إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

رابعاً: القوى المؤثرة في التوازنات الدولية في مرحلة أحادية القطبية:

 1. أوروبا:

    تُعد أوروبا قوة عالمية من الناحية الاقتصادية، إلا أنها تفتقر إلى الشرعية السياسية أو القدرة العسكرية للتصرف المقنع في الشؤون الإقليمية. ونتيجة عدم اتحاد أوروبا سياسياً بصورة كاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من ظهور قدر بسيط من التكامل السياسي، الأمر الذي يمكن أن يتيح ضمان الأمن الأساسي للقارة الأوروبية.

    من الواضح أن أوروبا لا تشكو من أخطار سوى بعض التوترات العرقية أو الإقليمية أو الدينية، إلا أن بقاء حلف الناتو، على الرغم من وجود أصوات أمريكية تتساءل عن جدوى استمراره، يرتبط أساساً بالبحث عن مهام جديدة وأعضاء جدد لهذا الحلف. وسوف تتبع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة أمنية تركز على الدفاع الجماعي عن أوروبا والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في القارة الأوروبية، وهو ما يساعد من ثم في الحفاظ على الرفاهية الأمريكية داخل القارة الأمريكية على أساس أن أوروبا ما زالت تمثل خط الدفاع الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

    وتُعَدّ الشراكة من أجل السلام (انظر جدول الدول الأعضاء في برنامج الشراكة من أجل السلام) التي بدأتها إدارة كلينتون عام 1994 مبادرة لتأمين المنطقة، ويمكن انضمام أعضاء جدد من خلالها إلى حلف الناتو، وهؤلاء الأعضاء قد يتمثلوا في بعض أعضاء حلف وارسو السابق، والذي حُلّ عام 1991.

    تعتمد رفاهية الولايات المتحدة الأمريكية ووجود نوع من الاستقرار الاقتصادي بها على استقرار الأحوال الاقتصادية في أوروبا. وتُعَدّ إقامة منطقة تجارة حرة عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بما سمح بتصدير ما قيمته 134 مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا، واستيراد ما يساوي 145 مليار دولار من أوروبا عام 1995، فقط من أهم أسباب خلق فرص عمل ومنافسة بين مؤسسات العمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن توحيد العملة الأوروبية أثر بلا شك على العملة الأمريكية الدولار.

    من المنتظر أن يصل عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى 30 دولة (انظر جدول عضوية المنظمات المختلفة) في إطار توسيع وانفتاح هذا الاتحاد على دول وسط وشرق أوروبا. وبهذه القوة الجديدة وفي هذا الإطار، فقد كشفت دراسة قام بها معهد أوروبي متخصص، عندما وصف الهيمنة الأمريكية لأوروبا بالاحتلال الغاشم، وأوضح أن هناك صراعاً أمريكياً ـ أوروبياً ممتداً خلال القرن الحادي والعشرين. وأن أمريكا لن تتردد لحظة في إفشال كل مخططات أوروبا الوحدوية في الاتجاهات السياسية والاقتصادية، حتى تظل هي القوة الواحدة في العالم. وفي مدينة ليون بفرنسا عام 1996، في اجتماع قمة الدول الصناعية السبع، ألمح أحد الوزراء الأمريكيين إلى الكراهية الأمريكية المستترة لأوروبا بقوله "خير لأوروبا أن تنشغل بصناعة الجبن عن البحث عن منافس للدولار العظيم".

    والولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لأوروبا أن تتقلد مكانة فريدة لتنافس الولايات المتحدة، وإنما ستسمح لها أن تكون شريكاً، طالما أنها تسير في إطار الإستراتيجية الأمريكية وأحادية القطبية. وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق وارين كريستوفر "إن أمريكا سوف تواصل قيادتها للعالم وهي مستعدة للعمل بطريقة حاسمة لحماية مصالحها في أي مكان وفي أي لحظة، وإذا ما كانت هناك حاجة إلى وقفة جماعية فسوف نطلب ذلك من الدول التي تؤيدنا، لكننا في حالة الضرورة سوف نتصرف بمفردنا". وفي تصريح أيضاً لوزير الدفاع السابق وليم كوهين رداً على اقتراح فرنسا بإسناد القيادة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي إلى شخصية أوروبية، فقال "إن القيادة الجنوبية للحلف ليست من المسائل التي يُقْبل التفاوض بشأنها".

    وفي إطار الصراع الأمريكي ـ الأوروبي، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتصالات عدة مع القارة الأفريقية، انتهت باجتماع وزاري في واشنطن عام 1999، في محاولة لفرض الهيمنة في هذا الاتجاه لقطع خطوط الهيمنة الأوروبية عليها. وعلى الرغم من التنسيق الأوروبي لبريطانيا وفرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الشؤون الأفريقية، إلا أن أوروبا لم تهدأ شكوكها تجاه الأطماع الأمريكية في القارة السوداء.

    إن وجود المحور الفرنسي ـ الألماني أو محور بون ـ باريس المحرك الأساسي للاتحاد الأوروبي، يلقى محاولة أمريكية لضربه. وفي هذا المجال، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية دائماً جذب ألمانيا بوعود كثيرة لإضعاف هذا المحور، إلا أن العلاقات الألمانية ـ الفرنسية تزداد قوة يوماً بعد يوم، وهو ما جعل المستشار الألماني جيرهارد شرودر يعلن أنه عازم على المضي في طريق الحلم الأوروبي وليس الحلم الأمريكي، وأن القيم التي تحكم المجتمع الأمريكي تختلف تماماً عن القيم الأوروبية. ويُعَدّ قمة المواجهة مع أمريكا الاعتراض الألماني على إقامة نظام دفاعي صاروخي أمريكي جديد، في محاولة لإعلان الرفض لانفراد أمريكا بالقرار.

2. توسيع الناتو:

إذا كانت الحكومات الغربية قلقة بشأن الخطوات الافتتاحية لإدارة الرئيس بوش، فإن فرنسا وألمانيا قلقتان من التزام بوش بنشر نظام الدفاع الصاروخي، حتى ولو كان معنى ذلك التخلي عن معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية مع روسيا. لكن بالنسبة إلى ليتوانيا وجاراتها من دول البلطيق، وهي التي يأتيها التهديد من موسكو وليس بيونج يانج، فإن الأولويات العسكرية الأمريكية، تتركز في منطقة دول آسيا الوسطى وبحر قزوين.

    وقد أثار ذلك حفيظة الاتحاد الأوروبي من تصريحات افتتاحية صادرة من واشنطن تقلل من قدر قوة الدفاع الأوروبية المقترحة، واحتمال تخفيض القوات الأمريكية في منطقة البلقان، لإفساح الطريق أمام قيادة الاتحاد الأوروبي لاستعادة الأوضاع.

    والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى حثيثاً لإعادة تثبيت هيمنة موسكو السياسية على دول مثل: جورجيا، وأوكرانيا، وقدرتها على بسط سيطرتها على القرارات في عواصم دول بعيدة مثل فيينا. في الوقت نفسه، توحي التوترات عبر الأطلسية، التي ورثتها إدارة بوش ورفعت من درجتها في أول عهدها، بأن الحلف يركز على الخلافات بشأن أسلحة الفضاء لدرجة تغطي على أخذ أرجاء أوروبا في الحسبان.

    إن إدخال الدول المرشحة في الحلف معناه ـ بالتأكيد ـ توسيع التحالف الغربي ـ ومعه القيادة الأمريكية ـ في أرجاء أوروبا، إلى جانب تعزيز السياسات الحرة والأسواق الحرة الناشئة حالياً في دول تمتد من لاتفيا وأستونيا وليتوانيا في الشمال، إلى رومانيا وسلوفاكيا وبلغاريا في الوسط والجنوب ومقدونيا وسلوفينيا وألبانيا في البلقان. وأما رفض دخولها فمعناه فعلياً الدعوة لإحياء النفوذ الروسي في المنطقة، مصحوباً بالسياسات الدكتاتورية والسياسات الخارجية المعارضة للولايات المتحدة الأمريكية المتصاعدة حالياً في موسكو.

    الأمر الذي لا شك فيه، أن روسيا في ظل بوتين، ستقاوم توسيع الناتو بشكل أقوى من معارضة بوريس يلتسن دخول بولندا والمجر وجمهورية التشيك عام 1997. ولكن على عكس الدفاع الصاروخي، الذي يحاول بوتين أن يعيقه، أيضاً ثمة ميزة كبيرة لتوسيع الناتو، من حيث وجود اتفاق على نحو واسع بشأنه بين إدارة بوش وأوروبا. وكما يقول زيجنيو برزينسكي، مستشار الأمن الأمريكي الأسبق وأحد المدافعين عن توسيع الحلف: "هذه إحدى الأمور القليلة الكبرى البناءة في أجندة حلف شمال الأطلسي، التي من المتوقع أن تكون موحدة لا مفرقة". وعلى الرغم من أن روسيا قد تكون غير مرتاحة للهيمنة الأمريكية على الناتو، إلا أن الحكومات الغربية تفضل توسيع الناتو لأنه وسيلة نطاق الأمن الديموقراطي في القارة دون توسيع الاتحاد الأوروبي، الذي هو عملية أكثر إرهاقاً ويتطلب تضحيات أكبر من كل الأعضاء: القدامى والجدد.

3. روسيا الاتحادية:

    لم تحقق فعالية المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى روسيا الاتحادية، من خلال البنك الدولي، أي تقدم إيجابي في الوضع الاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى نوع من التفاهم والتقارب، بحيث أُزيلت صفة الخصومة من علاقة البلدين، ليحل محلها صفة الصداقة والتعاون المشترك، والثقة المتبادلة، والالتزام المشترك بالديموقراطية والحرية الاقتصادية، وحل الخلافات بالطرق السلمية والحد من التسلح النووي ووقف إنتاج وتصدير الأسلحة البيولوجية.

    أعلنت روسيا إستراتيجيتها الجديدة في ظل الأوضاع الأولية الجدية، وتعبر هذه الإستراتيجية عن رغبة روسيا في إزالة جميع أسلحتها النووية وفق خطة دولية شاملة، بحيث تتحول قوتها إلى قوات دفاعية أكثر منها هجومية، وقد استهدفت هذه الإستراتيجية الآتي:

أ. منع الحروب والنزاعات.

ب. التعاون مع دول الكومنولث ودول حلف وارسو السابق.

ج. منع تصعيد النزاعات المسلحة، التي تستخدم الأسلحة التقليدية، أو تحويلها إلى حروب ذرية.

د. أن تكون الترسانة النووية الروسية مجرد وسيلة ردع في حالة مواجهة احتمال شن حرب على روسيا أو أحد حلفائها.

    وفي مجال استمرار الدرع النووي، ترى روسيا أن يقوم المجتمع الدولي بالعمل على تصفية وإزالة أسلحة التدمير الشامل وتخفيض مخزون الأسلحة الهجومية النووية، وتؤيد روسيا حظر جميع التجارب النووية، تمهيداً لتقليص الترسانة النووية في العالم في إطار نظام للأمن الدولي.

    وتُعَدّ الإستراتيجية السوفيتية ذات شقين: أحدهما إنساني بالمحافظة على الجنس البشري، والثاني حق الردع والضربة الأولى. وهي رسالة إلى الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، بأن روسيا لها مصالحها ولها نظامها الحيوي ومناطق للنفوذ. وقد حازت هذه الإستراتيجية قبول الولايات المتحدة الأمريكية، وهو اعتراف ضمني بأن روسيا ما زالت عملاقة يجب احترام مصالحها، على الرغم من المصاعب الاقتصادية والسياسة الداخلية.  

    وتقوم روسيا حالياً بإعادة فرض نفسها كقوة كبرى، وليس أدل على ذلك من غض الولايات المتحدة الأمريكية ـ الطرف عما حدث ويحدث في الشيشان من قِبل القوات العسكرية الروسية. وتحاول موسكو إعادة إرسال نفوذها في المناطق المجاورة، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي القديم، مستخدمة في ذلك الوسائل الاقتصادية الدبلوماسية والعسكرية. وقد بدأت روسيا خطوات عملية في هذا المجال، ومنها: توقيع اتفاقية تكامل مع بيلا روسيا عام 1996، ومعاهدة وحدة جمركية مع كرجيستان وكازاخستان وبيلا روسيا، وتُعَدّ هذه الاتفاقيات نموذجاً وحافزاً لباقي دول الكومنولث.

    إن منع ظهور إمبراطورية روسية في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق تُعد أولوية مهمة غربية تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول دائماً التأكيد لروسيا مراعاة الأعراف والمعايير الدولية في تعاملاتها مع جيرانها، إذا ما كانت تهتم بالاندماج في المجتمع الدولي.   

    والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لا تستطيع أن تحول أنظارها عن 30-50 مليار برميل من البترول الذي يقع في بحر قزوين تحت المياه الإقليمية لأذربيجان، وحقول البترول لآسيا الوسطى في كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان. ومن ثَم، فهي تحافظ دائماً على استقلالية هذه الدول، وأن تظل علمانية بصفة أساسية وموالية للغرب على نحو معتدل، وبذلك ستكون هذه الجمهوريات أقل اعتماداً على روسيا نتيجة عائداتها من هذا الكم الهائل من البترول، ومن ثَم، ستحرم روسيا من التفكير في استعادة إمبراطورية كاملة في المنطقة.

    وتُعَدّ قضية بيع مفاعلات نووية لإيران وأسلحة حديثة للصين من القضايا المهمة والحساسة في العلاقات الأمريكية ـ الروسية، وهذا ما يعني أن هناك صراعاً يدور بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، قد يكون جزء منه في الخفاء.

4. الصين:

    تسهم الصين في عدم الاستقرار في آسيا، فهي أظهرت الاستعداد لاستخدام القوة ضد فيتنام في بحر الصين الجنوبي. وتُعَدّ فيتنام من الدول ذات سياسات الإصلاح الموجه من الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة تطبيع العلاقات بينهما عام 1995. وتبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً كبيرة، لحل أزمة النزاعات حول الأراضي في بحر الصين الجنوبي، بالطرق السلمية بين الصين وفيتنام.

    وفي عامي 1995-1996، أجرت الصين سلسلة من التدريبات العسكرية في إطار أعمال التهديد والتلويح بالقوة لدول المنطقة. وخلال هذه التدريبات، أطلقت صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في المياه الدولية بالقرب من تايوان، التي تُعَدّ صديقاً ديموقراطياً للولايات المتحدة الأمريكية، التي أرسلت حاملتي الطائرات نيمتز وإندبندانس إلى المنطقة نفسها، رداً على هذه التهديدات الصينية.

    إلى جانب ذلك، فإن بيع الصين صواريخ باليستية وتكنولوجيا نووية لباكستان وإيران، يثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، ويجعلها تتساءل عن مدى احترام الصين لأعراف منع انتشار الأسلحة النووية دولياً، والرقابة على التكنولوجيا النووية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت نفسه، تحاول أن تعطي الصين حجماً من الاحترام الذي تستحقه كدولة كبرى. وتُعَدّ الزيارات المنظمة على المستوى الوزاري والقمة السنوية هي أفضل تعبير عن المصالح الأمريكية بشكل واضح وثابت.

    إن نمو الاقتصاد الصيني وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وغزوها التجاري للعالم حتى للولايات المتحدة الأمريكية نفسها، سيعزز الإصلاح الاقتصادي والحرية الاقتصادية والانفتاح السياسي بشكل أكبر. ويُعَدّ هذا التطور الاقتصادي، إضافة إلى القوة والنفوذ العسكري والسياسي، بمثابة تدعيم لمكانة الصين في التوازنات الدولية، بحيث لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من نفوذها المحدود في الصين، أن تحملها على أن تفعل ما لا تريد القيام به.

5. جنوب آسيا والهند وباكستان:

    لأمريكا مصالح إستراتيجية في جنوب آسيا، ويتمثل عدم الاستقرار في منطقة الصراع بين الهند وباكستان، اللتين تسعيان إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية نتيجة انخفاض المساعدات الأجنبية. وتُعد الهند بقرابة المائة مليون نسمة من أكبر الديموقراطيات في العالم، والتي تسعى إلى التحرر الاقتصادي.

    وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى النهوض بالسلام في هذه المنطقة، بعد تعرضها لحروب مستمرة بين الهند وباكستان، بسبب الخلافات العرقية والدينية بين الهندوس والمسلمين، والادعاءات المتضاربة في حق السيادة على ولاية كشمير، وخاصة في ظروف امتلاك البلدين أسلحة نووية وصواريخ متوسطة المدى ذات قدرة نووية، مع إمكانية التصنيع لهذه الصواريخ. ويحتاج ذلك إلى مزيد من الجهد الدبلوماسي من الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة سباق التسلح وتشجيع إجراء مفاوضات هندية ـ باكستانية، مع الضغط على الصين لإيقاف مبيعاتها لباكستان من التكنولوجيا النووية.

6. اليابان:

    تُعَدّ العلاقة اليابانية ـ الأمريكية من العلاقات الأساسية في آسيا، لإقرار الاستقرار في المنطقة من خلال التحالف الأمني. كما تُعَدّ هذه العلاقة من أهم الانجازات التاريخية للسياسة الخارجية الأمريكية. واليوم تقف الولايات المتحدة الأمريكية واليابان كشريكين عالميين، للنهوض بالسلام والأمن والتنمية الدولية، خاصة في منطقة آسيا.

    وتستضيف اليابان قرابة 47 ألفاً من القوات الأمريكية، التي تسمح للولايات المتحدة الأمريكية باستعراض القوة والنفوذ في آسيا، كما تتيح تعزيز القدرة الأمريكية في التعامل بفاعلية مع كم هائل من المواقف الطارئة فوق شبه الجزيرة الكورية. وإلى جانب كل هذه التسهيلات، فإن اليابان تقدم دعماً سخياً للولايات المتحدة الأمريكية المتمركزة هناك يُقدر بحوالي خمسة مليارات دولار سنوياً.

    وعلى الرغم من تعزيز التعاون الأمني بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التعاون الاقتصادي يتعرض لتوترات وأزمات تحاول فيه اليابان أن تتحمل الجزء الأكبر من المساهمة في إيجاد حلول لهذه التوترات والأزمات. فعلى سبيل المثال، وافقت اليابان على فرض قيود على نفسها بالنسبة إلى صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتكمن المشكلة في كيفية تعزيز حرية وصول السلع والخدمات الأمريكية للسوق اليابانية. وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن اتباع التجارة الموجهة هي حل للعجز التجاري، وهو يُعَدّ تغيراً في السياسة التجارية اليابانية، الأمر الذي يلقى مقاومة من اليابانيين، الذين يتميزون بأنهم مجتمع مقاوم للتغيير السياسي والاقتصادي بشكل جوهري.

    إلا أن هذه العلاقة في مجملها تُعَدّ علاقة متميزة، وهو ما صرح به السفير الأمريكي السابق لدى اليابان "مايك ماتسفيلد" بأن العلاقة الأمريكية ـ اليابانية هي أهم علاقة ثنائية، تقيمها الولايات المتحدة الأمريكية بما تضيفه الولايات المتحدة الأمريكية من قدرة على الهيمنة على المنطقة اقتصادياً وعسكرياً، لإحداث التوازن المطلوب لاستقرار المنطقة في ظل أحادية القطبية.

7. كوريا:

    لا يزال مليون جندي من كوريا الشمالية منتشرين في مواقع أمامية في المناطق منزوعة السلاح. ويُعَدّ أحد عناصر السياسة والإستراتيجية الأمريكية هو ردع كوريا الشمالية عن شن عدوان ضد كوريا الجنوبية التي يوجد بها 37 ألف جندي أمريكي، إضافة إلى القوات الأمريكية الموجودة باليابان، ووجود النظام الصاروخي وهو ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية غير كافٍ لتأمين كل أنحاء كوريا الجنوبية.

    وقد نجحت كوريا الشمالية في زرع بذور عدم الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها كوريا الجنوبية. ونجحت أيضاً في فتح قناة دبلوماسية مباشرة مع أمريكا، إلا أن اقتراح الرئيس الأمريكي كلينتون إبان أزمة الغذاء الكورية الشمالية بعقد لجنة رباعية تنضم إليها الصين، قد فتح المجال إلى مصالحة كورية بين الشمال والجنوب، الأمر الذي قد يزيد من تقارب أمريكي مع كوريا الشمالية، بدلاً من وضعها في إطار محور الشر.

8. وفي منطقة الشرق الأوسط مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تحافظ على أهدافها الرئيسية، وهي:

أ. ضمان حرية وصول الغرب إلى بترول الخليج الفارسي.

ب. ضمان أمن إسرائيل التي تُعد صديق الولايات المتحدة الأمريكية الأول في المنطقة.

ج. الحفاظ على علاقات عمل طيبة مع دول الشرق الأوسط المعتدلة.

9. أما في منطقة الخليج الفارسي، فيتمثل الهدف الأمريكي في منع سيطرة قوة معادية على المنطقة بسبب وجود ثلثي احتياطي البترول العالمي في هذه المنطقة، وتُعَدّ إيران والعراق هما التهديدات الرئيسية في هذه المنطقة من العالم. ولعدم وجود قوة إقليمية قادرة على إحباط هذا التهديد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل ضمان أمن الكويت والسعودية والدول الخليجية، كما حدث في حرب عاصفة الصحراء عام 1991. ويتطلب ذلك استمرار بقاء قوة بحرية قوية بالمنطقة، تدعمها قوة جوية كبيرة ومساعدات وتسهيلات إسرائيلية ـ تركية ـ عربية.

10. منطقة القرن الأفريقي:

منطقة القرن الأفريقي هي المنطقة الواقعة في شرق أفريقيا، وتأخذ شكل القرن، يحدها: البحر الأحمر، وبحر العرب، والمحيط الهندي. كما تجاور دولاً أخرى متداخلة معها مثل السودان، وكينيا، وتشتمل بشكل أساسي على أربع دول هي: إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي. ومعظم سكان هذه المنطقة الذين يتجاوزون السبعين مليونا من المسلمين.

فالصومال يُعَدّ بلداً مسلماً، وإريتريا 90% من سكانها مسلمون، وإثيوبيا يشكل المسلمون 45-50% من سكانها، وجيبوتي تُعَدّ بلداً مسلماً، كما أن العرب يشكلون غالبية السكان في ثلاثة بلدان منها، هي: الصومال، وإريتريا، وجيبوتي، وبلدان منها هما عضوان في جامعة الدول العربية هما: الصومال وإريتريا.

ومنطقة القرن الأفريقي مهمة إستراتيجياً، وجغرافياً، فهي تشكل الشاطئ الجنوبي من شواطئ البحر الأحمر من جهة الغرب، وهي التي تطل على مضيق باب المندب، ولا يفصلها عن الجزيرة العربية سوى البحر الأحمر، كما أن في هضبة الحبشة الكثير من منابع النيل، ناهيك عن الثقل الديموجرافي الذي تشكله تلك البلدان.

قاد شعوب القارة، قيادات تسعى إلى السلطة، ما أدى إلى بروز صراعات وحروب أهلية بين معظم دول المنطقة، منها الحرب الصومالية الأهلية، والحرب الصومالية ـ الإثيوبية، والصراع الإثيوبي ـ الإريتري.

تمثل منطقة القرن الأفريقي أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، لسيطرتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وإشرافها على المحيط الهندي. وتمثل أيضاً المدخل الشرقي إلى وسط القارة الأفريقية التي تتمتع بالعديد من المصالح الأمريكية بها.

خامساً: المؤثرات الأساسية في النظام الدولي:

    في إطار التغيير وإعادة النظر إلى التغير في النظام العالمي، وتشكيل التكتلات، يمكن النظر إلى واقع العالم الراهن المتحول من نظام عالم القطبين إلى نظام عالمي جديد، لم تتشكل معالمه النهائية بعد. ولكن من الواضح، أنه لن يعود نظاماً ثنائي القطبية بأي حال من الأحوال. ولكن الانطباع الأول لموقع العالم الثالث في النظام العالمي الجديد، هو أنه سيصبح عالم الأطراف، حول عالم المركز المحدد، سواء بقطب واحد أو بأقطاب متعددة. وقد أثرت تلك المتغيرات في مفاهيم وشكل التوازنات، وأبعاد النظام الأمني العالمي، بحيث كانت أهم تغيرات في أولويات الأمن العالمي هي:

1. الأمن السياسي:

    كانت الأطراف في مرحلة التصارع الأيديولوجي بين القطبين الرأسمالي والاشتراكي، تشكل غنائم أيديولوجية لامتلاكها أصولاً إستراتيجية. ودخلت دول جديدة ذات أصول إستراتيجية، كما في جمهوريات آسيا الوسطى لتلعب دوراً إستراتيجياً مختلفاً في بعده الجيوسياسي. وفي النظام العالمي العربي، لا توجد جوانب إستراتيجية أو أيديولوجية تدفع الدول الكبرى إلى الالتفاف لكسب ولاء الأطراف من دول ما كان يعرف بالعالم الثالث. وسيؤدي ذلك إلى فقد تأثير الأطراف على المركز. ومن هنا، يمكن القول إن دول عدم الانحياز لم تقدم أي بعد سياسي، يلعب دوراً بالنسبة إلى أعضائها، فلم يكن هناك انقسام بشأن موقف سياسي، لا ينحاز له، مع انهيار الشيوعية وسياسة الحزب الواحد.

    وفي أفريقيا والشرق الأوسط على الأخص، ربما تجد دول الأطراف صعوبة في الدفاع عن شرعية الحدود التي رسمتها الدول الاستعمارية، والتي لم تتمكن من أن تقوم داخلها دول قادرة على الاستمرار. وقد دارت الحرب الباردة موازية لتعزيز قاعدة عمل قوية ترعرعت في الأمم المتحدة، مؤداها أن الحدود بين الدول يجب أن تبقى ثابتة بالشكل الذي وُجدت عليه بعد الحرب، وبعد الاستعمار. وزادت هذه القاعدة قوة عندما نشأت منظمة الوحدة الأفريقية، وهي الهيئة التي تتألف عضويتها من دول رسمت حدودها القوى الاستعمارية بصورة تعسفية ليس لها مثيل في النظام الدولي. ولا شك أن ما يعانيه الوطن العربي من تمزق وحدود مصطنعة، أوجدها الاستعمار منذ سايكس ـ بيكو حتى الآن.

2. الأمن العسكري:

    تراجعت مع انتهاء الحرب الباردة الأهمية الإستراتيجية للقواعد العسكرية في الأطراف، وقل بذلك الحافز إلى استخدام توريد الأسلحة كوسيلة للتقارب الأيديولوجي مع حكومات تلك الدول. وتسير نهاية الحرب الباردة إلى الحد من المواجهات العسكرية المحلية وإعطاء الدول الكبرى دوراً للتوفيق بين دول الأطراف المتصارعة. ولكن الاهتمام بالبترول سيجعل الغرب دائم الاهتمام بالشرق الأوسط. ومن النتائج النهائية التي ترتبت عليها نهاية الحرب الباردة، أن تكون هناك سيطرة على تجارة الأسلحة التقليدية بين المركز والأطراف. ولكن من المرجح، أن هناك آليتين قويتين، سوف تستمران في دعم التدفق للقدرات العسكرية إلى بلدان الأطراف:

الآلية الأولى:  هي تجارة السلاح، بما فيها الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وتشكل صفقة الأسلحة التي تحصل عليها إيران من روسيا ومن الدول الإسلامية المستقلة نموذجاّ واضحاً لمسألة التسلح والتعديل والتطوير.

الآلية الثانية:   وهي القدرة على تصنيع الأسلحة المتطورة، التي تنتشر في أرجاء العالم.

3. الأمن الاقتصادي:

    إذا كان هناك معنى واضح للأمن الاقتصادي فيما يتعلق ببلدان الأطراف، فهو إنما يتعلق بالمعوقات الهيكلية المستمرة الناتجة عن التأخر في التنمية والوجود في الدرجات الدنيا من الثروة والتصنيع. وسيزداد وضع الأطراف سوءاً بسبب الاستمرار في انخفاض أسعار السلع الأولية، وازدياد اختلاف المصالح بين البلدان النامية. وتحتاج إستراتيجيات المركز القائمة على سياسة فرق تسد، واحتدام مشكلة الديون وفقد الميزة النسبية الناتجة عن رخص القوة العاملة في مواجهة التكنولوجيا الأوتوماتية الذكية في البلدان الصناعية المتقدمة.

    وقد يؤدي تخلخل القوى السياسية داخل المركز إلى نشوء سلسلة من الدوائر الاقتصادية الإقليمية تتمحور حول أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية. وسيؤدي تناقص المعونات الاقتصادية إلى تفاقم الأوضاع في الأطراف، ما سيؤدي إلى موجات من الهجرة غير المرغوبة، ويدفع دول المركز إلى الاستمرار في دفع المعونات الاقتصادية.

4. الأمن الاجتماعي:

    يتعلق الأمن الاجتماعي بالأخطار ونقاط الضعف التي تؤثر في أنماط هوية المجتمعات وثقافتها. وتشكل مشكلة الهجرة ومسألة التصادم بين الحضارات المتنافسة القضيتين البارزتين في العلاقات بين المركز الأطراف. فالهجرة تهدد هوية وثقافة المجتمعات المحلية، بما تحدثه من تغيير في التركيب العرقي والثقافي والديني واللغوي للسكان. وتواجه الهجرة بداية بالترحيب، ولكن ضمن حدود معينة، ولكن الهجرة غير المقيدة تشكل خطراً على الثقافة القائمة، بما يجعلها مصدراً خطراً على الأمن الاجتماعي.

    وهناك الآن الكثير من المهاجرين من الأطراف إلى دول المركز، وحيث إن وسائل النقل تسهل عملية الانتقال، ومع ازدياد الحوافز الاقتصادية للعاطلين عن العمل في بلدان الأطراف، ومع حاجة دول المركز إلى الأيدي العاملة الرخيصة، فإن عملية الهجرة تندفع كاسحة أمامها تلك القيود، بما فيها خطر الموت نفسه، كما أثبت ذلك مهاجرو الزوارق الفيتناميين.

    وتظهر مشكلة الهجرة في ساحات التصادم بين الهويات الحضارية المتنافسة بين الغرب ومجتمعات الأطراف، ويتحرك الخطر في معظم الأحيان في الاتجاه المضاد، أي أن الكراهية تتجه من المركز إلى الأطراف. وكما نشاهد الآن في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول، التي ينشدها المهاجرون، حيث بدأت موجة العنف المعادي للغرباء، وتحت شعارات مختلفة، وصلت إلى حد بعث الروح النازية والفاشية من جديد.

    ويشكل التصادم بين الغرب والإسلام خاصة بعد حرب الخليج والعدوان الغربي على العراق، مشكلة قائمة، فقد خَلّف هذا العدوان على الرغم من إقحام بعض العرب والمسلمين فيه شكلياً، مخزوناً هائلاً من المشاعر الحاقدة والمعادية للغرب وخاصة لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهذه المشاعر التي يسهل تغذيتها، لا بد أن يؤدي التوتر الناتج عنها إلى تضخيم مسألة الهجرة، ما سيؤدي إلى الاحتكاك بين المجتمعات الإسلامية المهاجرة والمجتمعات المضيفة لها. ومن شأن حرب باردة اجتماعية أن تعزز الهوية الأوروبية من جميع نواحيها في الوقت الحاسم في عملية الوحدة الأوروبية. وربما يبرز رأي واسع الانتشار في الغرب، ليس على استعداد لتأييد شن حرب باردة اجتماعياً على الإسلام، بل وللأخذ بسياسات تشجع على ذلك.

5. الأمن البيئي:

    يمكن التعبير عن تأثير قضايا البيئة على الأمن، عندما تصبح هذه القضايا ذات خطر يهدد معيشة البشر على نطاق واسع. فالبلدان المعرضة للغرق والفيضانات التي أصابت بنجلاديش، والأعاصير التي تجتاح الكثير من بلدان العالم كلها، تشكل قضايا بيئية في إطار الأمن الدولي. كما تدخل في هذا الإطار كل المسائل التي تحدث تغييرات جوهرية في حركة الغلاف الجوي، كما هو الحال بالنسبة لأنشطة انبعاث غازات كيماوية من نوع كلوروفلوروكربونات CFC التي تبدد طبقة الأوزون الواقية للأرض، أو الأنشطة الاستغلالية المحدثة للتلوث، التي تهدد بالحد ممن توافر الأكسجين في الهواء نتيجة قتل الغابات والعوالق (البلانكتون).

    وهناك عدد كبير من بلدان الأطراف معرضة للفناء الفعلي نتيجة لاستمرار الجفاف والتصحر، وما نتج منهما من تهديد للأمن الغذائي، وما يشاهده العالم من مناظر مأساوية في الصومال. ويمكن أن يدرج في إطار الأمن البيئي بعض المخاطر التي تواجه البشرية كأمراض مستعصية مثل مرض نقص المناعة والسرطان، وهو ما يمكن إدراجه تحت عنوان الأمن الصحي، وهو ما يشمل أيضاً خطر المخدرات وانتشارها.

    من الواضح أن الأمن البيئي سيلعب دوراً مهماً في شد أنظار المركز نحو الأطراف، وسيكون الحفاظ عليه أحد مصادر اهتمام المركز بهذه الأطراف، درءاً للأخطار التي قد تحيق بالبشرية جمعاء في حالة الاستهتار بالأمن البيئي، الذي يتسم بطابع الكلية والشمولية لبيئة كوكبنا الأرض. الذي قد يعمد إلى نشر مصانعه في مناطق بعيدة عن مواقع حضارته. وسيكون للأمن المائي دوره المهم في المرحلة القائمة، حيث إن النقص في إمدادات المياه وخاصة في بعض المناطق الكثيفة السكان، مثل المنطقة العربية، قد يؤدي إلى مشاكل إقليمية تجر إلى منازعات وحروب ساخنة، ولا شك أن قضايا البيئة ستزداد أهمية، وستعرض نفسها على الأمن الدولي بشكل واضح.

سادساً: الاتجاهات الرئيسية في السياسة الدولية (1991-2001):

    يمكن رصد عدد من الاتجاهات ذات التأثير المهم على البيئة الإستراتيجية للنظام الدولي:

1. انتشار الأسلحة النووية:

    على الرغم من الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، فإنه قد ثبت أنه من الصعب إيقاف البرامج النووية لبعض الدول. وفي حالة نجاح أي من هذه الدول في امتلاك أسلحة نووية، فإن هذا سيؤدي إلى إشاعة عدم الاستقرار في الأقاليم التي تنتمي إليها تلك الدول، كما إنه سيؤدي إلى خلق صعوبات شديدة للولايات المتحدة الأمريكية في مجال القدرة على توظيف القدرات العسكرية.

    وتخفيض الطلب على أسلحة التدمير الشامل يتطلب بناء نظام دولي تقل فيه المزايا العسكرية والسياسية إلى امتلاك الأسلحة النووية. وأحد المداخل لتحقيق هذا الهدف، هو تهدئة الصراعات الإقليمية، ويمثل بناء إجماع دولي معارض للانتشار النووي ومحبذ لتخفيض الترسانات النووية الموجودة بالفعل. وقد ركزت الجهود الأمريكية للحد من الانتشار النووي على تحقيق الأهداف الآتية:

أ. تأمين وتفكيك مخزون الأسلحة النووية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق (أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان).

ب. تجميد البرامج النووية الجاري تنفيذها بالفعل، كخطوة أولى نحو تصفيتها، كما هو الحال في جنوب آسيا وكوريا الشمالية.

ج. استخدام مزيج من وسائل الحرمان من التكنولوجيا النووية، كما هو الحال مع إيران وليبيا، ووسائل التفتيش الداخلي المكثف، الذي يهدف إلى حرمان الدولة الهدف من القدرات النووية، وهو الذي يجري تنفيذه مع العراق.

د. التعامل مع وإدارة الانتشار النووي في الأماكن التي وقع فيها الانتشار بالفعل.

هـ. تطوير أساليب مضادة للانتشار النووي، بما في ذلك القدرة على الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل.

2. التركيز على الاهتمامات المحلية يضعف قدرات الأمن القومي:

    فانتهاء الحرب الباردة جعل قضايا السياسة الخارجية أقل إلحاحاً، بحيث تحول الرأي العام بمختلف اتجاهاته: اليمين، واليسار، والوسط، نحو تركيز مزيد من الاهتمام على القضايا الداخلية. وتمكن ملاحظة هذا التحول في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، حيث ينمو رأي عام مطالب بتخفيض الميزانيات العسكرية، وهو ما ينعكس في تخفيض حجم القوات المسلحة في هذه الدول، بل وبمعدلات أسرع، تتراجع الميزانيات المخصصة للإمداد بالأسلحة الجديدة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يضر هذا الاتجاه بالرصيد الذي جرى الاعتماد عليه لوقت طويل للاحتفاظ بوجود كوني. وتتضمن هذه الأرصدة القواعد العسكرية في أراضي الدول الأخرى، وأنشطة الاستخبارات والمساعدات العسكرية، وبرامج التعاون العسكري. وفي الدول الصناعية بوجه عام، فإن تحولات الرأي العام تترجم في معارضة عمليات نشر القوات، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتزامات طويلة المدى، على العكس من عمليات الاستجابة للطوارئ التي تلقى معارضة أقل. وفي الوقت نفسه، فإن عمليات الطوارئ ذاتها تتعطل بسبب الحساسية المتزايدة لدى الرأي العام للخسائر البشرية، وخاصة تلك التي قد تقع في سياق عمليات لا تُعَدّ حيوية للمصالح القومية. ومع هذا، فإن الاتجاه لتخفيض النفقات العسكرية، وتخفيض حجم القوات المسلحة، ليس اتجاهاً عالمياً شاملاً. ففي جنوب أوروبا، تظل مستويات النفقات والقوة العسكرية عالية، بسبب الشعور بالقلق تجاه الوضع في جنوب وشرق المتوسط، أما في جنوب شرق آسيا، فإن الازدهار الاقتصادي يشجع على زيادة النفقات العسكرية.

3. تكنولوجيا المعلومات تحل محل الصناعة الثقيلة كمصدر للقوة القومية:

    تكنولوجيا المعلومات هي الأسرع تطوراً من بين التكنولوجيات الصناعية المختلفة، وهذا الاتجاه ينتقل سريعاً إلى المجال العسكري، حيث يزيد الطلب على نظم المعلومات، مقارنة بالمنتجات التقليدية لتكنولوجية الصناعة الثقيلة كالطائرات والدبابات.

4. تزايد دور المنظمات الدولية في إضفاء الشرعية بالرغم من قدراتها المحدودة:

    ويمكن إرجاع هذا التزايد إلى سقوط بعض الدول القومية، وأيضاً إلى تزايد نطاق القيم المشتركة بين قطاعات الرأي العام في الدول المختلفة. وقد تزايد الحماس لتفعيل المنظمات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، غير أن هذا الحماس بدأ في التبخر بعد أن تبين أن المنظمات الدولية أقل فاعلية مما كان متوقعاً في التعامل مع الحروب الأهلية والاحتياجات الإنسانية الطارئة. فقد تبين أن تنسيق التحركات متعددة الأطراف تكتنفه صعوبات مهمة تنتج من المصالح المتناقضة للدول والمنظمات الدولية المختلفة، وبسبب مشكلات صنع القرار في الوقت المناسب، والقدرات العسكرية المحدودة للتحالفات المؤقتة والمنظمات الدولية، والتكلفة العالية للعمليات متعددة الأطراف، وأيضاً بسبب حساسية الرأي العام لفقدان ضحايا العمليات متعددة الأطراف. وعلى الرغم من النفوذ الذي قد يكون للولايات المتحدة الأمريكية في المنظمات الدولية، فإن هذه المنظمات سوف يكون لها دائماً هياكلها وإجراءاتها وأولوياتها الخاصة التي تعوق ترجمة النفوذ الأمريكي في شكل سياسات لهذه المنظمات.

5. العولمة تزيد من المنافع والمخاطر العابرة للدول والقوميات:

    فعلى الرغم من المنافع الأكيدة الناتجة من سهولة، وتعاظم حجم الاتصالات والمواصلات الدولية، فإنها أيضاً تمثل مصدراً لمخاطر جديدة. ومن أمثلة ذلك: تدويل الجريمة المنظمة التي اتسع نطاقها لتشمل مجالات مثل تهريب المواد المشعة ذات الاستخدامات العسكرية، وتسهيل انتشار الأوبئة والمخاطر البيئية، وأيضاً التزايد الكبير في أعداد المهاجرين والذين تعجز الأساليب القديمة عن إيقاف تدفقهم. وتطرح هذه المشكلات الحاجة لتأهيل القوات المسلحة للتعامل مع هذه الأشكال الجديدة من التهديد.

6. الديموقراطية أصبحت قيمة عالمية:

    وهو ما يمكن ملاحظته في سقوط النظم الشمولية والدكتاتورية في شرق ووسط أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية. ومع هذا، فإن التقدم نحو الديموقراطية يهدده احتمالات عودة الشيوعيين للحكم في الدول الشيوعية السابقة، بسبب تعثر سياسات الإصلاح، كما تهدده أيضاً في الدول الإسلامية والهند القوى السياسية الدينية التي ترفض الديموقراطية وتسعى إلى إقامة حكومات دينية.

7. الدول ذات السيادة تواجه خطر التفتت:

    نتيجة للعولمة المتزايدة، تفقد الحكومات بعضاً من قدرتها على حل المشكلات التي تواجه مواطنيها. وخطورة ذلك تأتي من أن المواطنين المحبطين قد يتحولون عن الدولة إلى وحدات أصغر، ولكن أكثر فاعلية. وقد يأخذ هذا التحول أشكالاً عدة مثل: انعدام القدرة على فرض القانون، والأيديولوجيات المتطرفة. أيضاً فإن هذا الاتجاه قد ينعكس في انحطاط كفاءة الموظفين العموميين والساسة وشيوع الفساد. وتعد مشكلة الأقليات أخطر مظاهر هذا الاتجاه. في هذا السياق، يجري توظيف شعار حق تقرير المصير، لتبرير هذا الاتجاه التفتيتي للدول متعددة القوميات. والمشكلة هي أن الديموقراطية ـ وهي شكل الحكم الأكثر قبولاً في عالم اليوم ـ لا تضمن حل هذه المشكلة، فالتصويت وفقاً للخطوط الإثنية غالباً ما يؤدي إلى استبعاد الأقليات وتدعيم الميول التفتيتية للدولة.

8. الحكومات تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية مقارنة بالمصالح التقليدية للأمن القومي.