إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

المبحث الرابع

علاقات القوى الكبرى والأحلاف العسكرية

أولاً: علاقات القوى الكبرى:

    مرت هذه المرحلة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، وحتى نهاية الحرب الباردة عام 1990 بين الكتلتين الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بالعديد من تعارض المصالح واختلاف الإستراتيجيات، ومن ثم كان توازن القوى في تلك الفترة يشوبه احتمالات الصراعات المسلحة وخاصة النووية منها.

    وكانت أهم المصالح للاتحاد السوفيتي لامتداد الفكر الشيوعي (مصلحة أيديولوجية) تعتمد على وصوله إلى المياه الدافئة شمالاً حيث البلطيق، وجنوباً حيث البحر الأسود والخليج العربي. وكان معنى ذلك الاصطدام بالقوة البحرية الغربية التي كانت تسيطر على تلك المناطق، وتعتمد على قوتها البحرية حين ذاك. وقد عَدّت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك تهديداً لأمنها القومي وسيادتها ومصالحها في تلك المناطق.

    ومن هنا، كانت سياسات الأحلاف والتكتلات هي الظاهرة الرئيسية في تلك الفترة، ومن أهم العوامل المؤثرة على التوازنات العالمية. والتي تشكل في معظمها تحقيق مصالح وأهداف القوى الكبرى التي سعت إلى إضافة تحالفات عسكرية في مناطق المصالح الحيوية ومناطق المصالح الرئيسية، وأحياناً تصل درجة أهميتها إلى حيوية وتكتلات اقتصادية، بحيث ترتبط مع القوى الكبرى وفي حالات أخرى تكون تابعة لها.

    استقر النظام العالمي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية على نظام القطبين، الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي. وتجسد العالم الأول (الرأسمالي) في حلف شمال الأطلسي، والعالم الثاني (الاشتراكي) في حلف وارسو. واصطلح على تسمية الدول خارج المعسكرين بالعالم الثالث. وحيث إن التنافس والتناحر بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي كان شديداً، وكانت الحرب الباردة تنتقل من بؤرة توتر إلى أخرى في مناطق دول العالم الثالث، عقد كبار شخصيات هذا العالم، عام 1965، مؤتمراً في باندونج ـ يوغسلافيا، حضره القادة: جمال عبدالناصر، ونهرو، وسوكارنو، وتيتو وغيرهم، وأعلنوا تشكيل منظمة دول عدم الانحياز.

    وقد مرت علاقة القوى بين المعسكرين بأربع مراحل:

1. مرحلة التفوق الأمريكي.

2. مرحلة التوازن الإستراتيجي.

3. مرحلة الركود السوفيتي.

4. مرحلة الانهيار السوفيتي والتفرد الأمريكي.

    استمرت المرحلة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الخمسينيات، وقد تمتعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بمرحلة محكومة بعقدة التفوق الذري والاقتصادي، وكانت صاحبة اليد العليا على حلفائها وأعدائها على حد سواء. وكان الاتحاد السوفيتي في هذه المرحلة يجاهد للسيطرة على التحكم بالثورة الصناعية الثانية وبتطوير أسلحة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

    أما المرحلة الثانية، فقد تحققت بشكل واضح بعد إعلان الاتحاد السوفيتي عن امتلاكه للصواريخ عابرة القارات، والتي من شأنها أن تحقق إستراتيجية التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استمرت هذه المرحلة منذ منتصف الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات. وقد خاضت  الولايات المتحدة الأمريكية خلالها حرباً شرسة في جنوب شرق آسيا انتهت بهزيمتها في فيتنام، المدعومة من الاتحاد السوفيتي والصين. وأصبح الاتحاد السوفيتي في هذه المرحلة قوة عظمى بالمعنى الحقيقي في مجالات حيوية متعددة. إضافة إلى كونه يمثل أكبر دولة من حيث المساحة وثالث دولة في عدد السكان، وامتلاكه الموارد الطبيعية والذهب والبترول والمواد الإستراتيجية ونصف السلاح النووي في العالم، فإنه أصبح يشكل المكانة الثانية من حيث حجم الاقتصاد، والمكانة الثانية في الإنتاج الصناعي. ونما اقتصاده بحوالي 6%سنويا، وخلال النصف الثاني من الخمسينيات نمت استثماراته في البحوث والتطوير بما مقداره8% سنوياً. ومع نهاية الخمسينيات كان لدى الاتحاد السوفيتي أكبر جماعة علمية في ذلك المجال من حيث عدد الأفراد ولذلك لم يكن مدهشاً، وفقاً لمعدلات النمو هذه، أن يعلن نيكيتا خروشوف في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية عام 1959، أن الاتحاد السوفيتي سوف يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1970 أو1980 على الأكثر. هذه التوقعات تضمنها برنامج الحزب الشيوعي السوفيتي عام 1960، وظلت تردد عاماً بعد عام، حتى أُزيلت من البرنامج عام 1985.

    أما المرحلة الثالثة والتي امتدت من منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، فهي مرحلة تميزت بالتأثير المباشر للثورة العلمية والتكنولوجية وبازدياد الفجوة بين المعسكرين في مجالات العلم والتكنولوجيا. حيث استطاعت الرأسمالية أن تجدد شبابها بعد سلسلة الانتكاسات التي أصابتها في صراعاتها مع حركات التحرر في العالم. وتركزت آثار الثورة العلمية والتكنولوجية على مجالات متعددة عسكرية ومدنية، وازدهر الاقتصاد، وأدى انقسام العالم إلى بروز عالم رابع، هو عالم البترول الذي مثلته دول الخليج العربي، بحيث ارتبط اقتصادياً وسياسياً بالعالم الأول، حتى إن دخله الهائل كان يفوق احتياجات سكانه القلائل، فأصبحت ثروته في خدمة الرأسمالية. وفي الوقت نفسه، حدثت تغيرات جذرية داخل الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، فظهرت ملامح إمبريالية اشتراكية كما يسميها الصينيون، تجسدت في حروب فيتنام في كمبوديا، والاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وتفاقمت الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدان العالم الثالث، التي اعتنقت الاشتراكية مثل: كوبا، وأفغانستان، وكمبوديا، وفيتنام، وإثيوبيا، والصومال، ولاوس، وموزمبيق، وأنجولا... إلخ.

    ونتيجة لكل ذلك، ساد الركود الاقتصادي والجمود العلمي في الاتحاد السوفيتي. وبدأت التحولات العالمية مع صعود الرئيس ريجان وسياسته ضد الاتحاد السوفيتي، الذي وصفه بعالم الشر، وأعلن عليه الحرب تحت شعار مبادرة الدفاع الإستراتيجي. وهو ما جعل الرئيس السوفيتي جورباتشوف يدرك الحجم الحقيقي للاتحاد السوفيتي. وبوصول جورباتشوف إلى الحكم، بدأت المرحلة الرابعة التي كان يعيشها الاتحاد السوفيتي, وما كانت تُسمى بالمنظومة الاشتراكية. وقد خسر الاتحاد السوفيتي، نتيجة لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، الحرب الباردة، وحرب النجوم، وتخلى عن مبادئه وعقيدته، وترك المنظومة الاشتراكية تتحلل في محاولة للحاق بالسوق الحرة، متخلياً عن الماركسية والاشتراكية ولاهثاً وراء المساعدات والقروض. وقد خيل لجورباتشوف أنه عبر توحيد ألمانيا، فإن الطريق إلى دخول الاتحاد السوفيتي في الوحدة الأوروبية تحت شعار البيت الأوروبي الموحد، سيعطيه دوراً قيادياً جديداً في العالم، ولكن إدارة ريجان ومن بعدها إدارة بوش استطاعتا إبعاد جورباتشوف وخداعه.

    وتميزت تلك الفترة بالتحالفات العسكرية والتكتلات الاقتصادية التي في مضمونها تحقيق المصالح القومية للقوتين (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية) واستخدام التحالفات العسكرية كقوة لتحقيق توازنات القوى في مناطق المصالح.

ثانياً: الأحلاف العسكرية:

    بدأت الخلافات تدب بين قطبي العالم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانوا أثناء الحرب حلفاء ضد تهديد النازية والفاشية في أوروبا، وكان منشأ الخلاف انتشار الجيوش السوفيتية في أوروبا الشرقية وفرض السيطرة عليها؛ إضافة إلى السعي لإقامة نُظم حكم شيوعية موالية لهم في: بولندا، والمجر، وتشيكوسلوفاكيا، ورومانيا، وألبانيا، ولم يكتف الحكام السوفيت بهذا، بل بدأ الزحف العقائدي لبسط النفوذ على كل من: تركيا، واليونان، وتأجيل الانسحاب من إيران.

    وقد أدت الأزمة الاقتصادية الساحقة لدول أوروبا الغربية إلى خلق الظروف المناسبة لانتشار بعض الأفكار الشيوعية، حتى وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الأوضاع تمثل تصاعداً خطيراً في الأحداث، وأنها يجب أن تضطلع بالدور المنوط بها للدفاع عن العالم الغربي، بعد أن وقف عاجزاً أمام الهجمة الشيوعية السوفيتية وتطلعاتهم المستقبلية.

    اتخذت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء Containment، والتي صاغ مبادئها "جورج كينان" الخبير السياسي عام 1947، وبدأت في ممارسة حصر المد الشيوعي وإحكام الخناق حوله، وساعدها على ذلك قدراتها النووية التي كانت توصلت إليها حديثاً وسعيها إلى بناء جدار حول الاتحاد السوفيتي، متمثلاً في أحد أهم الأحلاف العسكرية المعاصرة وهو حلف شمال الأطلسي.

1. حلف شمال الأطلسي (NATO) North Atlantic Treaty Organization (انظر خريطة الأحلاف العسكرية ، وخريطة الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات)

    كان هذا الحلف هو أول الأحلاف العسكرية المعاصرة، والذي بدأت فكرة إنشائه بتوقيع ميثاق بروكسل عام 1948، حيث كان هذا الميثاق هو النواة الحقيقية لحلف شمال الأطلسي، وقد وقع عليه كل من: بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورج، ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي، في يونيه 1948، على انضمام الولايات المتحدة الأمريكية، حيث دخلت في مفاوضات انتهت بالتوقيع على معاهدة حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، ووقع مع الولايات المتحدة الأمريكية كل من: كندا، والدنمرك، وأيسلندا، وإيطاليا، والنرويج، والبرتغال، ثم انضمت تركيا واليونان عام 1952، وألمانيا عام 1955، وأسبانيا عام 1982، ليصل عدد أعضاء هذا الحلف 16 عضواً.

    والمعاهدة مكونة من 14 مادة، تدور حول تأمين الدول بعضها بعضاً ضد أي عدوان تتعرض له، باتخاذ الإجراءات كافة ومنها الدفاع بالقوة، بهدف إعادة الأمن وصيانته في منطقة شمال الأطلسي بما فيها أمريكا الشمالية، وقد نتج من عقد هذه المعاهدة رفع الاتحاد السوفيتي حصاره عن برلين الغربية بعد أسبوعين من التوقيع عليها، ويؤكد ذلك تأثير مقاليد هذا الحلف في تحقيق عنصر الردع، الذي يؤدي إلى توازن القوى وتوازن المصالح في العالم.

    ونظراً إلى ما تتمتع به دول أوروبا من تقدم تكنولوجي واقتصادي (انظر جدول القدرات والإمكانات الشاملة لأوروبا واليابان والصين)، وما لديها من موارد طبيعية كبيرة، إضافة إلى موقعها الجغرافي المتميز، بالنسبة إلى العالم بصفة عامة وإلى الكتلة الشيوعية بصفة خاصة، كل ذلك يُعَدّ إضافة إلى القدرات العسكرية الأمريكية (انظر جدول القدرات والإمكانات الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية) وضماناً لتأمين خطوط مواصلاتها عبر الأطلسي، وهو ما يشكل خط دفاع رئيسي لها ضد الاتحاد السوفيتي، بل أبعد من ذلك أن هذه المعاهدة أو هذا الحلف أصبح يمثل بؤرة نفوذ خارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وأن أي مساس بها قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية، الأمر الذي لم يكن الاتحاد السوفيتي على استعداد لقبوله في أي وقت من الأوقات.

    وقد رأى هنري كيسنجر أن المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية محل هذا التحالف تعود في أساسها إلى أسباب عدة كالآتي:

أ. لا توجد دولة أوروبية قادرة على التصدي بمفردها للتهديدات السوفيتية.

ب. أن الدفاع عن أوروبا لا يمكن أن يُدار من أمريكا الشمالية، وإنما لابد من وجود وثبة داخل القارة الأوروبية تستند إلى فعالية في الأداء.

    وتأكيداً لأهمية هذا التكتل العسكري، أعلن الرئيس ايزنهاور "أن حلف الأطلسي يمثل عنصراً أساسياً في التحالفات الأمريكية في مواجهة التهديد الشيوعي ضد السلام والأمن الدوليين".

    ولقد طبقت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا التحالف (سياسة الاحتواء) فكون هذا التجمع يشمل مجموعة دول ليبرالية ديمقراطية ضد الشيوعية السوفيتية، إلا أن هذا لم يمنع دولة ذات نظام سلطوي مثل البرتغال في عهد سالازار إلى الانضمام إلى عضوية هذا الحلف، وهو ما يمثل تفوق الحسابات الإستراتيجية على حسابات التجانس المذهبي.

    كان من نتيجة نشر العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في الأراضي الأوروبية، زيادة المصداقية في إستراتيجية الردع الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي، وقد زاد من فاعلية هذه الإستراتيجية نشر الصواريخ النووية متوسطة المدى في أوروبا، كما أنشئت القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا ومقرها بروكسل، ويتبعها أربع قيادات فرعية أخرى، وكانت أسس أوضاع القوات المسلحة لكل دولة من حيث السيطرة والإشراف، أن تظل كل دولة تمارس سيادتها على القوات التابعة لها، كما أن الرؤوس النووية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تُخَزّن في أوروبا تظل تحت السيطرة الكاملة لها، إلا أن تركيبها في الأسلحة الحاملة لها مثل الصواريخ أو قاذفات القنابل يتفق على ترتيباتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، أما بالنسبة إلى قرار الاستخدام فقد اتفق على أن يكون محصوراً في يد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النسبة العظمى من القوة النووية الضاربة، أما ما يُطلق عليه عملية التخطيط النووي المشترك في الحلف فإنما يعني كيفية تنفيذ هذا القرار وليس التعرض للبحث في القرار نفسه.

    رَحّبت الدول الأوروبية بالوجود العسكري الأمريكي في أراضيها، ولكن مع خفة حدة التهديد السوفيتي، بدأت بعض التيارات المعارضة لهذا الوجود تظهر على السطح، وبدأت القناعة في تناقص بأن المظلة النووية الأمريكية يمكن أن تحقق مصداقية في تأمين دول غرب أوروبا، وقد دفع ذلك ديجول ـ الرئيس الفرنسي ـ، في مارس عام 1966، إلى الانسحاب من الحلف، ثم انضمت إليه بعد ذلك في مرحلة لاحقة، وربط ذلك باستعداد فرنسا لإنشاء قوة نووية خاصة بها، تلي ذلك دعوة صريحة وُجِهت من الحلف لتنمية العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا، بما يهدف إلى استقرار أوضاع سلمية في أوروبا، وكانت هذه الدفعة الكبيرة في علاقات الانفراج والتقارب التي أمكن للدبلوماسية السوفيتية أن تحققها مع دول الناتو الأوروبية، قد بدأت تحدث خلافات وانقسامات في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وكان رد فعل الدول الأوروبية هو السعي لدعم هذه السياسات الجديدة للوفاق لتحسين فرص السلام والاستقرار.

    إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى الإبقاء على الهيمنة الأمريكية وتبعية الدول الأوروبية لها، وقد ظهر ذلك واضحاً من الآتي: 

أ. اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على محاولات الدول الأوروبية لتحسين علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي.

ب. معارضة الولايات المتحدة لموجة التسلح النووي الذاتي لدول أوروبا، ومنها فرنسا خصوصاً.

    هذه الأوضاع الجديدة أفقدت إستراتيجية الردع النووي مصداقيتها، وأظهرت أهمية الإستراتيجية التقليدية، وهو ما أعطى إيحاء بالقضاء على أهمية عنصر التفوق الوحيد الذي يملكه الغرب وهو الردع النووي، وعلى الجانب الآخر أعطى ميزة كبيرة للاتحاد السوفيتي وحلفائه، وذلك نتيجة تمتعهم بقدرات ساحقة في مجال الأسلحة التقليدية، وهو ما يشكل خطورة من حيث إمكانية زحف الاتحاد السوفيتي على أوروبا باستخدام القوات التقليدية، وقد أدى إدخال السوفيت حوالي 100 صاروخ متوسط المدى من طراز SS-20 بمدى يصل إلى 5000 كم، و50 طائرة TU-22M بمدى 5000 كم إلى المسرح الأوروبي، أدى ذلك إلى الإخلال بميزان القوى، طبقاً لرأي خبراء عسكريين في الحلف.

    نتج من هذه المواقف والأوضاع حدوث انقسام داخل حلف شمال الأطلسي، وتصاعدت الخلافات السياسية. فالفئة الأولى وتمثلها الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الغربية، وبريطانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، تنادي بتقوية ودعم القوات النووية. والفئة الأخرى وتضم: الدنمرك، والنرويج، وهولندا، وتركيا، وهي فئة متحفظة في رأيها بين الرفض والقبول، ولكل فئة حجتها التي لها قناعتها ودلائلها المنطقية المبنية على حسابات ودراسات دقيقة. وكان الخلاف الثاني هو رفض أعضاء الحلف انضمام أسبانيا، ما اضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد حلف ثنائي معها عام 1953 حتى انضمت للحلف عام 1982. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تقوية مركزها في أوروبا. ولتطويق الاتحاد السوفيتي، عقدت الولايات المتحدة الأمريكية حلفاً ثنائياً آخر مع الصين الوطنية عام 1954.

    وقد وصلت قوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا إلى حجم من القوة النووية، جعل هناك تفوقاً ملحوظاً في هذا المجال، حيث إن المقارنة بالأسلحة التقليدية كانت لصالح الاتحاد السوفيتي. ومن ثَم، فإن هذا الحجم هو اعتمد عليه بصفة أساسية، لإحداث التوازن في أوروبا مع حلف وارسو. وقد انفردت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بامتلاك المدى المتوسط من الأنظمة الإستراتيجية لأسلحة المسرح النووي، والتي كانت توصف أحياناً بالأسلحة النووية الأوروستراتيجية. وقد وصلت قوات الحلف النووية إلى 170 طائرة في قواعد بريطانية، و180 طائرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكلها من طراز (ف-111). وتستطيع هذه الطائرات حمل 13 طن لكل منها من المعدات الهجومية بمدى عمل 4500 كم، هذا إضافة إلى قاذفات تتبع السلاح البحري يمكن استخدامها في المسرح الأوروبي كوسيلة توصيل للأسلحة النووية، وتضم 120 قاذفة حمولة 6 طن بمدى 1700 كم، و240 قاذفة طراز (أ-7 كوسير) حمولة 6 طن بمدى عمل 1200 كم، إضافة إلى ما تحمله حاملات الطائرات حوالي 150 قاذفة حمولة 7.25 طن بمدى 1100 كم.

    وللولايات المتحدة الأمريكية 108 صاروخ  بلاستيكي طراز (بيرشنج-1) بمدى 720 كم يحمل الواحد منها رأساً نووية بقوة 50 كيلو طن، تتمركز كلها في المسرح الأوروبي، وهي من ضمن 7 آلاف رأس نووية مخصصة لهذا المسرح. وأما المملكة المتحدة، فلديها 16 صاروخاً بلاستيكياً في كل غواصة نووية من الأربع التي تمتلكها بإجمالي 64 صاروخاً بمدى 4600 كم من طراز (بولاريس)، وكل صاروخ مزود بثلاثة رؤوس قوة كل منها 200 كيلو طن، هذا إضافة إلى 50 قاذفة طراز (فولكان) بمدى 4000 كم بحمولة 10 طن لكل منها، و60 قاذفة طراز (بوكاينر) مدى العمل 2000 كم حمولة 7.5 طن، و80 قاذفة مقاتلة من طراز (جاجوار) حمولة 4.5 طن مدى العمل 1300 كم. أما القوات الفرنسية، فلديها 18 صاروخاً بلاستيكياً متوسط المدى طراز (س-3) مدى 3000 كم مزودة برأس نووي قدرة 150 كيلو طن، و80 صاروخاً بلاستيكياً على الغواصات طراز (م-20) مدى العمل 3000 كم بقدرة 1 ميجاطن، و36 قاذفة طراز (ميراج-4) مدى العمل 1800كم حمولة 6 طن. أما ألمانيا، فلها 72 صاروخاً (بيرشنج-1)، و180 مقاتلة (ف-4)، و318 مقاتلة (ف-40 استار فايتر).

    يُشكل سلاح الجو الأمريكي في أوروبا قوة جوية كبيرة تشمل وحدات قتالية وعناصر دعم واستطلاع وإنذار وتدريب وإدارة وتنظيم، وهي تتبع القيادة الأمريكية في أوروبا، ومركزها مدينة (شتوتجارت) بألمانيا الغربية، وهي مسؤولة أمام القيادة العليا لقوات الحلفاء في أوروبا، ومقرها مدينة (مونس) في بلجيكا، ويتكون هذا السلاح في أوروبا من 700 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة يدير عملها 75 ألف شخص، منهم 63 ألف جندي، 3 آلاف مدني، 9 آلاف غير أمريكيين، وله 65 قاعدة ومنشأة موزعة على 10 دول أوروبية.

    وتضطلع هذه القوة الكبيرة من القوات الجوية بتنفيذ مهام الدفاع الجوي الإستراتيجي والنقل الجوي والمساندة القريبة والقصف الاختراقي والاستطلاع والكشف والإنذار، ومهام الدعم المتنوعة. ويتشكل هذا السلاح من القوة الجوية الثالثة والقوة الجوية 16 والقوة الجوية 17، حيث تستخدم قواعد وتسهيلات في كل من: بريطانيا، وألمانيا الغربية، وهولندا، واليونان، وإيطاليا، وتركيا، وأسبانيا، وأيسلندا، بإجمالي 33 سرب تضم حوالي 620 طائرة موزعة كالآتي:

أ. 276 مقاتلة متعددة المهام.

ب. 156 مقاتلة قاذفة.

ج. 108 طائرة مساندة قريبة.

د. 60 طائرة استطلاع تك.

هـ. 20 طائرة تدريب قتالي.

    إضافة إلى ذلك، فتوجد أعداد أخرى من الطائرات تتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية تحت تصرف القوات الأوروبية عندما تستدعي الحاجة لذلك.