إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

المقدمة

    انقسم العالم أثناء الحرب العالمية الثانية إلى كتلتين تمثل كل منهما تجمعاً دولياً له مصالحه وأهدافه، فألمانيا وإيطاليا وباقي دول المحور تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم، وإنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، وانضمت إليهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى مكونة لمجموعة الحلفاء. وقد شكلت هذه التجمعات توازناً عالمياً قبل اندلاع الحرب بفترة قصيرة، إلا أن الصراع المسلح أنهى هذا التوازن لصالح دول الحلفاء. وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى بحث العالم عن شكل جديد من أشكال التوازن، وخرجت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بتوجهات متعارضة، بعد أن كانا أقرب ما يكون في مجموعة الحلفاء أثناء إدارة الصراع في الحرب.

    وهكذا وجدنا صديق اليوم هو عدو الغد، وقد يكون عدو اليوم هو صديق الغد، كما حدث بينهما بعد ذلك في فترة الوفاق الدولي. وقد ظهر عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، انقسام من نوع آخر في العالم؛ ليعطي بعداً أيديولوجياً جيداً للتوازن الدولي، وليكون في طرفي الميزان كتلة غربية رأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وكتلة شرقية شيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي. ولم يأت هذا التقسيم من فراغ فكل له مصالحه وأهدافه. ومحور الصراع هو الثروة والموارد، فدائماً كان البعد الاقتصادي يغلب على ردود الأفعال السياسية والعسكرية، ويحكمها الأيديولوجيات والتوجهات وتصنع منهم الإستراتيجيات والسياسات، ما كان له الأثر في بروز نظرية توازن القوى.

    وعلى الرغم من أن العالم خرج من الحرب العالمية الثانية بدروس عديدة، ومنها ضرورة تجنب الحروب وإيجاد المنظمات الدولية التي تحكم الصراعات بالحلول الدبلوماسية، تجنباً للفوضى والتدمير ـ ويمثل ذلك تغييراً حاداً في العلاقات الدولية ـ إلا أن طبيعة التوازنات الدولية حكمت إطار الحركة بين القطبين الجديدين وحلفائهم، فأسرعوا إلى وضع الأسس والقواعد للاستعداد لأي صراعات مستقبلية، وبدأوا بتكوين الأحلاف العسكرية بدعوى توحد الرؤى السياسية والاقتصادية التي لم تفلح في إيقاف سباق التسلح في العالم، وخاصة السلاح النووي، إلى أن وجد العالم نفسه يستنزف قدراته الاقتصادية في سبيل تحقيق التفوق العسكري في المجال التقليدي والنووي، وقد أثر ذلك على نظرية توازن القوى، وإن اختلفت تطبيقاتها وأساليب تنفيذها لدى القوتين.

    وقد ساعد هذا السباق الرهيب في التسلح على ظهور أشكال وأنماط من التكنولوجيا المتقدمة، التي أثرت في شكل التوازنات في العالم. وسار العالم في هذا المناخ فترات طويلة في تذبذب تصاعداً وهبوطاً لكلا الطرفين، واعتمد التوازن، خلال فترة الخمسينيات والستينيات، على منطق القوة، وحكمت الصراعات في العالم تارة بالمعسكر الشرقي وتارة أخرى بالمعسكر الغربي، ولم يجد العالم مفراً لتنمية قدراته الاقتصادية لمواجهة أعباء التسليح المتقدم سوى إنشاء الأحلاف الاقتصادية التي تستطيع أن تمول هذه القوة المطلوبة.

    وظهرت، نتيجة لذلك، أنواع جديدة من التوازنات، وبدأ ظهور مصطلح توازن المصالح إلى جانب توازن القوى، التي بُنيت على أسس ونظريات استنبطت من الخبرات المكتسبة، وبعضها كان وليد أفكار لأشخاص ذوي ثقل في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. وظهرت مصطلحات جديدة لم يسمع عنها العالم من قبل، كانت تشكل أفكار وتوجهات أمم بأسرها، إلى أن وصل الوضع الدولي إلى حافة الهاوية، لينذر بحرب عالمية ثالثة. وهنا، تنبه العالم إلى الكارثة التي يمكن أن تحدث، إذا لم يبطئ الخطى في هذه النظرة الخطيرة لاستخدام القوة، وهنا، توقف العالم لفترة، ليلتقط أنفاسه، وليعقد سلسلة من الاتفاقيات والتعهدات لعدم استخدام القوة، سواء التقليدية أو النووية تجنباً للدمار الشامل، ثم تقدم خطوة أخرى للسعي لتخفيض قواته وأسلحته خاصة أسلحة الدمار الشامل، ولم يستطع العالم أن يلغي من قاموسه لغة الحرب، فسمّى هذه الفترة بالحرب الباردة بين القطبين الأعظمين في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. وبدا واضحاً الارتباط بين توازن المصالح وتوازن القوى. حيث تمثل توازن المصالح للكتلتين في مناطق معينة، على أن تسعى كل من الكتلتين لتحقيق نوع أو شكل من أشكال توازن القوى في تلك المنطقة باستخدام قدرتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مصالحها.

    وفي إطار هذا الصراع بين الكتلتين ظهرت قوى سياسية واقتصادية جديدة في العالم، وطفا إلى السطح كتلة العالم الثالث والصين والتجمع الأوروبي، وبدأت كلا القوتين في استمالة وجذب هذه الكتل والقوى إلى جانبها، وبدأ ظهور نوع من التوازنات أكثر حدة تميل إلى توازن القوى نتيجة تغير حاد بظهور نظريات الرعب النووي. ومما ساعد على ذلك أن النظرة الاقتصادية للكتلتين للاستيلاء والسيطرة على منابع الثروات في العالم وخاصة البترولية، كانت الحافز الأساسي في تجدد الصراع، بل وفي خلق صراعات جديدة في أماكن متفرقة من العالم. وتولى السلطة في الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، الذي آمن بالبروسترويكا كمبدأ جديد للنهوض بالاتحاد السوفيتي، واعتنق الديموقراطية والسوق الحرة، ولم يلبث خلال سنوات عدة أن هوى العملاق الشيوعي الكبير؛ ليختفي أحد طرفي التوازن الدولي، ولتبدأ صفحة جديدة بشكل جديد من أشكال التوازن العالمي، وأصبح توازن المصالح هو الأساس في العلاقات الدولية بعد فترة وفاق لم تدم طويلاً.

    واعتلى الساحة قطب واحد فرض هيمنته بالقوة العسكرية والاقتصادية، وسيطر على العالم، وأدار الصراعات والتوازنات وأحكم قبضته على مجريات الأمور، وصدَّر إلى دول العالم الثالث كافة، ثقافته وأسلحته واقتصاده ومنتجاته، حتى أصبح العالم يسبح في بحر الولايات المتحدة الأمريكية. وأُلغيت أحلاف وأُقيمت تجمعات جديدة وأُديرت حروب، وفُرضت إستراتيجيات وسياسات على بقاع كثيرة من العالم، واختفت أصوات العالم الثالث، ولم يظهر سوى الخافت منها بشرط أن يسير في ركب القطب الأوحد.

    وأبدت بعض الدول معارضتها للهيمنة الأمريكية على العالم، إلا أنها لم تفصح صراحة عن ذلك إلا من خلال بعض ردود الأفعال، التي يفهم منها محاولة تقليل هذه الهيمنة، أو محاولة المشاركة في هذه السيطرة على العالم. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تر سوى مصالحها التي حكمتها. فأفرزت تلك السياسات الأمريكية بعض القوى المعارضة لها، ما أدى بها إلى محاولة المساس بهيبتها، فأضرمت النار في ميزان القوى بأحداث 11 سبتمبر 2001، وضُرِب رمز القوة الأمريكية الاقتصادي والعسكري في عقر داره، وَعَدّت ذلك أنها تحاول أن تسمع صوتها للعالم، إلا أن العالم استنكر ما حدث. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بذلك، وأشعلت فتيل الحرب بما سَمّته "الحرب على الإرهاب"، ليعجل بتحقيق مصالحها بأسرع مما كان مخططاً له. وبدلاً من هيمنتها على العالم بالطرق السلمية وإدارة الصراعات الإقليمية بالطرق العسكرية، دخلت بنفسها في مواجهة عسكرية واسعة النطاق شملت العالم كله، وأعلنت أن من ليس معها فهو ضدها. وهنا أصبحت نظرية توازن القوى هي المعيار في العلاقات الدولية، وإن اختلفت في أسلوب تنفيذها، فأصبح الأسلوب هو غطرسة القوة لتحقيق مصالحها من خلاله.

    ولم يتغير ميزان القوى في العالم سوى في شكله وردود أفعاله، فما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تمسك بمقاليد الأمور، ولكن بفعل رد الاعتبار والحفاظ على الكيان والهيبة للقطب الواحد، وقد كلفها ذلك وكلف العالم كله الكثير، فتغيرت سياسات، واتسعت رقعة الصراع وردود أفعال من قوى كبيرة تحاول أن تنتهز هذه الفرصة دون أن تبدي ذلك صراحة، انتظاراً للحظة المناسبة للاشتراك في الهيمنة على العالم، وإيجاد أقطاب جديدة تحدث التوازن المطلوب. وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ]وتلك الأيام نداولها بين الناس[ (آل عمران: الآية 140).

    كما بدأت قوى فاعلة كبرى صاعدة تمتلك بعض مقومات القوى العظمى، وأصبحت في وضع يسمح لها بمنافسة القطب الأوحد مستقبلاً وفي القريب. فاتبعت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية جديدة بأن لا تسمح لهذه القوى بمنافستها، وسعت إلى وأد هذه القوة قبل صعودها، مع اتباع سياسة للإصلاح الاقتصادي داخلياً، وأعلنت ذلك صراحةً، ما دفع هذه القوى إلى السعي للخروج من دائرة الهيمنة والمنافسة واستمرار صراعها لتحقيق المصالح.