إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في مالي





مناطق الصراع في مالي
التدخل الفرنسي في مالي




المبحث الرابع

المبحث الرابع

قرار مجلس الأمن الدولي والتدخل العسكري الفرنسي

أولاً: قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن التدخل في مالي

أصدر مجلس الأمن عدة قرارات مهمة بشأن الأوضاع في مالي، تلخصت في القرارات الآتية:

·       قرار مجلس الأمن الرقم 2056، بتاريخ 3 يوليه 2012.

·       قرار مجلس الأمن الرقم 2071، بتاريخ 12 أكتوبر 2012.

·       قرار مجلس الأمن الرقم 2085، بتاريخ 20 ديسمبر 2012.

·      قرار مجلس الأمن الرقم 2100، بتاريخ 25 أبريل 2013.

وسنعرض فيما يلي لهذه القرارات الصادرة بشأن الوضع في مالي، بشيء من التحليل.

1. قرار مجلس الأمن الرقم 2056، في 3 يوليه 2012

اتُخذ مجلس الأمن هذا القرار، في جلسته الرقم 6798، المنعقدة في 3 يوليه 2012، بخصوص الأوضاع في مالي. وأهم ما جاء بهذا القرار هو تأكيده الالتزام بسيادة الأراضي المالية ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وإدانته للانقلاب العسكري في 22 مارس 2012، الذي أنهى سلطة الحكومة الديموقراطية المنتخبة. وأشاد بالجهود التي تبذلها الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)، والاتحاد الأفريقي، للمساعدة في إعادة النظام الدستوري في مالي.

كما أشار القرار إلى الجهود التي يقوم بها الوسيط الخاص بالإيكواس، رئيس بوركينا فاسو "بليز كومباوري"، وبالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة في مالي، بالتوقيع في 6 أبريل 2012، على الاتفاق الإطاري الذي يسعى لإعادة إرساء الحكم الدستوري بالبلاد.

وأكد البيان على دعم مجلس الأمن لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، التي تُبذل بواسطة ممثله الخاص لغرب أفريقيا، ويشدد على ضرورة الحوار بين مختلف الجهات السياسية والسلطة الانتقالية.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن القرار الرقم 2056، جاء معبراً عن رغبة المجتمع الدولي، ممثلاً في مجلس الأمن، في تأكيده عدم شرعية القيام بأية انقلابات عسكرية، ومستنكراً قيام القوات المسلحة المالية المالية بانقلاب 22 مارس 2012، متجاهلاً سوء الأوضاع الداخلية التي أدت إلى قيام بعض قادة القوات المسلحة بمحاولة دعم الاستقرار الداخلي، والقضاء على المتمردين في شمال مالي.

ب. رحب القرار بجهود الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) بوصفها جماعة إقليمية فرعية، وأقر مجهوداتها السلمية الخاصة بمحاولة المساعدة في إعادة النظام الدستوري، علماً بأن الإيكواس لها قوات عسكرية مُشكلة تُسمى (قوات الإيكوموج)، وقد سبق لها التدخل العسكري بهذه القوات في بعض دول غرب أفريقيا، مثل السنغال، وساحل العاج.

ج. أكد البيان دعم جهود ووساطة الأمين العام للأمم المتحدة التي تتلخص في المساعدة في دعم الحوار بين الأطراف، ولم يشر إلى ضرورة التدخل العسكري لاستعادة الأمن والاستقرار بالقوة المسلحة.

د. قرر البيان أن الحالة في مالي تُشكل خطراً يهدد السلام والأمن الدوليين في المنطقة، وإنه يمكن التصرف طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

2. القرار الرقم 2071، في 12 أكتوبر 2012

اتُخذ مجلس الأمن هذا القرار، في جلسته الرقم 6846، المنعقدة في 12 أكتوبر 2012. وأهم ما جاء به أن المجلس يعبر عن قلقه إزاء انعدام الأمن، نتيجة أنشطة الجماعات المسلحة. ويؤكد مسؤولية السلطان المالية عن تحقيق الأمن وحماية مدنييها، ويشجع المجتمع الدولي على تقديم الدعم لتسوية الأزمة، من خلال إجراءات منسقة. كما يعلم إحاطته بطلب السلطات الانتقالية المساعدة العسكرية من أجل إعادة تنظيم القوات المسلحة في مالي، واستعادة السلامة الإقليمية، وكذا بطلب السلطات من الإيكواس أيضاً بنشر قواتها في مالي. كما يوضح أن السلطات في مالي خاطبت الأمين العام، طالبة الإذن بنشر قوة عسكرية دولية، وذلك بعد استصدار قرار من مجلس الأمن.

كما رحب المجلس بتعيين حكومة وحدة وطنية، داعماً الرئيس المؤقت "ديونكوندا تراوري"، ويكرر المجلس مطالبته بعدم تدخل القوات المسلحة في عمل السلطة الانتقالية.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن القرار الرقم 2071، جاء ليوضح طلب الحكومة المالية المؤقتة للدعم العسكري، نتيجة عدم قدرتها على تحقيق الاستقرار في البلاد، بسبب القدرة المحدودة لقواتها المسلحة في مواجهة قوات المتمردين المتمركزة في شمال مالي، والتي تمتلك قدرة عسكرية أكبر، وقد تحقق لها هزيمة القوات الحكومية في فترة سابقة.

ب. يُعبر المجلس عن علمه برسالة السلطة الانتقالية، في 23 سبتمبر 2012، إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بشأن نشر قوات الجماعة في مالي. وكذلك الرسالة الموجهة من السلطات المالية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بطلب نشر قوة عسكرية دولية، بعد استصدار قرار بذلك من مجلس الأمن، طبقاً للرسالة المؤرخة في 18 سبتمبر 2012.

ج. أن المجلس قد أُخطر بواسطة الجماعة الاقتصادية من طريق الأمين العام للأمم المتحدة، باستصدار قرار لنشر قوة لتحقيق الاستقرار في مالي، طبقاً لنص الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وكذلك علمه بمخاطبة الإيكواس للاتحاد الأفريقي للتعاون معها في كيفية وطرق ووسائل نشر القوة الدولية لتحقيق الاستقرار في مالي.

د. رغم طلب نشر قوة عسكرية، إلا أن المجلس يحث السلطات الانتقالية في مالي، وجماعات المتمردين والممثلين الشرعيين للسكان المحليين في شمال مالي على الدخول في أقرب وقت ممكن، في مفاوضات جادة ذات صدقية، سعياً للتوصل لحل سلمي.

هـ. أوضح المجلس استعداده، بمجرد تلقيه تقريراً من الأمين العام للأمم المتحدة، للاستجابة إلى طلب السلطة الانتقالية في مالي، لنشر القوة العسكرية الدولية المطلوبة، لمساعدة القوات المسلحة المالية في استعادة المناطق المحتلة بشمال البلاد.

3. القرار الرقم 2085، في 20 ديسمبر 2012

هذا القرار اتخذه مجلس الأمن، في جلسته الرقم 6898 المنعقدة في 20 ديسمبر 2012. ويدين بقوة استمرار تدخل القوات المسلحة وقوات الأمن في عمل السلطة الانتقالية. ويدين كذلك جميع الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها المتمردون والجماعات الإسلامية المتطرفة في شمال مالي.

كما أشار القرار إلى ما سبق طلبه من الحكومة المالية برغبتها في نشر قوات عسكرية دولية، من خلال قرار مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما أكد علمه بالبيان الختامي الصادر عن الدورة الاستثنائية لهيئة رؤساء دول وحكومات الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)، التي عُقدت في أبوجا في 11 نوفمبر 2012. وكذلك بالبيان الصادر من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، الذي أيد مطالب مالي فيما يتعلق بالقوة العسكرية الدولية، لدعم قوات الدفاع والأمن المالي. وكذلك تفهمه لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يدعو فيه لمواصلة العمل في المسارين السياسي والأمني، لإيجاد حل للأزمة المالية.

ويحث مجلس الأمن، في متن القرار، السلطات الانتقالية في مالي على أن تُعجل بوضع إطار ذي صدقية للتفاوض مع جميع الأطراف في شمال مالي، الذين قطعوا صلاتهم بالمنظمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والجماعات المرتبطة به، مثل حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا. كما قرر الإذن بنشر بعثة دعم دولية بقيادة أفريقية، لفترة أولية مدتها عام. وحث السلطات الانتقالية في مالي في أن تتعاون بصورة تامة مع نشر بعثة الدعم الدولية وعملياتها، وسلامتها وتأمينها، وحرية تنقلها.

وفي النهاية، طلب الأمين العام أن يبقى المجلس على علم بصورة منتظمة بالحالة في مالي، من خلال تقارير خطية تُقدم كل 90 يوماً للمجلس.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن استمرار انعدام الأمن يشعر المجتمع الدولي بالقلق، ويجعل مجلس الأمن يشعر بضرورة سرعة الاستجابة لمطالب مالي والمنظمات الإقليمية، من ضرورة نشر قوات دولية في الشمال المالي. وأن هذه الاستجابة جاءت متطابقة مع مفهوم الأمن الإستراتيجي لجماعة الإيكواس ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، طبقاً للبيانات الصادرة منهما بهذا الشأن في 11 و13 نوفمبر 2012.

ب. يحث المجلس على ضرورة السير في مسارين، أحدهما سياسي خاص بالتفاوض بين جميع الأطراف في مالي، وخاصة المتمردين الذي قطعوا صلاتهم بالمنظمات الإرهابية، وخاصة تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به. والآخر مسار أمني، يختص بتنظيم العمل لنشر القوة الدولية.

ج. قرر مجلس الأمن نشر بعثة دعم دولية في مالي بقيادة أفريقية، لفترة أولية مدتها عام واحد، لدعم السلطات المالية في استعادة مناطق الشمال الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، مع إسهام دول المنطقة بقواتها في بعثة الدعم، لتمكين البعثة من الوفاء بولايتها.

د. إسهام الدول الأعضاء والمنظمات الدولية بتقديم الدعم المالي العينية إلى بعثة الدعم الدولية، وكذا إسهام الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المالي من طريق مرفق السلام الأفريقي. وأن تقوم الأمم المتحدة بدعم لوجستي يشمل المعدات والخدمات، لمدة عام واحد.

4. احتمالات التراجع عن التدخل الدولي

كان مجلس الأمن قد وافق مبدئياً، في 5 أكتوبر 2012، بموجب القرار الرقم 2071، على إرسال قوة قوامها ثلاثة آلاف عنصر تابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم الإيكواس، مدعومة من الأمم المتحدة، وبدعم لوجستي من بعض الدول الغربية، مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى شمال مالي التي صارت في يد القوى المسلحة. واشترط المجلس، يوم 12 أكتوبر 2012، ضرورة أن تتقدم الإيكواس بتفاصيل ومتطلبات خطة التدخل العسكري في غضون 45 يوماً، تنتهي في 27 نوفمبر 2012. وقامت الإيكواس بالفعل بإرسال 3300 جندي تابعين لها إلى مالي، ووضع خطة الانتشار، تفعيلاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2071، وذلك بالتنسيق مع كل من حكومة مالي، وخبراء أمنيين وعسكريين تابعين للأمم المتحدة، والشركاء الدوليين من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي ودول الجوار. وقد رفعت الخطة إلى الاتحاد الأفريقي، الذي رفعها بدوره للأمين العام للأمم المتحدة، كي يضمنها تقريره الذي سيرفعه إلى مجلس الأمن.

ولكن المفاجأة كانت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، حيث أشار إلى وجود مجموعة من الأسئلة الجوهرية تتعلق بهذه القوات، وأماكن نشرها، ودعمها، وتسليحها، وتمويلها. وهي أسئلة لا إجابات لها حتى الآن. ومن ثم فإنه يرى أن التدخل العسكري لابد أن يكون آخر الحلول، ومن ثم لابد أن تكون هناك مبادرات سياسية تشمل كل القوى من أجل تحقيق الإجماع على خريطة طريق سياسية للبلاد خلال المرحلة الانتقالية.

ثم أوصى "بان كي مون" في نهاية تقريره، بعدم الاستعجال في إرسال قوات الإيكواس إلى مالي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة اجتماع وزراء خارجية الإيكواس، الذي عُقد أوائل ديسمبر 2012، في أبيدجان، واصفاً إياه غير معبر عن الوضع على الأرض. ومن ثم كان موقف الاتحاد الأفريقي أن حث المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة على ضرورة القيام بجهود دبلوماسية عاجلة في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، لشرح خطورة الموقف وتشكيل لجنة مشتركة عالية المستوى من الاتحاد الأفريقي والإيكواس، لإعادة تأكيد موقف القارة من التدخل في مالي.

كل هذا يطرح عدة تساؤلات عن أسباب التراجع الدولي، وهل له علاقة بالموقف الأمريكي من ناحية، والبُعد الإقليمي من ناحية أخرى، لا سيما ما يتعلق بموقف الجزائر أم لا. ثم علاقة ذلك بالأوضاع الداخلية في مالي، لا سيما في ظل وجود حالة من الرفض لدى المؤسسة العسكرية فيما يتعلق بتدخل هذه القوات ورغبتها في أن تكون عملية التدخل من خلال الجيش الوطني، وأن تكون هذه القوات قوات مساعدة، فضلاً عن أن يكون نطاق التدخل خاصاً بالشمال فقط، وليس التمركز الدولي في باماكو العاصمة، وفقاً للخطة الموضوعة من الإيكواس.

وربما يفسر هذا أسباب قيام العسكريين بإجبار رئيس الوزراء "موديبو ديارا" على الاستقالة، بسبب تأييده لتدخل الإيكواس.

ثانياً: التدخل العسكري الفرنسي

بمجرد صدور قرار مجلس الأمن (الرقم 2071/2012)، بالموافقة على التدخل الدولي، باشرت فرنسا فعلياً عملية عسكرية في مالي، لمواجهة الجماعات المسلحة التي سيطرت على الشمال.

تزعمت فرنسا فكرة التدخل الخارجي للقضاء على الجماعات المتشددة، على الرغم من أن عملية التدخل العسكري كان من المفترض أن يتولاها قوات الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس). لكن مع هذا الاهتمام والاستعداد للتدخل من الإيكواس، تضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تفضيل الحل السلمي على الحل العسكري، بسبب عدم الجاهزية من ناحية، فضلاً عن صعوبة توفير الدعم المالي للتدخل من ناحية أخرى، حيث رفض الطلب الأفريقي بتحمل المنظمة تكاليف التدخل، التي تُقدر بنحو 350 مليون دولار، مُشيراً إلى ضرورة أن يكون ذلك من خلال إسهامات طوعية أو ثنائية، وهو أمر لا تقدر عليه الإيكواس، أو حتى الاتحاد الأفريقي، وهو ما يعني استمرار أزمة عدم التدخل بدون حل.

باشرت فرنسا فعلياً عملية عسكرية في مالي، وقادت القوات الفرنسية العمليات العسكرية في شمال مالي، ما أعطى انطباعاً بأن هذه العمليات تنطوي على أهداف مختلفة، سواء على المدى القصير أو البعيد، وتتجاوز مجرد استعادة الاستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي المالية.

وكانت وجهة النظر الفرنسية ترى أنه لا بد من إتمام عملية عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة، وأهمها جماعة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار الدين، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي حظي بوجود في الشمال المالي، في ظل إهمال الحكومة المالية للشمال، وعدم تنميته.

واتفقت غالبية الأطراف المؤيدة للتدخل في مالي، ومنها الحكومة المالية وبعض الأطراف الأفريقية، على أن القوات الأفريقية، وتحديداً قوات الإيكواس، هي الأقدر على تولي قيادة هذه العملية، على أن تقدم الدول الغربية دعماُ على الصعيد اللوجستي، والمراقبة والاستخبارات.

كما صدر قرار مجلس الأمن الرقم 2085، في 20 ديسمبر 2012، بالموافقة على نشر قوة دولية أفريقية في مالي، لمساعدتها في استعادة السيطرة على الشمال، حيث دعا القرار الاتحاد الأفريقي بالتنسيق مع الإيكواس، والأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى، والشركاء المعنيين بالأزمة. ونشر بعثة الدعم الدولية "ميسما" بقيادة أفريقية في مالي، وتحديد أنشطتها، بما في ذلك شن الهجوم في شمال البلاد.

تغيرت إستراتيجية التدخل، نتيجة بروز عوامل جديدة، قدمت لفرنسا فرصة الإسراع بتولي قيادة عملية للتدخل. فمن ناحية بدأت الجماعات المتشددة، عقب صدور قرار مجلس الأمن، في الزحف نحو مدن الجنوب، وسيطرت على مدينة كونا القريبة من العاصمة، وبالتزامن مع سقوط المدينة، انطلقت مظاهرات عنيفة في العاصمة، للتنديد بالجماعات المسلحة وحمل المتظاهرون الأسلحة مطالبين الجيش المالي باستعادة السيطرة على مناطق الشمال.

دفعت هذه التطورات الرئيس المؤقت "ديونكوندا تراوري" إلى مطالبة فرنسا بمساعدة الجيش المالي. ومن ناحية أخرى بدأت قوات الإيكواس في اتخاذ تدابير التدخل العسكري لمساعدة الجيش المالي. إلا إنه تبين أن هذه التدابير ستستغرق عدة أسابيع، وربما شهوراً، لأسباب لوجستية. ونظراً لأن فرنسا كانت في البداية ترى ضرورة الحسم العسكري للصراع في الشمال، فإنها لم تتردد في إرسال قواتها إلى مالي، في 11 يناير 2013.

إن المصالح الحيوية لفرنسا في إقليم غرب أفريقيا، والذي يمثل حمايتها أهم الأهداف الرئيسة، لحرص فرنسا على القضاء على الجماعات الإرهابية في الإقليم، وكانت وراء الاندفاع الفرنسي لقيادة الحرب في مالي، ورفض الحوار مع الجماعات المتشددة. فالمصانع الفرنسية تعتمد على مخزون اليورانيوم، الذي تحتويه أرض النيجر المجاورة، حيث تُعد أكبر منتج لهذا المورد في العالم. كما أن الموقع الإستراتيجي لدول غرب أفريقيا، والأسواق التي يضمها الإقليم، يجذبان مختلف القوى الدولية والإقليمية للبحث عن موطئ قدم، بالإضافة إلى أن الرعايا الفرنسيين في المنطقة كانوا هم الأكثر استهدافاً من قِبل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، خلال السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن التدخل القسري في مالي قد مثل مفاجأة للكثيرين، فإن الرئيس الفرنسي "هولاند" سرعان ما بدأ يتحدث عن أهداف الحرب في مالي، بوصفها جزءاً من الحرب العالمية على الإرهاب، وقد ترددت بعض الدول، مثل ألمانيا، في مساندة الحملة، إلا أنها عادت وانضمت للحملة الدولية المؤيدة للتدخل، فظهرت سلسلة من التعهدات بالمساندة وتقديم الدعم للقوات المتدخلة.

ثالثاً: قيادة فرنسا للعمليات العسكرية

اجتمع مجلس الأمن، في 10 يناير 2013، مطالباً بانتشار سريع للقوة الدولية لمواجهة التدهور الخطير للوضع على الأرض، ولصد تقدم المجموعات المسلحة، تنفيذاً للقرار الرقم 2085، الذي سبق أن اتخذه المجلس في 20 ديسمبر 2012، لمساعدة القوات الحكومية لفرض سيطرتها على البلاد. على الرغم من أن قرار مجلس الأمن لم ينص على مشاركة القوات البرية للاتحاد الأوروبي مباشرة في العمليات، إذ عليها تأمين الدعم اللوجستي لجيش مالي.

فإن فرنسا لم تنتظر طويلاً لتتخذ قراراً بالتدخل العسكري، بعد نجاح العناصر المسلحة في الاستيلاء على كونا، التي تُعد آخر منطقة عازلة بين المقاتلين الإسلاميين وبلدة موتبي الإستراتيجية، التي تبعد 50 كم جنوباً، مهددين بالتقدم نحو العاصمة.

سارعت فرنسا في تنفيذ عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم "سرفال" (أي القط المتوحش)، وقد حظى قرار التدخل بدعم الكثير من الدول الأوروبية ومجلس الأمن، وبطلب من حكومة مالي. وقد اتخذت فرنسا هذا القرار تحت البند الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على شرعية الدفاع عن النفس الفردي والجماعي، في حالة تعرض أحد أعضاء الأمم المتحدة لعدوان مسلح.

وقد بدأت فرنسا عملياتها الجوية، في 11 يناير، بعد يوم واحد من صدور قرار مجلس الأمن، بقصف المجموعات الإسلامية على الخط الفاصل بين شمال البلاد وجنوبها. وبعد أربعة أيام، تحديداً يوم 15 يناير، بدأت في نشر قوات برية معززة بالدبابات والمدرعات في مالي، حيث من المقرر نشر نحو 2500 جندي فرنسي. (اُنظر شكل التدخل الفرنسي)

ويقوم التدخل الفرنسي على ثلاثة محاور:

1. الضربة الجوية، التي تستهدف سيارات الدفع الرباعي المسلحة، ومراكز تجمعها على الخط الفاصل بين الشمال والجنوب.

2. تعزيز وحدات القوات الفرنسية الخاصة، التي نُقلت إلى المعارك في مالي، من قواعد تمركزها في بوركينا فاسو المجاورة، والتي شاركت في استعادة مدينة كوتا الإستراتيجية، التي كانت السبب المباشر لإطلاق العملية الفرنسية.

3. تعزيز القوة الفرنسية المرابطة في باماكو بعناصر فرنسية إضافية من القوات المرابطة في دول الجوار، وخاصة ساحل العاج وتشاد، بغرض حماية المواطنين الفرنسيين والأوروبيين والمصالح الفرنسية.

تعتمد باريس على أسطول جوي مكون من 12 طائرة مرابطة في تشاد، منها خمس طائرات من نوع ميراج، للقيام بالضربات الجوية. بينما وضعت في فرنسا قيد التأهب مجموعة من طائرات رافال. وتولت القوات الفرنسية بدء العمليات في مالي، بالتعاون مع القوات الحكومية، وبمشاركة جنود من نيجيريا والسنغال. وفي انتظار إكمال نشر القوة الأفريقية، وبمساعدة لوجستية محدودة من جانب الدول الغربية.

وبناءً على قرار الإيكواس، فقد بدأ انتشار طلائع القوات للمشاركة في القتال، إذ من المقرر نشر نحو 3300 جندي، بقيادة النيجيري "شيهو عبدالقادر"، لإسهام بلاده بأكثر من 900 جندي في تلك القوة، التي تتكون من ثماني دول إلى جانب نيجيريا، وهي توجو، وبنين، والسنغال، والنيجر، وغينيا، وغانا، وبوركينا فاسو. ومن المقرر أن تتسلم المسؤولية الأمنية من الجيش الفرنسي. ومن المنتظر استكمال وصول نحو ألفي جندي، ليتم في النهاية نشر 5300 جندي أفريقي في مالي.

في حين تقود فرنسا العملية العسكرية بالتعاون مع القوات الأفريقية، فمن الملاحظ أنها لم تحظ بدعم عسكري واسع من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. على الرغم من التضامن السياسي الواسع الذي حظيت به العملية من الدول الغربية وروسيا، وقد سمحت الجزائر بفتح مجالها الجوي لمرور الطائرات الفرنسية، وأعلنت واشنطن عن تقديم معلومات استخباراتية عن تحركات الجماعات المسلحة المقاتلة، مما ترصده طائراتها الموجهة من دون طيار، مع الموافقة على طلب باريس الدعم بجسر جوي لتيسير نقل الجنود الفرنسيين ومعداتهم إلى مالي.

أرسلت بريطانيا طائرة شحن من نوع C-17 ، لنقل الجنود الفرنسيين، لكن مع التشديد بعدم مشاركة الجنود البريطانيين في القتال، وهو نفس الموقف بالنسبة لألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا، ولهذا الدعم المحدود الذي حصلت عليه فرنسا، فقد طلبت باريس المساعدة من مجلس التعاون الخليجي، إما على المستوى اللوجستي أو على المستوى المالي، حيث إن الدعم الأوروبي محدود.

وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي صرح بأن فرنسا ليس لديها أي مصالح في مالي، وأنها ستسحب قواتها بمجرد عودة الاستقرار والأمان، ويصبح لها نظام سياسي راسخ. ولكن واقع الأمر يؤكد وجود مخاوف فرنسية وأوروبية من إقامة دولة إرهابية على أبواب أوروبا وفرنسا، تحكمها مجموعات إرهابية، على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

أوضحت العمليات الجارية في مالي عن صعوبات في إلحاق الهزيمة سريعاً بالمقاتلين الإسلاميين، حيث أكدت الاشتباكات الأولية التي خاضتها القوات الفرنسية أن العناصر المسلحة مدربة أفضل مما توقعت فرنسا، قبل أن تشرع في التدخل العسكري، الأمر الذي أرجع إلى انضمام مئات من أفضل العسكريين في الجيش المالي إلى صفوف المتمردين، بعدما تدربوا جيداً على أيدي الخبراء الأمريكيين لمكافحة الإرهاب لعدة أعوام، وذلك لرفض جانب كبير منهم التدخل الأجنبي بالبلاد، وأيضاً للتسليح الجيد الذي تم الحصول عليه بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا.

مع كل ما سبق، يرى العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين، أنه حتى مع بدء العمليات العسكرية في مالي، إلا أنه يجب العودة إلى جهود الحل السياسي.