إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

2. تداعيات أحداث سبتمبر على النظام الدولي:

وتشمل الجوانب النظرية ورصد التحولات على المستوى الفكري والأيديولوجي وظهور المفاهيم الجديدة وتحليل التغيرات في المجال الثقافي وكذلك الجوانب التنظيمية والقانونية والتحولات في هيكلية النظام، وأخيراً الجوانب الحركية والممارسات على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.

    أ. تأثيرات الحدث:

(1) في المجال الفكري والأيديولوجي:

جاء ظهور تنظيم القاعدة ليثير التساؤل لدى الغرب عن أسباب العنف الديني العابر للقارات، ووجهت التهمة إلى حركات الإسلام السياسي كافة، وصار ينظر لها بوصفها حركات إرهابية، وامتدت النظرة في بعض الأحيان لتشمل البلاد العربية والإسلامية، التي اتهمت بأن ثقافتها تحبذ العنف، وترفض القيم الغربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أعادت أحداث 11 سبتمبر الحديث من جديد عن صراع الحضارات، كما أشار إلى ذلك صمويل هنتنجتون من قبل، وتقترب محاور هذا الصراع الحضاري من المفهوم نفسه الذي طرحه، حيث صار الحديث عن انقسام العالم إلى عالم الخير الذي تمثله حضارة الغرب وعالم الشر الذي تمثله بعض الدول العربية والإسلامية المارقة وغيرها من الدول المعارضة للتوجهات الرأسمالية الأمريكية. وحاولت أمريكا، بعد أحداث سبتمبر، صياغة خطاب أخلاقي تملي بواسطته على شعوب العالم تعريفها لمفهوم الشر والخير، وتحدد من هي الدول والقوى الصالحة والأخرى الطالحة. واتجه الفكر الأمريكي نحو إطلاق أحكام أخلاقية ذات طابع ديني منها على سبيل المثال استخدام جورج بوش الابن مفهوم الحرب الصليبية لكنه تراجع عنه. وذلك في محاولة لتبرير شن الحرب واستخدام القوة العسكرية، والإصرار على تبرير الحرب على أفغانستان وطالبان بوصفها ضرورة أخلاقية، تصل إلى مرحلة القداسة الدينية، للرد على العنف والكراهية الذي تمثله القوى الشريرة مثل بن لادن وصدام حسين. وذلك نقيض للفكر الأمريكي الذي كان سائداً قبل أحداث 11 سبتمبر، والذي كان يحاول تبرير الحروب على أساس مبادئ الحرية والديمقراطية والمصالح التي تمثل أساس الحضارة الغربية.

وقد توسعت النظرة الأمريكية الأيدولوجية في حربها على الإرهاب، وبدأ التركيز على ضرورة التدخل في الجوانب الثقافية والتعليمية للشعوب الأخرى لمنع ظهور التيارات الدينية، التي تقف موقف النقيض من ثقافة العولمة وتعمل على التصدي لفكر الغرب وحضارته.

(2) في المجال القانوني والمؤسسي:

ثار جدل كبير في تحديد ما إذا كانت أحداث 11 سبتمبر تشكل نقطة تحول وانقطاع في النظام الدولي الجديد أم أنها استمرار للوضع السابق، وإن كان هناك شبه إجماع على أن هذه الأحداث تشكل دلالة على عدم وضوح هذا النظام وأنها تكشف محدوديته وقصوره في مواجهة التحديات القادمة.

كشفت أحداث 11 سبتمبر عن ظهور نوعية جديدة من الاستقطاب وحلت ثنائية جديدة تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوى الإرهاب ودول وصفتها أمريكا بالدول المارقة والتي تشكل ملاذاً للإرهاب.

ومن ثَم، يمكن القول إن النظام الدولي قد عرف فاعلاً جديداً كعنصر من عناصر المجتمع الدولي يتمثل في عولمة الإرهاب. فقد خرج الإرهاب من العولمة؛ ليمثل نوعاً من العولمة المضادة، وهو فاعل ليس قطرياً ولا إقليمياً ولا يمر عبر مؤسسات الدول، وله مقوماته الذاتية واستقلاليته وكثير من الجماهير المتعاطفة معه. وأصبحت أمريكا تنظر إلى انقسام العالم بين دول الخير وقوى الشر.

وقد عُبِّر عن هذا التوجه من جانب الأمم المتحدة، بإصدار القرار 1368 والذي فوض بموجبه مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية، لاتخاذ الإجراءات للرد على المعتدين والمسؤولين عن الاعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية في أحداث سبتمبر 2001.

وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تخطي دور الأمم المتحدة، وأقامت تحالفاً داعماً لهجومها على أفغانستان وتنظيم القاعدة، وشملت هذه التحالفات معظم دول العالم تحت ضغط القوة الأمريكية، حفاظاً على مصالحها، وإن كان هناك عدم تحمس في كثير من الدول -وخاصة على مستوى الرأي العام في الدول العربية والإسلامية- للمشاركة في الأعمال العسكرية.

(3) في المجال السياسي:

كشفت أحداث 11 سبتمبر عن الهوة الواسعة بين المبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن النظام الدولي الجديد بما يمثله من سيادة روح الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعاون الدولي لحل المشكلات الدولية بصورة سلمية وما يدور في العالم من تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001

 (أ) الموقف الروسي:

من ناحية الجغرافيا السياسية، أعادت أحداث 11 سبتمبر التنبيه إلى أهمية آسيا الوسطى وموقعها الإستراتيجي على أساس أنها تشكل قلب العالم. وقدمت روسيا تنازلات سياسية وأمنية في هذه المنطقة التي كانت من المحرمات في السياسة الروسية، وقدمت روسيا نفسها كشريك للغرب في محاربته الإرهاب بدلاً من كونها مهدداً لهذا الغرب. وأدى تأييد معظم الدول الكبرى في شمال العالم للعمليات العسكرية الأمريكية إلى الحديث عن تعاون نصف الكرة الشمالي ضد المخاطر القادمة من النصف الجنوبي.

(ب) المجموعة الأوروبية:

أما المجموعة الأوروبية فقد افتقدت إلى التحرك الموحد تجاه أحداث 11 سبتمبر، فعلى الرغم من الوحدة الاقتصادية والمالية التكاملية التي حققتها أوروبا، فإن ردود فعلها تجاه الأحداث عكست غياب وجود سياسة خارجية موحدة. إذ اتسمت مواقف دولها بالفردية، وبادرت كل دولة للاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية من منطلق ظروفها الخاصة. ومن ثَم، فإن هذه الأحداث كشفت عجز أوروبا عن أن تشكل قوى سياسية، وتتبوأ مكاناً يليق بقوتها، إلى درجة وصفها بأنها عملاق اقتصادي، لكنها ليست سوى قزم سياسي.

(ج) العالم العربي:

أما في المجال العربي، فيمكن تلخيص انعكاسات أحداث سبتمبر على الوطن العربي بالقول إن الوطن العربي كان معنياً بهذه الأحداث أكثر من غيره، وذلك لاتهام عناصر عربية بالوقوف وراء هذه الأحداث. هذا إضافة إلى اتهام بعض الدول العربية بأنها على علاقة بالمتهمين، ومن ثم، فإن المنطقة العربية كانت الطرف الأول في هذه الأحداث وأمريكا هي الطرف الثاني. لكن الملاحظ أن أمريكا حاولت المحافظة على استقرار المنطقة العربية، ولم تحاول إدخالها في نظام العولمة بما فيها من ديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها من أطر سياسية واجتماعية حديثة، ما انعكس سلباً على المنطقة، وجعلها مكاناً للقوى المتطرفة.

ومن ثَم، فقد اختارت أمريكا إعلان الحرب على الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان المجال الطبيعي للحرب الأمريكية. وقد شملت هذه الحرب التهديد بالعمل المسلح ضد بعض الدول، واستخدام وسائل استخبارية وأمنية ضد أنظمة وتنظيمات وجمعيات وأفراد وامتدت لتشمل مجالات الثقافة والأنشطة الخيرية.

ولكن المشكلة الأكثر إثارة في المنطقة العربية ذلك التوافق بين الهجوم الأمريكي على الإرهاب وحرب إسرائيل على الانتفاضة، وانشغال الدول العربية بتأكيد خيارها الإستراتيجي نحو السلام ومحاربة الإرهاب، مع الإصرار على تأييد الانتفاضة كحق شرعي ورفض ربطها بالإرهاب، لكن السياسة الإسرائيلية حاولت الربط بين الانتفاضة والحرب على الإرهاب.

(4) في المجال العسكري:

بعد أحداث 11 سبتمبر، تحولت الإستراتيجية الأمريكية نحو إعطاء أولوية للحرب على الإرهاب وتبني سياسة الضربات الوقائية لظهور تهديدات من جانب مجموعات مسلحة، والعمل على توسيع دائرة الحرب، لتشمل دولاً أخرى غير أفغانستان، مع السعي لتشكيل تحالفات عسكرية متعددة الأطراف والتخلي عن سياسة العزلة.

وفي الوقت نفسه، احتفظت السياسة الأمريكية لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية بشكل محدود ضد الدول التي تُعَدّها الولايات المتحدة الأمريكية دولاً مارقة ترعى الإرهاب وتهدد السلم العالمي بامتلاكها أسلحة الدمار الشامل مثل: العراق، وإيران، وكوريا الشمالية. وقد قادت هذه السياسة إلى وجود مفهوم جديد للأمن: هل الأمن مرتبط بأمن الحدود أم أمن المواطنين؟ وهل الأمن يكون لكل دولة على حده بمعزل عن الدول الأخرى أم أنه أمن جماعي يفترض نوعاً من الاعتماد المتبادل؟ وهل التهديدات للأمن تأتي من الخارج أم من الداخل؟. لقد اكتشفت أمريكا أنها تواجه تهديداً من نوع جديد يستهدف الكيان والوجود الأمريكي، عبر استخدام أسلحة وهجمات غير متوقعة، بهدف تحقيق خسائر مادية وبشرية جسيمة، ويصل بالخطر إلى قلب أمريكا والمواطن الأمريكي لأول مرة، ما استدعى مواجهته بهجوم ساحق وحرب شاملة من طرف أمريكا تعبئ فيه كل إمكاناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. فالحرب التي تشنها أمريكا على الإرهاب لا يوجد فيها عدو واضح ينبغي هزيمته، ولا توجد فيها معايير محددة للنصر، ما يجعل هذه الحرب ممتدة ومتنوعة الوسائل، وهي تتطلب إعادة تقييم القوى التي تهدد الولايات المتحدة الأمريكية.

وأدت هذه التغيرات في مفهوم الأمن الأمريكي إلى إعادة تحديد مهمة وكالة الاستخبارات (CIA)، وإمكانية استخدام مصادر معلومات جديدة، وفتحت المجال لإسهام القطاع الخاص للمشاركة في هذا المجال عن طريق تطوير التكنولوجيا الأمنية.

(5) المجال الاقتصادي:

ظهر اتجاه واضح ضمن النظام الدولي الجديد نحو تغيير وظيفة الدولة الاقتصادية، خاصة في دول العالم الثالث، فبدلاً من التركيز على تحقيق التنمية الاقتصادية وعدالة توزيع الدخل، أصبح التركيز على الإصلاح الاقتصادي الذي يعني زيادة نصيب القطاع الخاص على حساب القطاع العام، وذلك في مختلف المجالات من استثمارات وتشغيل وإطلاق آلية السوق لتحقيق إنتاجية أكبر وتحقيق التوازن على المستوى الكلي.

وكان ينظر للولايات المتحدة بوصفها القائدة لهذا النظام الاقتصادي العالمي القائم أساساً على العولمة والخصخصة في الوقت نفسه، وأن هذا النظام يعطي أهمية للشركات العملاقة ومؤسسات التمويل الدولية لإدارة النظام الاقتصادي العالمي.

وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتشكل نقطة فاصلة في تحدي نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها القوة العظمى والعملاق الاقتصادي المهيمن على النظام الاقتصادي العالمي، وتعرضها لهجوم واسع استهدف رموز عظمتها الاقتصادية.

وقد أدت تلك الأحداث إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد الأمريكي، وأدت إلى انهيارات في سوق الأسهم والسندات الأمريكية وتراجع قيمة الدولار مقارنة بالعملات العالمية الأخرى، وتزايد نسبة البطالة وإعلان بعض الشركات عن إفلاسها وما تبع ذلك من ظهور فضائح في ميزانيات الشركات الكبرى. وقد قُدِّرت قيمة الخسائر المادية نتيجة تلك الهجمات على أمريكا بأكثر من 60 مليار دولار، إضافة إلى الخسائر الناتجة من النفقات الأخرى المتعلقة بالعمليات العسكرية اللاحقة.

وتركزت جهود الولايات المتحدة الأمريكية في المجال الاقتصادي، بعد تلك الأحداث، على تأمين النفقات العسكرية للمجهودات الحربية الأمريكية، وتقديم الدعم للدول المؤيدة للجهود الأمريكية، والتي تشمل: باكستان، ودول آسيا الوسطى، وحتى روسيا، التي تحاول الحصول على مساعدات اقتصادية غربية كعائد لمساندة أمريكا في حربها على الإرهاب، هذا إضافة إلى بعض دول العالم العربي مثل: الأردن، ومصر.

ونتيجة لذلك كله، عانى الاقتصاد الأمريكي من التباطؤ في النمو، وظهور المشاكل الاقتصادية على السطح، بعد تراجع حجم الاستثمارات، ما دفع الدولة الأمريكية للتوسع في مجال الإنفاق العام، خاصة المجال العسكري، وتصاعد الاتجاه نحو عسكرة الاقتصاد، وفتح المجال لإسهام القطاع الخاص في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب لتنشيط العملية الاقتصادية.

3. حجم الخسائر الاقتصادية:

    في أعقاب هذا الحدث الكبير (انظر شكل بطء الدفاع الجوي، وشكل الرحلة الرقم 11، وشكل الرحلة الرقم 175)، أعلن الرئيس الأمريكي بوش الابن أن ما حدث أودى بحياة آلاف الأشخاص، وهدد أرزاق ومعيشة مئات الآلاف الآخرين (انظر صورة أحداث 11 سبتمبر، وصورة انهيار البرج الجنوبي، وصورة مبنى التجارة العالمي ينهار)، وتوالت البيانات عن حجم الخسائر كالآتي:

أ. أغلقت البورصة، لمدة أربعة أيام، نتج منها خسائر بمبلغ أربعة مليارات دولار، وقدرت خسائر الأسهم المتداولة على مؤشر داو جونز بنحو 1.3 تريليون دولار، وارتفع حجم الخسائر للشركات الصناعية الكبرى المسجلة في نفس المؤشر إلى نحو 2.5 تريليون دولار.

ب. قدرت خسائر ناسداك وأسهم التكنولوجيا بنحو 1.6 تريليون دولار، وبلغت خسائر شركات الطيران 40 مليار دولار، مع تسريح 100 ألف من العاملين بها.

ج. تُقدر الخسائر في موقع الحدث بمبلغ 105 مليار دولار، منها 45 مليار دولار قيمة المباني فقط، ومبلغ 20 مليار دولار لعملية إزالة آثار هذا التدمير، وبلغ عدد العمال الذين سُرِّحوا خلال شهر من الحادث 415 ألف عامل.

د. زاد معدل البطالة ليصل 5.4% وهو أكبر معدل خلال عشرين عاماً، وقد يزيد هذا المعدل ليصل 6.5%، ومع ارتفاع البطالة انخفض الإنتاج والاستهلاك، وقد لوحظ ذلك خلال شهر أكتوبر 2001. وقد خفض البنك المركزي الأمريكي ويسمى بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة 10 مرات خلال هذا العام 2001. ويُعَدّ زيادة معدل البطالة يشبه الانهيار في مؤشرات أداء بورصة وول ستريت الأمريكية، كما أن الانخفاض في إنفاق المستهلكين وخفض معدلات الإنفاق الاستثماري يدفع إلى مزيد من التباطؤ في النشاط الاقتصادي. وقد أعلنت هيئات اقتصادية تهاوي ثقة المستهلكين في الناتج المحلي الأمريكي، والذي يُعَدّ من أهم المؤشرات التي تعطي توقعاً جيداً عن الأداء الاقتصادي الأمريكي.

هـ. على الرغم من أن بوادر الركود الاقتصادي قد بدأت تظهر في بداية عام 2001، إلا أنه مع وقوع الأعمال الإرهابية في سبتمبر 2001 تأكد تدهور الحالة الاقتصادية أكثر فأكثر، كما أن الركود أصبح أمراً واقعاً، وقد أخطأت التقديرات بأن التعويضات التي ستُدفع وإعادة التعمير والإنفاق العسكري ستساعد على إنعاش الاقتصاد، حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي الأمريكي بنسبة 1.6%.

و. قبل أحداث سبتمبر 2001 كان الاقتصاد الأمريكي يقود اقتصاد العالم، وهذا يرجع إلى أن حجم الناتج المحلي الأمريكي يساوي 28% من الناتج الإجمالي العالمي، علاوة على أنه أكبر بلد مستورد في العالم. ولكن بعد هذه الأحداث، وصلت هذه القيادة الاقتصادية إلى نهايتها، وذلك سيفرض على جميع دول العالم اتخاذ سياسات خاصة للخروج من هذا الركود الاقتصادي بأقل خسائر ممكنة.

ز. الحقيقة أن كساداً عالمياً قد بدأ قبل أحداث سبتمبر، وأن هذه الأحداث قد جعلت هذا الكساد يتفاقم، وسيكون النمو في مجموعة الدول السبع الكبرى اقتصادياً أقل بصورة صارخة، وسوف يمر وقت طويل للتخلص من الديون وتخفيض القيود على النظم المالية.

ح. يرى هورست كوهلر مدير صندوق النقد الدولي أنه سيحدث انخفاض للنمو الاقتصادي مع ازدياد لمصاعب التمويل لكثير من الدول النامية، كما أن موقف الأسواق الناشئة للبلدان النامية أصبح أكثر صعوبة مع تقلص فرص الوصول للأسواق المالية والعالمية. وسوف تزداد تكاليف النقل الجوي، وتنخفض حركة السفر للسياحة، وترتفع أسعار وتكاليف نقل السلع، وسوف يشمل ذلك بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي والمقاصد السياحية في أنحاء العالم كافة.

ط. حذر بنك التنمية الآسيوي من تراجع في النمو الاقتصادي الأمريكي وقَدَّره أنه سيكون 2.2% عام 2001، ولكن عام 2002 كانت التقديرات لا تتعدى 0.7%، وهو ما يمثل أسوأ أداء وركود في الاقتصاد العالمي. وبالنسبة إلى اليابان ـ ثاني أكبر اقتصاد في العالم ـ كانت التوقعات تشير إلى معدل نمو 1.3%، إلا أنه بلغ 0.9%. ويصل تقدير صندوق النقد الدولي بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي أنه سيحقق نمواً اقتصادياً يصل 1.4%. وقد كانت تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم ثلاثين دولة هي أكبر دول العالم اقتصادياً أقل تفاؤلاً، حيث وصلت تقديراتها إلى 1.2% فقط عام 2002.

ي. وفي تقرير شركة مورجان ستانلي دين وينز كبرى شركات الاستثمار الأمريكية أن العالم يمر بأسوأ كساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنه سيكون أطول وأعمق من الكساد الذي عرفه العالم في منتصف السبعينيات وحتى أوائل الثمانينيات.

ك. أكدت تقديرات اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة أن معدل النمو في المملكة العربية السعودية انخفض من 2.5% عام 2001 إلى 1.8% عام 2002، وفي الكويت من 1.7% إلى 1.5%، وفي الإمارات من 3.5% إلى 2.5%، وفي عمان من 3.5% إلى 2%، وفي مصر من 3.5% إلى 3%.

ل. وقد انخفضت قيم الأسهم في الأسواق العربية انخفاضاً كبيراً بعد أحداث سبتمبر 2001، حيث وصلت 20.8% في مصر، و9.3% في السعودية، و11% في عمان، و6.69% في المغرب، و3.16% في لبنان، و5.81% في الكويت، و4.11% في البحرين. وتراجع الطلب العالمي على البترول العربي، بحيث تراجع سعر البرميل من 27.6 دولار عام 2000 إلى 22 دولاراً عام 2001 بانخفاض يصل إلى 20%، وهو ما أدى إلى خفض العائد من البترول لدى الدول العربية إلى 23%. وتراجعت حركة السفر جواً من وإلى المنطقة العربية بنسبة 35%، وقُدرت خسائر شركات الطيران في الوطن العربي بحوالي 10 مليارات دولار، وانخفضت نسبة إشغال الفنادق 30-70% بما قيمته 10 مليارات دولار.

م. وطبقاً لتقديرات مؤسسة التمويل الدولية، فقد انخفضت تدفقات الاستثمار الخارجية المباشرة إلى المنطقة العربية من 4.6 مليار دولار عام 2000 إلى 3.5 مليار دولار عام 2001، كما وصل الكساد إلى الاستثمارات العربية في الخارج والتي تقدر بحوالي 800 مليار دولار، خاصة في أوروبا وأمريكا، وهي مهددة بالتجميد في إطار الحملة الدولية ضد الإرهاب.

4. طبيعة التوازنات عقب أحداث 11سبتمبر 2001:

يعيش العالم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، إيقاع حروب أمريكا الجديدة على أفغانستان و"الإرهاب الدولي" و"دول الشر" حسب الاصطلاح المفضل لدى الإدارة الأمريكية. ومن حيث المسؤولية عنها وُضِع أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة" كمسؤولين عن الحدث. وظهرت تطورات أساسية عدة بالنسبة إلى التوازنات الإستراتيجية في العالم.   

أ. إن التواجد الأمريكي في أفغانستان ـ أحد محاور آسيا الوسطى ـ أعطى لها فرصة الإشراف على طرق البترول المستقبلية، التي تربط بين بحر قزوين وآسيا الشرقية، وخاصة الصين. لقد أصبح تقاسم النفوذ بين الأمريكيين والروس أمراً واقعاً، فالنمو الاقتصادي للدول الآسيوية الذي يقدر اعتماده اليوم على بترول الشرق الأوسط بحدود 70% (وسيصل اعتمادها بعد عشر سنوات 90%)، لن يمكنه ـ إطلاقاً ـ الحصول على بترول آسيا الوسطى الذي يشكل البديل التمويني لبترول الشرق الأوسط إلا في إطار النفوذ الإستراتيجي الأمريكي. إن بكين استطاعت في الأشهر القليلة، التي سبقت 11 سبتمبر، أن تعزز مجموعة شنغهاي، وأن تتقرب بذلك من روسيا ومن كثير من دول آسيا الوسطى. وقد أبدت واشنطن في ذلك الوقت، استياءها من التقارب الصيني الروسي الذي قد يمنح بكين بديلاً غير الشرق الأوسط، للتزود من البترول الواقع تحت النفوذ الإستراتيجي الأمريكي. ومنذ 11 سبتمبر، اقتربت روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال نزع التسلح الإستراتيجي المشترك، والمفاوضات بشأن حلف الناتو، وإمكانية تفاهم مشترك بين روسيا وأمريكا بشأن البترول.

ب. إن الولايات المتحدة الأمريكية أعدت ونفذت حرباً ضد العراق من أجل إقامة نظام معتدل في بغداد، وألا يرتبط هذا النظام بالنظام الإرهابي الدولي وجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية.

ج. في الوقت الذي تتكون فيه أوروبا وتحاول أن تقوي نفسها ـ خاصة أن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا تدافع عن فكرة "أوروبا قوية" ومستقلة عن الرابط الأطلسي ـ  فإن وضع "الإرهاب الدولي" يزيد وزن الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت خلال الحرب الباردة تصنف حركة عدم الانحياز، على أنها حليف موضوعي للسوفيت، وبعد 11 سبتمبر، صرح الرئيس بوش بوضوح أن واشنطن لن تحتمل أي عدم انحياز في الحرب ضد الإرهاب، وهذا يعني أن أي دولة أوروبية لا تسير خلف أمريكا، سوف تتهم بمساندة الإرهاب الدولي. ولم تبلغ التبعية الأوروبية للسياسة الأمريكية مثل هذا الحد، باستثناء فرنسا التي تحاول أن تنأى قليلاً عن المجموعة الغربية، فمعظم الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا وإيطاليا تبارك الخيارات الأمريكية، وها هو الاتحاد الأوروبي يفسح المجال لإسرائيل لخرق القانون الدولي وحقوق الإنسان، ولا نراه يقدم أي ثقل معادل وقوي لالتزام واشنطن الأحادي تجاه الملف الأمريكي الإسرائيلي.

د. بعد شهرين من هجمات 11 سبتمبر، فرض الأمريكيون على الروس والأوروبيين مشروعهم بشأن الدرع المضاد للصواريخ والمكون من نظام مضاد للصواريخ National Missile Defence خاصة الأراضي الأمريكية. وقد أضيفت إليه أنظمة مضادة للصواريخ، تدعى "دفاع المسرح" خاصة بحلفاء أمريكا الأساسيين مثل: إسرائيل، وتايوان. هذا المشروع أحدث تأثيراً في نظرية توازن الردع النووي، وسيقود إلى زيادة نوعية في السباق نحو التسلح. والصين هي الهدف غير المعلن عنه بالنسبة إلى هذا المشروع، لأنها تمتلك ترسانة غير كافية من الرؤوس النووية لاختراق الدرع الأمريكي. فأمريكا تشعر بضرورة أن تزيد من قدراتها في التدخل وأن تستفيد من قوتها الضاربة، التي لا يعيقها اليوم سوى "قوة الآخرين النووية".

هـ. إن تقارباً تاريخياً بين أمريكا وروسيا بدأ يتكون، ومن مظاهره الاتفاق الأخير بين واشنطن وموسكو بشأن تقليص عدد الرؤوس النووية. فأمريكا بدأت تتقدم نحو حلمها الجيوسياسي: إنشاء كتلة أوروبية روسية أمريكية تحت قيادة إستراتيجية أمريكية. والفكرة هي الحيلولة، من جهة، دون تكوين "أوروبا قوية" ومستقلة، ومن جهة أخرى، مواجهة بروز الصين التي ستكون أكبر ند لهذه القطبية الجديدة في القرن الواحد والعشرين. وتمثل إسرائيل في هذا الحلم الإستراتيجي الذي يشجعه مناصرو "الصدام الحضاري" من أمثال صموئيل هنتنجتون، رأس حربة تحالف يهودي مسيحي منظم وموجه ضد مجتمع إسلامي محروم من التنمية. وهذا المشروع الإستراتيجي غير عادل ليس لكونه يحرم شعوبا إسلامية وآسيوية عديدة من التنمية فحسب، وإنما لأنه خطير على التوازن الكوني كما هو جلي. ويؤيد النهج الفرنسي الثابت في السياسة الخارجية الفرنسية -في ظل الملكية وفي عهد الجمهورية أيضا- التنمية البينية الأوروبية العربية والأوروبية المتوسطية، خلافاً لهذا المشروع الإسرائيلي الأمريكي الذي يكرس القطيعة بين العالمين الغربي والإسلامي.

و. صادقت أمريكا، تحت ذريعة الوضع الدولي الجديد، على زيادة في ميزانية الدفاع تتجاوز 100 مليار دولار منذ الآن وحتى 2007، وهذا يعني أن ميزانية الدفاع الأمريكية ستصل 450 مليار دولار، أي أكثر من ميزانيات الدفاع مجتمعة للدول الـ 191 الموجودة على الكرة الأرضية. وتأخذ أمريكا بذلك تقدماً كيفياً وكمياً لا سابقة له، ما ينذر أيضا بتدخلات جديدة وبتقليص هامش حرية الشعوب في العقود القادمة، هذا إذا لم يظهر توازن يحد من هذا التقدم العجيب.

ز. منذ 11 سبتمبر، وإسرائيل تستفيد من الأوضاع الراهنة، في سعيها لطمس الهوية الفلسطينية، في إطار مشروع الحرب الحضارية ضد الإسلاميين. فالصهيونية، سواء كانت صهيونية الحكومة اليمينية أو اليسارية، لم تقبل قط بتقسيم الأرض ولا الماء الذي لا يمكن الاستغناء عنه. ومشروع عرفات لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يُقبل قط؛ لأنه يلغي مشروع "إسرائيل الكبرى". كما أن استمرارية السياسة الإسرائيلية لا تعني سوى التوسع الميداني عبر احتلال الأراضي واستيطاناتها. ووضع "الحرب الحضارية" اليوم قد سمح لهذه السياسة الإسرائيلية بالتسارع، فها هي إستراتيجية شارون تتأسس أكثر فأكثر، وتقوم على إقصاء خط عرفات وجعل الخط المتشدد ينتصر، على خط الإسلاميين الطامحين إلى تحرير كل أراضي فلسطين. وإسرائيل التي هي نتاج الصهيونية والحرب "الدائمة" لا يمكنها العيش في سلام وفي جو ينمو فيه العالم العربي.

إن خطر المحور الإسرائيلي ـ الأمريكي على العالم سيشتد. لأن إسرائيل قد أُنشئت على أساس كونها ضحية المحرقة الفظيعة في الحرب العالمية الثانية. وتفوق المحور الإسرائيلي الأمريكي سيتعزز بدوره، على أساس كونه ضحية "الإرهاب الدولي"، مع جعلنا نتناسى أنه هو نفسه يقوم على أساس إرهاب الدولة.

ح. نظام "الواحد للجميع، والجميع للواحد":

انطلاقاً من التغيير، الذي طرأ على أولويات الأمن العالمي، بحيث أصبح الأمن الجماعي لا يقوم على علاقات القوى العسكرية وتوازناتها، بل على العكس أصبحت القوة وسوء استخدامها مصدر تهديد، وأصبح التطلع نحو نظام عالمي تحكمه قواعد العدالة والسلام أمراً ملحاً بالنسبة لبني البشر كافة. وذلك في حالة تطور وتكامل الأسس الإنسانية المشتركة في ظل نظام متعدد الأقطاب، يستعد لمواجهة مجموعة المشكلات ذات الصفة العالمية مثل مشكلة البيئة، والأمراض الوبائية، ومشكلات الانفجار السكاني والهجرة، وهو ما يشمله الأمن الاجتماعي والأمن البيئي والأمن الثقافي والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الصحي.

والوصول إلى مثل هذا النظام يتوقف على إمكانية أن تأخذ الأمم المتحدة ومؤسساتها العالمية دوراً كبيراً في حل المشاكل الإقليمية، بحيث يصبح حل المشاكل بالقوة أمراً مرفوضاً. وتدرك دول العالم أن التمسك بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي هو الضمان الوحيد للحفاظ على الأمن العالمي في ظل نظام عالمي، يشارك فيه الجميع ويسوده شعور التآلف والتعاطف كمثل الجسد الواحد، وشعاره الإنساني هو الواحد للجميع، والجميع للواحد.

لقد أثبتت أحداث 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأمريكية، هشاشة النظام الدولي المعاصر. فبعد تحول النظام إلى الأحادية القطبية، اعتقد الكثيرون بأن هذا النظام سيشهد فترة من السلام العالمي والاتجاه نحو تفعيل الشرعية الدولية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية. لكن أحداث 11 سبتمبر كشفت عن تحول الصراع في العلاقات الدولية إلى صراع بين الدول العظمى وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبين ظاهرة الإرهاب وهي ظاهرة غير محددة المعالم وليس لها وطن محدد. ولقد أظهرت الأحداث بصورة جلية ضعف النظام الدولي، من طريق تجاوز أمريكا لأطر هذا النظام، وعدم الاعتماد على الشرعية الدولية في إدارتها للصراع أو ترتيبها للنظام الدولي، ولجوئها للقوة الساحقة في محاربة أعدائها أو تهديد مصالحهم.