إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / النفس









ثانياً: الوظائف النفسية المركبة

ثانياً: الوظائف النفسية المركبة

      وهي الوظائف التي تتألف من أكثر من وظيفة بسيطة، فمثلاً وظيفة الاهتداء، فهي تجمع: إدراك وذاكرة (مثل إدراك الشخص والتعرف من خلال ما هو مختزن بالذاكرة من معلومات عن هذا الشخص) ويشترط لذلك أداء وظيفتي الوعي والانتباه لدورهما. كذلك وظيفة التعلم، فهي عملية انتباه للمعلومة، يسبقه وعي، ويتبعه إدراك وفهم لها، ثم تسجيلها واختزانها في الذاكرة. أما وظيفة الذكاء، فتعد محصلة لعدد كبير من الوظائف النفسية، هي: الإدراك الذي يلزم له وعي وانتباه، ثم ذاكرة وتفكير وحركة وكلام.. من هذا نرى أن الوظائف النفسية البسيطة تتألف معاً، لتكوّن وظائف نفسية أكثر تعقيداً، هي الوظائف النفسية المركبة.

      وعلى الرغم من أن النفس هي إفراز للجزء البيولوجي في الإنسان وهو الدماغ، إلاّ أنه يعلو عليها في السيطرة، ذلك أن الإنسان قادر من خلال فعل إرادي على المستوى النفسي، أن يعدّل من وظائف الأعضاء، فيمكنه أن يعكس حالات شعورية نابعة من مثيرات لألم حقيقي، بسبب حرق (مثلاً)، فيستطيع أن يكفها من خلال فعل إرادي على المستوى النفسي، وهذا ما يسميه بعض العلماء (Biological primacy psychological supremacy)، أي أن النفس أعلى من ناحية التحكم من المستوى البيولوجي، ولكن من دون الجزء البيولوجي لا يوجد نفس.

      من هذا نرى تكامل النفس والبدن، فما النفس إلاّ أثراً لجزء من البدن هو الدماغ، وهي تمرض بمرضه وتصح بصحته، وهذا أبسط انعكاس للبدن على النفس. وهناك انعكاسات أخرى لمرض أجهزة الجسم المختلفة على النفس، فحين يمرض القلب يؤثر في الدم الواصل إلى الدماغ، فتتأثر النفس لاختلاف وظيفة الدماغ، كما تتأثر النفس لشعور الشخص بالمرض، أي أن النفس تتأثر مادياً ومعنوياً. فعند ما تمرض الكلى، ويقل ترشيح السموم، وتزداد نسبتها في الدم الواصل إلى الدماغ، فتختل وظائفه، ومن ثم تتأثر النفس، إضافة للأثر المعنوي لمرض الكلى.

      وبالمثل هناك انعكاسات للنفس على البدن. فالصراع النفسي يتحول إلى عرض جسماني في مرض الهستيريا، مثل: (الشلل الهستيري، والعمى الهستيري، واحتباس الصوت)، وقد يُحدث الصراع النفسي تغيراً في بعض أنسجة الجسم، كما يحدث في الأمراض السيكوسوماتية، مثل: قرحة المعدة، والتهاب القولون المتقرح، وارتفاع ضغط الدم. ويتكامل الجسد والنفس مع الظروف الاجتماعية، فلا ينشأ الفرد في فراغ، ولكنه ينشأ في أسرة، أو على أسوأ تقدير يولد لأم (كما في حالات السّفاح وفاقدي الأب) ترضعه وترعاه، ويرتبط بها وتلقنه قيمها، ثم يحتاج الفرد في مراحل لاحقة من حياته إلى مشاركة آخر له، في تزاوج يشبع حاجاته البيولوجية والنفسية، ويترتب على ذلك تكوين أسرة تنتمي إليه، ويحقق إشباعاً نفسياً واجتماعياً من خلالها. فاحتياج الفرد إلى الآخر هو الذي يعطي معنى للوجود الإنساني وتفسيراً لمعنى أن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه.

      وهكذا نرى أن النفس تتكامل مع الجسد والظروف الاجتماعية، إضافة إلى التكامل بين وظائف النفس المختلفة. فالإدراك لا يتم من دون الوعي والانتباه، وهو مبني على الذاكرة، ويؤثر في الشعور (الوجدان)، وهذا بدوره يؤثر في التفكير، الذي يُترجم إلى سلوك حركي، أو لفظي.