إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إيران.. التاريخ والثورة (الثورة الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية)




هاشمي رافسنجاني
محمود أحمدي نجاد
محمد رضا بهلوي
محمد علي رحماني
محمد علي رجائي
آية الله منتظري
مير حسين موسوي
الإمام آية الله الخوميني
سيد محمد خاتمي
سيد علي خمنة آي





المبحث الأول

المبحث الثالث

الثورة الإسلامية في إيران وتطوراتها

      لعل من أهم العوامل التي أعطت للثورة الإسلامية في إيران أهمية كبيرة على هذا النحو هو الأسلوب الذي قامت به والنجاح الذي حققته في إنهاء عهد الملكية الطويل في إيران وإقامة أول جمهورية إسلامية في تاريخها، وكذلك الفكر الذي وجهها والمسلك الذي اتبعته والذي أثار حولها الكثير من الجدل وجلب لها عدداً من الأصدقاء كما جلب عليها الكثير من الأعداء، يضاف إلى ذلك كله موقع إيران وأهميته الاستراتيجية والإسلامية واهتمام القوى الكبرى به، مع وجود النفط ـ الذي هو عصب الحياة والتقدم في الغرب والشرق ـ في أرضها.

      فإذا كانت كافة القوى الإيرانية من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار قد شاركت في صنع الثورة، وإذا كانت كافة الاتجاهات السياسية الإيرانية من ليبرالية وعلمانية واشتراكية وشيوعية ودينية قد اتفقت على هدف واحد هو الإطاحة بالشاه ونظامه الحاكم إلا أن هذا لا يمنع من النظر إلى هذه الثورة من خلال بعدين أساسيين، البعد الأول هو قيام الدولة الصفوية في إيران فهي التي أحدثت تلك التغييرات الجذرية في الحضارة الإيرانية فكراً وعملاً، وهي التي أحلت المذهب الشيعي الاثنى عشري كمذهب رسمي محل المذهب السني وجعلته المنطلق الوحيد للبناء الحضاري فيها، واستلهام الخلفية التاريخية للمذهب الشيعي في التفكير والتصرف حيث أعلنت الثورة عن اتخاذ نفس المسلك في محاولة لإحياء ذلك الفكر بكل أبعاده واتجاهاته ومنطقه في الحكم وبناء الحضارة. أما البعد الثاني فهو أزمة تأميم البترول في إيران منذ 1951 م وما صاحبها من أحداث وخاصة أحداث 15 خرداد وضرب علماء الدين فإن وضع إيران في تلك الفترة داخلياً وخارجياً هو الذي وجه فكر الشاه ودفعه للمضي في الطريق الذي قاده إلى هذه النهاية، على أن هذا البعد الثاني كان في حد ذاته مقدمة لأحداث الثورة الأخيرة، فرغم ما ساد إيران من هدوء واستقرار خلال الأعوام التي تلت أحداث تأميم البترول إلا أنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، فإذا كان البعد الأول يمثل منطلقاً معنوياً للفكر الثوري فإن البعد الثاني يمثل بداية حقيقية لأحداث أدت إلى انهيار النظام الملكي الحاكم وقيام الثورة الإسلامية.

      إذا كان علماء الدين قد نجحوا في الوصول إلى زعامة الثورة وقيادة النظام الذي انبثق عنها بحيث أصبح آية الله روح الله الخميني زعيماً للثورة والنظام فقد اقتسمت القوى الكبرى المشاركة في الثورة السلطة في إيران بحيث صارت المؤسسات التشريعية والقضائية تحت سيطرة علماء الدين، والمؤسسات التنفيذية بمختلف أجهزتها من نصيب المثقفين الإسلاميين والليبراليين التكنوقراط، وصارت المؤسسات الإعلامية والصحفية لليبراليين واليساريين، أما المؤسسات العسكرية والأمنية فصارت تحت سيطرة الحرس الثوري بمساعدة الطلاب والعمال، وقد وزعت وزارات الحكومة المؤقتة على الزعماء السياسيين بمختلف اتجاهاتهم.

      وقد اتضح من سير الأحداث بعد ذلك أن الحكومة لم تكن مؤقتة فقط بل كانت شكلية فرغم أن هذه الحكومة قد ضمت معظم الشخصيات السياسية والدينية التي تزعمت أحداث الثورة وأنها قد تشكلت تحت رعاية الزعيم الخميني ورغم أن رئيسها المهندس مهدي بازركان قد شمر عن ساعد الجد للعمل من أجل استقرار الأوضاع وإعادة البلاد إلى حالتها الطبيعية واستكمال مسيرة الثورة وفق الأهداف التي أعلنتها إلا أن كل وزير في حكومته كان يعمل من أجل تمكين جماعته السياسية من النفوذ إلى الوظائف الهامة في الدولة، كما اتضح أن السلطة الحقيقية كانت بيد مجلس الثورة الذي لم يحل مع تشكيل هذه الحكومة وظل يمارس سلطاته مع وجودها ويستمد سلطته من الخميني ويعاونه حراس الثورة الإسلامية.

      كان "بازركان" يؤكد أن الثورة تواجه معظم مشكلاتها في الداخل وان جزءاً من حلها في يد الحكومة وأكثر الأجزاء في يد الشعب، لم يكن "بازركان" مع المحاكمات السريعة لموظفي النظام الملكي لأن هذا يسيء إلى سمعة الثورة الإسلامية، وكان يدرك أن الثورة ما نجحت إلا باتحاد وتضامن كافة الجماهير بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية وأن على هذا الاتحاد أن يبقى حتى تستمر الثورة، وأن الثورة لم تنتصر بعد انتصاراً كاملاً بحيث يجلس من شاركوا في قيامها لاقتسام الغنائم، وقد شبه الثورة بالمسجد في بنائه حيث صممه شخص وقام بالعمل فيه بصفة أشخاص، وتبرع له هذا بمائة تومان وتبرع ذاك بعشرة آلاف، والجميع يعتبرون أنفسهم مالكين له وشركاء فيه في حين أن المسجد لا مالك له إلا الله.

      ابتكر "بازركان" في حكومته وزارة جديدة سماها وزارة الدولة للتخطيط الثوري، وجعل عمل هذه الوزارة هو الإعداد المعقول والمحكوم والمنظم والصحيح للحكومة الواقعية المستقبلية للثورة عن طريق تلقي اقتراحات وآراء ونظريات كافة الأحزاب والمنظمات الثورية والقيام بتقنينها بواسطة لجان تشكل من مندوبين عن الأحزاب المختلفة وتتعاون في إطار المجلس الأعلى للتخطيط الثوري بكل إخلاص وبعيداً عن الرياء والادعاءات. إلا أن هذه الوزارة لم توفق في القيام بالمسؤولية التي ألقيت على عاتقها ولم تتلق من المواطنين أكثر من شكاوي إدارية أو قضائية.

      ترك "بازر كان" موقعه في السلطة التنفيذية واستقال ليرشح نفسه في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي إزاء عدم اتفاقه مع علماء الدين من زعماء الثورة حول مفهوم الحرية والديمقراطية، ولم يحبذ الخميني الصدام بين علماء الدين ورجال السياسة والفنيين من زعماء الثورة وكان يرى ضرورة التعاون بينهم، وقد أكد هذا في أول رسالة وجهها إلى أول مجلس للشورى في إيران بعد الثورة.

      كان الخميني يحبذ أن تظل الحكومة في يد الفنيين ممن لهم اتجاهات إسلامية لذلك فإنه عندما رأى عدم إمكان تحقيق تقدم في ظل حكومة بازركان لم يفقد الأمل واختار شخصية فنية أخرى هي الدكتور أبو الحسن بني صدر المستشار الاقتصادي للحكومة المؤقتة وعضو لجنة الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، ورشحه لتولي منصب رئاسة الجمهورية وسانده حتى نجح في الانتخابات وصار أول رئيس للجمهورية الإسلامية، وقد التقى فكر بني صدر مع الخميني في التخلص من التبعية الاقتصادية.

      وقد زاد من ارتباط الخميني ببني صدر تلك الحلول التي طرحها في كتابه "قواعد الحكم الإسلامي وضوابطه" والتي حاول تطبيقها بعد توليه رئاسة الجمهورية، حيث كان يرى أن أفكار بني صدر العملية وسيلة لتحقيق فكرته وتطبيق نظرية ولاية الفقيه وأن أفكار بني صدر العملية مرحلة لا بد منها، لكن بني صدر عندما أصبح على قمة السلطة التنفيذية سعى إلى تأكيد الخطوات التي توصله إلى النتيجة التي يرتضيها وليس إلى تطبيق ولاية الفقيه.

      جاءت نتيجة الاستفتاء على نظام الجمهورية الإسلامية بالأغلبية القريبة من الإجماع 98.2 % ورغم أن الاستفتاء لم يطرح نظماً أخرى بديلة إلا أنه لم ترتفع أصوات بالمطالبة بشكل آخر أو بنظام آخر، فكانت الموافقة على نظام الجمهورية رغبة شعبية في تغيير نظام الحكم الملكي الشاهنشاهي الذي ارتبط في أذهانهم بالقهر والظلم.

      جرت عملية انتخاب أول رئيس للجمهورية الإسلامية في 25/ 1 / 1980 م، وقد خلت قائمة المرشحين من أسماء كبار علماء الدين، وكان أبرز المرشحين من الليبراليين والمثقفين الإسلاميين والعسكريين، وقد ساعد الحماس للثورة على المشاركة الكبيرة للجماهير في هذه الانتخابات، وكان نجاح "بني صدر" نتيجة لدعم علماء الدين له.

      جرت أول انتخابات تشريعية في 15 / 3/ 1980 م لاختيار أعضاء أول مجلس للشورى وقد بدأ المجلس أعماله في 25 / 5/ 1980 م وحضر الخميني بنفسه الجلسة الافتتاحية وألقى كلمة أكد فيها على أن المجلس هو مركز كل القوانين والسلطات، وطالب بالتعاون بين المجلس والحكومة وأن لا يحاول أحدهما إضعاف الآخر.

      استطاع علماء الدين أن يسيطروا على أغلبية مقاعد مجلس الشورى الإسلامي وإزاء ليبرالية رئيس الجمهورية واتجاه علماء الدين المحافظ فقد وقع الصدام منذ البداية بين رئيس الجمهورية والمجلس ابتداء من اختيار رئيس للوزراء حيث نجح علماء الدين في فرض "محمد علي رجائي" ليكون رئيساً للوزراء على غير رغبة "بني صدر"، وكان من الطبيعي أن يحدث انشقاق داخل السلطة التنفيذية وأن يكون رئيس الجمهورية في واد ورئيس الحكومة ومعه مجلس الشورى الإسلامي في واد آخر، كان الخميني يحاول تهدئة الأمور ويطالب الطرفين بالتعاون، لكن ذلك لم يمنع تصاعد الصراع، وقد نجح علماء الدين في أن يجمعوا الأسباب التي تؤدي إلى عزل بني صدر فاتهموه بالتردد في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية، وعدم الكفاءة في إدارة شؤون البلاد، والإسراف، ودعم القوى المعارضة للنظام الإسلامي، وعرضوا على مجلس الشورى الإسلامي اقتراحاً بسحب الثقة منه كرئيس للجمهورية، ووافق المجلس على الاقتراح بالأغلبية في 21 / 6/ 1981 م وصدق الخميني على القرار في 22 / 6/ 1981م.

الدستور الإيراني

      كان الدستور هو أول وثيقة رسمية معلنة صدرت من جانب النظام حول شكل الحكم وقام بصياغته كبار فقهاء النظام ومجلس الخبراء الذي تم انتخابه في 3 / 7/ 1979 م وانتهى من مناقشته وعرضه على مجلس الشورى الإسلامي، ثم عرض على مجلس الرقابة على القوانين، ثم أقره الفقهاء المراجع واعتمده الزعيم الخميني، وطرح للاستفتاء العام في 1 / 12/ 1979م ('تم تصديق مجلس الشورى الإسلامي عليه في 3/12/1979م). ويتكون الدستور من اثنا عشر فصلاً تضم مائة وخمساً وسبعين مادة وقد تضمنت المواد: الثانية والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والسابعة بعد المائة والتاسعة بعد المائة المباني الفقهية للنظام، وتتلخص في أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على أساس الإيمان بالله الواحد فالحكم له والتشريع به والتسليم لأمره ثم الوحي الإلهي ودوره الأساسي في بيان القوانين، ثم المعاد ودوره الفعال في مسيرة تكامل الإنسان نحو الله، ثم العدل الإلهي في الخلق والتشريع، ثم الإمامة والزعامة العالية للإنسان وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله، عن طريق الاجتهاد المستمر للفقهاء جامعي الشروط على أساس القرآن وسنة الأئمة، والاستفادة من العلوم والفنون والتجارب الإنسانية الراقية ومحاولة تطويرها، ونفي أي نوع من التسلط والظلم والسيطرة، فضلاً عن إثبات العدل والقسط والاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتضامن الوطني، والعمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كواجب اجتماعي من أجل أن يتحقق تطابق الأقوال بالأفعال حسب العقيدة.

      ومن الواضح أن الدستور الإيراني قد أخذ كثيراً من مبانيه الفقهية عن نظرية ولاية الفقيه التي تجعل الإمامة والزعامة محور الحكم المسلمين أي الاعتقاد بحق الحكم للإمام علي بن أبي طالب بعد الرسول عليه السلام وتدرج الإمامة في اثنا عشر إماماً من نسله، ثم تأتي الزعامة في فترة غيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر، وتكون الزعامة للفقيه العادل المتقي العالم بالزمان الشجاع المدير المدبر الذي يعرفه أكثر الناس ويعترفون بزعامته ومن أهم الشروط المتوفرة فيه شرطي الصلاحية العلمية والعدل فضلاً عن التقوى اللازمة للإفتاء والبصيرة السياسية والاجتماعية والشجاعة والكفاءة والقدرة.

      وقد أصبح الخميني أول زعيم ولي فقيه بحكم الدستور، وقد فشلت تجربة تعيين نائب للزعيم، وقد تولى مجلس الخبراء بعد ذلك مهمة تعيين زعيم جديد بعد وفاة الخميني وهو آية الله سيد علي خامنه أي الزعيم الحالي.

نظرية ولاية الفقيه

      نظرية ولاية الفقيه نظرية شيعية قلباً وقالباً، بل إنها على وجه الدقة شيعية إيرانية لأنها تعتمد اعتماداً رئيسياً في معطياتها ومحاورها على فقه المذهب الشيعي الاثنى عشري وتستلهم روحها ومبادئها من المجتمع الإيراني وتجد لها امتداداً وعمقاً في الفكر الإيراني على مر العصور، إن التجربة الإيرانية في الحكم الديني، أو ربط الحكم السياسي بالعقيدة الدينية تضرب في القدم وتتحرك عبر العصور، فالشخصية الإيرانية تعتقد في مبدأ التفويض الإلهي للحاكم وأدت إلى اتحاد النظرة لمقام الملك بين الحاكم والشعب، لذلك فنظرية ولاية الفقيه ليست جديدة على الفكر الشيعي والفكر الإيراني عموماً فقد ورد الحديث عنها في كتب الفقه في عصور مختلفة، وقد اعترف الخميني مطبق النظرية الحديثة لولاية الفقيه بهذا الأمر، مؤكداً أنه قد بلور هذه النظرية وزودها بالأفكار المعاصرة فاكتسبت أبعاداً جديدة.

محاور النظرية

  1. ثبات حق الفقيه في الحكم عند الشيعة سواء من خلال الأدلة القرآنية، أو أدلة من الأحاديث النبوية، أو أدلة من أحاديث أئمة الشيعة، أو أدلة من روايات الشيعة.
  2. طبيعة ولاية الفقيه باعتبارها ولاية إلهية اعتبارية وليست تكوينية، فالولاية التكوينية أي بالتعيين من قبل الله ورسوله هي لأئمة الشيعة فقط، أما الولاية الاعتبارية فهي للعلماء العدول، وهي تختلف عن الولاية التكوينية من حيث مقام الولي ولكنها مثلها من ناحية الصلاحيات السياسية والإدارية والتنظيمية والتنفيذية.
  3. شكل الحكومة الإسلامية المخالف للنظم الموجودة في العالم فهي ليست ملكية أو استبدادية أو مطلقة بل مشروطة، وهي ليست نيابية بالمعنى المتعارف عليه بل بمعنى التقيد بأحكام الإسلام وقوانينه، فهي حكومة قانون إلهي على الناس.
  4. مزايا ولاية الفقيه على غيره باعتباره مكلفاً من قبل الله وله مواصفات خاصة من عقل وتدبير فضلاً عن الصفات العامة من العلم والعدالة.

معطيات النظرية

  1. الإسلام دين متميز سواء من ناحية أنه دين جهاد وكفاح أو من ناحية أنه دين شامل في جوانبه الدينية والدنيوية.
  2. تباين الصورة التي تعرض للإسلام مع حقيقة الإسلام نتيجة لعدم الفهم والخطأ في التصور مما جعل الإسلام الحقيقي غريباً بين الناس.
  3. الإسلام أبطل نظام الملكية وولاية العهد باعتبار أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب قد جاهد ضد الملكية وولاية العهد واستشهد من أجل منع إقراره.
  4. ضرورة وجود حكومة إسلامية سواء من خلال مبررات اجتماع سقيفة بني ساعده أو من خلال ماهية أحكام الشرع التي توصل لوضع تشريعات لتكوين دولة وإدارة سياسية واقتصادية وثقافية للمجتمع وتتضمن قوانين متنوعة تصنع نظاماً اجتماعياً كلياً، فضلاً عن الدقة في ماهية وكيفية أحكام الشرع التي تجعل من الضروري تشكيل حكومة لتنفيذها والعمل بها.
  5. ضرورة وحدة العالم الإسلامي وهذه الوحدة لا يمكن أن تقوم إلا من خلال حكومة إسلامية.

هامش النظرية

  • النقطة الأولى تتركز حول عدم الأخذ بنظام ولاية الفقيه فيما سبق لسببين أساسيين هما: الأوضاع الاجتماعية للمسلمين عموماً، وحالة المجامع العلمية الدينية خصوصاً ومحاصرة النهضة الإسلامية من جانب اليهود والاستعمار.
  • النقطة الثانية تتعلق بأهمية الإعلام الإسلامي من أجل خلق نسق فكري يمكنه الصمود أمام مراكز الدعاية المضادة للإسلام.
  • النقطة الثالثة تدور حول ارتباط الولاية بالعمامة والعباءة باعتبار أن الواجبات التي على فقهاء الإسلام ليست على غيرهم.
  • النقطة الرابعة تتركز على دور القضاء في حكومة الفقيه الذي يجعل من يتولى منصب القضاء يكون من نفس صنف الوالي أي من الفقهاء.
  • النقطة الخامسة تؤكد على أن ولاية الفقيه تمهد لحكومة إمام الزمان التي ستكون تتويجاً لكل الجهود الشيعية في إقامة حكومة إسلامية تنفذ الأحكام الإلهية.

ملاحظات عامة على نظرية ولاية الفقيه

  1. إن نظرية ولاية الفقيه موضع اختلاف بين علماء الشيعة في العالم.
  2. لم يكن للخميني نظرية محددة قبل وضع كتابه الحكومة الإسلامية وتركزت معارضته للسلطة الحاكمة حول ضرورة تعديل قانون الإصلاح الزراعي، معارضة تحرير المرأة حسب الأسلوب المتبع في الغرب، معارضة التحالف مع الصهيونية وقطع العلاقات مع إسرائيل، وقد استكمل جوانب النظرية خلال فترة نفيه.
  3. اهتمت النظرية بالجانب العملي والنظري في واقع المجتمع الإيراني المعاصر وظروفه السياسية مما خلق كثيراً من الثغرات في الجانب النظري والتناقض بينه وبين الفكر العملي، خاصة في شكل الحكومة فخشيته من شكل حكومة الإمارة ومن تأثير الوراثة في الإمام على نظام تتابع الحكام في الدولة الإسلامية جعل شكل الحكومة مبهماً إلى حد كبير، كما أن النظام الجمهوري الإسلامي الذي اختاره لم يكن مطروحاً في أصول النظرية.
  4. عدم إمكانية تطبيق هذه النظرية في بلدان العالم الإسلامي لعدة أسباب أهمها:

أ. النظرية تقوم على الفقه الشيعي الذي يتعارض في كثير من مبادئه وأحكامه مع فقه أهل السنة.

ب. اهتمام النظرية بالجانب العملي يفرض أسلوباً معيناً في تطبيقها لا يتناسب في جزئياته أو في بعض كلياته مع ظروف المجتمعات الإسلامية.

ج. تعويل النظرية على ظروف المجتمع الإيراني قبل الثورة في صياغة جوانب كثيرة من هذه النظرية جعلها تفتقد شمولية النظرة إلى أحوال المسلمين عامة.

د. محاولة دمج النظرية لفكرة الثورة مع فكرة ولاية الفقيه مع ما بين هاتين الفكرتين من تناقض، لأن فكر الثورة في اتجاه الخروج على الواقع والتمرد على التقليد، وفكر ولاية الفقيه في اتجاه الدخول إلى التسليم والطاعة للمرجع الديني.

هـ. انغلاق النظرية على فكرة الإمامة الشيعية جعل إقامتها لا تتسع باتساع الفكر الإسلامي العام، كما جعلها لا تتجاوب مع النظريات الإسلامية حول شكل الحكومة الإسلامية.

  1. إن نظام ولاية الفقيه مع احترامه لمبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والرقابة الشعبية على عملها من خلال الاستفتاء والانتخابات والصحافة إلا أنه يعتبر ذلك غير كاف لتحقيق أهداف الحكومة الإسلامية، ويرى من الضروري أن يساعدها ميكانيزم ذاتي وعناصر إيمانية من التقوى والعدالة، ومن ثم يكون من الضروري قيادة السلطات الثلاث من خلال زعامة فقيه عادل عالم مدبر فطن، ومن هنا فإن موقع الحكومة والسلطة التنفيذية في نظام ولاية الفقيه يتحدد من خلال نشاطها في خدمة النظام وولائها للولي الفقيه رغم أن مقبوليتها لدى الناس تأتي من خلال الانتخاب الحر المباشر لرئيس الجمهورية وتعيين ومنح الثقة للوزراء بالتنسيق بين رئيس الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي، وهذا ما يفرق بين هذا النظام وسائر النظم الديمقراطية أو الشعبية.

      نجح "محمد علي رجائي" بدعم من علماء الدين في أن يتولى رئاسة الجمهورية في ثاني انتخابات للرئاسة بعد عزل "بني صدر" وقد اختار "رجائي" ثاني رئيس للجمهورية الإسلامية أحد علماء الدين ليكون رئيساً للوزراء وهو حجة الإسلام والمسلمين "محمد جواد باهنر"، إلا أن منظمة مجاهدي خلق ـ المعارضة لعلماء الدين والمؤيدة لبني صدر ـ قامت بتفجير مقر رئاسة الوزراء في 30 / 8/ 1981 م وكان كل من "رجائي" رئيس الجمهورية و"باهنر" رئيس الوزراء متواجدين فيه مما أدى إلى مصرعها في 30 / 8/ 1981 م.

      اضطر النظام إلى إجراء الانتخابات للمرة الثالثة لاختيار رئيس جديد للجمهورية الإسلامية، وقد تقدم أحد علماء الدين هذه المرة لترشيح نفسه لهذا المنصب في سابقه هي الأولى من نوعها في تاريخ إيران هو حجة الإسلام والمسلمين "سيد علي خامنه أي"، وقد استطاع أن يفوز في هذه الانتخابات نتيجة دعم علماء الدين له فأصبح أول رئيس للجمهورية الإيرانية من علماء الدين في 2 / 10/ 1981م وقد اختار "خامنه اى" أحد الخبراء وهو المهندس "مير حسين موسوي" رئيساً للوزراء، وقد نجح رئيس الجمهورية في إكمال مدته القانونية لأول مرة كما نجحت حكومته في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية واسترداد جزء كبير من الأراضي الإيرانية التي احتلتها القوات العراقية خلال عهد "بني صدر".

الحرب العراقية ـ الإيرانية

      لقد كان قادة الثورة والنظام الحاكم يدركون أن المبادئ التي وضعوها والأفكار التي يروجون لها سوف تصطدم عاجلاً أم عاجلاً مع النظم التقليدية الموجودة في المنطقة فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لذلك فإن مجلس قيادة الثورة لم يحل نفسه فور تشكيل الحكومة وظل هو الحاكم الحقيقي لإيران حتى نشوب الحرب العراقية الإيرانية، كما قام بإنشاء أجهزة ثورية ظلت تابعة لقيادة النظام حتى انتهاء الحرب، ولكن النظام لم يتوقع أن تصل المواجهات التي قد تحدث بينه وبين النظم الأخرى والولايات المتحدة إلى درجة الحرب الشاملة حيث كان يفترض أن تظل في شكل مناوشات أو حرب إعلامية أو تحرشات سياسية، كما لم يكن يتوقع أن تقوم حرب بينه وبين دولة جارة بهذه السرعة وقبل أن يتمكن من تثبيت إدارة الثورة للبلاد.

      ذكرت المصادر الإيرانية أن عدداً من الاشتباكات المحدودة قد وقع بين القوات العراقية وقوات الجندرمة الإيرانية في أماكن متفرقة غرب البلاد قامت على أثرها الطائرات العراقية بقصف هذه المواقع في شهر حزداد 1358 هـ.ش (يونيو 1979 م)، وأن العراق أعلنت أن هذا القصف نتيجة خطأ في التقديرات، ومن ثم فقد اجتمعت لجنة عسكرية إيرانية عراقية مشتركة لبحث الآثار الناجمة عن هذا القصف في شهر مهر 1358 هـ. ش (أكتوبر 1979 م)[1].

      قامت إيران باستدعاء سفيرها في بغداد في شهر فروردين 1359 هـ. ش (أبريل 1980 م) وفي 27 شهر يور 1359 هـ. ش (17 / 9/ 1980 م) أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أن اتفاقية الجزائر 1975 م التي تقسم الحدود بين الدولتين في شط العرب قد أصبحت حبراً على ورق وأن جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى جزر عربية ينبغي أن تعود للسيادة العربية وأن على إيران أن تخرج منها.

      وعلى الفور عقد مجلس الشورى الإسلامي في إيران اجتماعاً طارئاً وسرياً حضره رئيس الوزراء نتج عنه قطع العلاقات السياسية مع العراق وإعلان حالة الطوارئ.

      إذا كانت الحرب أحد المصائب قد وقعت على رأس القيادة العسكرية فقد وقع أشد منها على رأس القيادة السياسية في نفس السنة خلال حادثين رهيبين، حيث تمكنت منظمة مجاهدي خلق في السابع من شهر تير بتفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية مما أدى إلى مقتل آية الله بهشتي أمين الحزب ومنظر الثورة واثنين وسبعين آخرين من قيادات الثورة معظمهم من علماء الدين وبينهم بعض المسؤولين في السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، أما الحادث الآخر فقد تحدثنا عنه من قبل حيث تمكنت منظمة مجاهدي خلق أيضاً من تفجير مقر مجلس الوزراء وقد قتل في هذا الحادث رئيس الجمهورية الذي انتخب بدلاً من بني صدر وهو علي رجائي وكذلك رئيس وزرائه محمد جواد باهنر وعدد من الوزراء والمسؤولين التنفيذيين. وقد استطاعت القيادة الإيرانية التماسك بعد هذا الحادث وقررت بعد أقل من شهر أن تقوم بعمليات عسكرية تحت اسم "ثامن الأئمة" في منطقة شرق نهر كارون يقودها رحيم صفوي قائد القوات البرية وجيش حراس الثورة بمساعدة الفرقة "77 خراسان" من أجل فك حصار مدينة عبدان.

      كان قرار الخميني بالتعبئة العامة من أهم القرارات التي اتخذت لمعالجة قضية الحرب التي يسميها الإيرانيون بالحرب "التحميلية" أو الحرب المفروضة، لأن التعبئة العامة إضافة إلى أهميتها لجبهات القتال والظروف الأمنية داخل البلاد، والإعداد لموجات هجومية من أجل استرداد الأراضي التي احتلتها الجيوش العراقية فقد اتخذت معنى جديداً يستهدف بقاء النظام واستمراره وأسلوباً لسياسة حكمه في المستقبل. فقد وجد النظام في التعبئة العامة أسلوباً مناسباً لحل مشاكله في عدة قطاعات دفعة واحدة وتحقيق منجزات عسكرية وسياسية، تمثلت في الأفكار التالية:

  1. مواجهة القصور العسكري في التسليح والتنظيم والتخطيط بفكرة الدفع الذاتي للأمواج البشرية المتلاحمة بمساعدة الحماس الديني والمذهبي والوطني وبهدف رفع الروح المعنوية لآلة الحرب الإيرانية مما يؤثر سلباً على العدو.
  2. خلق عنصر المنافسة بين الفئات المختلفة من القبائل والطوائف والمحافظات والتي تنتمي إلى عروق شتى من فرس وترك وبلوش وتركمان وغيرها، وذلك من خلال نظام الوحدات المتطوعة المتكاملة سواء في التسليح أو العتاد أو الفنيين أو القادة أو الموجهين الدينيين من نسيج واحد وأبناء محافظة واحدة أو عشيرة واحدة استكمالاً لنظرية الدفع الذاتي التي تعتمدها قيادة التعبئة العامة.
  3. مواجهة القصور الاقتصادي ومعالجته عن طريق تفريغ مواقع الطلب على السلع الغذائية والضرورية، وسد المجال أمام طلبات الاستيراد لغير السلع الاستراتيجية في تلك المرحلة، ووقف المطالبة بتوفير مستلزمات الحياة المستقرة.
  4. الاستحواذ على القوى البشرية المؤثرة في المجتمع لخدمة أهداف النظام الحاكم، وسد السبيل على الجماعات السياسية المعارضة في الاستفادة من هذه القوى لصالحها في خلق توتر أو القيام بأعمال إرهابية ضاغطة، فضلاً عن إخلاء الساحة للجان الثورية من أجل تعقب أعداء النظام.
  5. شغل العراق ودول الخليج والدول الكبرى بتحليل حركة التعبئة العامة عن القيام بمبادرات أو أعمال تزيد الضغط الواقع على النظام الإيراني خلال هذه المرحلة.

      لقد نظمت عملية التعبئة العامة من خلال مشروع تجنيدي تحت اسم "لبيك يا خميني" عينت له قيادة خاصة برئاسة حجة الإسلام والمسلمين محمد علي رحماني تكون تابعة لجيش حراس الثورة الإسلامية، وقد استهدف المشروع حسب قرار الخميني إنشاء جيش قوامه عشرين مليون متطوع، وقد نجحت القيادة في المرحلة الأولى في إنشاء جيش من القوات الشعبية المدربة تحت اسم "فتح 1" في أقل من عامين، ألحق به جيش آخر تحت اسم "فتح 2" أرسل إلى الجبهات في الثاني عشر من شهر فروردين 1363 هـ. ش (1 / 4/ 1984). وقد وصف سيد علي خامنه أي هذا الجيش بقوله: "لقد كان المحور الحقيقي لهذا الجيش منذ بداية تنظيمه هو التشكيلات الشعبية والتنظيمات الجماهيرية، لذلك فجيش التعبية ليس منظمة شكلت لمراقبة الجماهير بل إن التعبئة هي الجماهيرية التي نظمت لمراقبة الثورة، إن التعبئة هي بمعنى الحضور المنظم القوي للجماهير في ساحات الثورة الإسلامية والسيطرة على الأوضاع ومواجهة معارضي الثورة، ولذلك فإني أؤكد على أهمية العمل العقائدي في جيش التعبئة وأن تظل المساجد هي قواعد التعبئة الأساسية ومن خلالها تنمو التعبئة، وينبغي أن يشعر الأخوة الذين يخدمون في جيش التعبئة أنهم يخدمون في ركاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

      أدى النجاح الذي حققه "سيد علي خامنه أي" في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية وكفاءته في تحويل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد حرب، وقدرة رئيس وزرائه "مير حسين موسوي" على إدارة شؤون البلاد، إلى إعادة الكرة وترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة بعد انتهاء مدته القانونية.

      أسفرت نتائج فرز أصوات الناخبين عن فوز "خامنه أي" بأغلبية ساحقة حيث لم يكن منافساه "حبيب الله أصغر أولادي" و"محمود مصطفوي كاشاني" رغم ماضيهما المشرق في الكفاح الثوري بقادرين على هزيمته في هذه الانتخابات.

      اختار "خامنه أي" في فترة ولايته الثانية "مير حسين موسوي" مرة أخرى ليكون رئيساً للوزراء ليكملا معاً المسيرة، وتعتبر حكومة "مير حسين موسوي" أول حكومة تمثلت فيها أبعاد حكومة الولي الفقيه سواء بسبب استقرار السلطة التنفيذية في يد أحد علماء الدين، وسواء بسبب السيطرة الكاملة التي حققها علماء الدين على السلطتين التشريعية والقضائية، وكان اختيار شخصية متجاوبة من الفنيين كرئيس للوزراء استكمالاً لدائرة ولاية الفقيه، حيث كان موسوي حريصاً على اختيار وزراء يمثلون نفس التوجه بالتشاور مع رئيس الجمهورية وكان معظمهم من الفنيين، فكان منهم أحد عشر مهندساً وخمسة أطباء واثنين من رجال الاقتصاد واثنين من رجال التعليم أي عشرين وزيراً من بين الستة والعشرين الذين قدمهم ثم ثلاثة يحملون لقب حجة الإسلام وتاجر واحد واثنين من العسكريين أحدهما من الجيش والثاني من حراس الثورة الإسلامية.

      استطاع حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني أن يحتكر رئاسة السلطة التشريعية ثلاث دورات برلمانية متتالية دون معارضة حيث انتخب في الدورة الثالثة رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي دون صوت معارض واحد. وقد أبدى تعاوناً ملحوظاً مع زميله "خامنه أي" وحكومته في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فقد استطاعا ترجمة رغبات الخميني وتعليماته فيما يتعلق بشكل وأسلوب ومضمون وأهداف الحرب إلى واقع عملي، وقد تركزت جهود هذين الرجلين في هذه المرحلة حول ربط الحرب بالدين وما يستتبع ذلك من تطوير للقيادة العسكرية والعمليات والتعبئة والدعم المادي واقتصاديات المجتمع وفوق ذلك كله المفهوم السياسي والعقائدي للحرب، فقد تولى "سيد علي خامنه أي" فضلاً عن كونه رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للدفاع، كما عين الخميني هاشمي رفسنجاني ممثلاً له في هذا المجلس فضلاً عن كونه رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي، ومشرفاً سياسياً على جيش حراس الثورة الإسلامية، وكان لتولي محسن رضائي قيادة جيش الحراس أثره الكبير في التفاهم والانسجام بين القيادات العسكرية والقيادات السياسية لأنها تمثل رفقة كفاح طويل قبل قيام الثورة وبعد استقرار النظام.

      بعد عدد من العمليات العسكرية الناجحة التي قامت بها إيران ضد القوات العراقية استعادت خلالها معظم الأراضي الإيرانية المحتلة حاولت القوات الإيرانية التوغل داخل الأراضي العراقية وتصعيد الحرب إلا أن القوات العراقية ردتها وألحقت بها خسائر كبيرة، عبّر عنها المجلس الأعلى لدعم الحرب في تقريره الذي تضمن عشر نقاط لمواجهة متطلبات الحرب، وقد وافق الخميني على هذه النقاط مطالباً المجلس والمتخصصين في الشؤون العسكرية أن يحددوا الضرورات ويعملوا لها وأن لا يقصروا.

      كشفت النقاط العشر التي تضمنها تقرير المجلس الأعلى لدعم الحرب عن افتقاد الآلة العسكرية الإيرانية للقوات الكافية وللأسلحة والمعدات اللازمة وللإمكانات المادية التي تساعد على استمرار الحرب، حيث أنه لم يمضي أكثر من ستة أشهر على تقرير المجلس الأعلى لدعم الحرب حتى أدرك الخميني فشل هذا المجلس في تحقيق الهدف المنشود، مما جعله يختار شخصاً واحداً يلقى إليه بكل مسؤوليات الحرب، ويمنحه كافة الصلاحيات التي تمكنه من القيام بهذه المسؤوليات، وكان هذا الرجل هو هاشمي رفسنجاني، فأصدر قرار بتعيينه نائباً للقائد العام لكل القوى في 2 / 6/ 1988م.

جاء في قرار التعيين تكليف رفسنجاني بالمهام التالية:

  1. إنشاء قيادة عامة لكل القوات لتحقيق الوحدة الشاملة بينها.
  2. التنسيق الكامل بين الجيش والحراس والتعبئة وقوات الأمن في كافة مجالات الدفاع عن الإسلام المقدس، وأن على كافة الإدارات والمؤسسات والأجهزة التابعة لها أن تنتظم وتبدي قبولها ودعمها للتنسيق الكامل مع القوات المسلحة.
  3. مركزة الصناعات العسكرية في قاعدة إسلامية مقدسة تتبع لها كل الكادرات الفنية والصناعية والعسكرية والهندسية وكافة الإمكانات تحقيقاً لأهداف القيادة العامة.
  4. العمل على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الإمكانات المادية والمعنوية والموارد العامة للمعسكرات في إعداد وتنظيم المؤسسات الضرورية.
  5. مركزة الشؤون المعنوية والثقافية والدعوة للقوات المسلحة في جميع المجالات.
  6. التنفيذ الحاسم والصحيح لقرارات المحاكم العسكرية والأمنية وتعقب المخالفين في كل شأن.
  7. الاستفادة الصحيحة من المساعدات الشعبية في كافة المجالات.

      وأن على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضع كافة إمكاناتها في سد احتياجات الحرب، وأن على شعب إيران والقوات المسلحة والنظامية والأمنية التحلي بالصبر الثوري والثبات والاستقامة في مواجهة مؤامرات الاستكبار العالمي، وليكونوا على يقين من أن النصر من نصيب الصابرين.

      وقد جاء في تعليق للإذاعة الإيرانية (طهران بالفارسية) على هذا القرار أن هاشمي رفسنجاني قد أصبح بذلك مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الحرب، عملياتها ونتائجها وله السلطة الكاملة في قرارها وتوجيهها، والاستفادة من كافة الإمكانات الرسمية والشعبية لخدمة هذا المجال.

      والواقع أن هذا القرار قد كشف عن الخلل الموجود في القيادة العسكرية كما دل على وجود صراع بين القادة والمسؤولين الإيرانيين خاصة فيما يتعلق بمحاولة إلقاء تبعة تردي القوات المسلحة وهزائمها الأخيرة وطردها من شرق "البصرة" و "الفاو" و "جزر مجنون" و "شلامجة"، ويتضح هذا من الكلمة التي ألقاها آية الله حسين علي منتظري في أسر الشهداء بمناسبة ذكرى "الخامس عشر من خرداد" حيث قال: "إنني أريد من السيد/ هاشمي (رفسنجاني) أن يأخذ أمر الإمام (الخميني) بجدية كاملة، والابتعاد عن الشكليات والشعارات، والقيام بتخطيط صحيح، والاستفادة من الأفراد الأكفاء أصحاب الخبرة، وإدماج الأجهزة المتشابهة، وإنشاء قيادة حاسمة بجدية كاملة، وأن يعطي السيد/ هاشمي لنفسه وقتاً كافياً لتنفيذ أوامر الإمام، وحشد كافة القوات العسكرية والإمكانيات الشعبية لتحقيقه.

      وقد أعلن رفسنجاني في خطبة الجمعة التالية للقرار تعيينه نفسه حاكماً عسكرياً في البلاد، فكان موقفه أشبه بانقلاب سلمي على الحكومة، حيث يقول في هذه الخطبة: "نظراً لاشتداد الحرب واشتراك الاستكبار العالمي والقوى الرجعية فيها لنصرة "صدام حسين" فقد عهد إلى الإمام بأن أكون نائبه كقائد عام لكل القوى فأعمل على تنظيم الشؤون الإدارية والعمليات، وأحقق التنسيق اللازم بين كل القوات من الجيش والحراس والتعبئة وكذلك القوات غير النظامية وقوات الأمن والجندرمة، وأن أعمل على تمركز الأمور في القوات المسلحة وعدم ضياع الإمكانيات هباء، وحسب قرار الإمام فإنه سيتم الاستفادة أيضاً من الإمكانات غير العسكرية لخدمة القطاعات العسكرية، وأن على القوات المسلحة العمل على تحقيق هذه المركزية سريعاً وعدم التخلف عن تنفيذ أمر الإمام".

      وقد ألقى رفسنجاني اللوم على الجيش في هزائم "الفاو" و "شلامجة" و "حلبجة" ثم قام بعزل رئيس القيادة المشتركة للجيش وتعيين العميد علي شهبازي خلفاً له. كذلك أشار "سيد علي خامنه أي" في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الجامع بطهران بعد صدور قرار الخميني بثلاثة أسابيع إلى فشل الجهاز العسكري في المحافظة على الانتصارات، وقال: "إن انسحاب قواتنا من "الفاو" و "شلامجة" ليس مسألة صدفة، ولكنه نتيجة محاولات ومؤامرات السنتين الأخيرتين من جانب الاستكبار العالمي، ولكنني أعلن بشكل حاسم أنه حتى لو أعطيت عدة أضعاف هذه المساعدات لنظام صدام فإن هذا النظام لن يستطيع أن يقاوم قواتنا، لقد أمضينا أربع مراحل من الحرب ونحن الآن في المرحلة الخامسة، وهي مرحلة توجيه ضربة إلى النظام الصهيوني العراقي والقوى الاستكبارية الحامية لهذا النظام... إن ما ترونه في الجبهة الآن، أي انسحاب قواتنا من "الفاو" و "شلامجة" و "جزر مجنون" ليس مسألة صدفة، إنني لا أدعي أننا لم نضيع شيئاً، أو أنه ليست لدينا نقاط ضعف، ولكن هذا الضعف ليس نتيجة تقصير وإنما أدت إليه مجموعة من المشاكل والمفاسد التي ينبغي القضاء عليها".

      وهكذا انتهت المرحلة الرابعة من مراحل القتال، ولم تكن المرحلة الخامسة التي أشار إليها "خامنه أي" في خطبته سوى محاولة لرفع الروح المعنوية لأن الأمور كانت في يد "رفسنجاني" الذي لم يشر إلى استمرار القتال من قريب أو بعيد، بل إنه أخذ يدرس الأوضاع ولم يكد يمضي أكثر من شهر ونصف على توليه الأمور حتى أخذ يمهد لقبول إيران قرار مجلس الأمن.

      إذا كان الخميني قد حاول وقف التدهور العسكري على جبهات القتال بإعلان توحيد قيادات القوات المسلحة النظامية وشبه النظامية من حراس وجيش وجندرمة وأمن ولجان ثورية واختار هاشمي رفسنجاني الرجل القوي في النظام لكي يتولى القيادة العامة لكل القوى نيابة عنه إلا أن تدهور الأوضاع الداخلية وتداعي قدرة القوات العسكرية على الجبهات كان يحتاج إلى أكثر من معجزة. وكان رفسنجاني نفسه يدرك ذلك، ويبدو هذا من خطبه وتصريحاته التي كانت تشير إلى إعادة التفكير في قضية الحرب والبحث عن وسائل بديلة تخرج إيران منها دون أن تخدش كبرياء الثورة، ولا شك أنه أعاد قراءة ودراسة قرار مجلس الأمن رقم 598، وربما وجد فيه بعض الجوانب الإيجابية، حيث صرح في إحدى خطبه بقوله: "رغم أنه يوجد في قرار مجلس أمن المنظمة الدولية نقاط إيجابية حيث أدان العراق بطريقة غير مباشرة إلا أنه مع الأسف لم يعرف المعتدي والمجرم بصورة علنية ومباشرة تحت ضغط وتأثير الدول التي لها حق النقض (الفيتو) وباقي الدول الاستكبارية في مجلس الأمن".

      ويبدو أن تصريحات "رفسنجاني" في هذا الصدد قد لقيت أصداء إيجابية لدى الجماهير الإيرانية المنهكة، وقوى المعارضة الداخلية، والجناح المعتدل من علماء الدين، مما جعل رفسنجاني يواصل محاولات إقناع الرأي العام الإيراني والمسؤولين الإيرانيين بشكل غير مباشر برأيه في معقولية قرار مجلس الأمن حيث أخذ يدلي بالأحاديث الصحفية والإذاعية التليفزيونية التي يتضح فيها رأيه، ولعل حديثه الذي أدلى به في 23 / 7/ 1987 م إلى مندوبي جريدة إطلاعات والذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات ودار معظمه حول هذا الموضوع وركز فيه على النقاط الإيجابية في قرار مجلس الأمن يؤكد هذا الاتجاه.

وقف الحرب وبداية مرحلة جديدة

      لقد أدت الدراسة التي قام بها رفسنجاني عندما تولى مسؤولية الحرب باعتباره نائب القائد العام لكل القوى إلى أن إيران لا تستطيع الاستمرار في الحرب، فانتهز فرصة قيام القوات الأمريكية المتواجدة في مياه الخليج بإسقاط طائرة ركاب إيرانية ومصرع 295 راكباً، وأقنع الخميني بضرورة قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 ووقف إطلاق النار حفاظاً على بقاء النظام على أساس أن أمريكا تحاول جر إيران إلى حرب لا تحمد عقباها.

      وقد قبل الخميني رأي رفسنجاني وطلب منه أن يصوغ إعلاناً بهذا المعنى، فعقد رفسنجاني مؤتمراً صحفياً أعلن فيه قبول إيران قرار مجلس الأمن وقبول وقف إطلاق النار قال فيه: "لقد وصلنا آخر الأمر إلى قرار تاريخي هام يتعلق بالحرب، وهو قرار إمام الأمة بقبول وقف إطلاق النار الذي يفتح فصلاً جديداً في تاريخ أمتنا، لقد اتخذ هذا القرار من خلال اجتماع كبير دعوت إليه باعتباري مسؤولاً عسكرياً وسياسياً جميع القيادات السياسية والعسكرية في البلاد، ودرسنا معاً في هذا الاجتماع أمس الأوضاع الراهنة وحددنا المسائل ورأينا أن أول خطوة ينبغي أن تتخذ في هذه الظروف هي قبول قرار مجلس الأمن، كما استوضحنا رأي الإمام بشكل تفصيلي فيما يتعلق بهذه الخطوة، وكان رأيه واضحاً، وسوف يدرك شعبنا المحروم يقيناً أن هذه الخطوة كانت لصالح الإسلام والشعب.. لقد أدركنا ـ حسب معلوماتنا الخاصة ودراساتنا ـ أن الاستكبار العالمي قد حشد كل قواه من أجل منعنا من تحقيق انتصار سريع ومن أجل استمرار إلحاق الخسائر بنا وبشعب العراق، ونتيجة لهذا فقد رأينا أنه ليس من المصلحة في الوقت الحاضر أن نستمر في هذا الموضوع خاصة وأن حضرة الإمام (الخميني) قد رأى في توتر الخليج وإسقاط طائرة ركاب إيرانية بها 295 راكباً مؤشراً على المخطط الاستكباري، كذلك القسوة غير العادية التي يمارسها صدام داخل بلده وخاصة القتل الذي يجري في العراق والذي يشجعه الاستكبار والذي يعطي نظام العراق بلا حد ولا حساب ولم يسبق له مثيل إمكانات الحرب التي رأيناها، كل هذه الظروف والأدلة التي تجمعت لنا نصل إلى أن مصلحة الثورة وشعب إيران وشعب العراق والمنطقة تقضي بأن نقبل القرار، وقد أمر حضرة الإمام (الخميني) أن نتبع مصلحة الإسلام.. لقد فكرنا في أن قبولنا قرار مجلس الأمن لن يفقدنا شيئاً بل يعطينا شيئاً، من المؤسف أن دعايات الاستكبار العالمي المشعل للحرب قد صورتنا في صورة طلاب حرب، ورغم أن صداماً هو المعتدي وهو الناقض لكل قوانين الحرب فقد صوره على أنه هو الذي قبل قرار مجلس الأمن وأنه مستعد للعمل بحكم المجتمع الدولي، وهذه الصورة تعجب العامة، ولكننا أثبتنا الآن أننا يمكن أن نتوقف عند نقطة معينة في هذا الأمر، ويمكن أن نكون جادين عندما نرى جدية الأطراف الأخرى في تحقيق هذه المسألة.. إننا ما زلنا نعتقد في ضرورة معاقبة المعتدي وحصولنا على حقوقنا، ولكننا تجاوزنا فقط عن شرط أن تشكل لجنة تحديد المعتدي قبل وقف إطلاق النار عندما أكدوا لنا أن تشكيل هذه اللجنة سوف يكون بشكل واقعي وحقيقي. إن برامجنا لن تتغير وأهدافنا ثابتة ولكن كيفية وشكل جهادنا سوف يتغير تبعاً للأسلوب الذي نرى تناسبه مع المستقبل، وهذا ليس متعلقاً بقبولنا قرار مجلس الأمن.. إننا سوف نستمر في كل شيء ما عدا الحرب، فإذا تم وقف إطلاق النار فلن تكون هناك معارك على الجبهات، ولكن الأوامر التي أصدرها الإمام (الخميني) حول التنسيق بين الجيش والحراس وإلغاء الأجهزة والأدوات المكررة وحشد إمكانات الدولة لخدمة القوات المسلحة وكذلك التعليم الفني لمدة أطول وبصورة أفضل، ومؤسسات دعم الجبهات كلها سوف تستمر، وكذلك تعبئة الجماهير للخدمة في الجبهة ولو لم تكن هناك معارك، حيث تكون التعبئة من أجل احتياطي جهادنا المقدس، إن قرار وقف إطلاق النار يستند إلى الحجة والأسباب وفتوى الإمام".

      وقد انتهز الخميني فرصة حلول موعد فريضة الحج ووجه رسالة إلى شعب إيران ومسلمي العالم تناول فيها قضية الحرب وقبول إيران قرار مجلس الأمن رقم 598، قال فيها: "لقد أثبت شعب إيران أنه يستطيع أن يتحمل الجوع والعطش ولكنه لن يقبل أن تنهزم الثورة أو تضرب المبادئ التي تقوم عليها، إن الخميني يفتح صدره اليوم لكل الصواريخ والأسلحة والدعايات التي توجه ضده شأنه شأن كل المناضلين والشهداء، إن حربنا حرب عقيدة ولا تعترف بالتراجع أو الموت، وينبغي أن نحشد في حربنا العقائدية كل جنود الإسلام، وسوف يعوض شعبنا إن شاء الله كل التضحيات المادية والمعنوية بحلاوة هزيمة الاستكبار.. إن شعبنا شعب مظلوم وليس داعية حرب ولكنه يدافع عن وجود الإسلام.. أما فيما يتعلق بقبول قرار مجلس الأمن فإنها مسألة مريرة جداً وغير مريحة للجميع ولكن مصلحة الثورة والإسلام تقتضي ذلك رغم أننا ما زلنا نعتقد في كل ما أكدناه حول هذه الحرب، ولقد وافقت على قبول وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن بعد هذه الأحداث الأليمة وبالنظر إلى تقرير الخبراء السياسيين والعسكريين الذين أثق في التزامهم وإيمانهم وصدقهم تجاه الإسلام والثورة، ويعلم الله أننا وضعنا عزتنا واعتبارنا قرباناً في سبيل مصلحة الإسلام والمسلمين وإلا ما كنت رضيت عن هذا العمل، ولن أضن بنفسي على الاستشهاد في سبيلها.. اليوم يوم امتحان إلهي فلا تدعوا الثورة تقع في يد غير الأخلاقيين أو دعاة الهزيمة والردة، وينبغي أن نضع مخططاً من أجل تحقيق أهداف ومصالح شعب إيران المحروم، ويجب أن نكون على صلة بأحرار العالم والمسلمين، وأن تكون حماية المناضلين والمكافحين ضمن أهداف سياستنا الخارجية.. إن ما أدى إلى هذا القرار في الظروف الراهنة قدر إلهي، وقد عقدت معكم ميثاقاً بأن أحارب حتى آخر نقطة دم وحتى آخر نفس، ولكن قبولي لقرار مجلس الأمن اليوم إنما كان لتحقيق المصلحة المشتركة، وفقط بأمل رحمة اله ورضاه فعلت ما رأيته صواباً، وإن كنت قد تنازلت عن عزتي فإن هذا عهد مني لله.. إنني أعلم أن الاستشهاد أسهل عليكم من إحساسكم بالضعف ولكن ألا يجدر هذا بخادمكم أيضاً؟! ولكننا نتحمل لأن الله مع الصابرين".

      أدرك الخميني ضرورة القيام بتغييرات في النظام وسياساته بحيث تتلاءم مع ظروف وقف الحرب، وقد تمثلت أولى محاولات التغيير في إلغاء قراره السابق بمنح حق التعزير الشرعي والقانوني والإجرائي للحكومة الصادر في 7 /12 / 1987 م وأصدر قراراً جديداً بتشكيل مجمع تحديد مصلحة النظام (مجمع تشخيص مصلحت نظام) برئاسة "سيد علي خامنه اي" رئيس الجمهورية في 9 / 9/ 1988 م، ومنح في هذا القرار حق التعزير للفقهاء جامعي الشروط في حين أعطى مجمع تحديد المصلحة الحق في التنفيذ أو عدم التنفيذ.

      كذلك رأى الخميني تعديل أوضاع المؤسسات الثورية مثل مؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الخامس عشر من خرداد، ومؤسسة الشهيد، ومؤسسة معوقي الحرب ومؤسسة مساعدات الإمام، فأصدر قرار بتكليف مير حسين موسوي رئيس الوزراء بدمج هذه المؤسسات وإنشاء مؤسسات جديدة تلبي احتياجات الجماهير في مرحلة ما بعد الحرب.

      امتدت رياح التغير إلى الممارسة السياسية حيث اضطر علي أكبر محتشمي وزير الداخلية إلى إعلان موافقة الوزارة على السماح للأحزاب السياسية في إيران بممارسة نشاطها السياسي وفقاً للضوابط واللوائح والقوانين التي أقرها مجلس الشورى الإسلامي.

      شمل التغيير أيضاً تنظيمات علماء الدين حيث أمر الخميني بإنشاء "المجلس الأعلى لهيئة الدعوة الإسلامية" وعين آية الله جنتي رئيساً له.

      وافق الخميني على الطلب الذي تقدم به مائة وثمانية وعشرون عضواً في مجلس الشورى الإسلامي بتعديل الدستور وشكل لجنة لمراجعة الدستور واقتراح التعديلات اللازمة، وتتكون من "سيد علي خامنه اي" رئيساً وعضوية حجج الإسلام" طاهري خرم آبادي، هاشمي رفسنجاني، مؤمن، أميني، مير حسين موسوي، حسن حبيبي، موسوي أردبيلي، موسوي خوئينيها، محمد كيلاني، خزعلي، محمد يزدي، إمامي كاشاني، أحمد جنتي، مهدوي كني، آذر قمي، توسلي محلاتي، مهدي كروبي، عبدالله نوري، وخمس ممثلين لمجلس الشورى هم: حسن هاشميان، عميد زنجاني، أسد الله بيات، نجفقلي حبيبي، سيد هادي خامنه اي، وحدد القرار مدة شهرين لعمل اللجنة، كما حدد إطار المسائل موضوع البحث وهي: الزعامة، المركزية في السلطات الثلاث، عدد أعضاء مجلس الشورى وتغيير تسميته، عمل مجمع تحديد المصلحة المشتركة، فضلاً عن أسلوب إعادة النظر في الدستور.

      وبدأت لجنة تعديل الدستور عملها فشكلت أربع لجان فرعية لتتولى كل منها بحث عدد من المسائل لكن وفاة الخميني أوقفت عمل اللجنة بشكل مؤقت.

وفاة الخميني

      توفي الخميني في 3 / 6/ 1989 م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين بعد عملية جراحية لوقف نزيف في جهازه الهضمي قبل أحد عشر يوماً من وفاته، وكان آية الله العظمى روح الله بن مصطفى أحمد الموسوي الخميني قد ولد في مدينة خمين بالمنطقة الوسطى من إيران سنة 1901 م، وكان أبوه قد قتل ضحية خلاف بين بعض أمراء الأسرة الحاكمة في إيران في العصر القاجاري ولم يكن روح الله قد تجاوز ستة أشهر من عمره، وأتم الخميني دراسته الأساسية في سن التاسعة عشرة ثم ذهب إلى "أراك" حيث تتلمذ على يد كل من آية الله محسن أراكي وآية الله عبدالكريم حائري، ثم ذهب إلى قم سنة 1921 م، وهناك ساعد في إنشاء مركز الدراسات والبحث العلمي الديني والمذهبي، وقد تزوج سنة 1927 م وأنجب ثلاث بنات وولدين هما مصطفى وأحمد، وقد توفي مصطفى على أثر حادث غامض في العراق سنة 1977 م، وقد حصل الخميني على درجة الاجتهاد في قم في الفلسفة وأسس الفقه الإسلامي، وكان من أوائل كتبه "كشف الأسرار" الذي أفتى فيه بعدم طاعة الحاكم الدكتاتور، كما هاجم فيه علماء السلطان، وله كتاب العلوم الإسلامية (إلهيات إسلامي) في أحد عشر مجلداً معظمها باللغة العربية حاول أن يقنن فيه الأيديولوجية الإسلامية ومعرفة الله، وقد اعتقل الخميني في يونيو سنة 1963 م ثم أفرج عنه وحددت إقامته بمنزله ثمانية أشهر، ثم نفي إلى تركيا ثم إلى العراق، حرض على مظاهرات قم الدامية ثم على مظاهرات تبريز التي انتهت بمذبحة، وفي خريف سنة 1978 م غادر العراق إلى باريس وشكل هناك مجلساً لقيادة الثورة ضد نظام الشاه، وظل هناك حتى عاد إلى طهران في أول فبراير سنة 1979 م ومن هناك أعلن نجاح الثورة الإسلامية في 11 / 2/ 1979م.

      ومع الإعلان عن وفاة الخميني أعلن الحداد الرسمي لمدة أربعين يوماً وتعطيل الدوائر الرسمية في إيران لمدة أسبوع وقد عقد مجلس الخبراء برئاسة آية الله مشكيني اجتماعاً طارئاً في 4 / 6/ 1989 م اختار خلاله سيد علي خامنه اي للزعامة بأغلبية ثلثي الأصوات خلفاً للخميني.

الزعيم "خامنه اي"

      ولد "آية الله سيد علي خامنه اي" في مشهد سنة 1939 م وينحدر من أسرة متدينة من السادة "أصحاب العمائم السوداء" وقد درس العلوم الدينية في الحوزة العلمية بمدينة مشهد، ثم انتقل إلى الحوزة العلمية، في قم لاستكمال دراسته، ثم ذهب إلى النجف بالعراق ليتابع دراسته بحوزتها العلمية، ثم عاد إلى قم مرة أخرى ليتتلمذ الفقه والسياسة والثورة على يد الخميني، شارك في الكفاح السياسي ضد الشاه ونظامه الحاكم مما أدى إلى اعتقاله وسجنه ست مرات بين سنوات 64 ـ 1978 م، كان عضواً في أول مجلس لقيادة الثورة الإسلامية بزعامة الخميني، عين "خامنه اي" نائباً لوزير الدفاع سنة 1979 م في أول حكومة بعد الثورة، ثم ممثلاً للخميني في المجلس الأعلى للدفاع، أصبح إماماً للجمعة في طهران منذ يناير سنة 1980 م، تعرض لمحاولة اغتيال في 27 / 6/ 1981 م مما أدى إلى حدوث شلل في ذراعه الأيمن، أصبح ثالث رئيس جمهورية في أكتوبر سنة 1981م. تعرض لمحاولة اغتيال أخرى أثناء إلقاء خطبة الجمعة في المسجد الجامع بطهران في مارس سنة 1985 م عندما فجرت منظمة مجاهدي خلق قنبلة في المسجد بالقرب من المنبر ولكنه لم يصب بأذى وأكمل خطبته، كما أن "خامنه اي" أديب واسع الثقافة ومجتهد متمرس يجيد اللغة العربية إجادة تامة، له آراء فقهية عديدة وألف العديد من الكتب منها:

      مستقبل الإسلام، التصدي للثورة الغربية، دور المسلمين في حركة تحرير الهند، وله دراسات فقهية في الاقتصاد الإسلامي والعدالة الاجتماعية والأخلاق الإسلامية.

إعادة ترتيب الأوراق

      كانت الخطوة الأولى التي تمت في إعادة توزيع السلطة وترتيب الأوراق هي استقرار خامنه اي في منصب الزعامة الذي تحددت سلطاته، وكانت الخطوة الثانية هي استقرار الدستور بعد تعديله بما يتناسب مع الوضع الجديد، وكانت الخطوة الثالثة هي توزيع المسؤوليات والحقائب وتمثلت في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية فضلاً عن مجمع تحديد مصلحة النظام.

      وقد تزامنت عملية انتخابات رئاسة الجمهورية التي خلت بتعيين خامنه اي زعيماً مع عملية الاستفتاء على الدستور بعد تعديله وأدت النتيجة إلى فوز هاشمي رفسنجاني بمعقد رئاسة الجمهورية بأغلبية ساحقة 94.5% وإقرار الدستور المعدل.

      وقد تنحى سيد علي خامنه اي عن رئاسة الجمهورية قبل موعد انتهاء مدته القانونية وآثر أن يبدأ رفسنجاني مهمته مبكراً فتسلم منصبه في 17/8/1989 م، وفي نفس اليوم انتخب مهدي كروبي رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي بدلاً منه وانتخب حسين هاشميان نائباً لرئيس المجلس وأسد الله بيات نائباً ثانياً، وفي نفس اليوم أيضاً عين آية الله خامنه أي آية الله محمد يزدي رئيساً للسلطة القضائية.

تعديل الدستور وموقف الولي الفقيه

      استكملت لجنة تعديل الدستور واللجان المنبثقة عنها أعمالها بعد أن كانت قد تلقت آلاف الاقتراحات، وقد بلغ مجموع جلسات اللجنة إحدى وأربعين جلسة توصلت خلالها إلى عدد من القرارات بشأن تعديل عدد من مواد الدستور، وكان أهم قراراتها هو:

  1. مركزة إدارة السلطة التنفيذية والمسؤوليات الناجمة عنها في يد رئيس الجمهورية مما يعني إلغاء منصب رئيس الوزراء.
  2. تعديل المادة 157 من الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية بحيث تتمركز إدارة السلطة القضائية في يد مجتهد عادل عالم بالشؤون القضائية مدير مدبر.
  3. يكون الاسم الرسمي للمجلس التشريعي هو مجلس الشورى الإسلامي وأن يبقى عدد أعضائه كما هو (270 عضواً) على أن يضاف عضو واحد إلى المجلس عن كل مليون شخص زيادة في عدد سكان إيران كل عشر سنوات.
  4. يكون قرار تعيين أو عزل المدير التنفيذي للإذاعة والتليفزيون لرئيس الجمهورية وإجماع آراء رؤساء السلطات الثلاث.
  5. يكون لمجمع تحديد مصلحة النظام الحق في النظر في القوانين التي يرفضها مجلس الرقابة على القوانين إذا أصرت الحكومة عليها، وإقرارها أو رفضها حسب المصلحة العامة، فضلاً عن وظيفة المجمع كمستشار للزعيم والفصل في النزاع بين السلطات الثلاث وعرض أسلوب حل المشاكل على الزعيم لإقراره.
  6. منح الحق لمجلس الشورى الإسلامي في مساءلة كل وزير على حده بطلب من عشرة أعضاء، وكذلك مساءلة رئيس الجمهورية بطلب من ثلث أعضاء المجلس، وحق النظر في سحب الثقة من رئيس الجمهورية بطلب من ثلثي أعضاء المجلس.

      فيما يتعلق بولاية الفقيه فلم يمس التعديل المبدأ على إطلاقه وظلت للولي الفقيه كل الصلاحيات التي كانت له، وإن كان التعديل قد أكد على عدم اشتراط أن يكون الولي الفقيه مرجعاً من مراجع التقليد وإنما يكفي أن يكون مجتهداً، وأكد التعديل على الفرق بين حكم الولي واعتبره بحسب اجتهاده وتكون حجة عليه أمام المراجع ولا تكون ملزمة إلا لمقلديه، ويتولى مجلس الخبراء تعيين وعزل الزعيم وألغيت فكرة نائب الزعيم.

      دلت قائمة الوزراء التي قدمها هاشمي رفسنجاني إلى مجلس الشورى الإسلامي بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء على رغبة النظام في التغيير والاتجاه إلى التعمير وإعادة البناء، كما دل نجاح الوزراء في الحصول على ثقة المجلس بأغلبية كبيرة على هذا الاتجاه، بحيث جاءت نتيجة الاقتراع على الثقة كما يلي:

 

246 موافقاً 10 معارضاً 4 ممتنعاً.

سيد محمد خاتمي وزير الثقافة والإرشاد القومي

1.

245 موافقاً 5  معارضاً 7 ممتنعاً.

بيزن نامدار نجنة وزير الطاقة

2.

242 موافقاً 10 معارضاً 9 ممتنعاً.

أكبر تركان وزير الدفاع ودعم القوات المسلحة

3.

231 موافقاً 18 معارضاً 10ممتنعاً.

غلا مرضا اقازاده وزير النفط

4.

227 موافقاً 16 معارضاً 6 ممتنعاً.

مصطفى معين وزير الثقافة والتعليم العالي

5.

224 موافقاً 18 معارضاً 16 ممتنعاً.

حسين كمالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية

6.

224 موافقاً 20 معارضاً 15 ممتنعاً.

عبدالله نوري وزير الداخلية

7.

222 موافقاً 21 معارضاً 9 ممتنعاً.

محمد سعيدي كيا وزير الطرق والنقل

8.

221 موافقاً 30 معارضاً 10 ممتنعاً.

غلا مرضا فروزش وزير جهاد التعمير

9.

218 موافقاً 26 معارضاً 11 ممتنعاً.

محمد هادي نزاد حسينيان وزير الصناعات الثقيلة

10.

217 موافقاً 28 معارضاً 12 ممتنعاً.

محمد رضا نعمت زاده وزير الصناعة

11.

213 موافقاً 35 معارضاً 10 ممتنعاً.

علي أكبر ولايتي وزير الخارجية

12.

209 موافقاً 30 معارضاً 18 ممتنعاً.

إسماعيل شوشتري وزير العدل

13.

203 موافقاً 16 معارضاً 11 ممتنعاً.

سيد محمد غرضي وزير البريد والبرق والهاتف

14.

195 موافقاً 43 معارضاً 19 ممتنعاً.

محسن نور بخش وزير الاقتصاد والمالية

15.

186 موافقاً 53 معارضاً 20 ممتنعاً.

عيسى كلانتري وزير الزراعة

16.

165 موافقاً 86 معارضاً 9 ممتنعاً.

ايرج فاضل وزير الصحة

17.

160موافقاً 86 معارضاً 12 ممتنعاً.

محمد علي نجفي وزير التربية والتعليم

18.

158 موافقاً 79 معارضاً 18 ممتنعاً.

علي فلاحيان وزير المعلومات

19.

150 موافقاً 85 معارضاً 23 ممتنعاً.

حسين محلوجي وزير التعدين

20.

147 موافقاً 93 معارضاً 18 ممتنعاً.

عبدالحسين وهاجي وزير التجارة

21.

145 موافقاً 97 معارضاً 14 ممتنعاً.

سراج الدين كازروني وزير الإسكان وبناء المدن

22.

إعادة البناء وتحويل إيران من الثورة إلى الدولة

      لا شك أن محاولة الانتقال في إيران من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة مع المحافظة على روح الثورة في الأداء المنظم قد استتبعت كثيراً من التغييرات التي يمكن ملاحظتها بوضوح ـ في عملية إعادة البناء ومحو آثار الحرب ـ سواء على مستوى النخبة أو السلطة الحاكمة أو القوانين أو تعديل الاستراتيجية العامة وسياستها وحتى على مستوى الممارسات الفعلية في حركة النظام داخل إيران وخارجها.

      لقد كان من الصعب مع وجود الزعيم الراحل آية الله الخميني الجزم بوجود صقور وحمائم داخل النخبة لأن النغمة العالية للثورة في كافة التوجهات والسياسات وما كان يزكيها من حرب مع العراق وظروف إقليمية ودولية غير مواتية وتبلور جبهة معادية واسعة ضد النظام الإيراني جعلت الأصوات المعتدلة تخفت، والأصوات المعارضة تغادر الساحة إلى الخارج أو تنزوي في الداخل، ولكن مع قبول إيران وقف الحرب، وبدء التغييرات الدستورية، ثم وفاة الخميني، وبدء التغييرات في الجهاز الحاكم، واستقرار ثنائية القيادة بين "خامنه اي" و"رفسنجاني" بدأ التمايز بين الصقور والحمائم في النظام، بل لقد أصبح للحمائم القدرة على إزاحة الصقور من مائدة اتخاذ القرار، فتضاءل عدد المتشددين وكثر عدد الفنيين لا على مستوى السلطة التنفيذية وحدها بل امتد إلى السلطتين التشريعية والقضائية، فقد جاءت نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في دورته الرابعة مؤيدة للتوجه الجديد، كما امتد التغير إلى السلطة القضائية فأقفلت محاكم الثورة فعلياً وتولى الحمائم مناصب المدعي العام والمفتش العام ورئاسة المحكمة العليا مما أدى إلى اتخاذ فلسفة جديدة للقضاء الإيراني.

      وقد تقلص عدد علماء الدين في السلطة التنفيذية وانسحبوا إلى مواقع اختصاصهم الحقيقية في التشريع والقضاء.

      وقد انعكس التغيير في النخبة على قوانين النظام وسياسته، حيث كانت أهداف السياسة الخارجية (مثلاً) في المرحلة الأولى تتضمن عدداً من النقاط التي تعبر عن تداخل الأهداف والمفاهيم بين الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، فمن المحافظة على استقلال إيران وسيادتها على أراضيها إلى تحرير مستضعفي العالم من سلطة المستكبرين، ومن إيجاد علاقات حسنة مع الآخرين إلى تصدير الثورة الإسلامية بكل الوسائل المتاحة، ومن تحقيق الأمن القومي الإيراني إلى مساعدة حركات التحرر في العالم،هذا التداخل الثوري في المفاهيم والأهداف جعل النظام الحاكم يضع نظرية الاستضعاف أساساً للسياسة الخارجية تطبيقاً لقاعدة التولي والتبري الفقهية مما كان له رد فعل سلبي على العلاقات الإيرانية مع دول العالم، حيث وضع النظام جيش حراس الثورة الإسلامية في خدمة السياسة الخارجية وتحقيق أهدافها في مجالي تصدير الثورة ومساعدة المستضعفين مما أدى إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن حدث تحول تدريجي في السياسة الخارجية تمثل في الانسحاب المنظم للأنشطة العنيفة خارج إيران خاصة من مراكز التوتر في العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة، واصبح الدعم الذي تقدمه إيران للحركات الثورية والإسلامية يخضع لمراجعات كثيرة فانكمش بشكل حاد، كما قام الرئيس رفسنجاني بعملية فصل واضحة بين وزارة الخارجية وجيش حراس الثورة الإسلامية.

      وقد بدأت التعديلات التي أدخلت على الدستور الدائم للجمهورية الإسلامية إلى دعم كبير للسلطة التنفيذية حيث أصبح رئيسها هو الشخصية الثانية الرسمية في البلاد مما أتاح لرفسنجاني أن يطلق يده في قيادة المؤسسة السياسية ورسم خططها لمدة ثماني سنوات هي فترة الدورتين اللتين يسمح بهما الدستور لرئيس الجمهورية، ويشير اختيار رفسنجاني لقائمة وزرائه إلى رغبة في تحويل مجلس الوزراء من حكومة سياسية للثورة إلى حكومة فنية متخصصة فرغم اختياره ثلاثة من علماء الدين من أعضاء مجلس الشورى لثلاث وزارات حساسة هي المعلومات والداخلية والعدل إلا أنه استبقى من الوزراء السابقين من أصبح ذا خبرة في مجال إدارته مثل "ولايتي" في الخارجية و"خاتمي" في الإرشاد الإسلامي و"غرضي" في الاتصالات و"سعيدي كياً" في الطرق والنقل و"كازروني" في الإسكان، و"اقازاده" في النفط.

      ودل على تغيير السياسة الإيرانية إغماض العين إزاء نفوذ وتسلل رؤوس الأموال الأمريكية أو الشركات الاستثمارية في إيران رغم مواجهة الحكومة ضغوط كثيرة من المتشددين.

      وفي إطار هذا التحول سارعت إيران إلى مد جسور اللقاء والتعاون مع عدد من الدول في أوروبا ومع الجمهوريات المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي ودول أمريكا اللاتينية.

      وتمثل الفترة الثانية من رئاسة رفسنجاني للجمهورية الإسلامية في إيران محصلة سياسات الفترة الأولى حيث احتفظ 13 وزيراً من بين 22 وزيراً بمواقعهم في الحكومة ودفع رفسنجاني بدماء جديدة لتطوير المسيرة المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي ووضع خطة خمسية ثانية تستكمل فيها مشروعات التعمير ويتم فيها دفع عجلة التطوير الاقتصادي من الانغلاق للانفتاح.

وقد حدد رفسنجاني مهام الحكومة في النقاط التالية:

  1. وضع برنامج اقتصاد بدون نفط والقيام بأنشطة ومشروعات أساسية وعمرانية وإنتاجية وتفتيت مركزية النشاط الاقتصادي وتوزيعه على مختلف أنحاء البلاد.
  2. وضع برامج اقتصادية من خلال نموذج الاقتصاد الإسلامي وفكره وأبعاده يتم خلالها التنسيق بين قضية إعادة البناء والإعمار وبين قيم الثورة ومصالح الجماهير.
  3. الاهتمام بقضية الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي وفك التبعية الاقتصادية.

      دلت أحداث المعركة الانتخابية التي دارت بين الاتجاهات المختلفة التي يتزعمها رموز النظام الحاكم في إيران من أجل صياغة مجلس نيابي جديد في دورته الخامسة أن رياح التغيير تواصل دفعها وأنه لا مفر للنظام من أن يهيئ نفسه لقبول التغيير من خلال إعادة صياغة هيكل النظام وسياساته وربما استراتيجيته حتى يضمن لنفسه البقاء والاستمرار في حكم إيران.

      فإذا كانت العناصر المعتدلة والإصلاحية قد نجحت في الوصول إلى عضوية مجلس الشورى الإسلامي وكونت تكتلاً مؤثراً في مواجهة المحافظين المتشددين فإن الاتجاه لتعديل الدستور من أجل منح الرئيس هاشمي رفسنجاني فترة رئاسة ثالثة قد واجه اعتراضاً كبيراً في الأوساط السياسية مما أدى برفسنجاني نفسه إلى رفض هذا الاتجاه، لذلك أخذت الجماعات السياسية في اختيار مرشح جديد لرئاسة الجمهورية ووضع الشروط الواجب توافرها في هذا الرئيس.

وقد وضحت أهم ملامح التحول السياسي في إيران خلال الفترة الأخيرة ويمكن رصدها فيما يلي:

  1. العودة للجمع بين الزعامة السياسية والمرجعية الدينية في شخص الزعيم آية الله "خامنه اي" ويدعم ذلك أن المراجع الباقين على قيد الحياة في مرحلة سنية وعلمية متقاربة مع "خامنه اي" وهو يفضلهم بالإنجازات التي حققها في تطوير وتحديث الحوزات الدينية وزيادة دخلها ومشروعاتها وزيادة عدد المقلدين فضلاً عن نضج الفتاوي التي يصدرها.
  2. استقرار موقع آية الله هاشمي رفسنجاني كمساعد سياسي وتنفيذي ومستشار للزعيم ورئيس لمجمع تحديد مصلحة النظام، وقد دل قرار إعادة تنظيمه وتشكيله وتحديد السلطات الثلاث على الأهمية التي أعطيت للجهاز ورئيسه.
  3. ارتباط السلطة التنفيذية بالشعب خاصة جيل الشباب بعد وصول شخصية مقبولة من علماء الدين لرئاسة الجمهورية لقي برنامجه الإصلاحي ترحيباً كبيراً بين الأوساط الشعبية خاصة وأن هذا الرئيس "خاتمي" وضع على عاتقه الحفاظ على سيادة القانون والدستور.
  4. ضخ دماء جديدة في السلطة التنفيذية من الفنيين والشباب وإتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة في تحمل المسؤولية.
  5. تشكيل المجالس المحلية من خلال الانتخاب الحر لتقوم بدورها في عملية البناء والمتابعة والرقابة.
  6. توجيه الاقتصاد إلى الانفتاح والخصخصة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص والتعاونيات.
  7. تهيئة المجال لنشاط الجمعيات السياسية وظهور الأحزاب وحرية الرأي والنقد.

 

 



[1]  هذه المعلومات منقولة عن الصحف الإيرانية باللغة الفارسية الصادرة في هذه الفترة.