إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الجنون والمجنون









أولاً: الهـــذيان (Delirium)

أولاً: الهذيان  (Delirium)

          وهو اضطراب عقلي، يتميز، أساساً، باضطراب الوعي، والتغير المعرفي، الذي يحدث في فترة قصيرة، مع نقص قدرة المحافظة على الانتباه للمثيرات الخارجية، وصعوبة الانتقال من مثير إلى آخر، واختلال التفكير، كما يبدو، من اللف والدوران، أو عدم ترابط الأفكار بعضها ببعض، وعدم اتساق الكلام، مع نقص مستوى الوعي، واختلال الإدراك الحسي، واضطراب دورة النوم واليقظة، واضطراب النشاط الحركي، وعدم الاهتداء (عدم إدراك الزمان والمكان، أو عدم إدراك الأشخاص) وخلل الذاكرة. وعادة، تكون البداية سريعة، والمسار متموج، والمدة قصيرة.

          واضطراب الوعي في الهذيان، يُعَدّ العلامة الأساسية، إذ تختل حالة اليقظة، ووعي الشخص بنفسه والبيئة، من حوله، ويصاحبها خلل الانتباه، فتكون صعوبة المحافظة على الانتباه، وصعوبة الانتقال من مثير إلى آخر. ويسهل تشتت الشخص بمثيرات، ليس لها علاقة. ويجب تكرار الأسئلة، عدة مرات، بسبب عدم قدرة الشخص على تركيز انتباهه. ويصعب أن يندمج في محادثة، لأنه متشتت الانتباه، أو لأنه مواظب على تكرار استجابة لأسئلة سابقة. وينشأ عن نقص الانتباه فقد الذاكرة للأحداث القريبة، إلى حدّ ما.

          والمصاب بالهذيان، لا يستطيع المحافظة على اتساق التفكير. ويفقد وضوح التفكير المعتاد. كما يفقد الهدف، ويبدو متناثراً وغير مترابط. وكثيراً ما توجد اضطرابات الإدراك، في صورة خداعات أو هلاوس، وأغلبها بصرية، وغالباً ما يصاحبها اقتناع ضلالي بواقعية الهلاوس، ويصاحبها استجابة سلوكية انفعالية، ترتبط بمحتواها.

          وتختل دورة النوم واليقظة، حيث يصعب نوم المريض ليلاً، ويظل ساهراً. ويكثر انخفاض مستوى الوعي، الذي يتدرج من الدوخة إلى ما يشبه الغيبوبة. وتكثر الكوابيس، أثناء النوم، وقد ترتبط بالهلاوس. ويضطرب النشاط الحركي، في صورة عدم الاستقرار، وكثرة الحركة، وتحريك الأغطية، ومحاولة القيام من السرير، والخبط على الأشياء المحيطة به، وفجائية تغيير الوضع. وقد تقل الحركة إلى ما يشبه الذهول الكتاتوني. وغالباً ما ينتقل من نقيض إلى آخر (من كثرة الحركة إلى انعدامها).

الأعراض المصاحبة للهذيان

          وتشمل الخوف والقلق والاكتئاب، وسرعة الاستثارة، والغضب والسرور والتبلد. والخوف أكثرها، وسببه الهلاوس المهددة، أو الضلالات غير المنتظمة، وقد يزداد الخوف لدى المريض إلى درجة إيذاء نفسه، أو يهاجم من توهم، زيفاً، أنهم مهددون له. أما مشاعر الاكتئاب الشديدة، فقد تؤدي إلى إيذاء النفس والبكاء، وطلب المساعدة.

          والعلامات العصبية غير شائعة، في حالات الهذيان. والاستثناء الوحيد هو الحركات غير العادية (Abnormal Movements)، مثل مختلف أنواع الرعشة (الرعشة المرفرفة  Flapping Tremors)، التي تصاحب حالات الفشل في وظائف الكبد (Liver cell Failure)، وعلامات الجهاز العصبي المستقل (Autonomic Nervous System) (مثل سرعة ضربات القلب، والعرق، واحمرار الوجه، واتساع فتحة إنسان العين Dilated Pupil، وارتفاع ضغط الدم Hypertension ).

          وقد توجد اضطرابات أخرى لوظيفة قشرة المخ، تشمل عدم القدرة على تسمية الأشياء (Dysnomia  وعدم القدرة على الكتابة(Dysgraphia).

بداية الهذيان ومساره ومضاعفاته ومآله

          يبدأ الهذيان في أي سن. ولكنه شائع، بصفة خاصة، في الأطفال، وبعد سن الستين. وهو اضطراب قصير المدى. وأحياناً، يبدأ فجأة، كما في حالة إصابة الرأس. وأحياناً، يسبق بأعراض ممهدة، تظل عدة أيام أو ساعات (وتشمل عدم الاستقرار، وصعوبة التفكير الواضح، وزيادة الحساسية للمثيرات، السمعية والبصرية، والأرق ليلاً، والنوم نهاراً، والكوابيس). وظهور الأعراض، يكون ببطء، وأكثر في حالات الهذيان الناتج من مرض جهازي أو اختلال أيضي.

          ويُعَدّ تماوج الأعراض، من أهم مواصفات الهذيان. والشخص يكون أسوأ ما يمكن، خلال ساعات عدم النوم ليلاً، أو في الظلام. وأحياناً، يكون الشخص منتبهاً ومتسقاً في تفكيره. وتسمى هذه الظاهرة بفترة التحن المؤقتة (Lucid interval). وتحدث في أي وقت، ولكنها أكثر حدوثاً في الصباح، وهذا يساعد على تمييز الهذيان من المتلازمات العقلية الأخرى.

          وعادة، تظل نوبة الهذيان مدة قصيرة (حوالي أسبوع). ونادراً ما تظل لأكثر من شهر. وإذا عولج سبب الهذيان، يكون الشفاء كاملاً. وإذا ظل السبب موجوداً، فإن الصورة الإكلينيكية، تتحول، تدريجاً، من الهذيان إلى شكل آخر من الأمراض العقلية، أكثر ثباتاً (مثل الخرف)، أو تكون الوفاة.

          ومن أهم مضاعفات الهذيان، هي الإصابات الناتجة من السقوط من السرير، في محاولة المريض الهروب من الهلاوس (Hallucinations) المخيفة. وإذا أهمل العلاج فإنه قد يتحول إلى خرف، أو نساوة عضوية، أو اضطراب الشخصية العضوية.

تشخيص الهذيان

          عادة، يشخص الهذيان بجوار سرير المريض، إكلينيكياً. فهو يتميز ببداية مفاجئة للأعراض، وتتماوج هذه الأعراض (زيادة ونقصاناً) خلال ساعات اليوم. وهو يشترك في مواصفاته العامة باضطراب الوعي والمعرفة، ولكن يختلف طبقاً للسبب.

ويلزم تمييز الهذيان من الاضطرابات الآتية:

  1. الفصام والاضطراب فصامي الشكل، والاضطرابات الذهانية الأخرى: وذلك لوجود هلاوس وضلالات واختلال تفكير. إلا أنها في الهذيان، تكون غير منتظمة، مع تماوج المسار، ونقص الانتباه، سواء في استمرار تجاه مثير، أو انتقاله إلى مثير آخر، وخلل الذاكرة، والاهتداء، كلها سمات تميز الهذيان.
  2. الخرف: الذي فيه يوجد خلل الذاكرة، مثل الهذيان. ولكن في الخرف، يكون الشخص يقظاً. إلا أنهما قد يوجدان معاً. ولا يمكن أن يشخص الخرف، في حالة وجود الهذيان. ولكن يشخصان معاً، في حالة استقرار الخرف قبل الهذيان. عند الخلط بينهما، يفضل أن يشخص هذيان، لأنه يعطي الفرصة لعلاج فعال، إلى أن يتضح التشخيص الصحيح.
  3. استحداث أعراض نفسية (Factitious): إذ يكون تخطيط الدماغ (EEG) طبيعياً، يساعد على استبعاد الهذيان.

انتشار الهذيان

          يجد الأطباء النفسيون، عادة، الهذيان في الحالات، التي يدعون للاستشارة في شأنها، في أقسام الطب والجراحة، في المستشفيات العامة، حيث لوحظ أن حوالي 10% من كل المرضى، الذين يدخلون إلى المستشفيات العامة، يظهرون الهذيان بدرجة ما. ويختلف معدل الحدوث في أقسام المستشفى، فعلى سبيل المثال، يصل إلى 30% من المرضى، في أقسام الجراحة ذات الرعاية المركزة، وفي وحدات الرعاية المركزة لمرضى شرايين القلب التاجية؛ ويصل إلى 20% من مرضى الحروق الشديدة، تتراوح النسبة بين 40 و50 % من المرضى، الذين شُفُوا من جراحات عظام الحوض. ويكثر انتشاره بين الأطفال والشيوخ، كما يكثر بين المصابين بآفات في الدماغ، ومن سبقت إصابتهم بالهذيان. ويُعَدّ حدوث الهذيان علامة سيئة؛ فلقد قدر معدل الوفيات، خلال ثلاثة أشهر، لمن أصابهم هذيان، بنسبة 23 ـ 33%، وخلال سنة، وصلت إلى 50%.

أسباب الهذيان

          وأسباب الهذيان مركبة ومتعددة ومتداخلة، في خليط من ظروف موقفية وعوامل شخصية ودوائية. فمثلاً، سبب الهذيان، بعد عملية جراحية، يشمل ضغط الجراحة، وألم ما بعد العملية، والأرق وعلاج الألم، واختلال الكهارب (العناصر المعدنية الموجودة بالدم مثل الصوديوم والبوتاسيوم) والعدوى والحمى ونزف الدم.

ويمكن تصنيف الأسباب، كما يلي:

  1. أمراض جهازية (Systemic Disease)، مثل هبوط القلب (Heart Failure)، ونقص التغذية، وفقر الدم، والعدوى، والحمى، (Fever)، والجفاف (Dehydration)، وتسمم بالبولينا (Uremia)، وزيادة أو نقص إفراز الغدة الدرقية (Thyroid Gland)، وكل الأسباب، التي تؤدي إلى نقص الأكسجين في الدم. ويلاحظ أن هذه الأسباب، إذا تركت من دون علاج، تؤدي إلى مرض مخي، مثل الخرف.
  2. اضطرابات أيض (Metabolic Disorders)، مثل اختلال الكهارب (Electrolyte Imbalance) واختلال اتزان الحامض القلوي (Acid-Base Balance)، وزيادة أو نقص الكالسيوم في الدم.
  3. أمراض عصبية (Neurological Diseases)، مثل التهاب الدماغ، وإصابات الرأس، خاصة تلك التي تحدث تجمعاً دموياً تحت الأم الجافية.
  4. العقاقير، وخاصة مدرات البول (Diuretics)، (التي تسبب جفافاً، مع اختلال الكهارل في الدم) والملينات (Laxatives) (لنفس السبب)،  والمنومات (الباربتيورات) (Barbiturates)، والمطمئنات العُظمى (Major Tranquilizers)، والمهدئات، إذ إن لها تأثيراً مضاداً للأستيل كولين  (Acetyl choline) الذي يسبب هذياناً، وبصفة خاصة لكبار السن.
  5. احتباس البول الحاد، واحتباس البراز، يرتبطان، أحياناً، بحالات الهذيان.

وجمعت هذه الأسباب تحت التقسيم السببي للدليل الإحصائي التشخيصي الرابع للإضطرابات العقلية، كما يلي:

  1. هذيان بسبب حالة مرَضية جسمانية.
  2. هذيان بسبب الانسمام بمادة (Substance Intoxication).
  3. هذيان بسبب انسحاب مادة (Substance Withdrawal).
  4. هذيان متعدد السبب، ينشأ عن اثنَين أو أكثر من الأسباب السابقة.

علاج الهذيان

          يستلزم إدخال المريض مستشفى، حيث يُفحص جيداً، بحثاً عن السبب، الذي قد تكشفه الاستقصاءات المعملية. إضافة إلى علاج السبب، يلزم علاج عام للأعراض، يشمل تخفيف التوتر، ومنع المضاعفات والإصابات، والتغذية، ومراعاة الكهارل بالجسم والسوائل.

          ويعتمد العلاج على الموقف، الذي حدث فيه الهذيان. فمثلاً، في حالة الهذيان، الذي يتبع إزالة المياه البيضاء من العين (كتراكتا) (Cataract)، والناتج من عصب العينَين، يتحسن بعمل فتحة صغيرة في العصابة، لإدخال بعض الضوء. وفي حالة العزل الحسي (Sensory Deprivation)، المسبب للهذيان، فإن المريض، سيفيد من إضاءة حجرته ليلاً، وكثرة تردد أعضاء الفريق العلاجي، وأفراد الأُسرة إليه، وشرح الأمر له، وطمأنته، مع وضع تلفاز في حجرته.

          ويقتصر العلاج بالعقاقير على الضروري جداً منها، خاصة في حالة الفوران الداخلي (Agitation)، وعدم الاستقرار، لمنع المضاعفات والإصابات. والعقار المفضل هو الهالوبيريدول (Haloperidol) بجرعة تراوح بين 1.5 و50 مجم. وأحياناً، يلزم إعطاء دروبريدول (Dropridol)، حقناً في الوريد. وهو يشبه الهالوبريدول ومن مجموعته نفسها. ويجب تجنّب الفينوثيازين (Phenothiazins) تماماً، لنشاطها المضادّ للكولين (Anti-Cholinergic effect)، والذي يزيد حالة الهذيان. وفي حالة الأرق، يعطى بنزوديازبين (Benzodiazepines) قصير المفعول (Short Acting)، ويجب تجّنب الباربيتورات (Barbiturates).