إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في مالي





مناطق الصراع في مالي
التدخل الفرنسي في مالي




المبحث الخامس

المبحث الخامس

جهود التسوية والسيناريوهات المستقبلية

إن جهود التسوية اللازمة تُبنى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بردود الأفعال تجاه التدخل من القوى الإقليمية والدولية، ويجب وضع ردود الأفعال هذه في الحسبان، عندما نبحث عن الآليات وجهود التسوية والتعاون لمواجهة ظاهرة الإرهاب في منطقة الغرب الأفريقي، حيث إنها ظاهرة متفردة لسببين:

·       الأول: تمركز العناصر الإسلامية المتطرفة بكثافة في نطاق جغرافي واسع.

·       الثاني: أنه بالقرب من أوروبا، حيث يهدد المصالح الأوروبية، وخاصة الفرنسية، في المنطقة.

ولهذا لابد من تصور للسيناريوهات المستقبلية ومدى ما يمكن أن تقدمه للخروج من الأزمة، التي لن تنحصر في مالي بمفردها, ولكن يمكن أن تنتشر في غرب أفريقيا بكاملها.

أولاً: ردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاه التدخل

1. مجلس الأمن

رحب مجلس الأمن بالعمل السريع الذي قامت به القوات الفرنسية بناءً على طلب السلطات الانتقالية في مالي، لوقف هجوم الجماعات الإرهابية المتطرفة المسلحة، وكذلك الجهود الكبيرة للقوات الفرنسية وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية، لدعم قوات الدفاع والأمن المالية، لاستعادة السلامة الإقليمية، كما رحب بدعم المجتمع الدولي، وشجعه على تقديم دعم واسع من طريق اتخاذ الإجراءات المنسقة لتلبية الاحتياجات الفورية وطويلة الأجل.

أدان مجلس الأمن الهجوم الذي شنته جماعات إرهابية متطرفة جنوب مالي، في 10 يناير 2013، وحث الدول والمنظمات الإقليمية والدولية إلى المشاركة والتعاون بفاعلية لمواجهة الخطر الذي يشكله الإرهاب.

أدان مجلس الأمن كل ما يُرتكب في مالي من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حالات الإعدام خارج القضاء، وحالات الاعتقال والقتل والتشويه، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الهجمات.

كما أدان المجلس استخدام الجماعات المسلحة للأسلحة، وطالبها بوقف الأعمال العدائية، والتعجيل بالدخول في عمليات تفاوض شاملة، تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

قرر مجلس الأمن إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وطالب الأمين العام بدمج مكتب الأمم المتحدة ضمن البعثة المتكاملة، كما قرر نقل الصلاحيات من بعثة الدعم الدولية إلى البعثة المتكاملة، للعمل على تحقيق الاستقرار في مالي.

قرر مجلس الأمن أن يكون قوام البعثة المتكاملة 11.200 من الأفراد العسكريين، بما في ذلك كتائب احتياطية للانتشار السريع، حسبما تقتضي الحالة.

وكذلك 1440 فرد من أفراد الشرطة، لكفالة الأمن وتحقيقه، مع دعوة الدول الأعضاء إلى الإسهام بقوات عسكرية وقوات شرطة من أجل تعزيز قدرة البعثة المتكاملة على الاضطلاع بمسؤولياتها.

يُؤذن للأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الخطوات الضرورية لكفالة التعاون بين البعثات، ولاسيما البعثة المتكاملة، وبعثة الأمم المتحدة في ليبريا، وعملية الأمم المتحدة في ساحل العاج، والقيام بعمليات نقل مناسبة للقوات وعتادها من البعثات الأخرى التابعة إلى البعثة المتكاملة.

ويطلب أيضاً من الأمين العام التعجيل بتعيين ممثل خاص في مالي، تكون له من تاريخ تعيينه، الصلاحية العامة في الميدان، لتنسيق جميع أنشطة الأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها في مالي.

قرر مجلس الأمن أن تشمل ولاية البعثة المتكاملة الآتي:

·       دعم السلطة الانتقالية وتحقيق الاستقرار، وردع التهديدات.

·       دعم السلطة في توسيع نطاق إدارة الدولة وبسط نفوذها.

·       دعم جهود إعادة بناء قطاع الأمن، من طريق المساعدة التقنية.

·       مساعدة السلطة من طريق التدريب، وخاصة في مجال إزالة الألغام، وإدارة الأسلحة والذخائر.

·      مساعدة السلطات في وضع برنامج لنزع السلاح، وإعادة دمج الميليشيات وتفكيكها.

2. الاتحاد الأوروبي

دعا الاتحاد الأوروبي ممثله الخاص لمنطقة الساحل، إلى التنسيق الوثيق مع البعثة المتكاملة والشركاء الذين يقدمون المساعدة لمالي في مجال إصلاح القطاع الأمني.

كما رحب بنشر بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي، التي توفر التدريب والمشورة من أجل الإسهام في تعزيز السلطة المدنية واحترام حقوق الإنسان.

3. الولايات المتحدة الأمريكية

أكد الرئيس الأمريكي "أوباما" أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب شعب وحكومة مالي، وتتطلع بشكل وثيق مع الحكومة الجديدة، من أجل توسيع وتعميق العلاقات بين البلدين. وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تفضل الحل السلمي، وتخشى من حدوث ضربات انتقامية من قِبل تنظيم القاعدة ضد مصالحها ورعاياها، على غرار ما هو حادث الآن مع الرعايا الفرنسيين.

كما عبر الجنرال "كارتر هام" القائد الأعلى للقوات الأمريكية الأفريقية (أفريكوم)، بأن أي عمل عسكري سيزيد من تدهور الأوضاع، وأن المفاوضات هي الحل الأمثل للأزمة.

4. الصين

تحفظت الصين على التدخل العسكري الفرنسي، خشية أن يكون مقدمة لتشريع مبدأ التدخل، الذي يُعد مخالفاً لمبادئ الصين بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وفي المقابل رحبت الصين بالانتخابات الرئاسية المالية التي ستُجرى في البلاد.

5. موقف الإيكواس والاتحاد الأفريقي

أنشأ الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فرقة عمل مشتركة معنية بالأوضاع في مالي، في مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، ما استحقوا به ثناء مجلس الأمن على ما يبذلونه من جهد لحل الأزمة في مالي.

نظم الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للمانحين في أديس أبابا، في 29 يناير 2013، دعماً للبعثة ولقوات الدفاع والأمن المالية. كما تعهد الاتحاد الأفريقي بالإسهام من خلال أنصبته المقررة.

عقد الاتحاد اجتماعات منتظمة لفريق الدعم والمتابعة المعني بالحالة في مالي، الذي أنشأه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وحضرها شركاء دوليون آخرون، في 5 فبراير و19 أبريل 2013، وجرى التنسيق فيها لتعزيز الأمن السياسي والاستقرار والتقدم في مالي.

6. موقف دول الجوار الإقليمي

أ. الجزائر

رغم أن الجزائر تُعد أكثر الدول تضرراً من وجود اضطرابات في مالي، وتخشى السلطات من انتقال الفوضى إليها، وبسبب تجربتها المريرة خلال العقدين الأخيرين. حاولت الجزائر ألا تخضع للضغوط التي مارستها عليها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، للانخراط في الحرب في مالي، وأكدت أن الاعتماد على الحل الأمني فقط في مواجهة هذه الجماعات سيؤدي إلى نتائج وخيمة. لذلك حاول المسؤولون الجزائريون إجراء حوار مع جماعة أنصار الدين، وكذلك الطوارق.

إلا أن صدور قرار مجلس الأمن الذي تبعه تحرك للجماعات المسلحة للسيطرة على مدن جديدة وزحفها نحو العاصمة باماكو، قضى على كل الجهود، واضطرت الجزائر إلى الموافقة على فتح أجوائها للطائرات الفرنسية في طريقها إلى مالي، ما أثار انتقادات داخلية حادة للحكومة الجزائرية.

ب. دول الطوق (النيجر ـ موريتانيا ـ الجزائر)

مع تصاعد الأزمة في مالي، وتمكن الجماعات المسلحة من السيطرة على الشمال، الذي يمثل ثلثي الدولة. زادت مخاوف دول الساحل المجاورة لمالي من انتقال عدوى هذه الجماعات إلى أراضيها، أو التعاون مع جماعات داخلية، أو تكوين خلايا إرهابية داخلها. وتفاوتت درجة التهديد لهذه الدول الأكثر تعرضاً، وهي ما تُعرف بدول الطوق المكونة من النيجر، وموريتانيا، والجزائر. وترى هذه الدول أن تسوية الأزمة في مالي لابد أن تعتمد الحوار أكثر من استخدام القوة المسلحة.

فالنيجر تخشى أن يؤدي التدخل إلى نزوح الطوارق إلى مناطقها الشمالية ذات الاستثمارات الأجنبية، لا سيما منطقة أجادير. كما أن تأييد التدخل قد يُثير حفيظة طوارق النيجر المتداخلين مع باقي الأعراق الموجودة بالبلاد.

أما موريتانيا، فقد أعلنت بوضوح، رفضها التدخل العسكري في شمال مالي، وربما يرجع ذلك إلى الأوضاع المتردية في البلاد، خاصة في ظل زيادة ضغوط المعارضة على الرئيس الموريتاني، من أجل الاستقالة. كما أن تبعات التدخل العسكري في شمال مالي ستكون لها انعكاسات سلبية على نواكشوط، خاصة في ما يتعلق باحتمال نزوح اللاجئين إليها.

ج. ليبيا

أعلنت حكومة ليبيا تأييدها للتدخل العسكري الفرنسي، ما دامت الحلول السياسية لم تنجح، الأمر الذي قوبل بانتقادات داخلية خوفاً من ردود الأفعال للتنظيمات المتشددة، خاصة في شرق ليبيا، التي ستستهدف المصالح الغربية. ولدى الطوارق الذين يقطنون جنوب غرب ليبيا، والذين لهم روابط إثنية وقبلية وثيقة مع طوارق مالي.

ثانياً: جهود التسوية والتعاون الإقليمي لمواجهة ظاهرة الإرهاب

مما لا شك فيه أن جهود التسوية للأزمة تعددت أطرافها، ما بين الإيكواس بوصفها منظمة إقليمية فرعية لإقليم غرب أفريقيا، والاتحاد الأفريقي المنظمة الإقليمية للقارة الأفريقية، وأيضاً المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن، وكذا بعض دول الجوار الأفريقي. ومن المعلوم أيضاً أن هذه الجهود كلها بدأت مبكراً، واستمرت لفترة تتأرجح ما بين النجاح والفشل.

ارتبطت جهود التسوية بالتخوف المشوب بالحذر من امتداد الصراع إلى مناطق مجاورة تهدد دول الجوار الإقليمي، أو تهدد المصالح الأوروبية بالمنطقة، أو تهدد السلام العالمي، نظراً لأن أطرافها في عُرف المجتمع الدولي هي منظمات إرهابية، سواء كانت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو ما يرتبط بها من تنظيمات إسلامية متطرفة.

1. جهود الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)

قررت الإيكواس، في 12 أبريل 2012، تعليق عضوية مالي بها، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وكذلك فرض حظر اقتصادي يشمل إغلاق جميع الحدود لدول الجوار معها من الدول الأعضاء بالجماعة، بحسبانها دولة حبيسة. واستثنت من ذلك الحظر السلع ذات الصفة الإنسانية، كالأغذية والأدوية وما يلزم للحاجات الإنسانية.

في أول أبريل، توصلت الجماعة لاتفاق سياسي مع قادة الانقلاب، وقع عليه "أمادو ساناغو" في باماكو، ينص على تولي رئيس الجمعية الوطنية "ديونكوندا تراوري" الرئاسة لمرحلة انتقالية، مع تعيين رئيس للوزراء وحكومة انتقالية، للعمل بالعودة بالبلاد إلى النظام الدستوري، بتنظيم اقتراع رئاسي خلال 40 يوماً. وأعلن رئيس المجموعة الحالي، الحاج "الحسن وتارا" رئيس ساحل العاج، بأنه سيرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجماعة فور توقيع الاتفاق.

عندما تأزم الموقف نتيجة استمرار قوات التمرد في الشمال في تحقيق انتصاراتها والزحف جنوباً، والاستيلاء على المدن المهمة. قررت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، في 2 يونيه 2012، إرسال قوات تابعة لها، قوامها 3300 جندي، لمساعدة القوات الحكومية في استعادة السيطرة على المناطق الشمالية، وتحقيق الأمن والاستقرار، على أن هذا هو الأساس لتسوية الأزمة. وقد طلبت من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الموافقة على إرسال هذه القوات، مستندة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز التدخل العسكري.

استمرت جهود الإيكواس في التنسيق بين الدول الأعضاء بها وبين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية. ويلاحظ أن فرنسا من أكثر الدول حرصاً على تدخل الإيكواس، فإذا كان الموقف الدولي يتسم بالتريث منذ بداية الأزمة، فإن فرنسا كانت الأكثر اهتماماً، ولعبت دوراً كبيراً في صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2056، الصادر في 5 يوليه 2012.

رحبت الإيكواس أيضاً بقرار مجلس الأمن الرقم 2071، الصادر في 12 أكتوبر 2012، والمتعلق بنشر القوات الدولية العسكرية، واتخذت خطوات إيجابية، سواء بالمشاركة أو تقديم الدعم المنسق للجهود التحضيرية بالوسائل المطلوبة كافة، طبقاً لما هو صادر بالقرار.

عند بدء القوات الفرنسية بالعملية العسكرية "سرفال" (القط المتوحش)، في 11 يناير 2013، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبلجيكا والدنمارك والإمارات وكندا والمملكة المتحدة، ضد العناصر المتشددة في مالي. لم يقتصر دور الإيكواس على الترحيب بالعمليات فقط، بل كانت مشاركة تماماً بالقوة الأفريقية، البالغ عددها نحو 3300 جندي من دول المجموعة، المتمثلة في نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو، فضلاً عن قوات من دول أفريقية أخرى.

2. جهود الاتحاد الأفريقي في تسوية الأزمة

بدأت جهود الاتحاد الأفريقي الفعلية، منذ وقوع الانقلاب. ودعماً منه في مساندة الشرعية الدستورية، رفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بالانقلاب، وقرر تعليق مشاركة مالي في أنشطة الاتحاد الأفريقي المنظمة الأفريقية كافة، وذلك خلال اجتماع استثنائي لمجلس السلم والأمن التابع له. كما قرر أيضاً إرسال بعثة مشتركة مع الإيكواس إلى باماكو للضغط على قادة الانقلاب.

نظم الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للمانحين، بمقر الاتحاد في أديس أبابا، في 29 يناير 2013، دعماً لقوات الدفاع والأمن المالية، وحث جميع الجهات على ترجمة مساعدتها إلى إسهامات فعلية، كما قرر الإسهام بأنصبة الاتحاد الأفريقي المقررة.

تولى الاتحاد الأفريقي العمليات التنسيقية، وخاصة التنسيق الدولي لتعزيز الأمن السياسي، بعقد اجتماعات منتظمة لفريق الدعم والمتابعة المعني بالحالة الأمنية في مالي، الذي أنشأه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وذلك تحت رئاسة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا.

قبل بدء العمليات العسكرية، لعب الاتحاد الأفريقي دوراً مهماً، من خلال الاتصالات الدائمة مع الأمم المتحدة، متمثلة في مجلس الأمن، لتنسيق أدوار كل من الإيكواس ومجلس الأمن، والإسهام في صدور قرارات مجلس الأمن المنظمة لعملية التدخل العسكري بالقوة المشتركة (الأوروبية ـ الأفريقية). وكان موقفه داعماً للتدخل الفرنسي في العملية سرفال، للقضاء على العناصر المتشددة بشمال البلاد، وتمكين الحكومة المالية من استعادة السيطرة وتحقيق الأمن والاستقرار.

3. الجهود الأوروبية

إن أهم المواقف الأوروبية هو الموقف الفرنسي، فقد تدخلت فرنسا بقواتها العسكرية للقضاء عل القوات المسلحة المتمردة في شمال مالي، دعماً للحكومة المالية، وذلك بعد أن رأت أن القوات الأفريقية لن تستطيع التدخل العسكري بمفردها نتيجة ضعف الموقف المالي واللوجستي. وهذه الأسباب قدمت لفرنسا فرصة الإسراع بقيادة عملية التدخل العسكري في مالي.

كما شاركت الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والاتحاد الأوروبي بالدعم اللوجستي لقوات التدخل العسكري، وقامت مجموعة أخرى من الدول الأوروبية بدعم القوات الفرنسية، سواء بنقل القوات، أو تقديم الدعم المادي لها، ومنها ألمانيا وبلجيكا والدنمارك والمملكة المتحدة، بحسبان أن قرار مجلس الأمن القاضي بالتدخل العسكري يعني عدم وجود فرصة أخرى للتسوية السلمية، وأن الأزمة باتت مستحيلة الحل بأي طرق أخرى.

4. جهود دول الجوار الأفريقي

إن أكبر الجهود قدمتها الجزائر التي رحبت دائماً بالجهود الدبلوماسية والسياسية لحل الأزمة، ولم ترحب بالتدخل العسكري. وقد ركزت دول الجوار على أن تتولى الجزائر تنسيق الجهود الرامية لحل الأزمة، وفوضتها في إدارة الحوار، والسعي بين الأطراف لتقريب وجهات النظر.

وتأتي وجهة نظر دول الجوار من أن الجزائر لها علاقة تاريخية بالطوارق، بالإضافة إلى دعمها منذ اندلاع أزمة الطوارق في تسعينيات القرن الماضي لتفضيل التسوية السياسية، مع بقاء مالي موحدة، وترى أن استقرار المنطقة عامل حيوي لتأمين حدودها الجنوبية.

إن جهود باقي دول الجوار تركزت في محاولة فض الأزمة سياسياً، من خلال تفويض الجزائر في اتخاذ الخطوات اللازمة لتقريب وجهات النظر، وإنهاء الخلاف، وهي كل من نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا. وعندما تبين عدم إمكان التوصل إلى اتفاقات سياسية ممكنة، كانت هذه الدول داعمة للتدخل العسكري المباشر، ضمن قوات الإيكواس، لتشكيل قوة عسكرية قوامها 3300 جندي، وهي التي اشتركت مع القوات الفرنسية القائدة للعملية العسكرية (سرفال)، للقضاء على القوات المسلحة بشمال مالي، واستعادة الاستقرار والأمن بمالي.

ثالثاً: السيناريوهات المستقبلية

لا يمكن الجزم بحقيقة ما سوف يحدث في مالي في مرحلة ما بعد التدخل العسكري الفرنسي، فهل ستعود إلى الاستقرار أم ستستمر حالة التمزق ما بين رغبة الحكومة المركزية في الاستقرار وتحقيق الأمن، ورغبة القوى المتشددة في بسط نفوذها والسيطرة على المدن المستولى عليها، وتحقيق تطلعاتها بتكوين دولة الطوارق.

إن استمرار حالة الحرب لا يصب في مصلحة مالي ومنطقة الغرب الأفريقي بأكملها، وكذلك ليس في مصلحة دول أوروبا، التي تريد أن تحمي مصالحها الإستراتيجية، وتريد مزيداً من تدفق المواد الخام الإستراتيجية اللازمة لها. فدول غرب أفريقيا تحتل مراكز متقدمة في النفط واليورانيوم والنحاس والألماس والحديد والذهب، الذي تُعد مالي ثالث أكبر منتج له في أفريقيا.

وتتفهم الجماعات المتشددة تأثير وجودها بالإقليم على تهديد مصالح الدول الغربية، التي تعدها العدو الأول لها، ومن ثم تسعى لتثبيت أقدامها بالإقليم، وزيادة إمكاناتها وقدراتها باستمالة العديد من الجماعات المتشددة الصغيرة، وضمها تحت لوائها. وكذا زيادة أعداد المؤيدين لها نتيجة انتشار الإسلام وتمكنه في نفوس أهالي المنطقة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة نتيجة السياسات الخاطئة للنظم الحاكمة.

ولهذا يمكن القول أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي:

·       الأول: نجاح دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وخاصة في مالي.

·       الثاني: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، مع تكوين دولة الطوارق واستمرار القتال.

·      الثالث: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب وانتشاره وتمركزه في دول الإقليم.

1. السيناريو الأول: نجاح دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وخاصة في مالي

قد تنجح دول غرب أفريقيا في تنسيق جهودها مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومجلس الأمن، مستفيدة من التدخل العسكري الفرنسي والقوات الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي، في تجربة ذات دروس مستفادة، ومحاولة إعادة تكرارها، مع تلافي نقاط الضعف السابقة، والإعداد الجيد لقوة كافية تستطيع القيام بعمل حاسم للقضاء على الجماعات الإسلامية المتطرفة الموجودة في شمال مالي. مستفيدة من الدعم الدولي العسكري واللوجستي؛ ومن ثم تبسط سيطرتها على الإقليم والقضاء على العناصر المسلحة، أو على الأقل طردها خارج البلاد، وفي هذه الحالة ستحقق الآتي:

·       القضاء على الجماعات الإسلامية.

·       استعادة الأجزاء الشمالية المستولى عليها.

·      إعادة الأمن والاستقرار في مالي.

وسوف ينسحب هذا على بقية الإقليم، وسيؤثر تأثيرين أساسيين:

أ. الأول: استقرار كل دول الإقليم، في حالة النجاح في القضاء على هذه القوى المسلحة قضاءً تاماً.

ب. الثاني: انتشار عدم الاستقرار في دول إقليم غرب أفريقيا إذا كان نتيجة ما يجري في مالي هو خروج هذه الجماعات إلى الدول الأخرى المجاورة للحصول على موطن آمن.

2. السيناريو الثاني: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب مع تكوين دولة الطوارق واستمرار أعمال القتال

وهذا السيناريو يتوقف على مدى قوة وتسليح عناصر الإسلام المتشدد، ومدى ما تحصل عليه من دعم مستمر، يؤدي إلى زيادة قدراتها القتالية في مواجهة القوات الحكومية في مالي.

كما أنه يتوقف أيضاً على مدى تفهم دول الغرب الأفريقي لخطورة ما يحدث في مالي، وتأثير ذلك عليها، ومدى ما ستقدمه من تعاون مع مالي في المجالات الدفاعية والأمنية للقضاء على قوى الإسلام المتشدد. وكذلك على قدرة مالي على الصمود.

فإذا لم تقم دول غرب أفريقيا بأعمال منسقة تحت قيادة الإيكواس ذات الخبرة العالمية في تجاربها السابقة في السنغال وساحل العاج والنيجر، وغيرها، فإنها بالقطع لن تستطيع القضاء على الإرهاب. فمالي لها وضع خاص، حيث تواجه حكومتها تركيبة إثنية متعددة، فنحو 90% من سكانها مسلمون منقسمون ما بين الشمال الذي يعيش فيه الطوارق، والجنوب الذي يقطنه العرب والمور. بالإضافة إلى أن القتال تزامن مع انخفاض النمو الاقتصادي، الذي بلغ 1.1% قبل عام 2011. ومع حدوث الانقلاب، في مارس 2012، ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً، وأثر هذا على كفاءة الأجهزة الحكومية، وخاصة الدفاعية والأمنية وأيضاً، زاد من سخط مناطق الطوارق نتيجة نقص الاهتمام بها.

إن زيادة استياء الطوارق في شمال البلاد، نتيجة أوضاعهم الاقتصادية، وسوء حالة البنية الأساسية للإقليم، يجعلهم مرتعاً خصباً لقوى الإسلام المتشدد، بحيث تزداد حدة العداء للحكومة، ومحاولة التخلص من سيطرتها والانفصال بإقليم أزواد. وهو و أُعلن من قبل وأصبح تجربة سابقة، ورفع العلم، وطردت القوات الحكومية منه، إلا أنه لازال تابعاً للدولة، التي تحاول بسط سيطرتها عليه.

إن الخوف ينبع من إعادة محاولة الانفصال وتحقيقه فعلاً، فتكون هذه الدولة الوليدة بهذا مكاناً آمناً تتمركز فيه قوى الإسلام المتشدد، وتنمو نمواً لا يمكن من القضاء عليها. وتصبح مركزاً لنشر هذه الآراء والأفكار في بلاد إقليم غرب أفريقيا كافة.

3. السيناريو الثالث: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وانتشاره وتمركزه في دول الإقليم

في حالة فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب في مالي ودول غرب أفريقيا، التي يتمركز بها بنسب متفاوتة، ومع غياب القدرات العسكرية، أو قلتها لهذه الدول، فإن الأمر سيخرج عن السيطرة، فتنتشر الجماعات الإسلامية المتشددة وتتمركز في دول الإقليم، نتيجة الظروف المواتية لزيادة نمو قدراتها، بما يمكن من استعادة الصورة المالية بما يتواءم مع ظروف كل دولة، في حالة استقرار العناصر المتشددة بها. وهو بالقطع ما لا ترغب فيه هذه الدول أو الدول الأوروبية ذات المصالح الحيوية المتعددة بالإقليم. ويمكن أن تنتشر شرقاً لتصل إلى ليبيا، ومن ثم مصر، وتصبح هذه المنطقة منافسة لأفغانستان، التي صدرت الإرهاب إلى معظم بقاع العالم.

ويمكن القول أن الفشل في القضاء على الإرهاب، مع هشاشة أنظمة الحكم بالإقليم، وتكوين دولة الطوارق في الأراضي المالية وما يجاورها من مناطق تمركز للطوارق في البلاد الأخرى، يهدد تماماً استقرار المنطقة، ويعمل على استمرار أعمال القتال، وزيادة أعمال العنف المسلح.

أما القوى الغربية، فستعمل على استغلال هذه الأزمة في تحقيق مزيد من النفوذ، والاستحواذ على مزيد من الثروات، وبناء القواعد العسكرية للسيطرة على هذا الإقليم الحيوي، والقريب من دول الشرق الأوسط، التي تحتوي هي الأخرى على مصالح إستراتيجية للدول الغربية.

إن هذا السيناريو هو الأقرب للتنفيذ للأسباب التالية:

أ. ليس لدول غرب أفريقيا إستراتيجية موحدة للمقاومة المنظمة للإرهاب.

ب. قلة الموارد والإمكانات المادية والفنية اللازمة للقضاء على الإرهاب.

ج. لا تمتلك هذه الدول الخبرات الأمنية القادرة على جمع المعلومات وتحليلها، والقيام بخطوات تنفيذية على أرض الواقع.

د. هشاشة النظم الحاكمة، وغياب الديموقراطية، مع تخوف بعض الدول من مدى قوة العناصر الإرهابية وقدرتها.

هـ. بناء التحالفات بين الجماعات المتشددة في الإقليم كله، لمواجهة الأنظمة الحاكمة التي تحاول القضاء عليها.

و. تدريب معظم قيادات العناصر المتشددة في أفغانستان، ويتشابه إقليم غرب أفريقيا معها، من حيث وعورة التضاريس، وحالة الفقر الذي يعانيه مواطنو الإقليم، وضعف هذه الدول وهشاشتها.

ز. المساحة الجغرافية الواسعة ذات الطبيعة الخاصة، التي تمتد من حدود مصر الغربية شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، ما يعني إمكان التحرك بحرية. وكذا سهولة التنقل والاختفاء، وتأمين الإمداد بالأسلحة والذخائر.

إن الفشل في القضاء على الإرهاب في مالي، يعني انتشاره في كثير من الدول، مثل ليبيا، والمغرب، والجزائر، وتشاد، وموريتانيا. وهذا يمثل عبئاً على المجتمع الدولي، حينما يرغب في مقاومته.