إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / النفس









أولاً: الوظائف النفسية البسيطة

أولاً: الوظائف النفسية البسيطة

      عندما يكون الشخص جالساً، في مكان ما ويقبل عليه صديق عزيز لم يلتق به منذ فترة طويلة، فإنه ينهض للترحيب به، بحرارة تتناسب مع مكانة هذا الصديق لديه؛ فقد يصافحه ويقبله وتنطق بكلمات الترحيب والاشتياق لمثل هذا اللقاء. ولكن هذا "السلوك الترحيبي" لم يحدث فجأة، بل سبقته عمليات عقلية (نفسية)، تبدأ بأن الشخص في حالة وعي، فلو كان فاقداً للوعي، بسبب غيبوبة أو نوم، لما بدأت العمليات العقلية، التي عبّر عنها بسلوك الترحيب. ومن هنا كانت الوظيفة الأساسية الأولى هي الوعي (Consciousness).

      ولو فرض أن شخصاً كان يجلس في حالة وعي، لكنه متجه بوعيه إلى شئ آخر يقلبه بين يديه، فإن انشغال وعيه بالشيء الذي بين يديه سوف يحجب عنه رؤية الصديق، وتبعاً لذلك لن تبدأ العمليات العقلية، التي انتهت بسلوك الترحيب. لأن انشغال الوعي عن الصديق هو عدم الانتباه إليه؛ ولذا فالوظيفة الأساسية الثانية هي الانتباه (Attention).

      ونظراً لأن الشخص كان في حالة وعي وانتباه موجه إلى صديقه، فإن صورته سوف ترتسم على شبكية عينيه، وتنتقل إلى مخه، الذي سوف يدرك أبعاد هذه الصورة، ويفهم أن القادم رجل مواصفاته كذا وكذا، وذلك طبقاً للخبرة السّابقة بالألوان والأطوال والأحجام، إلى غير ذلك من التفاصيل، وهذا هو الإدراك (Perception)، وهي الوظيفة النفسية الثالثة.

      ولكن هذه التفاصيل المدركة لمواصفات الصديق، تجري مضاهاتها بالخبرة السابقة المختزنة في العقل، فتقفز المعلومات المختزنة عن هذا الصديق إلى بؤرة الانتباه، فيتذكر اسمه ومهنته وآخر لقاء بينهما، إلى غير ذلك من الذكريات التي ترتبط به، وهذه هي الوظيفة النفسية الرابعة، التي يطلق عليها الذاكرة (Memory).

      ولأن هذا الصديق عزيز، فلا شك أن رؤيته تسر، وهذا السرور شعور داخلي وجزء تعبيري يظهر على قسمات الوجه. ويُسمى الشعور الداخلي، وما يصاحبه من تعبير خارجي الوجدان (Mood)، وهي الوظيفة النفسية الخامسة.

      ولا شك أن المشاعر السّارة سوف تتحول إلى أفكار تناسب هذا الموقف السار، وتحدد أسلوب الترحيب: هل يكون نهوضاً لملاقاة بالأحضان، أم جلوساً ومصافحة باليد؟ هذه الأفكار التي تمر بالذهن، هي في إطار الوظيفة السادسة، وتسمى التفكير (Thinking).

      أما السلوك النهائي من حركة النهوض، لملاقاة الصديق واحتضانه أو مصافحته، فهي وظيفة الحركة (Motility) ؛ وكلمات الترحيب هي وظيفة الكلام (Speech)، وهما سابع وثامن الوظائف النفسية.

      إن هذه الوظائف النفسية هي وحدة متكاملة؛ فلو فرض أن الشخص المقبل لم يكن صديقاً، بل شخصاً غير مقبول لدى الشخص الذي في المجلس، وبينهما سوء تفاهم، أو مشكلة متفاقمة، فإن وعيه وانتباهه سوف يؤديان إلى إدراكه، وسوف يذكر ما بينهما من سوء تفاهم، فيتولد لديه شعور داخلي مناسب، هو الضيق والكدر. وينعكس ذلك في تعبير وجهه، وتكون الأفكار الداخلية عدائية، والسلوك الحركي مطابقاً لها، فيشيح بوجهه عنه أو يتأهب حركياً لعراك معه، كما يكون الكلام عدائياً أيضاً، يعكس تلك الأفكار.

      ومن هذا العرض لطبيعة المواقف، يتضح ترتيب الوظائف النفسية، وكيف تُبني كل منها على ما يسبقها من وظائف. وفي إيجاز نعرض لكل من هذه الوظائف:

1. وظيفة الوعي

يُعرّف الوعي بأنه: حالة اليقظة اللازمة لإدراك الشخص لنفسه، وما حولها.

2. وظيفة الانتباه

وهو تركيز حالة اليقظة (الوعي) تجاه مثير معين، وهو عملية انتقاء إيجابي لمثير، أو أكثر، من بين المثيرات الداخلية والخارجية التي تتزاحم على مداخل الإدراك للإنسان.

3. الإدراك

يعرّف الإدراك بأنه: فهم المثيرات بناء على الخبرة، ومن ثم فانه يشمل عمليتي استقبال المثير وفهمه. ويزود الإدراك المخ بالمعلومات والتغيرات، الداخلية والخارجية، ليؤدي وظائفه بكفاءة، ويعتمد الإدراك على الوعي والانتباه.

4. الذاكرة

وهي تسجيل الأحداث واستدعائها عند اللزوم، وتتكون من مراحل، هي: الانطباع (التسجيل) والتخزين.

5. الوجدان

وهي وظيفة تصف الحالة الداخلية للفرد، يُطلق عليها الشعور (Feeling)، ويُسمى ما يصاحبها من تغيرات فسيولوجية داخلية الانفعال (Emotion)، ولذا فالوجدان يتكون من شقين، أحدهما خارجي (Affect)، يلاحظه الآخرون المحيطون بالشخص، بينما الشق الآخر داخلي، لا يمكن ملاحظته ولكنه خبرة ذاتية.

أما الحالة الوجدانية (Mood)، فتصف الانفعال الذي يبقى لفترة، ويلوّن أفكار الشخص وسلوكه تجاه العالم من حوله، وهي حالة مؤقتة إذا قورنت بمزاج الشخص المميّز (Temperament)، الذي يُعد التهيئة الانفعالية المتأصلة لديه، والتي اعتاد الناس أن يرونه عليها، ويصفونه بها؛ فيقولون: "فلان طبعه مرح (خفيف الظل)، وفلان طبعه قلق، وفلان طبعه نكدي"، وهكذا، فمزاج الشخص المميز يجعله يتفاعل بطريقة خاصة، مع المثيرات والمواقف، ويتحدد مبكراً في حياة الفرد. ويمكن أن تُشبّه الحالة الوجدانية بالطقس، الذي يصف تغيراً مؤقتاً في حالة الجو، بينما يُشبه المزاج بالمناخ، الذي يصف حالة شبه دائمة من الحرارة والبرودة.

ومراكز الوجدان في الدماغ هي الجهاز الطرفي (الانفعالي) وقشرة المخ، حيث يُستقبل المثير عبر الحواس، وتمر المعلومات الخاصة به إلى قشرة المخ المناظرة (حسب نوع المثير: بصري أو سمعي أو شمي أو لمسي أو تذوقي... الخ)، فيتم إدراكه. ويؤدي الارتباط بين مناطق قشرة المخ المختلفة، إلى بعث كل الذكريات المرتبطة بالمثير. كما تُرسل في الوقت نفسه إشارات إلى الجهاز الانفعالي، لإحداث الحالة الانفعالية المناسبة.

ويؤدي "المهيد"، كأحد أجزاء الجهاز الانفعالي المتحكم في نشاط الجهاز العصبي المستقل (سمبتاوي ونظيره)، دوراً مهماً في الانفعال؛ فينشط الجهاز السمبتاوي إذا كان المثير يتطلب إعلان حالة الطوارئ في الجسم، والاستعداد للقتال أو الهرب. وينشط نظير السمبتاوي إذا كان المثير باعثاً على الطمأنينة والاسترخاء، في الوقت نفسه الذي يرسل فيه الجهاز الانفعالي، إشارات لقشرة المخ لاحاطتها بمعلومات عن الانفعال الموجود.

    ويُلاحظ أن الانفعال يتشابه في حالات الخوف والخجل والغضب، على الرغم من اختلاف الشعور الداخلي في كل منها. وسبب ذلك أن ردود أفعال الجهاز العصبي متشابهة، ومن ثم فإن المحدد لنوع الانفعال هو الشعور، أو التفسير الذاتي له.

    ويتأثر الانفعال بحالة الوعي والانتباه والإدراك والخبرة السابقة بالمثير (الذّاكرة)؛ فعندما يكون شخص ما ـ مثلاً ـ في حالة وعى وانتباه وينظر أمامه فيجد نمراً مفترساً، تنتقل صورة النمر إلى مركز الإبصار في المخ، الذي يفهم الصورة وينقلها إلى قشرة المخ الارتباطية، ومنها إلى منطقة الذّاكرة، التي تستدعي الخبرات المختزنة الخاصة بالنمر، من الافتراس والخطورة على حياة الإنسان، ومع ابتعاث تلك الذكريات يكون الانفعال المناسب، وهو الخوف الشديد.

وللانفعال فوائد، أهمها:

  • أنه يُعد الفرد لمواجهه المثير (بالاستعداد للقتال أو الهرب) (fight-flight)، وذلك عن طريق إثارة الجهاز العصبي المستقل (Autonomic Nervous System)، خاصة شقه السمبتاوى (Sympathetic)، حيث يفرز الأدرينالين والنورأدرينالين بكميات كبيرة، تزيد من سرعة ضربات القلب، وترفع ضغط الدم، وتسرع وتعمق من التنفس، وتزيد من كميات الدم المتدفق إلى العضلات. كل ذلك وغيره هو من التغيرات الفسيولوجية، التي تعد الشخص لمواجهة الموقف الخطر إما: بالقتال أو الهرب.
  • يعطي التعبير الانفعالي ترابطاً بين الأشخاص، وفهماً اجتماعياً متبادلاً عن طريق المشاركة الوجدانية. فعندما تشعر بالسرور لرؤية شخص، وتعبر عن ذلك بملامح وجهك، ويرى ذلك الشخص تعبيرك عن مشاعرك، فإنه يعرف أنك تحبه وتسر لرؤيته، وهذا يقوي من التفاهم والعلاقة بينكما، ويُلاحظ أن ما يجذب الكبار إلى الأطفال هو ابتسامتهم الفطرية، التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيهم؛ ليجتذبوا الكبار لرعايتهم والعناية بهم.
  • يولّد الانفعال شحنة داخلية تُعد الوجود الداخلي للرغبات والدوافع، التي ينشأ منها التفكير والسلوك الموجه نحو الأهداف.

6. التفكير

يُطلق التفكير على عملية التخيّل العقلي الداخلي للأفكار دون النطق بها. ويعتمد التفكير على المفاهيم التي تتكون بدءاً من الطفولة، عندما يتعلم الطفل خصائص وأسماء الأشياء والأحداث ويختزنها في ذاكرته، كي يستخدمها في عملية التفكير.

7. الحركة

وهي ما يتم من انقباض العضلات، سواء أحدث ذلك تغيراً في عضو من الجسم فقط، أو أحدث تغييراً في البيئة الخارجية. وللحركة مستويات؛ فإذا كانت حركة عضلات ومفاصل فقط، فإنها تعد حركة بدائية بسيطة، مثل حركة إصبع اليد دون هدف؛ أما إذا اتجهت الحركة إلى هدف، وإحداث تغيير في البيئة الخارجية، فهذا هو الفعل، مثل حركة الإصبع على لوحة المفاتيح (Key board) لكتابة حرف.

وتتم الحركة من طريق الجهاز الحركي، المكوّن من العضلات، والمحكوم بواسطة الجهاز العصبي. وتُشكِّل العضلات حوالي (70%) من وزن الجسم في الإنسان، وتزيد هذه النسبة لدى الذكور عن الإناث قليلاً.

والعضلات على أنواع ثلاثة

1. عضلات مخططة (Striated muscles)

وسميت كذلك لبروز خطوطها تحت المجهر، وهي عبارة عن حزم منتظمة من الألياف العضلية، وتكوّن أغلب العضلات الإرادية في الجسم، وكلها متصلة بالهيكل العظمي، وإن كان القليل منها غير متصل بالعظام مباشرة، مثل بعض عضلات الوجه. وأغلب حركات العضلات المخططة محكومة إرادياً، مثل حركة الكتابة باليد، ولكن أحيانا تكون حركتها لا إرادية، مثل رعشة اليدين، والحركات المنعكسة (Reflex) المحكومة بمستوى النخاع الشوكي (Spinal Cord)، مثل سحب اليد عند اللسع بالنار، أو الوخز بالدّبوس.

2. العضلات الملساء (Smooth muscles)

وهي أقل توازياً في ترتيب أليافها العضلية، وتعمل في الأنشطة غير الإرادية مثل الهضم. كما توجد في الأماكن التي تتطلب انقباضاً لفترات طويلة، مثل العضلة المكونه لفتحة المثانة البولية (Internal urinary sphincter). وتُنتج إثارة العصب المحرك للعضلات الملساء انقباضاً أكثر بطئاً من العضلات المخططة، وعند توقف الإثارة ترتخي العضلات ببطء أيضاً.

3. عضلة القلب (Cardiac muscle)

وهي عضلة وسط بين المخططة والملساء وتوجد في القلب فقط، وتنقبض إيقاعياً حتى من دون إثارة عصبية. وتنتشر النبضات من المنطقة التي يحدث فيها تغير تلقائي في استقطاب الخلايا، يتولد عنه نشاط ضربات القلب. من هذه المنطقة تبدأ ضربات القلب حتى من دون سيطرة الجهاز العصبي.

كيف تنقبض العضلات لتحدث الحركة؟

      هناك أجزاء انقباضية في العضلة من البروتين، إحداهما تسمى الأكتين (Actin)، والأخرى تسمى الميوسين(Myosin)، تنزلق بعضها على بعض، حيث يدخل أيون الكالسيوم الليفة العضلية، ويسبب رؤوساً جزئية على خيوط الميوسين، التي تتعشق مع خيوط الأكتين وتنثني معها، مقصرة طول العضلة، ومحدثة انقباضها فتحدث الحركة.

      وتُعد وظيفة الحركة طريقة للتعبير والتواصل بين البشر. فالإيماء بالرأس علامة على الموافقة، والتلويح باليد علامة على الوداع. وهكذا، فإن حركات الجسم، أو أجزائه، قد تعطي معانٍ يفهمها المستقبل لها، وهذا ما يسمى بالتواصل غير اللفظي.