواء العديد من الدول التي امتدت إلى كل دول شرق ووسط أوروبا. وكذلك امتدت خارج القارة الأوروبية لتشمل دول جنوب وشرق المتوسط، والشرق الأوسط برمته.

    من اللافتة للنظر، ارتكاز التصور الجديد لمسيرة الحلف، على مجموعة من المتناقضات، كان من الصعب التكيف فيما بينها، إلا أن عمليات مستمرة من المواءمة والضغط أحيانا التي تولتها الولايات المتحدة، نجحت إلى حد كبير في التغلب على هذه المتناقضات، وهو ما أدى إلى استمرار الحلف وعدم تفككه هو الآخر.

1. الدوافع المعلنة لاستمرار الحلف:

أ. أن الاتفاق مع روسيا الاتحادية على انتهاء الحرب الباردة لا يعنى انتهاء التهديدات الأمنية والعسكرية المباشرة "Security Hard" التي يمكن أن تتعرض لها دول أوروبا الغربية أعضاء الحلف، فقد برزت مفاهيم جديدة للتهديدات التي تستوجب استمرار الحلف وهى قضايا عدم الاستقرار السياسي، وقضايا الإرهاب، والتطرف، والمخدرات، والهجرة غير المشروعة، وحقوق الإنسان، والتي تدخل في إطار التهديدات غير المباشرة "Security Soft" والتي كانت مثارا للخلاف بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين، وهو ما وضح في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف (وزراء الخارجية ) ببروكسل في ديسمبر 1997[1].

ب. استمرار المحافظة على الأمن والاستقرار الأوروبي، في إطار العمل على استقرار وسط وجنوب أوروبا، بدعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتلك المناطق.

ج. عدم انفصال الأمن الأوروبي عن الأمن الأطلسي، ومن ثم فان تحسين الأمن والمناخ الأوروبي المتوسطي، يفرض استمرار تماسك المجتمعات الديمقراطية، ليس لدول الحلف فقط، بل وفي باقي دول القارة، وهو الأمر الذي يفرض، ليس بقاء الحلف فقط، وإنما بناء تعاون فعال مع الدول التي تشارك الحلف في قِيَمِه في كل أنحاء أوروبا.

د. تصاعد التهديدات غير المباشرة، لدول الحلف، من خلال منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يدعو لاستمرار ترابط الدول المتحالفة، نظرا للارتباط الوثيق للأمن الأوروبي، مع منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة البحر المتوسط على وجه الخصوص .

هـ. لا يعني استمرار حلف الناتو عرقلة نمو الهوية الأوروبية والاتحاد الأوروبي، الذي يتطلع لأن تكون له آليات عسكرية فعالة، متمثلة في اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بل أنه يعد دعماً لهما عند الضرورة.

2. الدوافع غير المعلنة لاستمرار الحلف:

    يعتبر الحلف إحدى أدوات الولايات المتحدة الرئيسية، للحفاظ على هيمنتها على قمة النظام العالمي، وذلك في إطار:

أ. دعم استمرار الهيمنة السياسية والعسكرية، للولايات المتحدة، على أوروبا الغربية .

ب. احتواء دول شرق ووسط أوروبا، من خلال ربطها بشبكة علاقات مع الحلف، وإبعادها عن أي روابط مستقبلية فيما بينها، أو بينها وبين روسيا الاتحادية، إضافة إلى منع انبعاث الحركات القومية الكبرى، في البلقان (صربيا الكبرى ـ ألبانيا الكبرى).

ج. احتواء وتحجيم روسيا الاتحادية، تحسباً لأي بعث أو عودة لها لتلعب دوراً رئيسياً على الساحتين الأوروبية والدولية في المستقبل، في إطار محاولتها إعادة ترتيب أوضاع العالم في القرن القادم من منظور المصلحة الأمريكية.

د. استمرار احتواء ومراقبة ألمانيا الاتحادية، تحسباً لاحتمالات النمو العسكري المستقبلي لها، وعودتها لمحاولة القيام بالدور المحوري المهيمن على أوروبا.

هـ. المحافظة على موطئ قدم أمريكية (قواعد عسكرية: برية، جوية، بحرية) في دول التحالف في أوروبا، قلب العالم، في إطار رسمي وقانوني، يمكن من خلالها تأمين خطوط مواصلاتها البحرية والجوية، والانطلاق إلى أي منطقة إقليمية أخرى على غرار ما تم أثناء حرب الخليج الثانية .

و. توفير آلية عسكرية شبة دولية، كواجهة، يمكن للولايات المتحدة تنشيطها طبقاً لمصالحها، في إطار غطاء دولي، يحقق لها تفادى المعارضة الدولية، في حالة عملها منفردة، خاصة إذا أرادت (من منظور مصالحها) القيام بعمل عسكري، خارج نطاق الشرعية الدولية (الأمم المتحدة).

3. المتناقضات واستمرار الحلف:

أ. حلف الناتو بين توازن القوى " Balance of Power " وتوازن التهديد " Balance of Threat ": نشأ الحلف عام 1949، واستمر طوال عصر الحرب الباردة، من منطلق الواقع الذي انتهت آلية الحرب العالمية الثانية، وبروز الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، في حين خرجت كل دول أوروبا الغربية، وهى تعانى من تداعيات الحرب، الآمر الذي لم تتمكن معه من تحقيق التوازن بشكله العام، والعسكري بشكل خاص، مع الاتحاد السوفيتي خاصة وهو يمد إطار سيطرته على أوروبا الشرقية كلها، وعلى بعض دول أوروبا الغربية من خلال الأحزاب الشيوعية فيها.

    أدى ذلك، إلى خلل في التوازن على مستوى القارة الأوروبية، الأمر الذي اقلق قادتها، فكان ميثاق بروكسل (ميثاق التعاون)، باقتراح كل من بريطانيا وفرنسا، الذي وقع في 17 مارس 1948، والذي ضم بالإضافة لهما، كلاً من هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج، غير أن الأزمة التي وقعت بين الاتحاد السوفيتي من جانب، وبين الدول الغربية الأخرى المحتلة لألمانيا من جانب آخر، نتيجة للتشدد الأمريكي في بعض المسائل المعلقة، والذي قابله تشدد سوفيتي، وهو ما أدى إلى التلويح باستخدام القوة، بشكل أو بآخر، نجح في ردع الجانب السوفيتي. لقد كان الخلل في توازن القوة، بين دول أوروبا الغربية، وبين الاتحاد السوفيتي سبباً في دفع الولايات المتحدة لاستخدام هذا الأسلوب لاستعادة التوازن.

    لذلك كان إعلان قيام حلف الناتو، من منظور المحافظة على توازن القوة، في مواجهة الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية.

    هدف سباق التسلح بين الجانبين، إلى عدم إتاحة الفرصة لطرف أن يتفوق على الطرف الآخر، أي الحفاظ على توازن القوة بينهما، وفي مرحلة تالية عاد الجانبان إلى أساليب جديدة للمحافظة على هذا التوازن، بعد أن أرهقهما سباق التسلح الذي لا طائل من ورائه، وذلك من خلال الصور المختلفة لضبط التسلح.

    يشير ذلك إلى أن علاقات القوى بين المعسكرين الشرقي والغربي، ظلت محكومة طوال فترة الحرب الباردة من خلال نظرية توازن القوى، التي ارتكز عليها حلف الناتو، في بناء هياكله ونظمه الدفاعية.

    وبتفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو لنفسه، وتوقيع الجانبين الأمريكي والروسي، على اتفاق انتهاء المواجهة بينهما، انهار العنصر الرئيسي الذي  قام على أساسه الحلف، وهو توازن القوى، الأمر الذي كان من المفترض أن يؤدى إلى حل حلف الناتو.

    بيد أنه من منظور آخر، برزت نظرية توازن التهديد، التي يمكن اعتبارها نابعة من توازن القوة، وهى نظرية وضعها "ستيفن والت" عام 1985، ليعالج بها القصور الذي شاب نظرية ميزان القوة، ومن ثم فان ميزان التهديد يعنى "أن الدول تتوازن في مواجهة مصدر التهديد، وليس القوة المجردة، وذلك عبر تحديد مصدر التهديد"، وتؤكد النظرية أن اختفاء مصدر التهديد الرئيسي، الذي أنشئ الحلف لمواجهته، لا يؤدى بالضرورة إلى سقوط الحلف وتفككه، وان سقوط مصدر التهديد الرئيسي، يتوقف على طبيعة نشأة الحلف، ومدى صلابة هياكله ومؤسساته، وطالما أدرك أعضاء الحلف وجود مصادر تهديد أخرى تقتضي مواجهتها، بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف، حول ترتيب درجة تهديدها.

    من هذا المنطلق بدأ حلف الأطلسي في التكيف، مع المتغيرات الدولية، بعد انتهاء مرحلة توازن القوة، مرتكزاً على مفهوم واسع للتهديدات الجديدة، التي عرفت بالتغيرات الغير مباشرة للأمن  "Soft Security"، مع عدم استبعاد التهديدات المباشرة للأمن " Security Hard " والتي تأتى في المرتبة الثانية، ومن خلال هذه النظرية، يمكن تفسير أسباب بقاء حلف الناتو، وعدم سقوطه، فقد حول توجهاته، من توازن القوى، إلى توازن التهديد، دون أن يؤثر التناقض بينهما على مسيرته.

ب. الحلف بين الردع والدفاع الجماعي المحدد، وبين التعاون والأمن الجماعي الإقليمي:

    ارتكز حلف الناتو، كحلف تقليدي، على مفهوم الردع، والدفاع عن مجموعة محددة من الدول، وعن نطاق مسؤولية محدد، يتعلق بحدودهم الإقليمية، تجاه عدو محدد، وذلك وفقا للمادتين الرابعة والخامسة، من ميثاق الحلف. غير أن المتغيرات الدولية، التي فرضت نفسها على الحلف، وما أدت إلية من تحولات، خاصة في مجال العضوية، بمستوياتها المختلفة، التي تراوحت بين العضوية العاملة لبعض الدول، وبين المشاركة، لمعظم الدول الأوروبية. ومشاركة مميزة لروسيا الاتحادية.

    أدى ذلك، فيما يبدو، إلى فقد الحلف لخصوصيته، من خلال هذه الشبكة الواسعة من المشاركة الجزئية، والعضوية الكاملة، التي لابد أنه سيترتب عليها واجبات وأعباء جديدة، تجاه الأعضاء الأصليين في الحلف، كما أصبح الحلف أشبه بمنظمات الأمن والتعاون الإقليمي، التي تبنى على أساس العمل ضد أي عدوان، من أي اتجاه، وضد أي عضو، في النظامين الإقليمي والدولي، يهدد التعاون والآمن والاستقرار الإقليمي، وهو ما يختلف جذريا عن مفهوم وطبيعة الحلف.

    رغم ذلك التناقض فإن عملية التكيف نجحت إلى حد كبير في الجمع بين المفهومين، فقد حافظت على المفهوم التقليدي للحلف دون تعديل، مع الأخذ ببعض مفاهيم الأمن الجماعي من خلال التعهد بمواجهة أي تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي من خارج نطاق مسؤولية الحلف.

    ورغم ما يبدو من ازدواجية بين الحلف وبين المشاركة من أجل السلام، إلا أنه من الواضح أن المشاركة فتحت آفاقا ارحب للحلف للحشد والحركة والمناورة من خلال أراضى شركاء السلام من اجل تحقيق أهدافه بصورة افضل وهو ما وضح أخيرا خلال أزمة "كوسوفا" (استخدام الحلف لأراضى وأجواء بعض الدول المجاورة ليوغسلافيا ( ألبانيا - مقدونيا- بلغاريا... ) والتي لو لم تكن أعضاء في المشاركة من أجل السلام لما تمكن الحلف من استخدام أراضيها أو مجالها الجوي).

ج. الازدواجية والتعارض الوظيفي للحلف، مع الآليات العسكرية الأوروبية:

    نمت الشخصية الأوروبية، للمستوى الذي وصلت إليه، بإعلان الاتحاد الأوروبي، وكان لابد أن تتنامى الرغبة في تشكيل هوية عسكرية أوروبية خالصة، ورغم وجود كل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الآمن والتعاون الأوروبي، إلا أن فاعليتها مازالت محدودة، ووضح ذلك خلال مشكلة "البوسنة والهرسك"، التي لم ينجحا فيها، الآمر الذي دفع إلى تدخل الحلف، ومن المعتقد أن الولايات المحتدة رغم ما تظهره من تأييدها ودعمها لهاتين المنظمتين الأوروبيتين، فإنها تبطن مقاومة غير مباشرة لهما، لأن نجاحهما، يعنى تقليص مهام الحلف، إلى حد كبير، من خلال الاستقلالية الأوروبية بالاعتماد على آلياتها العسكرية وهو ما يتعارض مع المصلحة الأمريكية. يضاف لذلك الهيمنة الأمريكية على الحلف والتي تتعارض مع الرؤية الأوروبية في حالات عدة .

    فالاتحاد الأوروبي يسعى لتوسيع عضويته لتشمل معظم الدول الأوروبية، وهو في ذلك قد يشكل نوعاً من الاستقلال الذاتي والتنافس، الذي يمكن أن يزيد مساحة الاختلاف، مع الولايات المتحدة، ورغم ذلك فان الولايات المتحدة نجحت حتى ألان في احتواء الآليتين الأمنيتين الأوروبيتين من خلال التنسيق بينهما وبين الحلف، وأوكلت لهما بعض المهام المحدودة إذا ما قورنت بمهام الحلف في مجال المحافظة على الاستقرار والأمن الأوروبي.

ثانياً: تطور الفكر والأدوات لاستمرار بقاء الحلف:

    رغم أن حل حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي ثم انتهاء عصر الحرب الباردة، كان مباغتاً إلى حد كبير، إلا أن التحول المقابل في مسيرة الحلف، جاء تدريجياً، عبر بعض القرارات والأحداث الرئيسية، أدت إلى نجاح الحلف، في التكيف مع تلك المتغيرات، من خلال مواءمة وتطوير آلياته. وكانت معيناً له في استمراره والحفاظ على حيويته التي نشأ بها، ومن أبرز تلك القرارات والأحداث ما يلي:

1. في البداية، كانت الرسالة، التي نشرت بعد اجتماع مجلس الحلف بلندن، في 7 ـ 8 يونيه 1990، والتي سميت برسالة " تيرنبرى Turnberry " وكان أبرز ما بها:

أ. بدء تغيير مهمة الحلف، من مواجهة التهديد المباشر، لحلف وارسو، إلى التوجه نحو الاستقرار والأمن في أوروبا بشكل عام.

ب. بداية التغيير في مفهوم التحالف، من كونه أداة للردع والدفاع الجماعي، إلى إطار أوسع يعتمد على توفير الحماية، في مواجهة تهديدات غير محددة للدول الأعضاء، فإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الردع والدفاع الجماعي) برزت مهمة جديدة تهدف لبناء هيكل جديد للعلاقات الأوروبية التي يجب أن تقوم على دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، لدول المعسكر الشرقي.

ج. كما قرر الحلف الآتي: "رأى قادة الحلف، أنه رغم أن دور الحلف الرئيسي، وهو الدفاع المشترك، لا يزال قائماً، ومطلوباً، فإن التغيرات في البيئة الأمنية، تقتضي تغييراً في المهام العسكرية، التي تواجه أعضاء الحلف، ولا بد من إدخال تغييرات، على استراتيجية الحلف العسكرية".

2. صدر في يوليه 1990 "إعلان لندن"، الذي شمل المبادئ الإرشادية للاستراتيجية الجديدة للحلف، تشكلت مجموعة خاصة للدراسة وصياغة تلك الاستراتيجية، أكملت مهمتها في نوفمبر 1991.

3. أصدر قادة الحلف، في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 "إعلان روما" حول الأمن والتعاون والسلام، أكد فيه الحلف، على أن طبيعة التحديات الأمنية، التي ينتظر أن يواجهها الحلف، تختلف في طبيعتها، عما كانت عليه قبل ذلك، وقام الإعلان بتحديدها، كما أقرت قمة روما الاستراتيجية الجديدة للحلف، ارتكزت على المبادئ التالية:

أ. استمرار الحلف في أداء مهامه في الدفاع الجماعي.

ب. الحلف وحدة لا تتجزأ، ومع الحفاظ على وحدة أمن دول الحلف، فإن أعضاءه الأوروبيين، سوف يتحملون، مزيداً من مستويات الدفاع الذاتي، عن أنفسهم.

ج. مع الحفاظ على هيكل القوات القائم، فإن على الحلف أن يستحدث هيكلاً جديداً، يعتمد على قوات اكثر مرونة، وحرية حركة، يمكن الاعتماد عليها في الدفاع المتقدم .

د. استمرار الحلف في الاعتماد على نظم التسلح التقليدية والنووية، مع العمل على خفض القوات التقليدية، والحد من الاعتماد على نظم التسلح النووية.

هـ. إقرار مبدأ التعاون مع دول حلف وارسو، بإنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي " North Cooperation Council Atlantic " الذي يتركز نشاطه الرئيسي في المسائل السياسية والأمنية.

4. في قمة ماستريخت (9 ـ 10 ديسمبر 1991) وضعت أسس العلاقة بين الحلف، وكل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي. ثم في اجتماع بروكسل (يناير 1994)، كان نقطة تحول، على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، حول تنشيط اتحاد أوروبا الغربية، واعتباره المكون الأوروبي للحلف.

5. مشاركة الحلف بالعمل خارج نطاق مسؤوليته المحددة في ميثاقه للمرة الأولى في مشكلة البوسنه والهرسك.

6. الاتفاق الثلاثي، بين فرنسا وألمانيا والحلف، في يناير 1993، والذي تعمل القوات الفرنسية بموجبه، تحت قيادة الحلف في البوسنة، وهو ما أعتبر تمهيداً لعودتها الكاملة إلى اللجنة العسكرية.

7. طرح مبادرة الشراكة من أجل السلام، كتطوير لمجلس تعاون شمال الأطلسي، في يناير 1994. والتي تعتبر نقطة تحول رئيسية، في مسيرة الحلف، لاحتواء دول الكتلة الشرقية.

8. طرح مبادرة الحلف، تجاه دول البحر المتوسط (جنوب وشرق المتوسط)، بنهاية عام 1994، والتوصية بضرورة تعزيز العلاقات، في البيان الختامي للحلف، في مدريد (يوليه 1997). (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

9. الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية في 27 مايو 1997: (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))

    تعتبر وثيقة أساسية هامة، في مسار الحلف، لأنها نجحت في التوصل إلى تبادل الثقة بين روسيا الاتحادية وحلف الأطلسي بعد فترة طويلة من المواجهة العسكرية بينهما، خلال عصر الحرب الباردة. وقد وضعت الوثيقة الإطار العام للتعاون بين الجانبين، والأسس الحاكمة للعلاقات بينهما، في المجالين السياسي والعسكري، من منظور الالتزام السياسي، بإقامة سلام دائم وشامل، في المنطقة الأوروأطلسية، تقوم على مبادئ الديموقراطية والأمن التعاونى، وقد اشتملت الوثيقة على الأقسام التالية:

تقديم، المبادئ، آلية التشاور والتعاون، مجالات التشاور والتعاون، قضايا سياسية وعسكرية.

أ. أبرز ما جاء في قسم المبادئ:

(1) تنمية شراكة قوية مستقرة ومتساوية.

(2) الاعتراف بالدور الحيوي، الذي تلعبه الديموقراطية والتعددية السياسية، وحكم القانون، والاقتصاد الحر، وحقوق الإنسان.

(3) الامتناع عن التهديد، أو استخدام القوة، ضد بعضهما البعض، أو ضد الآخرين.

(4) الصدق المتبادل، في المسائل الدفاعية والأمنية.

(5) منع الصراعات، وتسوية الأزمات، بالوسائل السلمية.

ب. أبرز ما جاء في قسم آلية التشاور والتعاون: (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

(1) اتفاق الجانبين على تشكيل "مجلس مشترك دائم"، يهدف إلى بناء مستويات متصاعدة للثقة، وإقرار مبدأ التشاور والتعاون، بين روسيا الاتحادية والحلف، من أجل أمنهما، على أن يسعى الجانبان لتسوية أي خلافات قد تنشب، على أساس من النوايا الحسنة، والاحترام المتبادل، في إطار المشاورات السياسية، وعلى مبدأ الصدق المتبادل.

(2) أن هذا الاتفاق لا يرتب لأي من الجانبين، حقا للفيتو، على أي عمل يقوم به أحدهما، ولا حق تقييد أحدهما، في اتخاذ القرار المناسب لأمنه.

(3) اجتماع المجلس على مستويات مختلفة، حسب رغبة كل منهما، على أن تنشئ روسيا بعثة لدى الحلف، ويرأس المجلس الدائم، بشكل دوري، ممثل عن روسيا، والأمين العام للحلف.

ج. أبرز ما جاء في قسم مجالات التشاور والتعاون:

(1) قضايا الأمن والاستقرار، في المنطقة الأوروأطلسية، ومنع النزاعات وإدارة الأزمات.

(2) العمليات المشتركة، بما فيها حفظ السلام، في إطار مجلس الأمن، أو منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

(3) مشاركة روسيا في مجلس الشراكة الأوروأطلسية، والشراكة من أجل السلام.

(4) تبادل المعلومات، وقضايا الأمن النووي، والصاروخي، والتدريبات المشتركة.

د. أبرز ما جاء في قسم القضايا السياسية والعسكرية:

(1) تأكيد الحلف على عدم نشر أو تخزين أسلحة نووية على أراضى الأعضاء الجدد في الحلف، وعلى عدم تغيير السياسة والوضع النووي للحلف.

(2) أهمية تطوير معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا من مفهوم تنفيذ التخفيض المتفق عليه بما يتفق مع المتطلبات الدفاعية، على أن تتم المراجعة عام 2001 وكل خمس سنوات بعد ذلك.

(3) يقوم الجانبان بتحسين أنظمة الحد من التسلح وإجراءات بناء الثقة لخلق علاقات أمنية تقوم على التعاون السلمي.

10. إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي في 8 يوليه 1997: (أُنظر ملحق إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي "صادر عن رؤساء الدول والحكومات" (8 يوليه 1997))

        الوثيقة الرئيسية الأولى، شبه المتكاملة للحلف، في مجال التكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وقد جاء في مقدمته:

        "نحن رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في الحلف، اجتمعنا لتحديد الشكل الجديد للحلف، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، لقد تم تحقيق تقدم ملموس، في عملية التكيف الداخلي للحلف، وكخطوة هامة في العملية التطويرية، لتوسيع الحلف، دعونا ثلاث دول لبدء محادثات الانضمام، وقد دعمنا علاقاتنا بشكل كبير، مع الشركاء، من خلال مجلس الشراكة الأوروأطلسى، كما تم تعزيز برنامج الشراكة من أجل السلام، وأن هناك أوروبا جديدة صاعدة، أكثر اندماجاً وأمناً".

    وقد اشتملت الوثيقة على العديد من الخطوط الرئيسية، الموجهة للحلف، في شكله الجديد، أبرزها ما يلي:

أ. التحرك لتحقيق رؤية الحلف الخاصة، بنظام عادل ودائم للسلام في أوروبا، يقوم على احترام حقوق الإنسان، والحرية، والديموقراطية.

ب. الاحتفاظ بوظيفة الحلف الأساسية، وهى الدفاع الجماعي، مع استمرار تحسين القدرات الدفاعية، وأن "ناتو جديداً " ينمو، من أجل أوروبا جديدة، غير مقسمة.

ج. إن أمن الأعضاء، يرتبط بأمن أوروبا كلها.

د. الترحيب بانضمام أعضاء جدد، كجزء من العملية التطويرية، مع دعوة كل من جمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، لبدء محادثات الانضمام للحلف، بتوقيع بروتوكول في ديسمبر 1997، والتصديق عليه بحلول العيد الخمسين للحلف.

هـ. إن إقامة مجلس الشراكة الأوروأطلسية، يشكل بعداً جديداً في العلاقات، مع باقي الشركاء، حيث اصبح برنامج الشراكة من أجل السلام، النقطة المحورية للحلف، من أجل بناء نماذج جديدة للتعاون العملي، في مجال الأمن. (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

و. الإشارة للوثيقة التأسيسية مع روسيا الاتحادية، وللوثيقة مع أوكرانيا (وقعت في اليوم التالي) على أنهما إنجازان تاريخيان.

ز. الإشارة إلى أن منطقة المتوسط، تستحق اهتماماً كبيراً، لارتباطها الوثيق بالأمن الأوروبي.

ح. الإشارة للتقدم الذي تحقق، في مجال التطوير الداخلي للحلف، وفي تطبيق مفهوم "قوة العمل المشتركة المجمعة للحلف".

ط. المساندة الكاملة لتنمية الهوية الأمنية والدفاعية الأوروبية، كما جاء في إعلان بروكسل 1994، والالتزام بالمفهوم الاستراتيجي للتحالف، الذي أقر في روما، عام 1991، والالتزام بالشفافية بين الحلف واتحاد غرب أوروبا، في إدارة الأزمات.

ي. ضرورة دفع وسائل منع الانتشار النووي، والحد من التسلح ونزع السلاح، والإشارة لأهمية معاهدة خفض القوات التقليدية في أوروبا (CFE) وضرورة إتمامها.

11. ميثاق العلاقات المميزة بين الحلف وأوكرانيا في 9 يوليه 1997: (أُنظر ملحق ميثاق الحلف حول العلاقة المميزة بينه وبين أوكرانيا مدريد (9 يوليه 1997))

        كانت أوكرانيا تمثل مشكلة لحلف الناتو، من نوع خاص، فهي الدولة التي تلي روسيا الاتحادية، في حيازة الأسلحة النووية. كما أنها تمتلك جزءاً مناسباً من الأسطول البحري السوفيتي (السابق)، بعد تقسيمه بينهما، وعلى الجانب الآخر، وَفّرَ الميثاق نوعاً من الدعم المعنوي لأوكرانيا، باعتبارها دولة حدودية مع روسيا الاتحادية(أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

12. إعلان واشنطن بمناسبة العيد الخمسين لإنشاء الحلف: (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

    كان من الدعائم الرئيسية التي ارتكز عليها الحلف، في مرحلته الحاسمة، للتكيف مع المتغيرات، ذلك الإعلان، الذي صدر عن الاحتفالية بالعيد الخمسين لإنشاء الحلف، رغم أن أزمة البلقان (كوسوفا) كانت تلقي بظلالها، على أعمال ومداولات المؤتمر، ورغم ما تواتر من معلومات، عن الاختلاف في وجهات نظر الحلفاء، التي لم تصل إلى حد الخلاف. بل أن أزمة التكيف أو الحل جعلتهم أكثر تكاتفاً، ليتمكنوا من الوصول إلى حلول مرضية، تتمشى مع الاحتفالية.

    وصيغ ذلك التماسك، في كلمة "خافيير سولانا" السكرتير العام للحلف، التي قال فيها: "إن الاستراتيجية الجديدة التي أقرها الحلف، خلال قمة واشنطن، تؤكد على تغيير دوره من حلف دفاعي، إلى جهاز عسكري له صلاحيات التدخل العسكري، في النزاعات الإقليمية، داخل حدوده وخارجها. وأن المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، يوسع مهامه، ويكلفه للمرة الأولى، بإدارة الأزمات، على مجمل الأراضي الأوروبية، وأن هذا الدور الجديد، يعتبر خطوة مهمة لمساعدة الحلف، في مواجهة تحديات القرن المقبل". كما تضمن البيان النهائي لقمة الحلف، ذلك الدور الجديد، خلال الخمسين سنة المقبلة. (أُنظر شكل قوات التحالف في أوروبا (2000)) و(شكل قوات التحالف في الأطلسي (2000))

    احتفل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في نهاية القرن العشرين بالعيد الخمسين لإنشائه، وأصدر بياناً، يؤكد فيه على تكيفه مع المتغيرات الجوهرية، التي حدثت في العقد الأخير من هذا القرن، وإعداد نفسه لاستقبال القرن الحادي والعشرين، والمتغيرات المجهولة التي ستحدث خلاله حتماً، بمرونة وحرية حركة، غير مسبوقة، وغير محدودة كذلك، بعد أن غير مفاهيمه، واستراتيجياته، وهياكله التنظيمية، وأهدافه، ونطاق عمله، لتصبح كلها في أطر مطاطة، تتسم بالعمومية لتتواءم مع أي أحداث ومتغيرات. وتصبح كل الأحداث من مهامه، وكل العالم في نطاق عمله، يعاونه في ذلك المنظمات الأوروبية، ومتخذاً من الأمم المتحدة، لباساً شرعياً لما سيقدم عليه من أعمال.

    لقد استطاع المنظرين في الحلف، أن يستوعبوا متغيرات التاريخ خلال نصف قرن، ويعيدوا صياغة حلفهم، لكي يبقى حلف الأطلسي قائماً، طالما أصبحت كل الأحداث، الغير اعتيادية (طبقاً لوجهة نظره) مؤثرة على أمن دوله الأعضاء. وليصبح بذلك الحلف الأول من نوعه الذي لا ينتهي، لعدم وجود الخصم الذي بالتغلب عليه تنتهي مهمته. ويصبح كذلك الحلف الأول في التاريخ الذي يغير كل مكوناته، تبعاً للمتغيرات، بما في ذلك أهدافه التي يعمل من أجلها لتظل قائمة الأهداف مفتوحة لاستيعاب أي متغير، إلى ما لا نهاية، من وجهة نظر الحلف كذلك.



[1] دعت "مادلين اولبريت"  إلى توسيع مهام الحلف ليغطى قلب منطقة الشرق الأوسط وتحديدا العراق وإيران خاصة في مسائل انتشار أسلحة الدمار الشامل وهو ما تضعه الولايات المتحدة في مقدمة أولويات التهديد التي برزت بعد انحسار الخطر السوفيتي السابق كمبرر لاستمرار وبقاء الحلف.