إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / أمن البحر الأحمر





ميناء عصب الإريتري
مضيق تيران
الجزر الجنوبية
تمركز الشيعة في اليمن
دول البحر الأحمر

جزر حنيش



أمن البحـــر الأحمــر

مقدمة

يرتبط أمن البحر الأحمر بالأمن القومي العربي ارتباط الجزء بالكل. ولهذا، فإن أي مشروع للحفاظ على الأمن في البحر الأحمر يعني، في الوقت نفسه، تعزيز الأمن القومي العربي، كما يتضمن أيضاً الأمن القطري لكل دولة عربية تطلّ على البحر الأحمر. (اُنظر جدول أهم جزر البحر الأحمر)

ويشغل البحر الأحمر منزلة مركزية في قلب الوطن العربي، سواء في التاريخ، أو الجغرافيا، أو السياسة، أو الاقتصاد، أو الحرب، أو السلم، أو الإستراتيجية. ولمّا كان البحر الأحمر يقع في قلب العالم القديم (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، ويمثل الشريان الذي يصل ما بين هذه القارات الثلاث، وهو ممر النفط من الخليج العربي إلى أوروبا، فإنه يشكّل مع البحر المتوسط والخليج العربي كتلة إستراتيجية. وهذا ما أدخلته الإستراتيجية الأمريكية في حسبانها، باعتبارها القوة المسيطرة، في الوقت الراهن، على النظام العالمي، والقائدة لعملية إعادة صياغته.

على مدى تاريخ إسرائيل، منذ نشوئها في العام 1948 حتى اليوم، كانت الإستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر تقوم على أسُس ثابتة، يتوالد بعضها من بعض، توالُدَ المراحل من المراحل، والنتائج من النتائج. وقد استمر عنصر الثبات هذا في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه البحر الأحمر، على الرغم من التغيرات التي شهدها العالم، والتي أدت إلى إحداث تحولات جذرية في بنْية النظام العالمي، ألقت بظلالها وآثارها على المنطقة العربية، ومنها البحر الأحمر.

وجوهر التوجه الإسرائيلي للسيطرة على البحر الأحمر، هو مد "برّ إسرائيل" بحراً حتى باب المندب، وتوسيع السيطرة على البحر الأحمر، ممراً وجُزراً ومضايق، قدر المستطاع، ونفي الطابع العربي عن البحر، والفيض في العلاقات ترسيخاً وتعميماً على الدول الأفريقية، وخاصة الشرقية منها، منعاً لأي احتمال لتوظيف تلك الدول في حزام الأمن العربي المواجه لإسرائيل، أو تحييداً لها على الأقل. وفي بادئ الأمر ونهايته، فالبحر الأحمر، في نظر إسرائيل، لا يمكن أن يكون أو يصبح "بحيرة عربية"، كما لا يمكن أن يكون وقفاً على المصالح العربية وحدها.

ومن الملاحظ أن بؤر الصراعات والنزاعات في البحر الأحمر بدأت في شماليه، أي في خليج العقبة ومضيق ثيران وخليج السويس، لتمتد بعد ذلك إلى جنوبي البحر وما حوله. وقد تجسدت هذه البؤر في الحروب العربية ـ الإسرائيليـة، وفي القرن الأفريقي، وفي الحروب الأهلية في جنوبي السودان، وفي احتلال إريتريا بعض الجُزر اليمنية، وفي مواقع ووقائع أخرى.

وإذا ما عدنا إلى بعض التحولات في تاريخ البحر الأحمر، لوجدنا أن إنشاء إسرائيل، واستقلال اليمن الجنوبي والصومال وإريتريا، وانهيار الحكم الماركسي في إثيوبيا، وسياسات القوتين العظميين في المنطقة، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي وتزعّم الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم، وحربَي الخليج الأولى والثانية، والصراع العربي ـ الإسرائيلي بحروبه وامتداداته وتداعياته ونتائجه، وغير ذلك من المتغيرات، شكلت، بمجموعها، العوامل التي أثرت في التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأحمر، وأضافت أبعاداً إلى الصراعات والنزاعات القائمة فيها، وإلى زيادة التنافس للسيطرة على مداخل البحر وجُزره ومضايقه. وقد أدّى ذلك كله إلى تشكل الأزمات الإقليمية في البحر الأحمر، مع ما لها من علاقات بالقوى الإقليمية والدولية.

ثمة تعريفات كثيرة بالأمن القومي العربي. وقد يكون مناسباً أن نستند إلى تعريف ورد في دراسة أعدّتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة (الرقم 5215، تاريخ 14/9/1992)، وجاء في نص التعريف، الذي لا يزال مشروعاً معروضاً على المجلس، ما يلي: "الأمن القومي العربي هو قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الحسبان الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر في الأمن القومي العربي". وبناء على هذا التعريف، فإن منطقة البحر الأحمر تدخل، حكماً، في إطاره، ويشكل أمنها جزءاً من الأمن القومي العربي، على الرغم من أن لأمن هـذا البحـر خصائص ينفـرد بها، وأخطار يتعرض لها، قد تختلف، نوعاً وحدة، عن الخصائص والأخطار الخاصة بمناطق أخرى هي أجزاء من الأمن العربي. ونظراً إلى أن مفهوم الأمن القومي العربي يتألف من عدة عناصر تشكل بمجموعها وتآلفها وتناسقها وترابطها كلاًّ واحداً، فقد أصبح هذا المفهوم شاملاً شؤون التنمية والاستقرار والاقتصاد والاجتماع والجغرافيا والسياسة والدبلوماسية والثقافة والعلم والتكنولوجيا والسلاح، أي أنه يمتد إلى مختلف مجالات الحياة وأنشطة الدول.

وبغض النظر عن ماهية تقسيم مصادر تهديد الأمن القومي العربي، فإن ثمة إجماعاً على أن كلاًّ من إسرائيل، وأطماع الدول الكبرى، وأطماع دول الجوار، تعدّ من أهم مصادر التهديد في البحر الأحمر. ويضاف إلى هذا أن بعض المصادر الداخلية، يمكن استغلالها أو إثارتها من قبل المصادر الخارجية السابقة.

ويلاحظ أن ثمة توجهاً إلى الأمن المناطقي (أمن البحر الأحمر، أمن الخليج العربي، أمن المغرب العربي)، إضافة إلى الأمن الوطني (أمن الدولة)، والأمن الإقليمي (الأمن القومي العربي). ومرد هذا إلى أن انتهاء الحرب الباردة، والمتغيرات التي طرأت على الوضع العالمي والعلاقات الدولية، لم تنهِ النزاعات والحروب، سواء الإقليمية أو المحليـة أو الأهليـة. وقد شهدت منطقة البحر الأحمر وما حولها، ولا تزال، عدداً من أنواع هذه النزاعات والحروب.

وعلى هذا يجوز أن نميز بين ثلاثة مستويات للأمن في المنطقة العربية:

1. أمن الدولة، أي الأمن القطْري أو الوطني (National). ومثاله: أمن المملكة العربية السعودية.

2. الأمن المناطقي، أو دون الإقليمي (Sub – Regional). ومثاله: أمن الخليج العربي، أمن البحر الأحمر، أمن المغرب العربي.

3. الأمن الإقليمي (Regional). ومثاله: الأمن القومي العربي، الذي تجسده معاهدة الدفاع المشترك (22/8/1952).

ويفترض وجود تفاعل وتشارك وتكامل بين المستويات الثلاثة السابقة، بمعنى أن أي تهديد لدولة عربية، أو لتنظيم عربي دون إقليمي (الدول المطلة على البحر الأحمر) من شأنه أن ينتقص من الأمن القومي العربي.

وتتحدد منطقة أمن البحر الأحمر وفقاً لثلاثة معايير:

1. المعيار الجغرافي: فالدول العربية المطلة على البحر، عددها ست، (المملكة العربية السعودية، مصر، السودان، اليمن، الأردن، جيبوتي)، تجمع ما بينها روابط الجغرافيا والتاريخ واللغـة والدين والحضارة والقربى. وتجاور هذه الدول العربية الست دولتَيْن، هما إسرائيل وإريتريا، اللتان أصبحتا ذواتَيْ مصالح وإستراتيجيات خاصة بالبحر الأحمر.

2. المعيار السياسي: تنتظم الدول العربية الست في إطار مؤسسة عربية هي جامعة الدول العربية. ويفترض أن تكون سياساتها تجاه أمن البحر الأحمر موحدة أو متناسقة ضمن إطار المصالح القومية. في حين تسلك إسرائيل وإريتريا سياسات ليست بالضرورة، غير مضرة بالمصالح العربية، وإنما هي في أغلبها مضادة لتلك المصالح.

3. معيار قوة المجموعة العربية: يندرج دفاع الدول العربية الست في إطار أحكام ميثاق جامعة الدول العربية (22/3/1945) ومعاهدة الدفاع المشترك، دون النظر إلى مدى إعمال تلك الأحكام، وخاصة تلك المتعلقة بالدفاع العربي المشترك. وعلى الرغم من اعتبار أمن البحر الأحمر جزءاً من الأمن القومي العربي، لا يمكن القول إن هذا الحكم قد وجد مجالاً للتطبيق الواقعي، سوى في حالات جد نادرة، كمثل ما حدث في حرب أكتوبر 1973، التي جسّدت المفهوم الحركي الفاعل للأمن العربي، حينما أغلقت القوات البحرية المصرية البحر الأحمر من باب المندب، بمساعدة اليمن، واستعملت المملكة العربية السعودية وسائر الدول العربية المصدرة للنفط، النفط كسلاح في معركة تحرير الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي.

يأخذ البحث في الحسبان متطلبات الأمن القومي العربي، والمصالح العربية، والعناصر غير العربية في منطقة الشرق الأوسط، والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة، أو المؤثرة في أمن البحر الأحمر.