إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التاريخ الاجتماعي









الارتباط بالجماعة Sociability

التاريخ الاجتماعي

Social History

يُشير التاريخ الاجتماعي، بشكل عام، إلى دراسة الماضي، والتي تركز أساساً في الاهتمامات الاجتماعية. وقد ازدهر التاريخ الاجتماعي بصفته تخصصاً معترفاً به خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، مجسداً رد فعل واعياً لتركيز دراسات التاريخ الاقتصادي والسياسي في فئات الصفوة.

أصبح التاريخ الاجتماعي مرادفاً للتعبير عن صوت المواطنين العاديين. وقد انعكس ذلك في الازدياد السريع للاهتمام بالقيم وأنماط حياة الناس العاديين، رجالاً ونساءً، وبخبرات الحياة اليومية الخاصة بهم. وقد اتسع نطاق هذه الدراسة وموضوعها من خلال استخدام عدد كبير من مناهج البحث وأساليبه، مثل الخاصة بالتاريخ الشفاهي. كما ظهرت مجموعة من الدوريات المتخصصة الجديدة في التاريخ الاجتماعي. وقد وسع كثير من العلماء والباحثين المهتمين بالتاريخ الاجتماعي، من نطاق هذا الاهتمام، وأخذوا يفصلون فيه. وقد توصل هؤلاء العلماء إلى صياغة تعميمات حول عقلية الجماهير، أو العقل الجمعي Collective Mind، خلال مراحل تاريخية محددة تحديداً دقيقاً.

إن هذا المجال (التاريخ الاجتماعي)، يُعتبر مجالاً بيئياً دينامياً سريع النمو، له تداخل مع علم الاجتماع، وعلى صلة مهمة به. ووفقاً لذلك، يشير مفهوم التاريخ الاجتماعي إلى دراسة شبكة العلاقات الاجتماعية المتغيرة، وتطور النظم الاجتماعية، والتعديلات التي تطرأ على التصورات الاجتماعية والقيم.

كان التاريخ الاجتماعي قديماً يهتم بوصف عادات وتقاليد وأخلاق الشعوب، وأصبح الآن يدرس تاريخ العلاقات والمنظمات الاجتماعية التي ينتمي إليها الأفراد. وقد ارتبط التاريخ الاجتماعي بالتاريخ الاقتصادي، ذلك الموضوع الذي يدرس أسباب ونتائج التغير الاقتصادي وما يتركه من آثار في الحياة الاجتماعية ومنظماتها، والتي تتسم بالفوائد أو المضار الاقتصادية. أي أن التاريخ الاجتماعي والتاريخ الاقتصادي يكمل أحدهما الآخر، ما دامت الموضوعات التي يتخصصان بها مترابطة متكاملة. وفي بعض الأحيان لا يمكن فهم أحدها دون التطرق إلى الموضوعات الأخرى.

وفي الواقع، إن التاريخ الاجتماعي والتاريخ الاقتصادي هما نتاج لما يُسمى بالتاريخ السياسي، وبخاصة تاريخ الحكومات. وقد أوضح "فيكو" في مؤلفه "العلم الجديد"، أن هناك تغيراً يجب أن يحدث من دراسة التاريخ الشخصي إلى دراسة العادات والقوانين والنظم، وأشكال التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، واللغة، والفن، والدين، والعلم.

اهتم "ماركس وأنجلز" بأفكار "فيكو" واستعانا بالقضية القائلة بأن الإنسان يصنع تاريخه، وهي التي كانت نقطة الانطلاق في تحليلاتهما التاريخية. يعتقد ماركس أن العلاقات الاقتصادية وظيفة لقوى الإنتاج الاجتماعية، وأن قوى الإنتاج تحدد كافة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، والعلاقات الطبقية والقانونية والأخلاقية، وبطريقة غير مباشرة كل ما ينتجه العقل والتخيل. ولم يعزل ماركس أبداً التاريخ الاجتماعي عن التاريخ الاقتصادي، وبالتالي لا يعزل العوامل الاقتصادية عن العوامل الاجتماعية.

تشمل دراسات التاريخ الاجتماعي عدة موضوعات، هي البناءات الاجتماعية، والنظم التاريخية، والتغير الاجتماعي، وتطور المفاهيم الاجتماعية، والتحولات التي تطرأ على القيم الاجتماعية. ويرجع الفضل إلى كل من "ابن خلدون" و"فيكو Vico"، في وضع أصول التاريخ الاجتماعي. فقد حدد أولهما التاريخ الاجتماعي بقوله "يهدف التاريخ إلى إفهامنا الحياة الاجتماعية للإنسان أعني الحضارة، ويهدف كذلك إلى أن يعلمنا الظواهر التي ترتبط بهذه الحضارة، وإلى معرفة الحياة البدائية وتهذيب الأخلاق، وروح الأسرة والقبيلة، وتباعد وجهات النظر في أن سمو شعوب على شعوب أخرى يؤدي إلى نشأة إمبراطوريات وأسر حاكمة، وفوارق بين الطبقات والمصالح، التي يكرس لها الناس أعمالهم ومجهوداتهم، مثل المهن المربحة، والصناعات التي تعين على الكسب، والعلوم والفنون، وأخيراً جميع التغيرات التي تحدثها طبيعة الأشياء في سلوك المجتمع".

ويهتم علم العمران البشري ـ أو ما يُسمى بعلم الاجتماع ـ الآن بدراسة التاريخ الاجتماعي على هذا النحو ببحث مسائل الاجتماع الإنساني والعمران البشري وما يلحقها من عوارض، كأن يدرس العمران البدوي، والأمم الوحشية، والدولة، والخلافة، والمُلك، والعمران الحضري، والبلدان والأمصار، والصنائع، والمعاش والكسب، والعلوم واكتسابها وتعلمها.

ومنهج الدراسة الاجتماعية للتاريخ عند "ابن خلدون" منهج دينامي بالضرورة، يسير مع حركة التاريخ ويستوعب تطور الحياة الاجتماعية وانتقالها من حالة إلى أخرى. إن الأحوال الخاصة بالأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، وإنما هو اختلاف عبر الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال. ويرجع هذا الاختلاف والتباين في أحوال المجتمعات إلى عوامل اقتصادية، وجغرافية، وثقافية. ذلك لأن المجتمع عند "ابن خلدون" شأنه شأن الفرد، يمر بمراحل منذ ولادته حتى وفاته.

يمر المجتمع بثلاث مراحل، هي مرحلة البداوة التي تقتصر على الضروري لإشباع الاحتياجات، ثم مرحلة المُلك وفيها يتحول المجتمع من البداوة إلى الحضارة ومن الشظف إلى الترف، ثم مرحلة الحضارة التي تُسمى مرحلة الترف والنعيم.

وقد سار "فيكو" على المنوال نفسه في فهمه للتاريخ الاجتماعي، إذ رأى أن مضمون التاريخ الاجتماعي يتعلق بنظرية التطور ذي المراحل الثلاث. وتشمل هذه المراحل تطور البشرية والحضارة، من المرحلة الدينية إلى مرحلة البطولة، ثم أخيراً مرحلة الإنسانية. وهو يعتقد أن هذه المراحل الثلاث تتعاقب بشكل دوري منتظم، بحيث إن الحالة أو المرحلة الأخيرة تمهد لظهور المرحلة الأولى. وتعاقب هذه الحالات أو الدورات، يمثل في رأي فيكو قانوناً عاماً تخضع له حوادث التاريخ عند سائر الأمم.