إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التعلم الذاتي









الارتباط بالجماعة Sociability

التعلم الذاتي

إذا كان طلب العلم فريضة، وإذا كان طلب العلم ولو في الصين سُنة، وإذا كان علينا أن نتعلم من المهد إلى اللحد قاعدة، وإذا كانت أولى آيات القرآن الكريم هي أن نقرأ، فإن هذا يوضح قيمة المداومة على العلم والاستمرار في الدراسة والبحث.

تتحقق تلك المداومة بالدراسة والبحث والتأمل والتفكير، وبالتلقي على يد العلماء والمتخصصين. ولا تتحقق تلك المداومة إلا إذا تعلمنا كيف نتعلم، حتى يزداد اعتمادنا على ذواتنا في تحصيل العلم واكتسابه.

من هنا فإن التعلم الذاتي يكفل المداومة على التعلم، ويتفق مع الأديان السماوية، وطبيعة النمو الإنساني.

يُعتبر التعلم الذاتي ضرورة تُمليها الظروف المعاصرة، وطبيعة التغيير الحضاري والثقافي. يتميز عالمنا المعاصر بأنه "عصر المعلوماتية"، ويُقصد بذلك التزايد الكبير والسريع والمستمر والشامل في جميع قطاعات الحياة والثقافة. وصاحب هذا الانفجار المعرفي تطور كبير في التكنولوجيا، أي في التطبيق العملي للمبادئ والمكتشفات العلمية.

يترتب على هذا أن الطفل الذي يلتحق بالمدرسة، أول مرة، يواجه قدراً كبيراً وهائلاً من المعرفة العلمية والتكنولوجية، فلا تستطيع المدرسة أو المدرس مواجهتها أو توجيهها. وثمة نتيجة ثانية، هي أن من أكمل المرحلة الثانوية أو الجامعية سيعيش وفقاً لأفكار ومفاهيم لم تكن معروفة له من قبل. والنتيجة الثالثة أن العام الدراسي لن يكفي لمسايرة التطورات العلمية والتكنولوجية المتزايدة، كما أن من أهم المترتبات على هذا الانفجار المعرفي، صعوبة التنبؤ بالتغير المحتمل، وبالتالي الاستعداد والإعداد له، حتى يمكن مواجهة احتياجات الفرد المستقبلية.

بناءً على ذلك، فإن تزويد الفرد ببعض الخبرات والتدريب عليها لن يمكنه من مواجهة حياته المستقبلية بالكفاءة المطلوبة. من هنا أصبح التعليم الذاتي من أفضل السبل للتكيف مع التغيرات والانفجار المعرفي ومواجهته على نحو يحقق للفرد إيجابيته وذاتيته، ويمكنه من التعامل الفعال مع آثاره ونتائجه ومترتباته.

يرتبط بالانفجار المعرفي عامل آخر يبرر الحاجة للتعلم الذاتي، ألا وهو الحراك المهني السريع، أي تغيير العامل لعمله وانتقاله من مهنة إلى أخرى بناءً على التغيرات العلمية والتكنولوجية الحادثة في عالم المهن؛ إذ تؤدي تلك التغيرات إلى اندثار بعض المهن وظهور مهن أخرى لم تكن معروفة من قبل، وبالتالي يكون على الفرد تعلم المهن الجديدة، وإعداد نفسه لممارستها. ومما يزيد من حدة هذا الوضع أن النظم التعليمية لا تستطيع التنبؤ بسوق العمل أو هيكل العمال في المستقبل.

أمام هذه التغير في بنية المهن، يمكن التعلم الذاتي بأساليبه المختلفة أن يسهم في إكساب الخريج المهارات التي تساعده على التكيف مع التغيرات المهنية المحتملة، وإعداد نفسه للالتحاق بالمهنة الجديدة بعد تدريب ملائم.

أما العامل الثالث، الذي يبرر الحاجة للتعلم الذاتي، فهو الكم الهائل من الأميين في العالم العربي، مما يصعب ـ إن لم يكن مستحيلاً ـ انخراطهم في فصول محو الأمية، وتحويلهم إلى متعلمين في المدى القريب، بسبب مشكلات التمويل والمباني والمعلمين، وتوزع الأميين على مناطق شتى... إلخ.

ولو رجعنا إلى الدراسات السابقة، لوجدناها تبين تفوق أثر التعلم الذاتي على التعلم باستخدام الأساليب التقليدية في التحصيل وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحو عملية التعلم. كما بينت أن التعلم الذاتي أكثر ملاءمة لطبيعة عملية التعلم؛ إذ إن العلم لا يكون إلا ذاتياً، لأنه يعتمد على إيجابية المتعلم ومشاركته ونشاطه، مما يؤدي إلى اكتسابه للخبرات، التي تؤدي إلى نتائج تصبح جزءاً من تكوينه وتعدل سلوكه وتؤثر في نواحي شخصيته المختلفة. والتعلم الذاتي ملائم لتعلم الكبار، لأن تعليم الكبار يكون في مجموعات غير متجانسة في السن والخبرات السابقة، ويكون إقبال الكبار على التعلم نابعاً من دافع داخلي قوي، ويكون الجدول الزمني أكثر مرونة لكي يتلاءم مع ظروف الكبار الحياتية والعملية، ويتيح التعلم الذاتي للكبار الفرص للتعلم بصورة مستقلة ذاتياً، ووفقاً للسرعة الذاتية لكل متعلم.

وأخيراًً، إذا كان التعلم الذاتي نشاطاً واعياً يقوم به الفرد، الذي يستمد حركته ووجهته من الانبعاث الذاتي والاقتناع الداخلي، فإنه بذلك يؤدي إلى تغير شخصيته وانتقالها إلى مستويات أفضل من النماء والارتقاء المستمر القائم على تحمل الفرد لمسؤوليته في التعلم.

تعريف التعلم الذاتي

يشيع في المجال التربوي عدة مصطلحات، مثل التعلم الذاتي Self Learning ، والتعلم ذاتي التوجيه Self-Directed Learning، والتعلم المنظم ذاتياً Self-regulated Learning، والدراسة الذاتية Self Study، والدراسة المستقلة Independent Study.

تدور جميع هذه المصطلحات حول محور واحد، هو قيام الفرد ذاته بجهد منظم لكي يتعلم.

ويحفل التراث بعدة تعريفات، منها تعريف "جروبر Gruber" (1965) للتعلم الذاتي، بأنه طريقة للتدريس تتضمن قيام كل تلميذ بمشروع فردي، وتكون فيها العلاقة بين الطالب والمعلم علاقة فردية. ويعرفه "نولز Knowles" (1975)، بأنه العملية التي تتيح للفرد المبادأة في تشخيص حاجته للتعلم، وصياغة أهدافه التعليمية، وتحديد مصادر المعرفة، ووضع خطة تعليمية ملائمة، وأخيراً تقييم نتائج تعلمه. ويعرفه "كلاوس Klaus" (1976)، بأنه الدراسة التي يُسمح للطالب فيها بقدر كبير من الحرية في اختيار خطة ومواد وأدوات وأنشطة تعلمه.

هذا وقد وضع المفكرون والباحثون في عالمنا العربي مجموعة مشابهة من التعريفات تقترب من تعريفات الباحثين الأجانب. يُعرف "طلعت منصور" (1977) التعلم الذاتي، بأنه النشاط الواعي للفرد الذي يستمد حركته ووجهته من الانبعاث الداخلي، والاقتناع الذاتي بهدف تغيير شخصيته نحو مستويات أفضل من النماء والارتقاء. ويعرفه "أحمد بدوي" (1978)، بأنه أسلوب التعلم الذي يستخدم فيه الفرد من تلقاء نفسه الكتب والآلات التعليمية أو غيرها من الوسائل، ويختار بنفسه نوع ومدى دراسته، ويتقدم فيها وفقاً لمقدرته دون مساعدة مدرس. ويعرفه "فوزي زاهر" (1981)، بأنه الأسلوب الذي يقوم فيه الفرد بالمرور على المواقف التعليمية لاكتساب المعلومات والمهارات والاتجاهات. ويعرفه "ممدوح الكناني" (1984)، بأنه العمل الواعي المنظم الذي يقوم به المتعلم مستخدماً خصائصه الانفعالية والعقلية في إنجاز عملية التعلم بنفسه، وذلك بهدف تغييره من نفسه، أما إذا رغب المتعلم في المساعدة، فإنه يبحث عنها بنفسه عند المتخصصين. ويرى "عزيز حنا" (1985) أن التعلم الذاتي، هو العملية الإجرائية المقصودة التي يحاول فيها المتعلم استخدام التطبيقات التكنولوجية والاستفادة منها، كما تتمثل في الكتب المبرمجة، والرسائل، والآلات التعليمية، والإذاعة والتليفزيون... إلخ. تلك التطبيقات التكنولوجية المصممة على أساس اكتشاف القوانين العلمية التي تحكم ظاهرة تغير السلوك وتفسره، أي التعلم، وذلك كي يكتسب الفرد بنفسه القدر المقنن من المعارف والمفاهيم والمبادئ، ومن الاتجاهات والقيم، ومن المهارات والممارسات... إلخ، التي تحددها البرامج المطروحة بواسطة تلك التقنيات.

تشترك مجموعتا التعريفات السابقة في أن التعلم الذاتي نشاط مقصود يقوم به المتعلم بدافع من ذاته، تحقيقاً لأهدافه الخاصة التي تؤدي إلى تغير شخصيته، ويكون سير المتعلم في عملية التعلم وفقاً لسرعته الذاتية، مستخدماً المصادر والوسائل المختلفة، وبإرشاد وتوجيه المعلم المُيسر.

خصائص التعلم الذاتي

 للتعلم الذاتي عدة خصائص، يمكن إجمالها في الآتي:

·   مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، بحيث يُسمح لكل فرد بالتعلم تبعاً لميوله وقدراته، وبالتالي سرعته الذاتية.

·   تحمل المتعلم لمسؤولية اتخاذ قراراته التي تتصل باختيار الأساليب أو الأشكال المختلفة لتحقيق أهدافه التي حددها بنفسه.

·   يسمح لكل متعلم أن يُقَوِّم ذاته حتى يتعرف مواطن ضعفه ليعمل على علاجها ذاتياً أو بمساعدة المعلم أو المتخصصين، ومن ثم يُصبح تقدمه مرتبطاً باستعداداته هو وليس باستعدادات الجماعة التي ينتمي إليها، وبذلك يتجنب المتعلم الشعور بالنقص أو الخوف أو الفشل.

·   لا يكون التعلم الذاتي داخل الفصل والمدرسة فقط، بل يمكن أن يتم خارج أسوار المدرسة، مثل زيارة المتاحف والمتخصصين، والبحث في المكتبات، واستخدام البرامج التعليمية... إلخ.

·   التعلم الذاتي تعلم خبري، أي يتم من خلال خبرة المتعلم.

·   التعلم الذاتي سلوك وعي وإرادة، وهو خليط من إرادة المتعلم وإدارة الذات.

·   يُتيح التعلم الذاتي للمتعلم الفرص، لأن يتفاعل مع المواقف التعليمية بطريقة إيجابية ناشطة، فالمتعلم ليس مستقبلاً للمعلومات، وإنما هو جامع لها وباحث عنها ودارس لها.

·   تراعي برامج التعلم الذاتي التحديد الدقيق للسلوك النهائي المطلوب من المتعلم أن يصل إليه.

·   تُقسم المادة التعليمية في برامج التعلم الذاتي إلى أجزاء أو خطوات صغيرة، مرتبة ترتيباً منطقياً، ويتم التقويم بعد كل جزء من الأجزاء أثناء سير المتعلم في البرنامج، فإذا حقق مستوى الإتقان المطلوب انتقل إلى الجزء الآخر، وإلا يرجع إلى دراسة الجزء السابق ثانية، أو أجزاء أخرى سابقة.

·   تُعد برامج التعلم الذاتي، بحيث تستثير دافعية المتعلم إلى التعلم.

·   لا تغفل برامج التعلم الذاتي دور المعلم الموجه والمرشد والميسر لعملية التعلم.

بناءً على الخصائص السابقة، أمكن تحديد عدة ميزات للتعلم الذاتي. يذكر "يعقوب نشوان" (1993) ، أن أحمد بلقيس 1981 حدد ميزات التعلم الذاتي بصورة دقيقة وشاملة، في أنه:

·   ضرورة ديموقراطية لتأمين حق المتعلم في التعلم إلى أقصى ما تستطيعه قدراته.

·   يمكن تنفيذ التعلم الذاتي في إطار المدرسة التقليدية العادية، حيث تخطط أهداف تعليمية مشتركة لمجموعة من التلاميذ، على أن يقوم كل تلميذ تحت إشراف المعلم والموجه بتحديد طريق، أو طرق تحقيق تلك الأهداف، كل وفق سرعته الذاتية.

·   يجعل التعلم الذاتي المتعلم متمتعاً بعملية التعلم، ويزيد اهتمامه بالتعليم والمدرسة.

·   يمكن التعلم الذاتي المتعلم أن يتقدم معتمداً على نفسه في دراسته لكل موضوع، كما يسمح له بالاستجابة الفورية لإجاباته، وبالتالي يحصل على تعزيز فوري ورضا مباشر.

·   يؤدي التعلم الذاتي إلى فهم المتعلم لبنية الموضوع الذي يدرسه فهماً أفضل.

·   يكون التعليم بدون صفوف، فالمتعلم يستطيع أن يتقدم في دراسته وفقاً لقدراته.

·   يتفق التعلم الذاتي مع التطورات العلمية والتكنولوجية التي دخلت المجال التربوي، الأمر الذي يحتم توظيف التكنولوجيا في التعلم.

·   ينمي التعلم الذاتي لدى الفرد التفكير المنتج، وحرية التعبير، وتوظيف المهارات الفردية، والوصول إلى المجهول بالبحث والدراسة، وممارسة الضبط الذاتي، وبلوغ الرضا الشخصي والذاتي عمّا يحققه الفرد من تقدم ملائم له.

على الرغم من الميزات السابقة، إلا أن "يعقوب حسين نشوان" (1993) يذكر ما أشار إليه أحد الباحثين على أنه عيوب التعلم الذاتي. من هذه العيوب أنه لا يصلح للتلاميذ الذين يعانون صعوبات في القراءة أو بطئاً في التعلم، أو الذين لا يتبعون الإرشادات والتعليمات. كذلك يصعب استخدامه مع تلاميذ المرحلة الابتدائية، كما أنه يضعف التفاعلات الاجتماعية بين التلميذ والمعلم، وبين التلميذ وزملائه. كما أنه لا يصلح لبعض المواد الدراسية، كالتربية الرياضية الجماعية، والمناقشات الجماعية، والدراما.

إن ما سبق ذكره من عيوب ما هو إلا قيود وحدود لاستخدام التعلم الذاتي، وخصوصاً أن أطفال ما قبل مرحلة الرياض أو الحضانة يتعلمون بعض الممارسات تعلماً ذاتياً.

مهارات التعلم الذاتي

لكي يمارس المتعلم التعلم الذاتي، يجب أن تتوافر لديه أو يكتسب عدة مهارات تساعده على ذلك. وقد اختلفت النظرة إلى تلك المهارات بناءً على وجهة نظر الباحثين، من حيث هدف التعلم الذاتي، هل هو التحصيل الدراسي فقط؟ ومن حيث المرحلة العمرية التي تصمم لها مواد التعلم الذاتي، فهل المهارات المتطلبة لتعلم تلاميذ المدارس مثل المهارات اللازمة لتعلم الكبار؟ ومن حيث مجال استخدام التعلم الذاتي، فالمهارات اللازمة لتعلم القراءة غير تلك التي يحتاج إليها استخدام التعلم الذاتي في مجالات الحياة المختلفة.

فمن حيث هدف التعلم، ذكر "جيبون Gibbons" (1982) ضرورة تعليم الطالب مهارات التدريس نفسها التي يمارسها المعلم. من هذه المهارات مهارات الإدارة والتخطيط والتنظيم، سواء في التخطيط لما يتعلمه، أو البحث عن مصادر التعلم أو تنظيمها، على أن يتم ذلك في مراحل الدراسة المختلفة، بدءاً من رياض الأطفال، ويستمر حتى المرحلة الجامعية.

وحدد "وود وماك كيردي Wood, F. & McCurdy" ثماني مهارات للتعلم الذاتي لدى طلاب الجامعة، وهي:

·   مهارة الاستغلال الفعال لوقت الدراسة.

·   مهارة العمل المستقل بعيداً عن سيطرة الأستاذ.

·   مهارة التخطيط للأنشطة المتعَلمة وجدولتها.

·   مهارة استخدام ما سبق تعلمه ويرتبط بموضوع النشاط.

·   مهارة استخدام المواد والأدوات التعليمية المختلفة.

·   مهارة البحث عن إجابات الأسئلة.

·   مهارة العمل وفقاً لسرعة المتعلم الذاتية.

·   مهارة استخدام مواد وأدوات المنهج المقرر، من دون مساعدة الأستاذ.

إذا كانت المهارات السابقة مرتبطة بتحصيل الدروس، فإن ثمة مجموعة أخرى ترتبط بالنجاح في ممارسة التعلم الذاتي في الحياة بصورة عامة. من هذه المهارات ما ذكره السنبل (1987):

·   مهارة التفكير والعمل المستقل.

·   مهارة تحمل مسؤولية التعلم.

·   مهارة القراءة الذاتية المعتمدة على الاستيعاب.

·   مهارة التلخيص واستنباط الأفكار.

·   مهارة اتخاذ القرارات المتعلقة بالعملية التعليمية.

·   مهارة تعرُّف المصادر المختلفة للحصول على المعرفة.

·   مهارة حل المشكلات.

·   مهارة التقويم الذاتي الموضوعي.

وكمثال آخر للمهارات المرتبطة بممارسة التعلم الذاتي داخل الإطار الاجتماعي للفرد:

·   تحقيق التواصل مع الآخرين.

·      اتخاذ القرارات.

·   تنمية شعور الفرد بقيمته الذاتية.

·      تحقيق النجاح.

·   الابتكار والإبداع.

·   التعايش مع الآخرين.

·   التكيف مع الظروف المتغيرة.

·   المساهمة في الأمور المختلفة التي تتصل بما يتعلمه الفرد والمحيط الذي يعيش فيه، ودوره في ذلك.

·   المحافظة على الصحة، وممارسة عادات التغذية السليمة.

تشير مجموعة المهارات السابقة إلى التعلم الذاتي داخل الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد، فلا يصبح الغرض منه مجرد تحصيل المعرفة، ولكن تنمية الذات علمياً واجتماعياً، واكتساب بعض الصفات والخصائص بصورة متكاملة، بحيث يمكن القول أن الطلبة الذين يتقدمون بخطوات ثابتة نحو التعلم الموجه ذاتياً، يتميزون بازدياد رغبتهم، حتى في المزيد من تحمل المسؤولية لنتائج تعلمهم الذاتي، الذي ولد فيهم الإمكانية بل الرغبة في التعلم من الآخرين والتعلم معهم، كما تنمو لديهم القدرة على المشاركة في تشخيص تقدمهم الشخصي، وتقويم نتائج أعمالهم ذاتياً، والعمل على تحسين أساليبهم في التحصيل والعمل الفردي والجماعي.

وكمثال أخير للمهارات اللازمة لممارسة التعلم الذاتي، في نطاق مادة دراسية معينة، ما ذكره "بدوي" (1978)، عن مهارات التعلم الذاتي في مجال القراءة:

·   مهارة استخلاص المعنى من المقروء.

·   مهارة التفاعل مع المعلومات التي يتم الحصول عليها.

·   مهارة القراءة الصامتة السريعة.

·   مهارة الحصول على الكتاب من القوائم والفهارس بالمكتبات.

·   مهارة الملاحظة وتسجيلها.

·   مهارة الاقتباس.

وما يجب الإشارة إليه أن المهارات السابقة مهارات عامة، تفصل في عدة مهارات فرعية. قام "عصام نصار" بدراسة 1999 أجرى فيها تحليلاً للمهارات التي تناولتها دراسته. من هذه المهارات مهارة التخطيط للموقف العلمي وتنفيذه، وتتضمن المهارات النوعية التالية:

·   مهارة تحديد الأهداف التعليمية.

·   مهارة تحديد الاحتياجات وترجمتها إلى أهداف تعلم يمكن تقويم مدى تحققها.

·   مهارة الانتقاء من بين مصادر وأجهزة التعلم المختلفة.

·   مهارة اختيار وسائل وأدوات التعلم الملائمة.

·   مهارة اختيار أسلوب التعلم الملائم.

·   مهارة اتخاذ القرار والاختيار من بين البدائل.

·   مهارة إعداد جدول الاستذكار.

·   مهارة تنظيم الوقت وإدارته، أي الاستفادة المثلى من الوقت.

·   مهارة تعديل معدل سرعة التعلم لتحقيق الأهداف في الوقت المحدد.

إن هذا معناه أن تعلم أو اكتساب أي مهارة عامة يستلزم تحديد المهارات الفرعية التي تتضمنها، والتي إن اكتسبها المتعلم، بناءً على خطة تدريبية وتعليمية معينة، فإنه يصل إلى اكتساب تلك المهارة العامة.

إذا كان اكتساب مهارات التعلم الذاتي ضرورة لممارسته، فإن توافر بعض الخصائص النفسية لدى المتعلم لا يقل في أهميته عن تلك المهارات. تشير الدراسات إلى عديد من الخصائص والسمات النفسية التي تؤدي إلى إحداث فروق بين الأفراد في مواقف التعلم الذاتي، من هذه السمات درجة قلق المتعلم، وذكائه، واعتقاده في قدرته على ضبط نتائج تعلمه والتحكم فيها، ودافعيته للإنجاز، ومفهومه عن ذاته، وأسلوبه المعرفي... وغيرها.

أساليب التعلم الذاتي

يحفل التراث التربوي والسيكولوجي بعديد من أساليب التعلم الذاتي التي يمكن استخدامها في المراحل العمرية المختلفة. وما يجمع بين هذه الأساليب هو تمركزها في المتعلم، ومراعاتها للفروق الفردية بين المتعلمين. من هذه الأساليب:

أولاً: التعليم المبرمج Programmed Instruction

أسلوب يتعلم المعلم من خلاله، وبواسطته مادة تعليمية معينة وخبرات أُعدت إعداداً خاصاً. بمعنى أن خبرات التعلم مركبة يمكن تقسيمها إلى عدة أجزاء أو أطر. والإطار هو نص يأخذ صيغة السؤال والجواب؛ تُعرض الأطر على المتعلم عرضاً متتابعاً، ويكون على المتعلم قراءة الإطار ودراسته جيداً، ثم الإجابة عن السؤال المتضمن فيه، ثم مقابلة إجابته بنموذج صحيح للإجابة. فإذا كانت صحيحة انتقل إلى الإطار التالي، أما إذا لم تكن فإن عليه أن يعيد دراسة الإطار السابق وأطراً سابقة عليها تساعده على التوصل إلى الإجابة الصحيحة.

يتيح التعليم المبرمج الفرصة لكل متعلم لأن يسير في دراسته وفقاً لسرعته الذاتية، مع توفير أسلوب للتغذية العكسية (معرفة نتائج الأداء). ويتميز التعليم المبرمج بتعامله مع كل متعلم على حدة، ويكون تقدم المتعلم تدريجياً، حيث إن المادة التعليمية مرتبة ترتيباً معيناً، كما أنه يزيد من دافعية المتعلمين إلى التعلم، لأن المتعلم يكون إيجابياً ناشطاً أثناء تعلمه، ويعرف نتيجته فوراً.

ومع ما يتميز به التعليم المبرمج من ميزات، إلا أنه تؤخذ عليه بعض الانتقادات، مثل أنه يقدم خبرة واحدة لجميع التلاميذ، ونقص التفاعل بين المعلم والتلميذ وبين التلميذ وزميله، وسيطرة الألفاظ على المادة التعليمية، وعدم إعطاء الفرصة لظهور الاستجابات الابتكارية من التلاميذ، وأنه لا يصلح لتعليم جميع المواد الدراسية، كالفن والتعبير، وكذلك لا يصلح لتحقيق جميع الأهداف التربوية، مثل تنمية الميول والاتجاهات والقيم.

ثانياً: التعلم بالاستعانة بالحاسب الآلي Computer Assisted Instruction

يتشابه التعلم بواسطة الحاسب الآلي مع التعليم المبرمج، إذ يُقيم الحاسب الآلي حواراً مع التلميذ في شكل تساؤلات وإجابات، وذلك بعد برمجة الحاسب. ويكون التعلم بالحاسب الآلي بعدة طرق، منها التحاور، والتشبيه، والمحاكاة، والتمرين، والتدريب، وألعاب الكمبيوتر التعليمية.

يتميز الحاسب الآلي بعدة ميزات، منها:

·   اختزان كمية كبيرة من المعلومات في الذاكرة وعرضها في صورة منطقية، وإجراء الكثير من العمليات، مما يوفر الجهد والوقت.

·   أداء بعض الوظائف والأعمال بسرعة أكبر وأخطاء أقل.

·   إمكانية التعامل مع أكثر من متعلم في وقت واحد.

·   يسمح بتشعب الأفكار لدى المتعلم وتزويده بالمعلومات الكافية في أي مجال يريده.

·   تسجيل استجابات المتعلم وتصحيحها فوراً وتحديد مقدار تقدمه.

·   إثارة نشاط المتعلم وإيجابيته حتى لا يناله الملل.

·   تجنيب المتعلم سخرية رفاقه أو تحقير معلمه له.

على الرغم من الميزات السابقة، توجه إليه بعض الانتقادات، من أهمها:

·   عدم التشجيع على ظهور الاستجابات ذات الطابع الإبداعي.

·   ضعف إشباع الحاجة للتفاعل الإنساني أثناء عملية التعلم.

ثالثاً: الدراسة المستقلة Independent Study

هي أحد أساليب التعلم الذاتي، التي يحدد فيها المعلم والمتعلم الطرق المختلفة أو المتنوعة التي يتعين على المتعلم أن يسلكها، حتى يتمكن من تحقيق الأهداف الموضوعة لمقرر دراسي معين. ويكون الإسهام الأكبر في هذا الأسلوب واقعاً على عاتق المتعلم، وتعتبر الجامعة المجال الطبيعي لهذا الأسلوب.

يتيح هذا الأسلوب للمتعلم حرية اختيار أوقات الدراسة وأماكنها ومصادرها، ويسمح له بالإبداع الفردي. إلا أنه قد يُعاب عليه نقص التفاعل بين المعلم والمتعلم، وبين المتعلم وزملائه.

الأمثلة الثلاثة السابقة ما هي إلا بعض أساليب للتعلم الذاتي، وثمة أساليب أخرى، مثل برامج التربية الموجهة لخدمة الفرد المتعلم، والتعلم بالاكتشاف الموجه، والحقائب والرزم التعليمية، والتعلم بالإنترنت، والتعلم بالمراسلة، والتعلم من بعد، والجامعة المفتوحة، والكتاب المدرسي مع أوراق عمل مصاحبة.

أخلاقيات التعلم الذاتي

يُعتبر حق المتعلم في التعلم واستمتاعه أثناء تعلمه حقاً أساسياً لكل فرد. ولكي يصبح هذا الحق ذا معنى، لا بد من تعاون ونمو علاقة سوية بين المعلم والمتعلم، تقوم على أساس أن لكل فرد:

·   الحق في حرية التعلم، بما في ذلك حريته في الوصول للمعلومة وللإعداد الأولي والمستمر والاستمتاع بوقت الفراغ.

·   الحق في التعلم باستمتاع.

·   الحق في اختيار طريقة وحل المشكلة التي تواجهه (احترام أسلوب تعلم كل فرد).

·   الحق في التعلم تبعاً لسرعته وتحديد ما يحتاج إليه للاستغراق في التعلم.

·   الحق في بناء تعلمه على خبراته السابقة وأنشطته الشخصية (حق التعلم التجريبي).

·   الحق في الاستفادة من المساعدات التعليمية المتنوعة، خلال مدة تعلمه.

·   الحق في أن يُخطئ، وفي أن يخفق في تجربته في موقف تعليمي (حق الخطأ).

·   الحق في التعبير عن أحاسيسه ومشاعره خلال مدة بنائه وإعداده (الذكاء الوجداني).

·   الحق في تعرُّف معايير تغيير مساعديه ومعاونيه، والحق في اقتراح معاييره التقييمية الخاصة.

·   الحق في تنمية مهاراته ومواهبه للنمو كما يتمنى، تبعاً لقيمه ومعتقداته في إطار احترامه للغير.

تلك المجموعة من الأخلاقيات يمكن اعتبارها معايير للتعلم الذاتي وأسساً يُستند إليها عند تصميم أساليبه وبرامجه ووسائله.