إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مواجهة مشكلة المخدرات، بين الواقع والمستقبل




نبات الأفيون (الخشخاش)
نبات الكوكا
نبات القنب (الحشيش)
بعض أنواع المخدرات التخليقية

أنواع المخدرات
مرتكزات الحد من انتشار المخدرات




المبحث الأول: الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة المخدرات

المبحث الأول: الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة المخدرات

      سعى المجتمع الدولي منذ مطلع القرن العشرين إلى عقد المؤتمرات الدولية، وصياغة الاتفاقيات الدولية في شأن مواجهة أخطار المخدرات، وكان أول مؤتمر دولي عُقد لدراسة مشكلة المخدرات، هو مؤتمر شنغهاي، الذي عُقد في فبراير 1909، وضم ثلاث عشرة دولة، وكانت قرارات هذا المؤتمر هي الأساس لما يجري على النطاق العالمي الآن، من جهود لمكافحة المخدرات تستهدف الحد من رواجها غير المشروع، وإساءة استعمالها.

      تُعد معاهدة الأفيون الدولية، الموقعة في لاهاي بتاريخ 13 يناير 1912، أول عمل قانوني تمخضت عنه الجهود الدولية لتحقيق التعاون العالمي في مجال الرقابة على المخدرات، ثم توالي عقد الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة المخدرات، أهمها ما يلي:

  • ·اتفاقية المؤتمر الأول للأفيون لعام (1925م).
  • اتفاقية المؤتمر الثاني للأفيون لعام (1925م).
  • ··اتفاقية تحديد صنع العقاقير المخدرة، وتنظيم توزيعها لعام (1931م).
  • ··اتفاقية بانكوك لعام (1931م).
  • اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات لعام (1936م).
  • بروتوكول أيك سيكس نيويورك لعام (1946م).
  • ·بروتوكول باريس لعام (1948م).
  • بروتوكول نيويورك لعام (1953م).

      وهكذا توصلت أسرة المجتمع الدولي خلال الخمسة عقود الأولى من القرن العشرين، إلى وضع الأسس القانونية السليمة لمواجهة المخدرات، في إطار اتفاقيات وبروتوكولات متعددة وشاملة، ولكنها كانت متفرقة بلا رابط، وكانت ما زالت تحتاج إلى جهود فعالة لوضعها موضع التنفيذ.

1. الاتفاقية الوحيدة للمخدرات (1961م)

رغبة من المجتمع الدولي في جمع شتات كل هذه الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية في مجال مكافحة المخدرات، في إطار اتفاقية واحدة، اتفقت الجماعة الدولية على صياغة اتفاقية واحدة، أُطلق عليها "الاتفاقية الوحيدة للمخدراتألغت كل ما سبقها من اتفاقيات، وحلت محلها كاتفاقية موحدة، وقعت في باريس عام 1961، ووردت عليها تعديلات، ببروتوكول عام 1972. وقد حققت هذه الاتفاقية التكامل بين أنظمة الرقابة الدولية، المنصوص عليها في الاتفاقيات السابقة عليها.

جاءت هذه الاتفاقية في (51) مادة، وأُلحق بها أربعة جداول للمواد المخدرة غير المشروعة، ودخلت حيز التنفيذ من قبل الدول، التي انضمت إليها، أو صدقت عليها، في اليوم الثلاثين من تاريخ إيداع الوثيقة الأربعين من وثائق التصديق، أو الانضمام بتاريخ 13 ديسمبر 1964. وقد نصت المادة (44) من الاتفاقية على إنهاء المعاهدات الدولية السابقة (اُنظر ملحق نص الاتفاقية الوحيدة للمخدرات، الأمم المتحدة، 1961).

وقد وُقع البروتوكول المعدل لهذه الاتفاقية، في جنيف، في 25 مارس 1972، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 8 أغسطس 1975.

2. اتفاقية المؤثرات العقلية (1971م)

عندما ظهرت مجموعة العقاقير الخاصة بالأمفيتامينات، والباربيوترات، والمهلوسات، وأدرك العالم آثارها المدمرة، عقد المجتمع الدولي اتفاقية جديدة لمواجهة هذه الأنواع المستحدثة من المخدرات، أطلق عليها اسم "اتفاقية المؤثرات العقلية (المواد المؤثرة على الحالة النفسية)"، بتاريخ 11 فبراير 1971.

جاءت هذه الاتفاقية في (33) مادة، وأُلحق بها أربعة جداول، ودخلت حيز التنفيذ من قبل الدول، التي انضمت إليها، أو صدقت عليها، في اليوم التسعين من تاريخ إيداع الوثيقة الأربعين من وثائق التصديق أو الانضمام بتاريخ (16) أغسطس (1976م (اُنظر لملحق نص اتفاقية المؤثرات العقلية، الأمم المتحدة، 1971)

3. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية 1988

تطلعاً إلى مزيد من التعاون، والتنسيق، بين دول العالم، وإحكاماً لسبل المواجهة، ومقاومة إنتاج وتهريب المخدرات والعقاقير المؤثرة على الحالة النفسية، عُقدت اتفاقية جديدة أُطلق عليها اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وقعت في فيينا بتاريخ 20 ديسمبر 1988.

جاءت هذه الاتفاقية في (34) مادة، ومعها مرفق، يضم جدولين يحويان (12) مادة من السلائف، والكيميائيات، والمذيبات، التي يكثر استخدامها، في الصنع غير المشروع للمخدرات. ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، من قبل الدول، التي انضمت إليها، أو صدقت عليها، في اليوم التسعين من تاريخ إيداع الصك العشرين من صكوك التصديق، أو القبول، أو الموافقة، أو الانضمام بتاريخ 11 نوفمبر 1990  (اُنظر ملحق اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، الأمم المتحدة، 1988، وترجمته باللغة العربية).

وقد جاء بصدد هذه الاتفاقية عدة ملاحظات، حرص أطرافها على تسجيلها، يمكن أن تكون دستوراً للعمل الدولي في مجال مكافحة المخدرات، أهمها ما يلي:

أ.     القلق إزاء جسامة، وتزايد، إنتاج المخدرات والمؤثرات العقلية، والطلب عليها، والاتجار فيها.

ب.   إدراك الروابط بين الاتجار غير المشروع، وما يتصل به من أنشطة إجرامية منظمة، تقوض اقتصاد الدول، وتهدد استقرارها.

ج.    التسليم بأن الاتجار غير المشروع في المخدرات هو نشاط إجرامي دولي، يستلزم اهتماماً عاجلاً، وأولوية عليا، ويوجب تعزيز التعاون الدولي في مجالاته المتعددة.

د.     الأرباح والثروات الطائلة، التي تحققها المنظمات الإجرامية من المخدرات، وتمكنها من اختراق، وتلويث، وإفساد، هياكل الحكومات، والمؤسسات التجارية والمالية للمجتمع، تحتم حرمان هؤلاء من متحصلات نشاطهم الإجرامي.

هـ. إعادة التأكيد على مبادئ المعاهدات السارية لمراقبة المخدرات والمؤثرات العقلية، وإدراك الحاجة إلى تعزيز، واستكمال التدابير، المنصوص عليها، في الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961، وأيضاً صيغتها المعدلة ببروتوكول 1972، واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971.

و.    وتهدف هذه الاتفاقية، وفقاً لنص المادة (2)، إلى النهوض بالتعاون بين الأطراف، كي تتمكن من التصدي، بمزيد من الفاعلية لمختلف مظاهر مشكلة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.

تُعد هذه الاتفاقية علامة بارزة في مسيرة الكفاح الدولي ضد المخدرات، وتعالج بنصوصها المختلفة العديد من الجوانب التي تحدد مسارات، وأساليب المكافحة الدولية، خاصة تلك التي استجدت في الآونة الأخيرة، وذلك مثل: (مصادرة الإيرادات المتحصلة من جرائم المخدرات، تسليم المجرمين، الرقابة على وسائل النقل التجاري، التعاون بين أجهزة المكافحة في الدول الأطراف، المساعدات القانونية المتبادلة، التسليم المراقب، التعاون الدولي في أعالي البحار، الحد من الزراعات غير المشروعة، تدابير المكافحة بالمناطق والموانئ الحرة، منع استخدام البريد في الاتجار غير المشروع بالمخدرات... الخ).

ولم تقتصر الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة المخدرات، على الاتفاقيات الثلاث السابقة، ولكن كانت هناك جهود أخرى ذات طابع خاص، تظهر أهم ملامحها فيما يلي:

أ.  في 13 ديسمبر 1985، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الرقم (40/122) بعقد مؤتمر وزاري دولي يكون تعبيراً عن الإرادة السياسية الدولية، وإصرارها، على مواجهة مشكلة الاتجار غير المشروع بالمخدرات وإساءة استعمالها، ومناقشة كافة الصعاب القانونية والعملية، التي تعترض مسيرة الكفاح الإنساني ضد آفة المخدرات، ووضع مخطط عالمي شامل، متعدد التخصصات، لكافة الأنشطة الدولية والإقليمية والمحلية المقبلة المتصلة بهذه المشكلة.

ب. وفي الفترة من 17 إلى 26 يونيه 1987، عُقد المؤتمر الوزاري الدولي بالمقر الأوروبي لهيئة الأمم المتحدة، وحضره ممثلون من (138) دولة، من مختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى ممثلي وكالات وأجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحكومية، وغير الحكومية المعنية بالمشكلة. وقد اعتبر يوم 26 يونيه، وهو اليوم الختامي للمؤتمر، يوماً عالمياً لمكافحة المخدرات.

وقد صدر عن هذا المؤتمر إعلان سياسي يؤكد على الإرادة السياسية، لدى الدول المشاركة، على مكافحة مشكلة المخدرات، والتعهد باتخاذ تدابير دولية مشددة لمكافحة إساءة استخدام العقاقير، والاتجار غير المشروع فيها. ويقدم أولويات مقترحة من أجل العمل، ويؤكد على دور الحكومات المحوري في وضع إستراتيجيات وطنية مناسبة، يمكن، في إطارها، استحداث تدابير لتعزيز التعاون الدولي، في هذا الشأن.

ج. مؤتمر ويلتون بارك للتعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات، والذي عُقد في المملكة المتحدة في الفترة من 23 إلى 27 يناير 1989، وحضـره ممثلو (35) دولة، إضافة إلى ممثلي المنظمات الدولية المعنية. وناقش عدداً من الموضوعات الخاصة بالجهود الأمنية للحد من نشاطات الشبكات الدولية لتهريب المخدرات، ووسائل التعاون الدولي في مواجهة المشكلة، وقد صدرت عنه عدة توصيات، من أهمها:

(1)       ضرورة توفير الاعتماد السريع والمتزايد لمكافحة جوانب المشكلة.

(2)       التأكيد على أهمية السياسيات الشاملة لمواجهة جوانب العرض والطلب.

د.     أعلنت الأمم المتحدة، ممثلة في جمعيتها العامة، اعتبار العِقد الأخير من القرن العشرين (1991 ـ 2000م)، عقداً دولياً لمكافحة إساءة استعمال المخدرات، تعبيراً عن الروح الدولية المناهضة لمشكلة المخدرات.

هـ. وفي الفترة من 18 إلى 27 مارس 1997، عقدت، في فيينا، الدورة (40) للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، بحضور ممثلي (53) دولة، من الدول الأعضاء، وعدد (38) دولة بصفة المراقب، وعدد (43) منظمة دولية وحكومية، وغير حكومية، وانتهت اللجنة إلى عدد من القرارات، أهمها:

(1)       اتخاذ إجراءات لتعزيز التعاون الدولي لمراقبة السلائف، وبدائلها المستخدمة في الصنع غير المشروع للمخدرات.

(2)   تنفيذ المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات.

(3)       تعزيز الإستراتيجيات الشاملة، طويلة المدى، لتخفيض الطلب على المخدرات.

و.    أصدرت المحكمة العليا في كندا، في 4 يونيه 1998، حكماً بالغ الأهمية يعكس شعور القضاء الوطني بالأبعاد الدولية لجريمة تجارة المخدرات، حتى وإن كانت واقعة الاتجار قد تمت على نطاق محلي، ولكنها حلقة من حلقات تتسع لتشمل العالم كله.

وتتلخص القضية، التي عُرضت أمام المحكمة العليا في كندا، في أن أحد الأجانب كان قد حصل على حق الإقامة الدائمة، في نطاق اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين (اتفاقية جنيف لعام 1951، وبروتوكولها الإضافي المبرم عام 1967)، ثم قُبض عليه، بتهمة التواطؤ في تجارة المخدرات، ضمن جماعة تتجر بالهيروين، واعترف بالجريمة، وحكم عليه بالسجن ثمان سنوات. ولما تقرر إبعاده عن كندا، تمسك بكونه لاجئ، لا يجوز إبعاده، بموجب اتفاقية اللجوء، ولكن إدارة الهجرة والعمالة في كندا، كانت فطنة، في ردها على هذا الادعاء، ومدركة للأبعاد الدولية للاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة المخدرات، فقررت أنه، بمقتضى المادة الأولى من الاتفاقية (اتفاقية اللجوء)، لا حق له في التمسك بهذا الوضع، حيث تنص هذه الفقرة على أن أحكام الاتفاقية لا تنطبق على الشخص الذي "أدين بأعمال منافية لمبادئ الأمم المتحدة وأغراضها". وقد أكدت ذلك محكمة أول درجة، وأيدتها المحكمة الفيدرالية للاستئناف. ويقول أحد فقهاء القانون تعليقاً على هذا الحكم: "كان يمكن لقاضي الدرجة الأولى أن يكيف حكم إبعاد اللاجئ المجرم على أساس آخر، وهو الإضرار بمصلحة المجتمع الكندي، ولكن المحكمة اختارت السياق الأوسع، مما جعل للحكم هذه الأهمية"

إن أهمية هذا الحكم تعود إلى قناعة القضاء الكندي بالاتفاقيات الدولية، الخاصة بمكافحة المخدرات، والصادرة عن الأمم المتحدة.

ز.    تضمنت اتفاقية فيينا، لمكافحة الاتجار غير المشروع، في المخدرات والمؤثرات العقلية، لعام 1988، بعض الموضوعات المستحدثة، التي تحتاج إلى التعليق، وبعض التفصيلات التي تفيد في مجال البحث والدراسة، ومن ذلك.

(1) غسل الأموال

وبداية فإن المقصود بكلمة (أموال) كما عرفتها اتفاقية فيينا 1988: هي الأصول، أياً كان نوعها، مادية كانت أو غير مادية، منقولة أو ثابتة، ملموسة أو غير ملموسة، والسندات القانونية أو الصكوك التي تثبت تملك تلك الأصول، أو أي حق، متعلق بها (المادة 1). أمّا المقصود بغسيل الأموال، فهناك تعريفات متعددة له، منها:

·   مجموعة العمليات المالية لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال، وإظهاره في صورة أموال متحصلة من مصدر مشروع.

·   أو هي محاولة لإخفاء، وتغيير معالم الأموال القذرة، ثم إعادة استثمارها، في أنشطة اقتصادية مشروعة.

·   وباختصار فإن عملية غسيل الأموال هي محاولة تغيير هوية أموال غير مشروعة لتكون أموالاً مشروعة.

وتعد ظاهرة غسيل الأموال إحدى الظواهر السائدة في المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، ولها آثار سلبية على الاقتصاد من خلال معاملات يترتب عليها اختفاء الصفة، أو انتفاء الصلة بالمصدر غير المشروع لهذه الأموال، فتأخذ دورتها العادية، في تيار الدخل القومي، بعد ذلك، مما يترتب عليه آثار اقتصادية مختلفة، بالنسبة للدولة التي تتم فيها.

وتنتشر البنوك العالمية التي تقبل إيداع الملايين من الدولارات يومياً، ومن دون أي شرط، في ثلاث مناطق جغرافية هي:

·   أوروبا: سويسرا، ولوكسمبرج، وموناكو، وجبل طارق.

·   أمريكا: البحر الكاريبي، وبهاما، وبرمودا، وجامايكا، وبنما.

·   آسيا: هونج كونج، وسنغافورة، وتايوان.

وفي حقبة التسعينات، اتسعت دائرة المناطق التي يتم فيها غسيل الأموال القذرة، وخاصة من تجارة المخدرات والأسلحة، لتشمل جزر كايمان وفاتواتور(في جنوب المحيط الهادي)، وجزر القنال الإنجليزي واليونان.

وقد أوضحت إحدى الدراسات المهمة، التي قدمت، في ندوة عقدها معهد التدريب بأكاديمية نايف العربية للدراسات الأمنية في مايو 1998، أن غسيل الأموال يزيد من احتمالات رشوة، وإفساد الجهازين الإداري والسياسي، وأن تفشي غسيل الأموال يسمح بتزايد نمو الظاهرة الإجرامية، ويزيد من سطوتها الاقتصادية، فضلاً عن أن المشروعات التي أقيمت بالمال القذر، ويسيطر عليها مجرمون، تحتكر الأسعار، وتدمر جهاز التثمين أو التسعير، وتقضي على المنافسة المشروعة، مما يلحق أضراراً جسيمة بحرية التجارة، وهذه الأموال الضخمة، الموجودة في أيدي عدد قليل من المجرمين، تشكل تهديداً لاستقرار وأمن النظم، والحكومات، في شتى أنحاء العالم.

وقد اقترحت اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية 1988 عدداً من التدابير، التي يمكن للدولة أن تتخذها لحماية اقتصادها من ظاهرة غسيل الأموال (المادة 3). كذلك نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من الاتفاقية نفسها على ما يلي:

"يتخذ كل طرف، كذلك، ما قد يلزم من تدابير لتمكين سلطاته المختصة من تحديد المتحصلات، أو الأموال، أو الوسائط، أو أية أشياء أخرى، من المشار إليها في الفقرة (أ) من هذه المادة، ومن اقتفاء أثرها، وتجميدها، أو التحفظ عليها، بقصد مصادرتها في النهاية".

كما لا يجوز التعلل بسرية الحسابات في البنوك، أو المؤسسات المصرفية، وعدم الكشف عنها إذا كانت هذه الأموال، أو المتحصلات ناتجة، أو جزء منها، عن طريق الاتجار غير المشروع في المخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو نتيجة أية جريمة من الجرائم التي حددتها الفقرة الأولى من المادة (3).

(2) التسليم المراقب

هو أسلوب السماح للشحنات غير المشروعة من المخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو المواد المدرجة في الجدولين الأول والثاني المرفقين بهذه الاتفاقية، أو المواد التي أُحلت محلها، بمواصلة طريقها إلى خارج إقليم بلد، أو أكثر، أو عبره، أو إلى داخله، بعلم سلطاته المختصة، وتحت مراقبتها، بُغية كشف هوية الأشخاص المتورطين في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (3) من الاتفاقية.

أي أن المقصود بالتسليم هو اتصال السلطات المختصة بالمكافحة، في الدول الأطراف في الاتفاقية، بعضها ببعض، لتتبع الصفقات المشبوهة للاتجار غير المشروع في المخدرات، سواء داخل أراضيها، أو أثناء مرورها بأراضي إحدى الدول، أطراف الاتفاقية، حتى وصولها إلى دولة المقصد، بهدف الوصول إلى الأشخاص، أو المنظمات المتورطة في مثل هذه العمليات، حتى يمكن اقتلاع المشكلة من جذورها الرئيسية المحركة للعمليات الكبرى، في الاتجار غير المشروع، والوصول إلى الرؤوس الكبرى التي تدبر هذه العمليات.

ولم تكتف الاتفاقية بذلك، بل أفردت للتسليم المراقب المادة (11) من الاتفاقية التي تتيح للدولة اتخاذ التدابير المناسبة لتنفيذ هذا التسليم المراقب، كما أتاحت لها حق اعتراض الشحنات غير المشروعة، أثناء عبورها إقليم أحد الأطراف.

(3) السلائف والكيميائيات والمذيبات

من أهم ما تضمنته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، ما جاء بالمادة (12) في شأن المواد، التي يكثر استخدامها في الصنع غير المشروع للمخدرات أو المؤثرات العقلية.

وتتيح هذه المادة للدولة اتخاذ التدابير اللازمة لرقابة هذه المواد، كما أُلحق، بالاتفاقية، جدولان يتضمنان قائمتين، بست مواد من المواد المحظورة.

ـ   يقصد بالسلائف: جمع سلف، ولها معان أخرى كالبشير، أو النذير، أو التمهيدي، ومعناها مادة تشكل منها مادة أخرى، وأصلها سلائف"وهو أول شئ ابتداء"، أو"الشيء الذي يُستخلص من الشيء الخالص في علم الكيمياء ومواد الابتداء".

ـ   ويقصد بالكيميائيات: مواد كيميائية، والتفاعل الكيميائي: هو عبارة عن مادة تؤثر في مادة أخرى، فتغير تركيبها، أو تغيير كيميائي يحدث في المادة.

ـ   أمّا المذيبات: فهي جمع مذيب، والمذيب هو"مادة تذيب مادة أخرى"، أو القدرة على إذابة مواد أخرى.

      وختاماً لهذا المبحث، ثمة حقيقة مهمة، وهي أن عدداً كبيراً من الدول قد أدرك أهمية التعاون الدولي، في مجال مكافحة المخدرات، وكانت الاستجابة الدولية للمؤتمرات والندوات الدولية أهم مؤشر على تغير فلسفة المجتمع الدولي، في هذا الخصوص، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم (48/2) لسنة 1993، على أهمية العمل الوطني والدولي في تنفيذ أحكام المعاهدات الدولية لمراقبة العقاقير المخدرة.

      وعلى الرغم من كل ذلك، فما زال الأمر يتطلب مزيداً من التعاون والتنسيق، والإرادة السياسية الإيجابية، ذلك لأن أخطر ما يعرقل فاعلية الجهود الدولية، حتى الآن، هو عدم امتثال بعض الحكومات لالتزامات الإبلاغ، المنصوص عليها في الاتفاقية الوحيدة 1961، وفي اتفاقية المؤثرات العقلية 1971، ولا زالت بعض البلدان المنتجة والمصدرة للمخدرات لم توقع بعد على الاتفاقيات الرئيسية الثلاث، ولم تستحدث تدابير رقابية على التجارة الدولية في عدد كبير من المؤثرات العقلية.