إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



القسم التاسع

المبحث السادس

توسيع حلف شمال الأطلسي (1994 ـ 1999)

أولاً: الشراكة من أجل السلام:

    طرحت الفكرة من جانب الولايات المتحدة في الاجتماع الوزاري لدول الحلف عام 1993. ثم طرح الموضوع في اجتماع مجلس شمال الأطلسي ببروكسل في يناير 1994، كمبادرة من الحلف، في إطار السعي إلى تنمية الثقة ودعم جهود التعاون مع دول شرق أوروبا، من أجل تحقيق الأمن الأوروبي، استكمالا لقرارات قمتي لندن (مايو1990) وروما (نوفمبر 1991) اللتين بحثتا التكيف مع التحولات المترتبة على انتهاء الحرب الباردة، والتي تم في إطارها إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي، باعتباره منتدى للحوار والتعاون، بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفيتي (السابق).

    أكد برنامج الشراكة على ضرورة تعميق التعاون الوظيفي بين الناتو والدول الأعضاء، كما حدد الدول التي يمكنها الالتحاق، به من دول مجلس تعاون شمال الأطلسي، وأعضاء مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

وقد تحددت أهداف البرنامج كما يلي:

1. الوضوح في تخطيط الدفاع الوطني والميزانيات العسكرية.

2. تأكيد السيطرة المدنية على القوات المسلحة.

3. المساهمة في الأعمال التي تجرى بموافقة الأمم المتحدة، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

4. تطوير علاقات التعاون بين الدول المشاركة، وحلف شمال الأطلسي، بهدف التخطيط المشترك، والتدريبات الرامية إلى القيام بمهام حفظ السلام، والعمليات الإنسانية الأخرى التي يجرى الاتفاق عليها.

5. تطوير وتأهيل القوات على المدى البعيد، لتكون قادرة على العمل مع قوات الحلف.

6. التشاور مع الحلف، للمشاركة الفعالة لمواجهة التهديدات المباشرة، للوحدة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي، أو الأمن الوطني لهذه الدول.

    ولتحقيق هذه الأهداف، تم الاتفاق على أن يكون للشركاء، ممثلين لهم في مركز قيادة الحلف، لتكوين جهاز المشاركة والتعاون، للتنسيق مع القيادة العليا للقوات المتحالفة (SHAPE).

    للانضمام لبرنامج الشراكة، كان على الدول الراغبة التوقيع على وثيقة تؤكد على:

1. التعهد بالحفاظ على المجتمعات الديموقراطية، ومبادئ القانون الدولي.

2. الوفاء بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

3. الامتناع عن استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها، ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

4. احترام الحدود القائمة، وحل المنازعات بالوسائل السلمية. 

5. التعهد بالالتزام بإعلان هلسنكي الأخير، وكل وثائق مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

6. العمل على تنفيذ التعهدات والالتزامات، التي سبق التعهد بها في مجال ضبط ونزع التسلح.

    بدأ الانضمام إلى البرنامج بتوقيع الوثيقة على أساس فردي وتقديمها إلى الحلف. على أن تحدد الدولة الراغبة في الالتحاق بالبرنامج، في هذه الوثيقة، مدى وحدود المشاركة في الأنشطة المختلفة، مثل التخطيط المشترك، التدريبات والمناورات. وحددت الوثيقة الخطوات التي تتخذ من قبل كل شريك لتحقيق أهداف المشاركة السياسية، وكذلك القواعد العسكرية، أو أي تسهيلات أخرى يمكن أن يوفرها الشركاء لأنشطة المشاركة المختلفة، بحيث تكون أساسا للبرنامج الثنائي للشراكة الذي تجرى الموافقة عليه بين الشريك والحلف. للقيام بالمهام الجديدة أنشئ العديد من اللجان، منها "لجنة التوجيه السياسي والعسكري ـ Political & Military Steering Committee " كمنتدى للتشاور يعقد اجتماعاته برئاسة نائب الأمين العام للحلف، في أشكال مختلفة، تشمل اجتماعات الحلفاء مع الشركاء على أساس فردى لفحص واختبار البرامج الفردية للشراكة، والاجتماع مع أعضاء مجلس تعاون شمال الأطلسي والشراكة من أجل السلام، وأيضا لتحديد القضايا المشتركة. كما أُنشئت لجنة مشتركة لمتابعة انتشار الأسلحة، وتقديم تقارير إلى مجلس شمال الأطلسي. وبموجب هذا البرنامج وجهت الدعوة للدول الأعضاء لإرسال بعثات دائمة إلى الحلف، ووحدة تنسيق شراكة منفصلة في "مونز ـ Mons" ببلجيكا (بالقرب من القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا). (أُنظر ملحق تكوين ومهام المجالس واللجان الرئيسية لحلف الناتو (1998))

    تخضع وحدة تنسيق الشراكة، لسلطة مجلس شمال الأطلسي، وتعمل على تنسيق الأنشطة العسكرية، في إطار البرامج المتفق عليها، وتنفيذ التخطيط العسكري اللازم لتطبيق هذه البرامج. بنهاية عام 1995، وصل عدد دول برنامج المشاركة من أجل السلام إلى 27 دولة، ورغم أن الشراكة من أجل السلام، نشأت داخل إطار مجلس تعاون شمال الأطلسي، إلا أن العلاقة بينهما ظلت غير واضحة، وأدى بدء برنامج الشراكة، إلى تقلص الاهتمام بمجلس تعاون شمال الأطلسي، لاسيما بعد اعتبار الالتحاق بالشراكة ضرورة للحصول على عضوية الحلف. (أُنظر جدول الدول الأعضاء في برنامج الشراكة من أجل السلام)

    يركز اهتمام مجلس تعاون شمال الأطلسي على القضايا السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والبيئية، والمعلوماتية. بينما يركز برنامج الشراكة على القضايا الأمنية، والعسكرية، من تخطيط وتدريبات مشتركة، وعمليات حفظ السلام. واتجه الحلف إلى ضم بعض دول الشراكة على مراحل، كما أتفق على عدم ضم دول أخرى (روسيا). كما اتجه الحلف إلى زيادة فاعلية الشراكة مع تلك البلدان المشاركة، باستحداث هيكل إداري جديد، يحل محل مجلس تعاون شمال الأطلسي، وهو ما أطلق عليه "الشراكة زائد - PFP Plus "، بحيث يبدو الحلف مفتوحا بشكل رسمي ولكنه مغلق أمام هذه الدول بشكل واقعي. (أُنظر جدول عضوية الدول في المنظمات والبرامج المختلفة)

ثانياً: توسيع حلف الناتو:

    بانتهاء الحرب الباردة، لم تعد الأسس الاستراتيجية التي قام عليها حلف الناتو، ذات فاعلية، بل انهارت بانهيار حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفيتي. وكان من المفترض، طبقاً للمنطق، إعلان انتهاء حلف الناتو كذلك، باختفاء العدو الذي أنشئ لمواجهته، إلا أن دول الحلف، بزعامة الولايات المتحدة، رأت البقاء في الحلف، مع تغيير توجهاته الاستراتيجية، والاستناد إلى أسس جديدة، تستوجب استمرار الحلف، بل وتوسيعه كذلك.

    ثار جدل واسع نحو تلك السياسة، بعد تلاشي التهديد الرئيسي، واختلفت وجهات النظر، والتي شملت ثلاث اتجاهات، بين مؤيد لحل حلف الناتو، أو مناصر لبقائه، أو مطالب بتأجيل كل ذلك لفترة، ولكل اتجاه حججه وأسانيده، التي يرتكز عليها، وهي:

1. أسانيد مؤيدي توسيع الحلف[1]:

أ. أن يحقق الاستجابة لطلبات العضوية، التي تقدم بها عديد من دول وسط وشرق أوروبا، اتساع المنطقة التي يسيطر عليها الحلف.

ب. يدعم التوسيع، الأمن والسلام الدوليين، ويقلل من مخاطر نشوب الحرب في أوروبا، بتقويته لدعائم الاستقرار في دول وسط وشرق أوروبا. كما يتفادى نشوء فراغ أمني، أو حدوث صدام جديد بين الشرق والغرب، فضلاً عن منعه تغلب الطابع القومي، على الطابع الدولي.

ج. إمكان تقديم المساعدة، لدول شرق ووسط أوروبا، لتحقيق الإصلاحات الداخلية، في فترة التحول من الاتجاه الشمولي السابق، إلى الاتجاه الديمقراطي. وتحسين العلاقات بين تلك الدول، مما يقلل من خطر الصراع العسكري فيما بينها، كما يضمن العائد الاقتصادي لدول الناتو.

د. ازدياد فرص استمرار وفاعلية الحلف، وزيادة تأثيره على المستويين الاقتصادي والدولي كذلك.

هـ. استغلال فرصة انهيار الاتحاد السوفيتي، وانشغال روسيا الاتحادية، بأزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الطاحنة، لحرمانها من حلفائها التقليديين، مع ضمان إبعاد هذه الدول، عن الهيمنة الروسية بعد ذلك.

2. أسانيد المعارضون للتوسع في عضوية الحلف[2]:

أ. لا يوجد تهديد حقيقي، من دول وسط وشرق أوروبا، يستوجب توسيع الحلف، والذي ستزيد أعباؤه الأمنية والدفاعية نتيجة التوسع، دون داع.

ب. قبول بعض الدول دون البعض الآخر، في عضوية الحلف، سيضعف التيارات الإصلاحية في هذه الدول، ويزيد من حدة التوتر في المنطقة، وربما يؤدي إلى ظهور تكتلات أخرى ضد الناتو والمصالح الغربية.

ج. اتجاه الناتو إلى تخفيض ميزانيته الدفاعية (1994) يتطلب عدم التوسع في الالتزامات الأمنية للحلف، بل يلزم خفضها.

د. قد يؤدي التوسع، إلى عدم التجانس والتماسك، وعدم القدرة على تحقيق الإجماع المطلوب داخل الحلف.

هـ. الوضع الاقتصادي لأوروبا الشرقية، متردي، ولا يسمح لها بمزيد من الأعباء، ومن المنتظر عدم وفائها بالالتزامات التي سيحددها الحلف لها، مما يزيد من العبء على دول غرب أوروبا، الغير مستعدة لتحمله.

و. سيؤدي استيعاب عدد كبير من الأعضاء الجدد، إلى فقدان الحلف لشخصيته المميزة (لم يقبل الحلف خلال أكثر من 46 عاماً، إلا أربعة أعضاء جدد فقط). إذ يتطلب ضم عدد كبير من الدول، في فترة وجيزة، إجراء تغيرات واسعة في الهيكل العسكري للحلف، وهو ما سيكون له آثار سلبية خطيرة.

ز. يجب أن يضع الحلف، في اعتباره، رفض روسيا ومعارضتها لضم حلفائها السابقين (التقليديين) إلى الحلف، وهو ما سيؤثر على تماسك الحلف ومصداقيته، إذ يؤدي إلى تنامي الحلف بصورة أكبر وأقوى، ربما تزيد من عزلة روسيا دولياً، وهو ما لن تقبله.

3. أسانيد المطالبون بتأجيل التوسع في عضوية الحلف[3]:

أ. يحتاج حلف الناتو، لوقت أكبر، لحل أزمة يوغسلافيا، وضمان تحقيق الاستقرار في وسط أوروبا، قبل أن يوسع من عضويته، وللتأكد من صدق نوايا الدول الراغبة في الانضمام إليه.

ب. تحتاج سياسة التقارب والصداقة مع روسيا الاتحادية، إلى وقت أطول، لاختبار النوايا والتأكد منها، وللوقوف على توجهاتها المقبلة.

ج. يحتاج الحلف لمزيد من الدراسات والمناقشات، لذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت، لاختيار وانتقاء الدول المرشحة للاشتراك في عضوية الحلف، وتحديد كيفية إجراء التوسيع.

د. معظم دول وسط وشرق أوروبا، مازالت في حالة عدم استقرار (1994)، وتحتاج إلى فترة زمنية أكبر، لتحقيق الاستقرار، وإعادة بناء هيكلها السياسي على أسس ديموقراطية.

    على الجانب الآخر، كانت روسيا الاتحادية مصرة على عدم الانضمام إلى حلف الناتو، وإن كانت لا ترى مانعاً في التشاور معه، أو التعاون معه أحياناً، لأسباب عدة، أهمها:

1. لا ترغب روسيا، في أن تتساوى (من خلال العضوية بالحلف)، مع دول صغرى، أو متوسطة، كانت إلى عهد قريب، تحت قيادتها، وداخل دائرة نفوذها.

2. مازالت روسيا تمتلك قوة نووية ذات فاعلية، لذلك فهي لا تريد أن تصبح مجرد شريك، بل تطمع في الندية في التعامل، وعلى قدم المساواة مع الدول الكبرى بالحلف (الولايات المتحدة الأمريكية).

3. تأكيد المجموعات والتكتلات السياسية، داخل روسيا، وفي برلمانها، على ضرورة أن يحقق الانضمام للحلف، وضع متغير منفرد لروسيا، وأن أي تنازلات تعتبر خيانة وطنية كبرى.

4. يخشى القادة الروس، معاملة الدولة الروسية، كعضو مهزوم، أو خاضع، وهو أمر غير مقبول.

5. لا تثق القيادة السياسية الروسية، في مصداقية الدعوة للانضمام إلى حلف، كان خصماً بالأمس.

    إضافة إلى ذلك، كانت القيادة الروسية الجديدة، قد حذرت حلف الناتو (24 سبتمبر 1995) من توسيع نطاقه حتى حدودها، لأن ذلك يتناقض مع منظومة الأمن الأوروبي، ويهدد المصالح الأمنية الروسية. لذلك أعلن الرئيس الروسي "بوريس يلتسين ـ Boris Yeltsin" في أول مايو 1995، مبادرة لإقامة منظمة أمنية جديدة، في قارة أوروبا، على غرار منظمة حلف الناتو، ينضم إليها الدول الأوروبية الشرقية وروسيا، بدلاً من توسيع الناتو، (والذي كانت ترفضه).

    في نهاية عام 1994، تغلبت وجهة النظر المؤيدة لتوسيع الحلف، واتجه الحلف إلى تعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، بدلاً من مهمته السابقة، بمواجهة التهديد المباشر لأمن دوله (وكان مقدراً أن يكون من حلف وارسو). ويعني ذلك التغيير في توجهات الحلف، استمرار مهمته التقليدية (الدفاع الجماعي)، وإضافة مهام جديدة لها، مثل الحفاظ على السلام العالمي، ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء أوروبا، وحولها كذلك ويشمل ذلك:

1. دعم عمليات التحول السياسي، والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقاً، لاحتواء أي تهديد يمكن أن تكون تلك المنطقة مصدراً له.

2. البحث عن صيغة للاتفاق مع بعض دول جنوب البحر المتوسط، لتوفير صبغة قانونية دولية، وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديداً لأمنها الوطني من ذلك الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة الشراكة بين الحلف وتلك الدول.

    أقر مجلس حلف الناتو، في فبراير 1995، دعوة كل من مصر وموريتانيا والمغرب وتونس وإسرائيل، لبحث احتمالات مساهمتهم في الشراكة، بالاشتراك في حوار أمن البحر المتوسط. وكان هدف الحلف من ذلك، التعرف على وجهات نظر تلك الدول، واتجاهاتها نحو قضايا أمن البحر المتوسط، وحول جدول أعمال حلف الناتو بعد التجديد[4].

    من وجهة أخرى، ففي نهاية عام 1995، قررت فرنسا، استئناف عضويتها الكاملة، في التنظيم العسكري للحلف، بعد أن قاطعت النشاط العسكري طوال 29 عاماً. وأعلنت كذلك موافقتها على توسيع الحلف، وضم دول جديدة له.

    أتفق أعضاء الحلف، في ديسمبر 1994، على أن تجرى التوسعة فردياً، وأن يتمتع الأعضاء الجدد بالعضوية الكاملة، وكافة الحقوق للأعضاء القدامى، وعليهم كذلك نفس الالتزامات. وفي ديسمبر 1996، جاء في توصية وزارية، إلى رؤساء دول ووزارات الحلف، والذين اقترحوا عقد مؤتمر قمة في يوليه 1997 لوضع الأسس والخطوات لدعم الأمن الأوروبي/ الأطلسي، مع اقتراب القرن الحادي والعشرين.

ثالثاً: التحديات التي تستوجب توسيع حلف الناتو:

    منذ انتهاء الحرب الباردة، ساد الاعتقاد بوجود فرصة حقيقية لتحسين البنية الأمنية في جميع أنحاء أوروبا والمحيط الأطلسي وأمريكا الشمالية، لرفع مستوى الاستقرار والأمن، لجميع الدول في المنطقة، دون العودة إلى تقسيمات ينتج عنها صراعات جديدة لفرض الأمن. كان هناك مجموعة جديدة من التحديات، تهدد الأمن الغربي آتية من الشرق، تشمل:

1. النزاعات الإقليمية:

    مثل الحروب في يوغسلافيا (سابقاً). أو النزاع المتجدد بين القبارصة اليونانيين والأتراك. وهذه النزاعات قد تخرج عن سيطرة الدول الأوروبية، ويتم تدويلها فتشكل خطراً على الأمن الأمريكي والدولي. كما شعرت الولايات المتحدة بأن هناك دولا إسلامية مثل إيران تتدخل في هذه الصراعات (مثل البوسنة) بتقديم مساعدات مادية وعسكرية ومتطوعين، مما قد يؤدى إلى مضاعفات أمنية بعيدة المدى. كما أن قضية قبرص قد تتجه إلى الصراع العسكري، مما يهدد الحلف بمواجهة إقليمية بين دولتين من أعضاؤه، فقد تجر تركيا واليونان إلى التدخل مجدداً، وقد تتحول إلى صراع دولي، خاصة بعد أن عقدت موسكو صفقة مع نيقوسيا لبيعها الصواريخ أرض/جو وأرض/أرض والتي تهدد باختلال موازين القوى في الجزيرة. أي أن قضيتي البوسنة وقبرص، وكذلك ما يجرى في كوسوفا، قد تتحول إلى مواجهة بين العالمين المسيحي والإسلامي.

2. خطر قيام أنظمة معادية للديموقراطية وحقوق الإنسان:

    يعتبر حلف الناتو تلك الأنظمة مهددة للسلام والأمن الأوروبي، ونظم الحياة في الغرب. حيث يخشى بعض صانعي القرار، في واشنطن وألمانيا، من أن ينحسر التيار الديموقراطي الروسي، بعد بوريس يلتسين. لذلك فإنهم يفضلون أن يحيطوا التجارب الديموقراطية الليبرالية الناشئة، في أوروبا الشرقية، بضمانات، بمد نطاق حلف الأطلسي إلى حدود روسيا الغربية.

3. تغير توجهات الحكم في روسيا:

    قد يصل إلى السلطة نظام يعمل على إحياء الروح والمصالح الوطنية الروسية، مما سيهدد الأمن الأوروبي مرة أخرى.

4. ضعف سلطة موسكو على الأقاليم الروسية:

    انتشرت الفوضى والجرائم، وساد مناخ عدم الاستقرار اجتماعياً واقتصادياً، في ظل ضعف السلطة المركزية الروسية، والضعف الذي أصاب الجيش الروسي، الذي عجز عن مواجهة ثوار الشيشان، مع تزايد نفوذ المافيا الروسية. ويثير ذلك الاحتمال المخاوف الكبيرة لدى الغرب، خاصة مع تملك روسيا 70% من القدرات النووية للاتحاد السوفيتي السابق.

    أدت هذه التحديات، إلى تغيير نوع التهديد ومستوى الخطر، التي كان حلف الناتو يتحسب لها سابقاً، ويتطلب ذلك ضرورة إجراء تعديل، في وظيفة واستراتيجية ودور ومهام حلف الناتو، بعد أن كانت مصادر التهديد محصورة في اتجاه واحد، ممثلا بالقوة السوفيتية، تعددت بعد انتهاء الحرب الباردة، لتشمل النزاعات والحروب المباغتة، متوسطة الشدة، كحرب الخليج وحرب البلقان مثلا، ولتشمل احتمالات تسرب القدرات النووية، إلى "دول غير مأمونة"، مثل إيران أو العراق أو غيرها من الدول (من وجهة نظر الحلف)، أو تشتت القوى النووية السوفيتية في بعض الجمهوريات السابقة، وكذلك التهديدات التي تحملها التيارات المتطرفة والأصولية. رغم تعدد التهديدات، فإنها أقل خطراً، بكثير، من التهديد السوفيتي السابق. وبذلك نجد أن فترة ما بعد الحرب الباردة اتسمت بمخاطر أقل  ومستويات من عدم الاستقرار مرتفعة للغاية.

    غيرت طبيعة التحديات من مهام الحلف كذلك، فظهرت مهام جديدة للحلف، غير عسكرية، مثل التدخل الإنساني لإيصال مساعدات غذائية وإغاثة أوروبية لمناطق النزاعات خارج الإطار الجغرافي لمنطقة الحلف، والمشاركة في حفظ وفرض السلم ومواجهة الأزمات الإقليمية في بعض مناطق المصالح الحيوية.

رابعاً: انعكاسات توسيع الحلف على علاقات روسيا الاتحادية بالحلف:

1. سياسات الحلف تجاه روسيا الاتحادية:

    على الرغم من أن قادة الحلف أعلنوا أن أي عضو في الشراكة من أجل السلام، مرشح لعضوية الحلف، إلا أنه كان واضحا منذ البداية أن هناك إجماعا على استبعاد روسيا الاتحادية، وجرى ذلك تحت غطاء استيفاء الشروط المطلوبة لدخول الحلف. ونصح كيسنجر وبريزنسكى[5] الإدارة الأمريكية باستبعاد روسيا، واستبدال ضمها بتوقيع اتفاق ثنائي بينها وبين الحلف. (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))

        استند قادة الحلف في قرارهم بعدم ضم روسيا الاتحادية إلى الحلف المبررات التالية:

أ. أن روسيا دولة غير مستقرة ولا تنطبق عليها شروط الانضمام في المدى المنظور.

ب. أن روسيا الاتحادية دولة كبيرة، وضمها إلى الحلف يؤدى إلى تغييرات جوهرية ويمنحها حق "فيتو" على قرارات الحلف.

ج. إن ضم روسيا يعنى مد الضمانات الأمنية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن، إلى حدود الصين ومنغوليا.

د. ضم روسيا، يؤدى إلى فقدان الحلف لسمته الدفاعية، وتحويله إلى منظمة للأمن الجماعي على غرار الأمم المتحدة. وهو غاية ما تهدف إليه موسكو منذ المراحل الأولى لظهور الحلف، إذ أنها طلبت دخول الحلف عام 1954 ودعت إلى معاهدة للأمن الأوروبي ككل.

    روسيا ليست دولة أوروبية خالصة لأن 75% من أراضيها في آسيا شرق الأورال ـ والمادة العاشرة من اتفاقية واشنطن حددت من يمكن دعوتهم في: "أي دولة أوروبية أخرى في وضع يدعم مبادئ المعاهدة وتسهم في أمن منطقة شمال الأطلسي". وإن كان هذا المعيار الجغرافي مردود عليه بسابقة ضم تركيا عام 1952، والتي تقع نحو 90% من أراضيها في آسيا. كما أن الولايات المتحدة وكندا أعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وهما أبعد ما تكونا عن القارة الأوروبية.

    وقع على وثيقة باريس التأسيسية، كثيرين، شملوا دول حلف الناتو الست عشرة وروسيا، ولكنهم انقسموا كما نصت الوثيقة في سطريها الأول والثاني إلى طرفين هما "منظمة حلف شمال الأطلسي وأعضاؤها من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى"، وأوضح ذلك أن روسيا، برغم التغيرات الكبرى التي مرت بها، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، لم ترق بعد لتكون شريكاً أصيلاً في منظمة واحدة تضمها مع الدول الأوروبية الغربية، وإنما هي مجرد طرف أوروبي مختلف، يتوجب على هذه الدول التعامل معه ومشاركته من الخارج. وليس بإشراكه ضمن المؤسسة الجامعة لهذه الدول. ورغم أن اللائحة التأسيسية تشير إلى أن الناتو وروسيا لا يعتبران نفسيهما عدوين، بل شريكين في هدف واحد هو القضاء على بقايا المواجهات والمنافسات القديمة، إلا أنها تقف دون الإشارة إلى أن روسيا ودول الناتو قد انصهرت في منظومة أمنية عالمية جديدة تواكب التغيرات الكبرى التي شهدها العالم منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، فما يبدو من مقدمة الوثيقة هو أن التقارب الحادث بين روسيا والغرب لن يكون مرادفا لاندماجهما في كيان موحد. فالقوى السياسية الروسية من ناحيتها غير متفقة على أن روسيا دولة غربية قلبا وقالبا والغرب من ناحيته (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) يبدو أنه لا يرى في موسكو مكوناً عضوياً لازماً لاستمرار وتقوية منظومته المؤسسية.

    فنتيجة الامتداد الجغرافي لروسيا فوق قارتين، أصبحت منقسمة، كما يظهر في مواقف نخبها السياسية والثقافية إلى تيارات مختلفة. وكان وزير الخارجية السابق أندريه كوزارييف، من الشخصيات العامة الروسية القليلة التي دافعت بقوة عن توسع الناتو شرقاً، بل واعتبر أن عدم توسع الناتو سوف يشجع العناصر القومية المتطرفة في روسيا، ويضر بالإصلاحات الديموقراطية، التي شهدتها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. أما المجموعة الأخرى المعارضة فهي وإن لم تغفل أهمية العلاقات مع الغرب، فإنها تؤكد على ضرورة اهتمام روسيا بالجنوب والشرق بحكم امتدادها الجغرافي. وقد تصاعدت أصوات هذا التيار، للتشكيك في جدوى التقارب بين روسيا والناتو، وطالب بعض أنصار هذا التيار، إلى اتخاذ إجراءات عملية ضد عملية توسيع الناتو، والتأكيد على أن برامج روسيا الدفاعية لا يمكن أن تتدعم إلا بعلاقات وطيدة مع جمهوريات الكومنولث والكتلة الاشتراكية السابقة.

    على الجانب الآخر، فإن الطريقة التي طرح بها مسؤولو الناتو، مسألة الاتساع شرقاً، تدل على أن روسيا أقرب إلى أن تكون أداة يستخدمها الناتو، لضمان أمن القارة الأوروبية، من أن تكون حليف أو شريك كامل العضوية في بنيان الناتو الجديد. أدى ذلك إلى فجوة بين الطرفين وصرح المسؤولون أن توسيع الناتو سوف يمضى قدما برغم كل اعتراضات روسيا، وأن الدول التي ستدعى للانضمام في صيف عام 1997 لن تكون الأخيرة، كما أنه لن يمنع أي اتفاق بين روسيا وحلف الناتو من دعوة دول البلطيق أو أية دولة أخرى للانضمام. كذلك استخدم خافيير سولانا سكرتير عام حلف الناتو تعبيرات مشابهة، عندما حث موسكو على الدخول في علاقة مع الناتو، أفضل لها من أن تقبع في عزلة. وضح أن الغرب كان على استعداد لصياغة اتفاق مع روسيا، لضمان عدم معارضتها لخطة توسيع الناتو، إلا أنه ليس على استعداد مماثل، لإشراكها في عضوية كاملة ضمن الشكل الجديد لحلف الناتو. فمن المنظور الأمريكي (كما وضح في مداولات قمة هلسنكي بين يلتسين وكلينتون في شهر مارس 1997) لا يجب أن يكون لروسيا حقوق، وأن تحدد  من يقبل أو لا يقبل في الحلف.

    استمر الحفاظ على صيغة (16+1) التي تعني دول حلف الناتو الستة عشر مقابل روسيا الاتحادية منذ تأسيس مجلس تعاون شمال الأطلسي في ديسمبر 1991، بحيث ظهرت روسيا كضيف على دول الناتو دائماً. وقد طبقت هذه الصيغة في اجتماع وزراء دفاع دول الناتو، مع وزير الدفاع الروسي في مايو 1994، وعند توقيع وثيقة الشراكة من أجل السلام، في يونيه 1994، وعند قبول روسيا تطبيق برنامج الشراكة من أجل السلام، بين الناتو ودول أخرى في شرق ووسط أوروبا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في مايو 1995، في لقاء مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا، وفي سبتمبر 1995 عند تداول روسيا مع دول الناتو بشأن الموقف في يوغسلافيا السابقة، وفي سبتمبر 1995 لمناقشة تنفيذ معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، وفي أكتوبر من نفس العام عند مناقشة مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا بشأن تحقيق السلام في البوسنه، وفي نوفمبر من نفس العام عند لقاء بافيل جراتشيف وزير الدفاع الروسي الأسبق مع وزراء دفاع الناتو، وكذلك عند لقاء وزراء خارجية الناتو بوزير الخارجية الروسي في ديسمبر 1995، ثم في يونيه 1996.

    كل مرة لم تكن روسيا، أو دول الناتو الست عشرة، على استعداد لاتخاذ خطوة جديدة، يتحول بموجبها حلف الناتو من صيغة (16+1)، إلى مؤسسة جديدة من سبع عشرة دولة كاملة العضوية. بل هي مشارك في أعمال الناتو فقط.

2. سياسة روسيا تجاه توسيع الحلف:

    خلال العامين الأولين من حكم الرئيس يلتسين، وبالتحديد عامي 1992 و 1993، لم تثار قضية توسيع الحلف، لذلك لم ينظر إلى بقاء الحلف، على أنه يمثل مشكلة كبيرة للأمن الوطني الروسي، لاسيما وأن القيادة "الإصلاحية" الروسية كانت تركز على التخلص من بقايا النظام الشيوعي، وإدخال تغييرات جذرية على السياسة الخارجية الروسية، لبدء الاندماج في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية. وكانت القيادة الروسية تتوقع حدوث تغيير داخلي في الحلف، بعد انتهاء المواجهة. وركز الروس على تدفق المساعدات الغربية لتحسين الاقتصاد الروسي، ومن ثم انضمت روسيا إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي، واتجهت إلى تطوير ارتباطها بالحلف. وفي زيارة يلتسين إلى بولندا وتشيكيا، في 25-26 أغسطس عام 1993، حيث أعلن يلتسين عدم معارضته لدخول الدولتين حلف شمال الأطلسي. ففي بولندا أكد أنه "في العلاقات الجديدة بين روسيا وبولندا لا يوجد مكان للهيمنة ولا فلسفة الأخ الأكبر والأخ الأصغر"، ووافق يلتسين على دخول بولندا الحلف، وفي تشيكيا قال " ليس لروسيا الحق في منع تشيكيا من الانضمام إلى أي منظمة".

    إلا أن ضعف المساعدات التي تدفقت من الغرب لروسيا، واستمرار التعامل معها باعتبارها لا تمثل "حليفاً كاملاً"، أدى إلى أن تراجع السياسة الروسية موقفها من الحلف وتوسعه شرقاً. وسرعان ما تغير الموقف الروسي، حيث أجمعت القوى المختلفة على أن توسيع الحلف، يمثل عملاً عدائياً ضد روسيا، ويهدف إلى وضع قوات الحلف على الحدود الروسية. وخلص مستشارو الرئيس الروسي يلتسين إلى التأكيد على أن توسيع الحلف يعنى عزل روسيا، وإغلاق الباب أمام اندماجها في أوروبا، وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم، بعد الحرب الباردة. استمر يلتسين في محاولات التفاهم مع الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية، للوصول إلى حلول وسط، في المواقف المختلفة، تجاه فكرة الشراكة من أجل السلام.

          مع توجيه الحلف الضربات الجوية ضد صرب البوسنة، تردت العلاقة بين روسيا والحلف، واستقر الحل الوسط، عند توقيع اتفاق الشراكة في 22 يونيه عام 1994، مع بروتوكول خاص ملحق بالاتفاق، اعترف بمكانة روسيا الخاصة كقوة عظمى، وتلا ذلك، في أكتوبر عام 1994 توقيع اتفاق خاص، حول التعاون بين روسيا والحلف، أشار إلى تبادل المعلومات والمشاورات السياسية والتعاون في القضايا الأمنية.

    أدت التفاعلات الداخلية في روسيا إلى تقوية نفوذ الجناح المحافظ، على نحو دفع الرئيس يلتسين، أن يعلن لأول مرة، معارضته الشديدة لتوسيع الحلف في قمة "مؤتمر التعاون في أوروبا"، في ديسمبر عام 1994 واتجه الحلف إلى توسيع عضويته، دون مبالاة باعتراضات روسيا، إذ تزامن ذلك مع اندلاع الحرب في الشيشان. وقد واصل الحلف إجراءات التوسيع، بصرف النظر عن الموقف الروسى، الأمر الذي دفع بالرئيس يلتسين إلى البحث عن اتفاق جديد مع الحلف، يقر بوضع خاص لروسيا، ويضع قيودا على التوسيع، بحيث لا يضم الحلف دول الاتحاد السوفيتي السابق، لاسيما دول البلطيق الثلاث وأوكرانيا، على هذا الأساس أعلنت الوثيقة التأسيسية Foundation Act  بباريس، في 27 مايو عام 1997، بين روسيا والحلف.

خامساً: شروط الانضمام إلى الحلف:

    أسفرت دراسات الحلف المستفيضة، حول أثر التغير في البيئة الأمنية، على العقيدة العسكرية وهيكل القوة في الحلف، عن تشكيل مجلس تعاون شمال الأطلسي، لتعزيز التعاون مع دول شرق ووسط أوروبا. ثم طرح برنامج الشراكة من أجل السلام، الذي أشار إلى إتاحة عضوية الحلف، لدول شرق أوروبا كذلك، وحددت وثيقة الشراكة من أجل السلام، شروط الانضمام إلى الحلف وهى:

1. عضوية مجلس تعاون شمال الأطلسي، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

2. أن تكون الدولة راغبة، وقادرة، على المشاركة في البرنامج.

3. وجود مؤسسات ديموقراطية.

4. التعاون السياسي والعسكري.

5. الاستعداد للمشاركة في هيئات ومراكز الحلف، والقيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا.

6. الاستعداد لتبادل المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية.

    لا تختلف الشروط التي أقرها الحلف كثيراً عن تلك التي صاغها قرار الكونجرس، حول توسيع الحلف، والتي شملت:

1. وجود مؤسسات ديموقراطية بالدولة والاحتكام إلى القانون.

2. السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية.

3. اقتصاد سوق حر.

4. حماية حقوق المواطنين.

5. احترام الوحدة الإقليمية للدول المجاورة.

    كما أن تلك الشروط سبق أن قدمها مجلس النواب الأمريكي، في 4 يناير عام 1995، بعنوان "قانون إحياء الأمن القومي National Security Revitalization Act " وأضاف إليها شروطا جديدة هي:

1. السيطرة المدنية على القوات المسلحة، والشرطة، وأجهزة الاستخبارات.

2. التمسك بالقيم والمبادئ، والتعهدات السياسية الواردة في اتفاق هلسنكي الأخير، وفي مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

3. التعهد بدعم مبادئ الحلف، والمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي.

4. التعهد بالوفاء بالالتزامات، والمسؤوليات، والتكاليف، المترتبة على عضوية الحلف.

5. التعهد بتنفيذ تطوير البنية التحتية، التي تسهل المشاركة في دعم أنشطة الحلف.

    تلاحظ أن الشروط الموضوعة بواسطة الحلف أو الكونجرس أو مجلس النواب الأمريكي، هي معايير شروط عامة يمكن استخدامها كمبرر لضم دول معينة، واستثناء أخرى، ورأي البعض أن وضع خطوط استرشادية عامة، يتطلب استيفاؤها تحولات حقيقية، أمر مختلف، مما يعنى أن المعايير التي وضعت، هي في الأساس لتبرير قرارات "سياسية"، بالضم أو الاستثناء.

سادساً: قرار توسيع الحلف:

    في أعقاب اتفاق 27 مايو 1997 (الوثيقة التأسيسية)، اتخذ قادة دول وحكومات الحلف، في قمة مدريد (8 ـ 9 يوليه 1997) قرار بدعوة بولندا والمجر وتشيكيا، لبدء مفاوضات الانضمام إلى الحلف. رغم استمرار روسيا في معارضتها للتوسيع، ومطالبتها بما أسماه يلتسين في خطابه إلى الأمة، في 3 أكتوبر عام 1997، "أوروبا بلا أحلاف وبلا خطوط تقسيم" معلنا تطلع بلاده إلى قيام أوروبا كبرى بانضمام روسيا إليها، "مضيفاً" إن لتوحيد أنفسنا في أوروبا لا نحتاج إلى دعم من مكان آخر".  

    وأثار أمر تحديد الدول التي تدعَي لعضوية الحلف مشكلات بين دول التحالف، حول ماهية المعايير التي يستند إليها، بعد التضارب في تحديدها. ولذلك شهدت القمة خلافات شديدة بين الموقف الأمريكي، الذي حدد هذه الدول في ثلاث: هي بولندا والمجر وتشيكيا، وبين الموقف الفرنسي، الذي دعمته كندا وسبع دول أوروبية أخرى، في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا، بضرورة إضافة رومانيا وسلوفينيا للمرحلة الأولى، إلا أن الولايات المتحدة تمسكت بموقفها وفرضته على القمة.

    جاء البيان الختامي للقمة، معبراً عن وجهة النظر الأمريكية، إذ دعا الدول الثلاث المحددة، من قبل الإدارة الأمريكية، لبدء مفاوضات الانضمام، مع الإشارة إلى أولوية رومانيا وسلوفينيا في الانضمام إلى الحلف في المراحل التالية، إرضاء للدول الأوروبية، دون أي التزام باستبعاد أي من الدول الأوروبية الأخرى (أوكرانيا ودول البلطيق تحديداً)، من احتمالات الانضمام إلى الحلف مستقبلاً، الأمر الذي يعنى ترك مساحة الصراع مع روسيا مفتوحة، بعد أقل من ثلاثة اشهر على توقيع الوثيقة التأسيسية في باريس، في 27 مايو عام 1997.

سابعاً: احتمالات ضم أوكرانيا ودول البلطيق:

    كان الخلاف الرئيسي بين الأمريكيين والروس، حول توسيع الحلف، الموقف من أوكرانيا ودول البلطيق، إذ رفضت روسيا الاتحادية تماماً ضم أي من هذه الدول إلى الحلف، واعتبرت خطراً يمس أمنها الوطني. إلا أن الحلف رفض التدخل الروسي، حتى لا يبدو وكأنه خضع لضغوط روسيا، وحتى يوظف هذه القضية مستقبلاً إذا ما دعت الحاجة لمصلحته. وفضلت أوكرانيا من جانبها، علاقات متميزة مع الحلف، وهو نفس ما كان يتطلع إليه حلف الأطلسي كذلك. انعكست هذه الرغبة المشتركة، في اتفاق الشراكة الخاص، الذي وقعته أوكرانيا مع الحلف في 14 سبتمبر عام 1995، وأيضا في ميثاق التفاهم الذي جرى توقيعه في 9 يوليه عام 1997، والذي أكد على أن بقاء أوكرانيا دولة ديموقراطية مستقلة ومستقرة، يمثل عامل دعم للاستقرار في شرق ووسط أوروبا، وفي القارة الأوروبية ككل.

    أثارت قضية ضم دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) جدلاً شديداً بين روسيا والحلف. إذ كان الحلف يسعى إلى تأمين وتقوية استقلال هذه الدول، ودمجها في غرب أوروبا، لاسيما في ظل مخاوف قادة هذه الدول، من عودة الروح الإمبراطورية الروسية. لذلك كانت الدول الثلاث من أوائل الدول التي لحقت بالشراكة عام 1994، وعبرت عن رغبتها القوية في دخول الحلف. وعارضت روسيا انضمام هذه الدول إلى حلف شمال الأطلسي. واستعاض الحلف عن الضم الفوري لهذه البلدان، بدمجها في مؤسسات أوروبا الغربية، حيث وقعت في منتصف عام 1994، اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وأصبحت أعضاء مشاركة منذ منتصف عام 1995. لم يكن هناك تأييد سياسي قوي بين دول الحلف، لضم دول البلطيق، فيما عدا الدانمارك.



[1] يتزعم ذلك الاتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا من دول الحلف.

[2] يتزعم ذلك الاتجاه، دولتي فرنسا وأسبانيا من دول الحلف.

[3] يتزعم هذا الاتجاه، دولتي إيطاليا وتركيا.

[4] كانت الأردن، هي الدولة العربية الوحيدة، التي أعلنت في 25 يونيه 1995، عن رغبتها في الانضمام إلى حلف الناتو، في شراكة أمنية متوسطية (لم يرد عليها).

[5] عمل كلاهما مستشاراً للأمن القومي للرؤساء الأمريكيين.