إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / بيئة الجماعة









الارتباط بالجماعة Sociability

بيئة الجماعة Group environment

الجماعات كالأفراد تحيا في بيئات متعددة. يُقصد بالبيئة جميع المؤثرات، التي يتعرض لها الأفراد أو الجماعة، سواء أكانت مؤثرات خارجية أم داخلية. فالفرد يتأثر بالعوامل أو القوى التي يتلقاها من خارجه، مثل الظروف الطبيعية والفيزيقية التي يتعرض لها. كذلك، تتعرض الجماعة وتتأثر بالعوامل الفيزيقية المحيطة بها، مثل المكان من حيث سعته وحجمه وإضاءته وضوضائه وطريقة استخدام الأعضاء للمكان؛ وهذا يشكل "البيئة الفيزيقية للجماعة".

ومن العوامل التي يتأثر بها الفرد من داخله اتجاهاته وآرائه نحو الموضوعات المختلفة، ما يشكل سلوكه وتصرفاته. كذلك، تتأثر الجماعات بما يتصف به أعضاؤها من خصائص وسمات؛ لأن تلك الخصائص تعمل بمثابة منبهات تؤثر في استجابات هؤلاء الأعضاء وفي الخصائص الإجرائية للجماعة؛ وهذا يشكل "البيئة الشخصية للجماعة".

ومن العوامل التي يتأثر بها الفرد طبيعة العلاقات الدائرة بينه وبين أعضاء جماعته؛ كذلك، تتأثر الجماعة بالعلاقات الدائرة بين أفرادها، ما يؤثر في جاذبية تلك الجماعة لأعضائها وفي الانسجام والترابط بينهم؛ وهذا يُشكل "البيئة الاجتماعية للجماعة".

وللعمل تأثيره على الأفراد؛ فسلوك كل فرد يتشكل بناءً على نوع عمله وثقافة زملاء العمل ودرجة رضاء الفرد عن ذلك العمل، وشعوره بالنجاح في أدائه. ويرجع ذلك إلى قيمة العمل في تحقيق أهداف الفرد. كذلك، تتأثر الجماعة ويتشكل سلوكها بالهدف الذي تسعى نحو تحقيقه، وبدرجة صعوبة العمل ونوعه. ويشكل ذلك "بيئة عمل الجماعة".

أولاً: البيئة الفيزيقية للجماعة

تلعب الخصائص المادية المحيطة بالجماعة دورها في تشكيل سلوك الأعضاء؛ فصغر حجم المكان يزيد من حدة الانفعال والتوتر بين أعضاء الجماعة. وتلوث البيئة ـ بكافة أشكاله ـ يزيد من شعور الأعضاء بالإحباط، وعدم الارتياح، ويؤدي إلى خفض الإنتاج. كما يشكّل الارتفاع الشديد للحرارة أو انخفاضها، عاملاً مؤثراً على ارتياح الأعضاء وعلى إنتاجيتهم.

وتشير كل جماعة بأن لها حقاً في ملكية مكان معين، وهذا الشعور لا يتضمن أي حق قانوني. ويتولد عن هذا الشعور عدم الارتياح إذا استُغل المكان أو اعتدي عليه من جماعات أخرى. وخلافاً لذلك، إذا سادت العلاقات الطيبة بين الجماعات المختلفة، واحترمت كل منها مشاعر الجماعة الأخرى المتعلقة بملكية مكان معين، فإن ذلك يؤدي إلى ارتياح الأعضاء، ودعم العلاقات بين الجماعات.

وثمة عامل آخر يرتبط بالبيئة الفيزيقية للجماعة، هو ما يُعرف بالحيز الشخصي. ويُقصد به المنطقة المحيطة بالفرد، التي لا يحب لأحد أن يدخل فيها. ويختلف الحيز الشخصي من ثقافة لأخرى، وتبعاً لنوع الجنس والسّن ونوع العلاقة مع الآخرين (كأصدقاء أو غرباء... إلخ). وللحيز الشخصي تأثيرات مهمة على الجماعة وعلى التفاعل الدائر بين أعضائها. فعندما يقتحم أحد الأعضاء الحيز الشخصي لعضو آخر، تظهر ردود الفعل السلبية.

ويتشكل الاتصال داخل الجماعة بناءً على طريقة جلوس الأعضاء؛ فالجلوس حول مائدة مستديرة يشكل التفاعل بصورة مختلفة، عمّا لو كان الجلوس حول مائدة مستطيلة يجلس على رأسها شخص واحد. ويرجع ذلك إلى أن المائدة المستديرة تسمح برؤية الأعضاء كلُ منهم للآخر أثناء الحديث، وذلك بخلاف المائدة المستطيلة. وكلمّا كان الاتصال لا مركزياً زاد شعور الأعضاء بالرضا، وارتفعت الروح المعنوية لديهم، وزادت كفاءتهم في حل المشكلات الصعبة. وتكون الجماعة أكثر كفاءة عند استخدام شبكة الاتصال المركزية في حل مشكلات أكثر بساطة. كذلك، يتشكل سلوك الفرد بناءً على موقعه داخل شبكة الاتصال بالجماعة. فقد يؤدي موقعه إلى ظهوره كقائد، بناءً على درجة إسهامه في الإنجاز العام للجماعة.

ثانياً: البيئة الشخصية للجماعة

لمّا كانت الجماعة هي فردين، أو أكثر، يتفاعلون مع بعضهم، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر، فإن سمات وخصائص هؤلاء الأفراد تشكل تفاعلهم الاجتماعي. وتكون خصائص وسمات كل عضو بمثابة منبهات توجه الأعضاء الآخرين للاستجابة لها، وتحدد أنماطهم السلوكية في مواقف التفاعل المختلفة.

ويكون تأثير هذه السِّمات غير قاصر فقط على نوعية السمة في ذاتها، بل ويشمل، أيضاً، رأي الفرد ـ وكذلك الآخرين ـ واتجاهاتهم نحو تلك السمة. فقد يكون المرح مفيداً في تخفيف توترات الجماعة؛ ولكن ترى الجماعة أنه مضيعة للوقت وتشتيت للانتباه.

وقد بيّنت الدراسات أنه كلمّا ازداد حجم الجماعة، زاد نصيبها من القدرات والخبرات والمهارات؛ ولكن تقل مشاركة الأعضاء في أنشطة الجماعة وفي عدد الرسائل المتبادلة بين الأفراد. كما تتزايد مجاراة الأقلية للأغلبية (لممارسة الجماعة عليهم ضغوطاً من أجل الانصياع)، ويكون تقييم الأعضاء للجماعة أقل إيجابية من تقييم أعضاء الجماعة الصغيرة لجماعتهم.

ويلعب النوع دوره في البيئة الشخصية للجماعة؛ فوجود الجنسين معاً في جماعة واحدة يشكل التفاعل الاجتماعي بصورة مختلفة عن وجود جنس واحد. كما تبين أن النساء يكن أقل تأكيداً لذواتهن، وأقل تنافسية من الرجال، وأعلى مجاراة لرأي الأغلبية من الذكور.

أما عن العمر، فتتزايد المشاركة مع زيادة العمر ويصبح التفاعل الاجتماعي أكثر تميزاً وتعقيداً. كما يزيد سلوك المجاراة مع التقدم في العمر حتى سن 12 سنة، ثم يأخذ في التناقص.

ويزداد احتمال ظهور القائد مع زيادة حجم الجماعة إذا كان العضو أكبر سناً من سائر الأعضاء، وأعلى ذكاءً، وأكثر مشاركة ونشاط وإيجابية ـ من الأقل ذكاءً ـ ما يوفر له الشعبية داخل الجماعة. وكذلك إذا كان لديه مهارات ترتبط بتحقيق أهداف الجماعة، وتميز بالمسؤولية والاعتمادية (أي الاعتماد عليه) وبالقوة البدنية. وكان معدل مشاركته (من حيث الكم والمحتوى) عالياً.

ويتوقف تأثير السّمات السّابقة (وغيرها مما بينته الدراسات) على طبيعة الجماعة. فإذا كانت الجماعة تحيا في ظل بيئة مواتية، أو غير مواتية بدرجة ضئيلة، فإن القائد سيظهر، ويكون اهتمامه موجهاً نحو أداء المهام وتنفيذها. أما إذا كانت الجماعة تحيا في ظل بيئة متوسطة من حيث درجة ملاءمة البيئة لها، فإن القائد سيظهر ويكون توجهه نحو الجانب الانفعالي داخل الجماعة.

وقد بينت الدراسات أن سلوك عضو الجماعة المتوافق يكون أكثر فاعلية، بينما يكون سلوك عضو الجماعة القلق أو غير التقليدي، كافاً للسلوك الفعّال للجماعة.

ثالثاً: البيئة الاجتماعية للجماعة

يُقصد بالبيئة الاجتماعية للجماعة محددات العلاقات الاجتماعية داخل الجماعة. ويمكن تصنيف تلك المحددات في فئتين، يُطلق على الأولى: "تكوين الجماعة"، وعلى الثانية: "بنية الجماعة".

ويُقصد بتكوين الجماعة العلاقة بين خصائص شخصيات الأعضاء، وأثار هذه العلاقات على أداء الجماعة لوظائفها. ويُقصد ببنية الجماعة نمط العلاقات بين الأجزاء المتمايزة في الجماعة.

وعن تكوين الجماعة، بينت الدرّاسات:

1.  تفاوت مشاركة الأفراد في إنتاجية الجماعة، بناءً على الآخرين الموجودين بها؛ فالعدواني في جماعة لا يكون كذلك في جماعة من الغرباء العدوانيين.

2.  أما عن تماسك الجماعة، فقد وجد أنه كلما زاد تماسك الجماعة، زاد شعور الأعضاء بالرضا، وزاد معدل التواصل بينهم، وزادت إيجابية التفاعل الدائر بينهم، وزادت فعالية الجماعة في تحقيق أهدافها. كما تزداد قدرة الجماعة على الاحتفاظ بأعضائها وعلى التأثير فيهم، كما يزداد ولاء الأعضاء للجماعة وشعورهم بالأمان.

3.  كلما زاد تجانس وتقارب سمات الأعضاء الشخصية، زاد التآلف بين أعضاء الجماعة وزادت فعاليتها.

4.  كلما زاد توافق أعضاء الجماعة مع بعضهم، زاد رضاهم ونقص قلتهم، وزادت فعالية الجماعة.

أما عن بنية الجماعة، فلقد بينت الدراسات:

1.  حاجة الجماعات إلى إيجاد نوع من التنظيم أو البنية لكي تحقق أهدافها، ومما ييسر ذلك شعور الأعضاء أنفسهم بحاجتهم لذلك التنظيم أو تلك البنية. وتتأثر بنية الجماعات بالحاجات الخاصة لأعضائها، وبالبيئة الفيزيقية والمادية التي تعيش فيها الجماعة.

2.  يكون الأفراد ذووا النفوذ المرتفع محبوبون بدرجة كبيرة من أعضاء جماعتهم، كما يكونون أكثر احتراماً. ويكون هؤلاء الأفراد أكثر تأثيراً في الجماعة، لأنهم يميلون لاستخدام نفوذهم في التأثير على الآخرين؛ ونظراً لأنهم يتمتعون بحب أعضاء جماعتهم واحترامهم، لذا يكونون أكثر انجذاباً نحو الجماعة.

3.  وللمركز الذي يشغله الفرد تأثيره في بنية الجماعة؛ فذو المركز المرتفع يصدر ويتلقى اتصالات أكثر مما يتلقى الشخص الأقل مركزاً. وإذا انحرف ذو المركز المرتفع عن أعراف الجماعة، فإنه لا يعاقب إذا أسهم انحرافه في تحقيق أهداف الجماعة.

4.   للمجاراة أهميتها في إيجاد النظام داخل الجماعة، وفي تآزر سلوك الفرد وتماسكه. ويختلف الأفراد من حيث نزعتهم لمجاراة معايير الجماعة، فتزداد المجاراة كلما كان الموقف المثير غامضاً للأعضاء. وكلما زاد عدد الأغلبية، وزاد اتفاق أعضاء الجماعة. وتحدث المجاراة بدرجة كبيرة في شبكات الاتصال غير المركزية، بأكثر مما تحدث في الجماعات ذات الشبكات المركزية. ويؤدي الانحراف المستمر عن معايير الجماعة إلى رفض الجماعة للمنحرف، والضغط عليه من أجل الانصياع والمسايرة.

5.   أما عن القيادة ودورها في بنية الجماعة، فقد تبين تمتع القادة الفعّالون بقدرات خاصة بالتوجه نحو العمل، وبميول اجتماعية ودافعية لأن يصبحوا قادة. ويكون توجه القائد نحو العمل بشكل أكبر حين يكون عمل الجماعة: إما ملائماً جداً له، أو غير ملائم جداً له. ويكون توجه القائد نحو العلاقات بشكل أكبر حين يكون عمل الجماعة متوسط الملاءمة له، أو غير ملائم له.

6.   يمارس الأعضاء داخل الجماعة أدواراً متعددة، منها ما يرتبط بإنجاز الأعمال وتحقيق أهداف الجماعة، ومنها ما يرتبط بالجانب الوجداني للجماعة. فالشخص الذي يزود الجماعة بالمعلومات، ويساعد في تحديد الأهداف، ويلخص الاجتماعات، يمارس مهاماً مرتبطة بإنجاز أعمال الجماعة وتحقيق أهدافها. أما الشخص الذي يحاول استثارة الجماعة وتحفيزها وحل صراعاتها والتخفيف من توتراتها، فإنه يمارس مهاماً مرتبطة بالجانب الوجداني للجماعة، أو بتيسير العلاقات بين أعضاها، ما يساعد على بقاء الجماعة واستمرارها في أدائها.

وثمة مجموعة ثالثة من الأدوار تُسمى "الأدوار الفردية"، التي يسعى الأعضاء من خلالها إلى إشباع حاجات شخصية لدى كل منهم. ومن هذه الأدوار ما يسهم في إنجاز مهام الجماعة، مثل الباحث عن المعارف والمعلومات، أو الذي يتطوع بإبداء الرأي، أو الذي يسهم في توجيه الأعضاء، أو المقوّم. ومن هذه الأدوار ما يسهم في دعم العلاقات بين الأعضاء وييسر الجو الانفعالي داخل الجماعة، مثل: المشجع، أو المنسق، أو المعلق على الآراء للتوفيق بينها. ومن هذه الأدوار ما يخرّب عمل الجماعة، مثل: العدواني، والمعوق، والباحث عن التقدير الذاتي، والمتسلط.

هذه الأدوار قد تتداخل أو تتصارع مع بعضها، بل وقد يقوم الفرد بأكثر من دور ما يعرضه لصراع الدور. ويُحل صراع الأدوار، عادة، في صالح الجماعة حتى تحافظ على بقائها واستمرارها. ويحدث ذلك كلما زاد نضج الجماعة ونموها.

رابعاً: بيئة عمل الجماعة

يُقصد ببيئة العمل مجموعة المؤثرات التي تُشكل سلوك أعضاء الجماعة، المرتبط بإنجاز الأعمال والمهام المطلوبة. ويُقصد بالعمل الأداءات التي يجب أن تقوم بها الجماعة لتحقيق أهدافها، سواء أكانت هذه الأداءات مرتبطة بالمدخلات اللازمة لأداء المهام، أو بالأنشطة التي تمارسها الجماعة للوصول إلى المخرجات، أو بتحقيق الأهداف التي تسعى الجماعة للوصول إليها.

يضع الأفراد أهدافاً لجماعتهم تؤثر في سلوكهم، على نحو يتشابه مع تأثير أهدافهم الشخصية. وتزداد فعالية الجماعة كلما كانت الأهداف المختارة، أو الموضوعة، متجانسة. وحال أن تضع الجماعة أهدافها، يعايش الأعضاء التوتر الخاص بالمهمة، وهو توتر يزول عند اكتمال تحقيق الهدف.

ولوضوح الأهداف التي تسعى الجماعة نحو تحقيقها، دور في سلوك الأعضاء. فقد بينت الدراسات ارتباط وضوح الهدف وطرق تحقيقه، ارتباطاً إيجابياً بدافعية الأعضاء وكفاءتهم.

بعد أن تضع الجماعة أهدافها، تبدأ في دراسة متطلبات أداء المهام وتنفيذها. وقد بينت الدراسات أنه كلما زادت متطلبات تنفيذ المهام، تناقص نوع أداء الجماعة. وكلما تباينت أنماط المهام، تباينت أنواع قدرات القيادة المطلوبة وتنوع نشاط القادة. وتكون خصائص نواتج الجماعة دالة لنوع المهمة.

ولصعوبة العمل أثرها في تشكيل بيئة العمل وسلوك الأعضاء؛ فكلما زادت صعوبة العمل، تناقص نوع أداء الجماعة، وزادت ممارسة أعضاء الجماعة للقيادة بشكل متكرر.

أما عن اختيار الجماعة للمهمام، فقد بينت الدراسات أن نجاح الجماعة في أداء مهمة ما، يليه اختيارها لمهام أكثر صعوبة، وأن الفشل يليه اختيارها لمهام أكثر سهولة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تباين خصائص نواتج الجماعة. وأن الأعضاء يختارون مهاماً صعبة نسبياً، إذا عرفوا أن أداءهم السابق أسوأ من متوسط أداء جماعات تشبه جماعتهم؛ بينما يختارون مهاماً أقل صعوبة نسبياً، إذا عرفوا أن أداءهم السابق أفضل من متوسط أداء جماعات تشبه جماعتهم.

ومما يساعد في أداء الجماعة للمهام الصعبة، أن يتمكن أعضاؤها من التعبير بحرية عن مشاعر الرضا مع تقدم الجماعة نحو تحقيق أهدافها. وكلما زادت رغبة أعضاء الجماعة في نجاحها، زاد تفضيلهم للمهام التي يتصورون أنها متوسطة الصعوبة.

تعقيب

يتضح من هذا العرض أن الجماعة تعيش في عديد من البيئات، وأن هذه البيئات لا تكون منعزلة عن بعضها، بل متفاعلة تفاعلاً ديناميكياً مستمراً، من شأنه أن يجعل الجماعة وحدة واحدة كلية الوجود Ubiquitous، وليست مجموعة من الأفراد فقط.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى توظيف الإمكانات والقوى المتاحة لها (مثل قوة المعايير والقيادة والأدوار والمراكز وغيرها)، لتحقيق ما يصبو إليه أفرادها، وما تسعى الجماعة إلى تحقيقه من أهداف. وليس معنى هذا أن الجماعة تحقق دائماً نتائج طيبة، بل هي قد تحقق نتائج سيئة، في بعض الأحيان (مثلما يحدث عند غموض الأهداف وتصارع الأدوار أو زيادة فشل الجماعة... إلخ).

ويسهم تفاعل هذه البيئات في تكوين هوية خاصة بالجماعة، إذ تصبح حقيقة واقعية حية ملموسة، شأنها شأن أفرادها الواقعيين الحقيقيين. وتصبح هذه الهوية جزءاًً من مفهوم الذات لدى الفرد، يُشتق من معرفته ووعيه بعضويته في الجماعة، ويكسبه المعاني القيمية والوجدانية المتعلقة بهذه العضوية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى توحد الفرد مع جماعته.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى خلق ثقافة خاصة بالجماعة تميزها عن غيرها من الجماعات، وتزود أعضاءها بإطار مرجعي به من المؤشرات ما يساعده على اختيار الاستجابات المناسبة للمواقف، والتي تتفق مع جماعته. فعندما يدخل السجين إلى السجن –مثلاً- فإنه يشعر بنوع من الضياع نتيجة لعزله عن المجتمع ورفض المجتمع له، كما يشعر بالحيرة والشك وافتقاد الذاتية. غير أن هذه الحالة لا تدوم طويلاً؛ إذ إن هناك أعداداً في "جماعته" الجديدة يشعرون بالمشاعر نفسها ويخبرون الموقف نفسه. وسرعان ما يبدأ السجين أنواعاً من النضال والتفاعل بغية التخلص من هذه المشاعر، وسرعان ما تتفق الجماعة على نوع من المعتقدات والاتجاهات والمعايير (أي الثقافة) التي تحدد أساليب تفاعلهم، كما يضعون لأنفسهم قواعد تحدد علاقاتهم، بل ويتفقون على أدوار معينة يؤدونها.

وتحدد هذه البيئات وتفاعلها بعض الموجِّهات الإرشادية، التي يمكن أن تزيد من فعالية الجماعة وإنتاجيتها، مثل: مراعاة الإضاءة والحرارة والضوضاء والتهوية والحيز الشخصي للأعضاء، أو مراعاة الخصائص الشخصية للأعضاء وتوظيفها بالصورة المناسبة، أو وعي القائد بالأدوار التي تمارس داخل الجماعة وحرصه على السيطرة على الأدوار الهدامة، أو مراعاة صعوبة العمل بالقياس إلى الإنتاجية السابقة للجماعة.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى زيادة تمايز البُنى الاجتماعية المختلفة داخل الجماعة، مثل البنية السوسيومترية (الخاصة بالعلاقات الاجتماعية بين الأعضاء)، والبنية الخاصة بالمراكز أو القيادة أو الاتصال.