إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

ثالثاً: المصالح والأهداف الأمريكية والسوفيتية في الشرق الأوسط           

1. المصالح والأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط

أ. المصالح والأهداف الإستراتيجية والسياسية:

(1)   تدعيم الوجود الأمريكي والغربي بصورة شبه دائمة.

(2) محاصرة النفوذ السوفيتي والحيلولة دون انتشاره والعمل على تقليصه وتصفيته.

(3) السيطرة على الصراعات الإقليمية والتحكم في تطوراتها ومحاولة الاستفادة منها في تحقيق أهداف أخرى، ومنها توريط الاتحاد السوفيتي في الصراعات لاستنزاف قدراته الاقتصادية، وزيادة مبيعات السلاح الأمريكي وتأديب القوى الإقليمية التي تخرج عن لعبة المصالح الغربية.

ب. المصالح والأهداف الاقتصادية:

(1) ضمان استمرار تدفق البترول إليها والى حلفائها والحيلولة دون وقوعه في قبضة السوفيت، ويمثل البترول أهمية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص، فقد جاء في أحد تقارير لجنة الميزانية بالكونجرس الأمريكي: "أن حرمان الولايات المتحدة الأمريكية من بترول السعودية وحدها لمدة عام واحد يترتب عليه انخفاض الناتج القومي الأمريكي بمقدار 272 بليون دولار، وارتفاع معدل البطالة بنسبة 2%، وزيادة معدل التضخم"، ويمثل بترول الشرق الأوسط 80% من واردات اليابان، و60% من واردات أوروبا الغربية.

(2) الحصول على الأرصدة النقدية العربية نتيجة العوائد النفطية، بتشجيع الاستثمارات العربية المباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشجيع الصادرات منها إلى الدول العربية بالمنطقة.

ج. المصالح والأهداف الثقافية:

(1) الترويج للأيديولوجية الليبرالية بوصفها الضمان الوحيد للحرية لفرضها على شعوب المنطقة.

(2) محاولة التأثير في صانعي القرار السياسي وقادة الرأي والنخبة المثقفة ورجل الشارع العادي، لخلق قطاع مؤثر يؤمن بالقيم الغربية ويمكن الاعتماد عليه كمروج لهذه القيم.

(3) مواجهة الدعاية السوفيتية تحت شعار التصدي للخطر الشيوعي.

(4) الحد من خصائص الهوية الحضارية والثقافية لشعوب دول المنطقة لما تمثله هذه الخصائص من عقبات ومخاطر ضد النفوذ الأمريكي.

د. محددات أهداف الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة:

(1) قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم الغربي بمالها من مصالح وما عليها من التزامات.

(2) أهمية منطقة الشرق الأوسط للغرب وللمصالح الأمريكية من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية.

(3) وجود واستمرار الصراع العالمي مع الاتحاد السوفيتي.

(4) العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية الخاصة والالتزام بضمان أمن إسرائيل.

2. المصالح والأهداف للاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط:

أ. المصالح والأهداف الإستراتيجية والسياسية:

(1) الوصول إلى المياه الدافئة وفك الحصار الغربي للمضايق ذات الأهمية الإستراتيجية.

(2) تأمين وجود عسكري سوفيتي دائم بالمنطقة.

(3) تحطيم الحزام الغربي الذي أقيم فترة الحرب الباردة حول الاتحاد السوفيتي.

(4) محاولة تطويق حلف شمال الأطلسي من الناحية الشرقية والجنوبية.

ب. المصالح والأهداف الاقتصادية:

(1) ضمان مصادر جديدة للطاقة ممثلة في البترول وتطبيق إستراتيجية الحرمان "بمعنى حرمان الدول الرأسمالية من هذا البترول".

(2) تدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية بفتح أسواق جديدة لها مع دول المنطقة.

(3) محاولة ربط النظام الاقتصادي في المنطقة بالنظام الاقتصادي الاشتراكي.

ج. المصالح والأهداف الثقافية:

(1) نشر الأيديولوجية الشيوعية على دول المنطقة باتباع أساليب غير إنشاء أحزاب شيوعية.

(2) نشر الأفكار الشيوعية من خلال المكاتب الثقافية والمنح التعليمية والمجلات وترجمتها والمعسكرات الشبابية والعمالية.

د. محددات أهداف الاتحاد السوفيتي في المنطقة:

(1) الاتحاد السوفيتي دولة عظمى وزعيمة العالم الشيوعي.

(2) الاتحاد السوفيتي دولة قارية تسعى للتوسع جنوباً للوصول إلى المياه الدافئة.

(3) وقوع الشرق الأوسط على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي.

(4) محاولة إبعاد مصادر التهديد الأمريكي واختراق ستار الأحلاف الغربية.

(5) العمل على نشر الأيديولوجية الشيوعية بوصفها أداة استقطاب دولي في السياسة الخارجية السوفيتية.

إن منطقة الشرق الأوسط طبقاً للتصور الأمريكي ليست إلا محور ارتكاز في الصراع العالمي الممتد مع السوفيت على القوة والنفوذ، وإذا كان الصراع العربي الإسرائيلي له قيمة في الصراع العالمي من وجهة النظر القومية، إلا أن منطقة الخليج أصبحت دون منازع مركز الجذب الرئيسي في حركة الصراع الدولي بين القوتين الأمريكية والسوفيتية.

رابعاً: شكل التوازن في منطقة الشرق الأوسط خاصة منطقة الخليج:

1. الدبلوماسية الأمريكية تجاه منطقة الخليج:

أ. بعد أن منيت سياسات الدفاع المشترك والأحلاف العسكرية ومواثيق الأمن المتبادل، ابتداء من مشروع القيادة الرباعية المشتركة عام 1951، ومروراً بحلف بغداد عام 1955، ومبدأ ايزنهاور عام 1957، بنكسة جعلتها تدخل في مرحلة تجميد عميق، إلا أن الإستراتيجية الأمريكية وقوة الانتشار السريع، أو قوة التدخل السريع كما تسمى في بعض الأحيان، التي تُعَدّ عصب هذه الإستراتيجية، جاءت لتعيد من جديد إحياء النزعات القديمة الأمريكية بالعمل من خلال التدخل المباشر بالتركيز على الإجراءات العسكرية.

ب. تُعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية أن احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان مؤثر على تصاعد أخطار التهديد السوفيتي واقتراب هذا التهديد من منطقة الخليج، وأنه مجرد بداية للزحف إلى إيران وغيرها من الدول النفطية في المنطقة.

ج. تُعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً أن كميات النفط التي تصل إليها والى حلفائها تأثرت كثيراً بتدهور إيران نتيجة للثورة الجديدة فيها، وأيضاً نتيجة حربها مع العراق الذي تأثر بتروله، وقد لاحظ الغرب تزايد القوة البحرية السوفيتية في المحيط الهندي بما يعني تهديد طرق الإمداد بالنفط إلى اليابان الحليف الآسيوي.

د. وتتصور الولايات المتحدة الأمريكية أن منطقة الخليج قد أصبحت مركزاً رئيسياً في حركة الصراع الدولي بين القوتين، وأن الخليج تفوق على أوروبا من حيث تأثيره على موازين القوى الدولية، بسبب وجود مناخ من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في أوروبا، ويرجع ذلك إلى تواجد حلف وارسو وحلف شمال الأطلسي، وحدوث نوع من التوازن العسكري؛ وأن حساسية منطقة الخليج تأتي من تقلص قوة الغرب فيها.

هـ. إن دول الخليج لا تستطيع بإمكانياتها العسكرية المنفردة الدفاع عن نفسها وحماية ثرواتها النفطية، وأن كل ما تستطيع أن تفعله هو التهديد بحرق آبار البترول، الأمر الذي سيحدث تأثيراً كبيراً على الغرب دون الاتحاد السوفيتي الذي لن يتأثر بذلك، حيث لا يعتمد على النفط الخليجي. وإذا ترك للاتحاد السوفيتي الدخول إلى منطقة الخليج، فإن ذلك سوف يغير من موازين القوى الدولية بما فيه التحالفات الأمنية الأوروبية التي قد تدخل في مهادنات مع السوفيت من أجل بترول الخليج، وقد يمتد التأثير إلى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا ومنها اليابان.

2. تأثير التوازن في الخليج على شكل التحالفات الأمنية:

أ. أدت نزعات التوسع السوفيتي إلى فكرة إنشاء قوة التدخل السريع أو الانتشار السريع وكان الاتجاه الأمريكي يعني أحد بديلين:

(1)   إما تعديل معاهدة حلف شمال الأطلسي، بحيث تشمل جغرافياً منطقة الخليج إلى جانب التزامها الأساسي في أوروبا، وهو ما تعارضه الدول الأوروبية لمخاطره الكبيرة، ولأنه يعني العودة إلى سياسات المجابهة والتراجع عن الوفاق الذي تحقق بجهد كبير.

(2)   أو أن تأتي المشاركة خارج إطار الحلف بأسلوب التنسيق مع بعض الدول الأوروبية التي لها خبرة في التعامل مع منطقة الخليج ولها بعض الإمكانات للحركة فيها، وينطبق ذلك بشكل خاص على بريطانيا وفرنسا وقد أبدت بريطانيا تحمساً للفكرة دون باقي دول أوروبا.

ب. هذه القوات ستعمل من قواعد لها في أمريكا أو بعض قواعد حلف الأطلسي وهي مجهزة بالأسلحة التقليدية وغير مزودة بأي وسائل ردع نووية يصاحبها مظاهر التواجد البحري الأمريكي في المنطقة. ولم يكن تكوينها من وجهة النظر السياسية للمعارضة الأمريكية، إلا استجابة ضرورية للتهديد العسكري السوفيتي في المنطقة، كما أنها لن تساعد في تصحيح أي خلل في موازين القوى الدولية في المنطقة، وإنما سوف تنقل صراعات القوتين العظميين في أعنف صورها إلى هذه المنطقة، وفي هذا تهديد للسلم والأمن الدوليين.

ج. ولتعزيز فاعلية قوات الانتشار السريع طرحت بدائل عدة:

(1)   أن يتحمل حلفاء أمريكا الغربيون واليابان مسؤوليات جديدة في أوروبا وآسيا، حتى يسهل على الولايات المتحدة الأمريكية الدفع بقوات الانتشار السريع إلى شرايين النفط العربي، ويمكن أن يطلب منهم مشاركة الولايات المتحدة العمل في منطقة الخليج.

(2) تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية بتخزين أسلحة ومعدات ثقيلة قريبة من منطقة الخليج، على ألا تركز هذه الأسلحة في منطقة واحدة، ويُفضل بين منطقة الخليج والجناح الجنوبي لحلف الناتو.

(3) بحث إمكانية وجود دائم في منطقة الخليج أو بالقرب منه، وتتضح أهمية تركيا جغرافياً وإستراتيجياً  على أساس أنها تضم قواعد جوية لحلف الناتو تستطيع أن تصل إلى مناطق الأزمات داخل دائرة الخليج، كما أن اتفاق التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل يدخل في إطار الإستراتيجية الأمريكية في هذا المجال.

3. الدبلوماسية السوفيتية في منطقة الخليج:

أ. يحرص السوفيت على أنه لا يوجد له مصالح خاصة في منطقة الخليج وإنما تأتي متابعته واهتمامه بما يجري في هذه المنطقة من واقع الصلة المكانية الوثيقة التي تجمع بينهما، وهذه الصلة تؤثر في أمنه إلى أبعد حد.

ب. يُعَدّ السوفيت أن توفير إمكانيات عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية للاستيلاء على آبار النفط الخليجي هو الأساس، وسوف يحدث في مواجهة أي تهديد، حتى وإن نبع من داخل المنطقة نفسها وليس بالضرورة أن يكون التهديد من الاتحاد السوفيتي.

ج. يرى الاتحاد السوفيتي أن تكديس الأسلحة للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة ساعد على توتر العلاقات وضاعف الأخطار وخلق تعقيدات من شأنها أن تزيد احتمالات وقوع حروب ومواجهات دولية واسعة النطاق.

د. دعى الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف في فبراير 1981، أمام البرلمان الهندي، إلى تحييد منطقة الخليج بفصلها عن الصراعات الدولية، وعدم إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية بالمنطقة.

هـ. إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبرر وجودها المتزايد في الخليج لحماية مصالحها الحيوية، فإنه بالمثل فإن حرية الملاحة البحرية في المنطقة وتأمينها يأتيان في مقدمة اهتمامات الاتحاد السوفيتي، كما أنه إذا كان النفط له حساباته لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فإن هذا النفط أيضاً يهم وبدرجة أكبر عديداً من الدول الأخرى.  

و. أنه ما لم تتضافر الجهود الدولية من أجل إقامة سلام راسخ ومستقر في هذه المنطقة في إطار تعهدات متفق عليها، فإنه من الصعب توقع قيام ظروف إقليمية ذات استقرار حقيقي بل ستكون احتمالات حدوث أزمات دولية باقية ومتلاحقة.

ز. إن مسؤولية تعزيز أمن المنطقة يجب أن يظل بأيدي دولها، وإذا كان من ضرورة لإقامة حوار أمريكي سوفيتي بشأن مسائل الأمن في الخليج، فإنه يجب حدوث ذلك ضمن إطار دولي تقبله دول المنطقة، ومن ثَم، فقد كان للاتحاد السوفيتي رؤيته في أزمتين بالمنطقة هما:

(1) الحرب العراقية ـ الإيرانية: وقد أدت هذه الحرب إلى إضعاف الدولتين وخلقت ظروفاً شجعت على التدخل العسكري الأمريكي. وأما بخصوص المعاهدة السوفيتية ـ العراقية، فهي معاهدة سلام وليست معاهدة حرب، ولذلك فإنه لا وجه لتدخل السوفيت إلى جانب العراق في هذه الحرب، وأن التسوية السياسية كانت هي السبيل السليم الوحيد لإيقاف هذا النزاع. وفي هذه الأزمة، كان السوفيت أيضاً يدافعون عن وحدة الأراضي الإيرانية وسلامتها ويعارضون أي مساس بالكيان القومي لإيران، ومن ثَم، فقد سعى الاتحاد السوفيتي إلى انتهاج موقف وسط ومتوازن حتى لا يقامر بخسارة صداقة أي من طرفيها.

(2)   أمن الخليج ونزاع الشرق الأوسط: يرى كبار المسؤولين السياسيين السوفيت أن التسوية السلمية ما لم يتوصل إليها، فستكون المنطقة دائرة في حلقة مفرغة من التوتر وعدم الاستقرار، الذي من الطبيعي أن يزيد، مع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكثيف تدخلها العسكري في الخليج، بحجة مقاومة التهديدات السوفيتية، تاركة النزاع العربي الإسرائيلي يتدهور مرة أخرى.

(ح) ويرى الاتحاد السوفيتي في هذه الفترة "فترة الوفاق" أن السياسات، التي تصر الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذها، إزاء منطقة الخليج، تعطي انطباعاً قوياً بابتعاد فرضية وضع المنطقة بعيداً عن صراعات القوى الكبرى.

خامساً: شكل التوازن في منطقة شبه القارة الهندية "جنوب شرقي آسيا":

1. بعد أن أسست واشنطن حلف شمال الأطلسي، استدارت نحو آسيا، بهدف تطويق إمبراطورية الدب الروسي. وكانت الخطوة الأولى إنشاء معاهدة الأمن التي ضمتها مع أستراليا ونيوزيلندا ANZUS، ثم حلف مانيلا بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من أستراليا ونيوزلندا والفليبين وتايلاند وباكستان وبريطانيا وفرنسا "South East Asia Treaty Organization" SEATO. وقد فقد هذا الحلف فاعليته، بعد التقارب الأمريكي ـ الصيني، ولم يعد موجهاً إلى الكتلة الشيوعية بما فيها الصين، وإنما أصبح فقط لإغلاق الطريق أمام الاتحاد السوفيتي في جنوب شرقي آسيا.

2. الصين الشعبية التي ارتبطت بالاتحاد السوفيتي أيديولوجياً، وظلت لفترة تحسب إلى جانب قوة القطب السوفيتي، إلا أن هذا الوضع لم يستمر. فتزعم الاتحاد السوفيتي للكتلة الشيوعية في أوروبا، لا يلائم هذه الشقيقة الكبيرة في آسيا. بل إن الصين راحت تتلمس محاولات خفية لإحراج الاتحاد السوفيتي من خلال المهادنة مع القطب الأمريكي، وباتت تأمل في حدوث احتكاك بين القطبين في محاولة للوصول إلى صورة جديدة قوامها قوى قطبية ثلاثية، إلا أن الوفاق الأمريكي ـ السوفيتي حال دون ذلك واكتفي الاتحاد السوفيتي بأن تلعب الصين دور الشبح الذي يهدد القطب الأمريكي.

3. اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بمنطقة شبه القارة الهندية:

أ. المحيط الهندي ومنطقة شبه القارة الهندية إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط، أصبحت في الثمانينات نقطة الارتكاز للمحور الأفرو آسيوي، وأصبح يحتل اهتمامات إستراتيجية لكل من القوتين العظميين:

(1) الولايات المتحدة هدفها الإستراتيجي البترول والثروة العالمية السائلة وإبعاد السوفيت عن رأس الجسر في المواصلات البحرية بين آسيا وأفريقيا.

(2) المصالح السوفيتية تهتم بإبعاد النفوذ الأمريكي إن أمكن، كما أن هدفها في الوصول إلى البحار الدافئة المفتوحة والشواطئ الآمنة وتأمين شرق الاتحاد السوفيتي لن يحققهما سوى الوصول والسيطرة على هذه المنطقة من العالم.

ب. إن تبادل الاهتمام بالمحيط الهندي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي يرجع إلى  عوامل عدة على درجة كبيرة من الأهمية:

(1)   أن الاتحاد السوفيتي يرى أن هذه المنطقة هي أقرب المناطق إلى المراكز الصناعية الإستراتيجية السوفيتية، وأن الجزء الأكبر من الغواصات الذرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية يرابط في هذه المنطقة، خاصة مع احتفاظ الولايات المتحدة الأمريكية بقاعدة بحرية وجوية ضخمة في جزيرة "ديجو جارسيا" التي استأجرتها من بريطانيا.

(2) قام الاتحاد السوفيتي بدفع أسطول بحري كبير إلى المحيط الهندي وتوزيع غواصاته النووية بالقرب من ساحل الصين الشعبية، وتواجد في جزيرة "سقطرة" وذلك في مقابل التواجد الأمريكي الضخم في المنطقة، في محاولة لوجود توازن في هذا المجال.

(3)   إن الصورة، التي عليها توزيع القوى في النسق الدولي العالمي، هو قوتان لقطبين موجودين مع عالم ثالث متواضع القوة، لا يملك تبعاً لذلك المشاركة في تقرير الصورة العامة للنسق الدولي، ومن بينها قوى من الدرجة الثانية، لا تملك أكثر من العمل على تحقيق ذاتها. فلا هي وحدها، ولا هي والعالم الثالث يستطيعان معاً أن يكونا "حاملي ميزان القوة" بالنسبة إلى القطبين المتعادلين المتوافقين. وهذا يتيح مد التنافس لهما جغرافياً، ليس للهيمنة على شبه القارة الهندية، بل على العالم حتى أطرافه، ومن ثَم فإن وجود القوتين في هذه المنطقة يحقق لكل منهما توازناً مع الأخرى.

4. الدور الصيني في توازن القطبين في شبه القارة الهندية:

أ. بعد أزمة التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان نهاية عام 1979، ازدادت العلاقات الأمريكية ـ الصينية توثقاً. وقد توقع المراقبون أن تحديث القدرة العسكرية الصينية وتزويدها بالمساعدات الفنية والتكنولوجية الضرورية لأغراض هذا التحديث إذا ما زادت إلى الحد الذي لا يتجاوز حدود هذه المساعدات والدخول في تحالف عسكري مشترك، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدم أسس التوازن الإستراتيجي الدولي القائم أو الإضرار به. ولم يكن هذا التقارب ليحدث، لولا أن مبادرة الرئيس كارتر بإلغاء المعاهدة الدفاعية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان قد نُفذت دون الرجوع إلى الكونجرس الأمريكي، وقد ذهبت الصين إلى حد أنها عرضت المصالحة مع تايوان لتوحيد الوطن الأم دون أي تعديلات في الأوضاع في تايوان.

ب. بدأت الصين من خلال تصريحات رئيسها هواكوا فينج في التلميح إلى الحاجة الماسة لإقامة قوة دفاع كبرى لمواجهة سياسات الهيمنة السوفيتية. وبرهنت على هذه الهيمنة، بالإشارة إلى غزو فيتنام لكمبوديا، بتحريض من الاتحاد السوفيتي. وفي يناير 1980، قدمت الحكومة الصينية احتجاجاً شديد اللهجة إلى الاتحاد السوفيتي، بسبب غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان وتهديده للأمن الصيني. وتوقفت المفاوضات مع الاتحاد السوفيتي لإعادة العلاقات الطبيعية بينهما، واستبعد أي شكل للمصالحة بين بكين وموسكو.

ج. نشطت في هذه الفترة الدبلوماسية الأمريكية وازدادت سبل دعم العلاقات الأمريكية ـ الصينية. وفي هذا المناخ، لم تعترض الصين على ما قاله هارولد براون وزير الدفاع الأمريكي بأنه لابد من تعزيز وجود أمريكا عسكرياً في غرب الباسفيكي. وكانت الصين تُعَدّ ذلك من قبل، تهديداً لأمنها في المنطقة. وقد تولد لدى الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الرئيس جيمي كارتر، قناعة بأن الصين هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تشكل رادعاً فعالاً ضد الاتحاد السوفيتي في آسيا، خاصة وأنها تمتلك القنبلة الذرية الأولى منذ 16 أكتوبر 1964، والقنبلة الهيدروجينية الأولى منذ 17 مايو 1967.

د.  في بداية عام 1980، صدر تقرير مؤسسة راند المتخصصة في بحوث الإستراتيجية الأمريكية ومشكلات الأمن الدولي، ويشمل هذا التقرير ثلاثمائة صفحة بعنوان الأمن الآسيوي في الثمانينيات. ويحث هذا التقرير كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على تنمية علاقات قوية مع الصين الشيوعية، ويؤكد أن منظمة جنوب آسيا ستبقى أحد الأهداف الإستراتيجية السوفيتية، وأن الصين تحظى بأهمية خاصة في هذا الهدف. ويُعَدّ هذا التقرير معبراً عن اتجاهات مندفعة لتوثيق التعاون العسكري مع الصين.

هـ. هذا الاتجاه الأمريكي تجاه الصين، أثار ارتياب الاتحاد السوفيتي في نوايا الولايات المتحدة الأمريكية من الوفاق. فما زال ـ حتى الآن ـ هذا الوفاق في إطار شكل من أشكال الحرب الباردة. وهو ما أدى إلى إعلان بريجنيف في تصريح رسمي "أنه على الأمريكيين أن يختاروا بين التعايش السلمي والتحالف مع الصين". وإذا كانت المصالح الأمريكية ـ الصينية تلتقي في بعض الاتجاهات، ومنها مواجهة انتشار الاتحاد السوفيتي، إلا أنها تختلف أيضاً في بعض الاتجاهات الأخرى. ومنها التكلفة التي سوف تتحملها الولايات المتحدة الأمريكية لتجهيز الصين للدفاع عن نفسها، والذي سوف تصل تكلفته إلى ستين مليار دولار في هذا التوقيت، الأمر الذي يلقى معارضة من بعض الدوائر في الإدارة الأمريكية، وكذلك الموضوعات الخاصة بتسليح أمريكا لتايوان.

و. إن تحرك الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين وارتباطه بتذبذب العلاقات الأمريكية ـ السوفيتية يُعَدّ من الأسباب الرئيسية لعدم استقرار ونمو وفاق دولي شامل. وقد تؤدي زيادة وتحديث القدرة العسكرية الصينية إلى وجود حافز لدى الصين للاندفاع نحو ركائز القوة السوفيتية في آسيا. وقد يمتد ذلك إلى التنسيق مع باكستان لزيادة المقاومة الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي. وهذه العلاقة الجديدة بين الصين وباكستان قد تُعَدّها الهند تهديداً لأمنها القومي. وهنا، قد تكثف حدة عمليات الاستقطاب الدولي في هذه المنطقة الحساسة جداً في صراعات القوة الدولية، وقد تتحول بفعل ضغوط الأوضاع الدولية والإقليمية إلى مناطق لأحلاف جديدة، بما يعني الاتجاه عكساً إلى حرب باردة جديدة أخطر بكثير من الحرب الباردة السابقة. وهذا الوضع الجديد خلق مناخاً جديداً لسباق التسلح في شبه القارة الهندية، فمن صفقة أسلحة أمريكية لباكستان بمبلغ 3.2 مليار دولار، إلى إنفاق الهند خمسة مليارات ونصف المليار دولار سنوياً في مجال التسليح، بما يساوي 30% من ميزانيتها أو 8% من دخلها القومي، وهو وضع ينذر بالخطر وليس انتهاء الحرب الباردة، وبدأ الوفاق ولكنه نوع من توازن القوى بالمنطقة.

سادساً: أزمة الوفاق الدولي بين القوتين العظميين:

1. الإجماع الإستراتيجي:

أ. وصلت القناعة الأمريكية إلى الإقرار بتغير ميزان القوى لصالح الاتحاد السوفيتي وازدياد تدخله في بعض المناطق المهمة في العالم. ونظراً إلى عدم امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لقوة، تكفل لها حرية الحركة دولياً، لإحباط مفعول تلك السياسات السوفيتية، فإن الرئيس ريجان، فور توليه السلطة عام 1981، رأى أن الوسيلة العملية المُثلى لمجابهة التهديد السوفيتي وإحباطه هي إقامة حزام مناهض للاتحاد السوفيتي يمتد من باكستان إلى تركيا ومصر والسعودية.

ب. كان الرئيس ريجان وألكسندر هيج وزير الخارجية ينظران إلى سياسة الوفاق على أنها سياسة الاتجاه الواحد في تقديم التنازلات للكتلة السوفيتية، ولذا تولدت قناعة لدى الإدارة الأمريكية بتبني مبدأ الإجماع الإستراتيجي لردع السوفيت من استغلال الخلافات الإقليمية في أي بقعة في العالم. فقد ارتكز هذا المبدأ على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن من خلالها زيادة قوتها العسكرية وتوفير الإمكانيات التي تسمح بتخزين بعض المعدات العسكرية الثقيلة لدى هذه الدول الصديقة لاستخدامها عند الحاجة. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية صادفت عقبات في سبيل إقناع بعض هذه الدول بالتحول بفكرة الإجماع الإستراتيجي إلى التزام تعاقدي رسمي بسبب التركيز فقط على الأخطار الخارجية على حساب المشاكل الإقليمية الداخلية، ومنها النزاع العربي ـ الإسرائيلي.

ج. على الرغم من هذا التوجه الأمريكي، إلا أن التهديد السوفيتي ظل موجوداً، لذلك فإنه ما لم يتوصل إلى حل لمشكلات المنطقة من منظور إيجابي يختلف عن المنظور القائم، فإن الإستراتيجية السوفيتية سوف تستغل دائماً عدم الاستقرار في بعض المناطق الإقليمية في العالم لتحقيق مكاسب لها على حساب المصالح الغربية.

2. تفاقم أزمة الوفاق:

أ. بدلاً من أن ينظر إلى سياسات الوفاق على أنها بمثابة خط إستراتيجي محدد للتعامل المتوازن بين القطبين، أصبح التفسير الأمريكي في تصاعد يبعث على التشاؤم بشأن هذا الوفاق بسبب قناعة الولايات المتحدة الأمريكية بأن السوفيت استثمروا هذا الوفاق لصالحهم في تحقيق تفوق عسكري ساحق وبسط النفوذ في مناطق كثيرة من العالم، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية حملت الاتحاد السوفيتي مسؤولية متاعب العالم بأسره، وذلك في إشارة إلى مساندة الإرهاب الدولي وتشجيعه وتفجير الحروب الثورية في كل مكان، والتحريض على الحملات المناهضة للتسلح النووي في أوروبا، وهدم علاقات التوازن الإستراتيجي في أوروبا بنصب شبكة هائلة من الصواريخ الإستراتيجية متوسطة المدى ذات الرؤوس النووية، وهو ما أدى إلى زعزعة استقرار العالم.

ب. وقد تبنى ألكسندر هيج وزير الخارجية الأمريكي، والذي كان من قبل يشغل منصب القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي، انتقاد السياسة السوفيتية في الساحة الدولية، وحمَّلها مسؤولية عدم تنفيذ الوفاق الدولي بالصورة التي ترضى عنها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ازدهار هذا الوفاق مرهون بتوفر الحد الأدنى من حسن النوايا من الطرفين متمثلاً في سلوك كل منهما تجاه الآخر، وهو ما لم يظهر على الساحة الدولية خلال التصريحات الرسمية للمسؤولين خاصة الأمريكيين، حيث دارت التصريحات بشأن عدم اتباع الاتحاد السوفيتي سياسة متزنة تحقق الوفاق الحقيقي بين القوتين العظميين، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

(1)   إن إدخال الاتحاد السوفيتي أسلحة إستراتيجية جديدة إلى المسرح الأوروبي، أخل بعلاقات التوازن النووي القائم في أوروبا، وهو في الوقت نفسه يثير حملة دعائية ضد قرار حلف الناتو بنشر شبكة صواريخ كروز وبيرشنج.

(2)   إن الثقة المتبادلة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي اهتزت بسبب قمع الجيش لحركة التضامن العمالية في بولندا بمساندة الاتحاد السوفيتي، ولكن السوفيت يردون على ذلك بأن لديهم تعهدات مع دول حلف وارسو وحكومات هذه الدول تأخذ مواقفها لصالح شعوبها دون وصاية من الغرب.

(3)   لا ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن لقاءات القمة بين واشنطن وموسكو تحقق نوعاً من الدبلوماسية الوقائية في سبق الأحداث ونزع فتيل مواقف الصراع قبل انفجارها، وأن الأحداث في العالم خلال فترة الوفاق لا تستدعي مثل هذا النوع من اللقاءات وكأنه لا مبرر لانعقاد مؤتمرات القمة إلا مع انفجار الأزمات الدولية. وفي هذا المجال، لا يستطيع العالم أن ينسى الفائدة التي تحققت من لقاءات بريجنيف مع نيكسون وفورد وكارتر، والتي كان من ثمارها سياسات الوفاق.

(4)   عندما بدأ نمو العلاقات التجارية والتكنولوجية بين الشرق والغرب، ظنت الولايات المتحدة الأمريكية أن ذلك سوف يجعل السوفيت يعتدلون في مسلكهم الدولي. ويقول كيسنجر: "إن ما حدث كان العكس، فقد تركت دول غربية كثيرة نفسها تنساق في التعامل مع الاتحاد السوفيتي، بحيث أصبح عدم التعامل مع الاتحاد السوفيتي سلاحاً موجهاً ضد هذه الدول"، وضرب كيسنجر مثالاً على ذلك بابتهاج المزارعين الأمريكيين عند السماح لهم ببيع ملايين الأطنان من الحبوب إلى السوق السوفيتية.

(5)   ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنه إذا تمكنت كوبا ونيكاراجوا من السيطرة على أمريكا الوسطى، فإن ذلك سيشكل خطراً على الحدود الأمريكية، خاصة عند تسليحها عسكرياً من الاتحاد السوفيتي، وعلى رأس هذا التسليح الطائرات الميج 23 المزودة بالرؤوس النووية.

(6)   إن تحرك الاتحاد السوفيتي في منطقة جنوب أفريقيا، يقلق الولايات المتحدة الأمريكية لما يمثله لها من حرمان من المعادن والثروات الطبيعية، إلى جانب البترول في منطقة الشرق الأوسط. وترى الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً أن السوفيت يحركون القلاقل في تشاد وكمبوديا والسلفادور وجواتيمالا، ويعملون مع أنجولا ضد ناميبيا وزائير، ومع إثيوبيا ضد الصومال والسودان.

وفي هذا المناخ من الاتهامات وفقد الثقة ورفض الجلوس للتفاوض على مائدة القمة، أصبح لا يُرجى لسياسات الوفاق أن تستمر وتزدهر.