إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / منظمة التجارة العالمية (WTO)





الهيكل التنظيمي




المبحث الرابع

المبحث الرابع

منظمة التجارة العالمية (WTO)

أولاً: إنشاؤها

انتهت مفاوضات جولة أوروجواي، في مؤتمر مراكش، إلى إنشاء "منظمة التجارة العالمية"World Trade Organization المختصر بحروفها الأولى: WTO، والمعروفة باسم "اتفاقية مراكش". وتتضمن اتفاقية إنشائها 16 مادة، توضح الجوانب كافة: القانونية والتنظيمية، التي تحكم عملها (انظر شكل الهيكل التنظيمي). وسرعان ما استبدلت، في الأول من يناير 1995، باتفاقية الجات، وأُنيط بها الإشراف على الاتفاقيات كافة، التي أسفرت عنها جولة أوروجواي، والبالغ عددها 28 اتفاقاً وبروتوكولاً وقراراً وزارياً[1]، جُعلت وُضعت ملاحق للاتفاقية المُنشئة لتلك المنظمة؛ لتصبحا معاً كلاًّ واحداً، لا يتجزأ.

ويمثل إنشاء هذه المنظمة تحولاً جوهرياً، في طبيعة النظام التجاري الدولي؛ إذ تتساوى، في إطارها، حقوق الدول الأعضاء كافة، بغض النظر عن حجم الدولة وقدرتها الاقتصادية أو إسهامها في التجارة العالمية. أمّا التزاماتها، فتختلف باختلاف مستويات التنمية فيها، فيراعى حجم الالتزامات، والمدد الزمنية اللازمة لتنفيذها، تبعاً لحال الدول بين التقدم والنمو.

ثانياً: مهامّها

عهدت الاتفاقية إلى المنظمة بالتالي:

1. التفتيش في الدول كافة؛ ضماناً لحرية التجارة، ومحاربة أيّ سياسات حمائية.

2. الإشراف على تنفيذ القوانين، الخاصة بالقضايا التجارية، إشرافاً أكثر شمولاً، مما اضطلعت به الجات؛ مثل: حقوق الملكية الفكرية، الخدمات، الاستثمار.

3. التعهُّد، تنفيذاً وإدارةً، لاتفاقيات التجارة متعددة الأطراف، والتي تنظم العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء؛ إضافة إلى الاتفاقيات الجماعية الأربع، الناجمة عن جولة طوكيو، وهي الاتفاقات الملزمة لمن وافق على الانضمام إليها فقط، دون سائر الأعضاء؛ وذلك على عكس اتفاقيات جولة أوروجواي ذات الطبيعة الإلزامية الشاملة.

4. التخطيط لمفاوضات تجارية متعددة الأطراف. ومراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، بصفة دورية.

5. التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أجل تحقيق أكبر قدر من التناسق في وضع السياسات الاقتصادية العالمية.

6. الإشراف على فض المنازعات الدولية في تطبيق نصوص الاتفاقيات التجارية. وتسوية تلك المنازعات، وفق الأسس والمبادئ، التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة بذلك. وقد خُوِّلت المنظمة صلاحية واسعة في تسويتها.

ثالثاً: هيكلها التنظيمي

يشتمل هيكل المنظمة على رئاسة، تتكون من مؤتمر وزاري ومجلس عام؛ وتتفرع منهما مجالس ولجان متخصصة، وسكرتاريا (انظر ملحق اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية).

1. المؤتمر الوزاري

يتألف من ممثلي جميع الأعضاء، بمستوى وزير. ويلتئم كلّ سنتَين، على الأقل. وهو السلطة العليا المشرفة على تنفيذ مهامّ المنظمة، واتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة لذلك؛ فضلاً عن اتخاذها، بناءً على طلب الدول الأعضاء، القرارات المتعلقة بأيّ موضوع، يدخل في نطاق الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف.

2. المجلس العام

يتكون من ممثلي كلّ الدول الأعضاء. ويشرف على التنفيذ اليومي لمهام المنظمة. ويتولى مهام المؤتمر الوزاري، فيما بين فترات انعقاده. ويضطلع بمهام هيئة فض المنازعات، وبمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء. ويجتمع المجلس كلّما دعت الحاجة.

3. المجالس المتخصصة

تتفرع من المجلس العام. منها مجلس لشؤون التجارة في السلع، وآخر لشؤون التجارة في الخدمات، وثالث لشؤون حماية الملكية الفكرية. والاشتراك فيها مباح للدول الأعضاء الراغبة فيه. وتنعقد اجتماعاتها، حسب الضرورة، لتنفيذ مهامها، طبقاً للاتفاقيات الخاصة بكلّ منها؛ فضلاً عن المهام، التي يحددها لها المجلس العام. ويضع كلّ منها قواعد إجراءاته، التي تخضع لموافقة المجلس العام، الذي تعمل تلك المجالس تحت إشرافه.

4. اللجان الفرعية

وهي: لجنة التجارة والتنمية، ولجنة قيود ميزان المدفوعات، ولجنة الميزانية، ولجنة الشؤون الإدارية. يوافق المؤتمر الوزاري على إنشائها، وينشئ لجاناً أخرى، كلّما دعت الحاجة. تنفذ تلك اللجان المهام، التي تكلها إليها الاتفاقيات متعددة الأطراف، وما يعهد به إليها المجلس العام، من مهام إضافية. وعضويتها متاحة لجميع الدول الأعضاء الراغبة فيها.

5. السكرتاريا

يرأسها مدير عام، يعيّنه المجلس الوزاري، ويحدد صلاحياته وواجباته وشروط خدمته. ويعيِّن المدير العام موظفي السكرتاريا، ويحدد واجباتهم وصلاحياتهم وشروط خدمتهم، طبقاً للقواعد العامة، التي يحددها المجلس الوزاري. ومسؤوليات مديرها العام وموظفيها مسؤوليات دولية، فهُم لا يأتمرون سوى تعليمات المنظمة. وليس لهم أن يستجيبوا لأيّ جهة أخرى رغبتها، ويخضعوا لتأثيرها.

رابعاً: المركز القانوني للمنظمة

تنص المادة الثامنة، من اتفاقية إنشاء المنظمة، على الآتي:

1. يكون للمنظمة شخصية قانونية. وعلى كلّ عضو من أعضائها، أن يمنحها الأهلية القانونية، والامتيازات والحصانات، اللازمة لمباشرة مهامها.

2. تمنح كلّ دولة عضو موظفي المنظمة، وممثلي الأعضاء، الامتيازات والحصانات، التي تكفل استقلالية ممارستهم لوظائفهم.

3. تكون الامتيازات والحصانات، التي يمنحها العضو المنظمة وموظفيها وممثلي أعضائها، مثل تلك المنصوص عليها في اتفاقية امتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 نوفمبر 1947.

خامساً: العضوية الأصلية في المنظمة

تحدد المادة الحادية عشرة من الاتفاقية الآتي:

1. تكون الأعضاء الأصلية في منظمة التجارة العالمية، منذ نفاذ الاتفاقية الحالية، في الأول من يناير 1995، هي الأطراف المتعاقدة في اتفاقية الجات 1947، والجماعة الأوروبية؛ على أن تقدّم كلّ دولة جداول التزاماتها وتعهداتها باتفاقية الجات الجديدة، "الجات 1994"[2].

2. لا يطلب من البلدان الأقل نمواً، التي تعترف بها الأمم المتحدة، أن تقدم تعهدات أو نزولات، إلا في الحدود، التي تتفق مع مرحلة تنمية كلّ منها واحتياجاتها: المالية والتجارية، أو إمكاناتها: الإدارية والمؤسسية.

سادساً: الانضمام إلى المنظمة والانسحاب منها

1. الانضمام

تجيز المادة الثانية عشرة، من اتفاقية منظمة التجارة العالمية، لأيّ دولة أو إقليم جمركي منفصل، يملك استقلالاً ذاتياً كاملاً في إدارة علاقاته التجارية الخارجية، أن ينضم إلى الاتفاقية، بالشروط التي يتفق عليها بينه وبين المنظمة. ويسري الانضمام إلى المنظمة على الاتفاقات التجارية الأخرى، الملحقة بها، وفق مبدأ القبول الكلي أو عدمه. ويتخذ المؤتمر الوزاري قرارات الانضمام، ويوافق على شروطه بأغلبية ثلثَي أعضاء المنظمة. ويتطلب الانضمام تقديم طلب، مرفق به دراسة وافية للأوضاع: الاقتصادية والتجارية الوطنية؛ وتعهد بالتزام أحكام اتفاقيات الجات جميعها؛ والالتزام بإجراء تعديلات هيكلية للأوضاع الاقتصادية، لتطابق لوائحها وقوانينها الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقيات الجات. وإن رغبت الدولة طالبة الانضمام عن تطبيق أحكام الاتفاقيات على أيّ من الدول الأعضاء، فعليها أن تبين ذلك في طلبها؛ لأنه لا يحق لها ذلك، بعد صدور قرار المؤتمر الوزاري قبول عضويتها.

2. الانسحاب

تبيح المادة الخامسة عشرة، من اتفاقية إنشاء المنظمة، لأيّ عضو أن ينسحب من تلك الاتفاقية. ويشمل الانسحاب كذلك جميع الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف. ويصبح نافذاً، بعد ستة أشهر على تلقى المدير العام للمنظمة إيذاناً خطياً به.

سابعاً: العلاقات بالمنظمات الأخرى

تخوِّل المادة الخامسة، من اتفاقية منظمة التجارة العالمية، المجلس العام اتخاذ الترتيبات الملائمة لتعاون فعال مع المنظمات الدولية، سيان الحكومية، التي تتصل مسؤولياتها بمسؤوليات المنظمة. كما أن للمجلس العام، أن يتخذ الترتيبات الملائمة للتشاور والتعاون مع المنظمات، الحكومية وغير الحكومية، المعنية بمسائل تماسّ أنشطة المنظمة.

ثامناً: اتخاذ القرارات

تُتَخذ القرارات في المنظمة ومجالسها، بتوافق الآراء Consensus، المسمّى كذلك "القبول السلبي"؛ إذ إن عدم إبداء أيّ من الأطراف اعتراضه، رسمياً، على القرار المطروح للبت، يعني الموافقة عليه. وإن لم تتوافق الآراء، يُلجأ إلى التصويت، حيث يتمتع كلّ عضو بصوت واحد، في اجتماعات المؤتمر الوزاري والمجلس العام. وتتخذ القرارات بأغلبية الأصوات، ما لم تنص الاتفاقيات على خلاف ذلك، كما هو الشأن في فض المنازعات، أو تفسير أيّ اتفاقية، أو إعفاء أيّ عضو في المنظمة من التزام مقرر في الاتفاقيات؛ إذ يشترط لاتخاذ القرار في صددها على ثلاثة أرباع عدد أصوات الحاضرين، على الأقل.

أمّا تعديل المادتَيْن: الأولى والثانية، من اتفاقية الجات 1994، والمتعلقتَين، بالمبادئ الأساسية؛ والفقرة الأولى من المادة الثانية، من اتفاقية التجارة في الخدمات، الخاصة بشرط الدولة الأَوْلى بالرعاية؛ والمادة الرابعة، من اتفاقية حماية الملكية الفكرية، والمتعلقة بالشرط نفسه؛ والمادة التاسعة، من اتفاقية إنشاء المنظمة، والمتعلقة بأسلوب التصويت واتخاذ القرارات ـ فهو يحتاج إلى موافقة الدول الأعضاء كافة.

تاسعاً: هيئة تسوية المنازعات

يُعَدّ إنشاء هيئة لتسوية المنازعات التجارية، في إطار منظمة التجارة العالمية، واحداً من أهم إنجازات جولة أوروجواي. ويتولى تلك التسوية المجلس العام للمنظمة، استناداً إلى التفاهم الذي تمخضت به تلك الجولة، في شأن "القواعد والإجراءات الحاكمة لتسوية المنازعات"، والقاضي بأن لأي عضو متضرر من خرق عضو أو أعضاء للاتفاقيات، التي تشرف المنظمة على تطبيقها، الحق في رفع شكوى إلى المنظمة، بعد استنفاد فرص التوصل إلى حل ودي، يلائم الاتفاقيات القائمة.

ويتأتَّى التفاهم من خلال لجان، تتَّبع جدولاً زمنياً محدداً. وتُمنع الدول الأعضاء من تقرير، أن إخلالاً بأيّ التزام، قد وقع من جانب أيّ دولة عضو، إلا من خلال آلية تسوية المنازعات في المنظمة. ومن ثَم، تمنع من اتخاذ أيّ إجراء عقابي، بناءً على انفرادها بقرار وقوع مخالفة؛ كما كان يحدث بمقتضى القسم، المسمَّى "سوبر 301"، من قانون التجارة الأمريكي، الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة الأمريكية، لفرض العقوبات التجارية على الدول، التي لا تحترم الحقوق الأمريكية، في مجال الملكية الفكرية، أو التي تخل بمصالحها التجارية. وهذا إنجاز مهم، يعمل على تقوية للنظام المتعدد الأطراف. وتخول الترتيبات الجديدة، لتسوية المنازعات التجارية، بين الدول الأعضاء في المنظمة، دون عرقلة المتهم بخرق الاتفاقيات لحكم هيئة تسوية المنازعات. إذ قصرت عضوية اللجان أو الهيئات المكلفة بتلك التسوية، على ممثلي الأطراف المتعاقدة في الجات، عدا أطراف النزاع. وأجازت لها أن تضم خبراء ومحكمين، مستقلين عن المتنازعين. وحكم لجنة تسوية المنازعات، يصبح نافذاً، تلقائياً، إذا وافقت عليه أغلبية أعضاء المجلس العام، ما لم تستأنفه الدولة المتهمة. وحكم لجنة الاستئناف قطعي، واجب النفاذ.

وإن لم يستجب العضو المتهم لحكم المجلس العام، فإنه يحق للدولة المتضررة طلب تعويض، أو توقيع عقوبات تجارية عليه؛ لا توقعها المنظمة نفسها، وإنما تفوض توقيعها إلى الطرف المتضرر. وتتمثل العقوبة في سحب أو تعليق ما سبق أن التزمه الأخير، لمصلحة المتهم، أيْ اتخاذ إجراء وقائي، بحرمانه مبدأ معاملة الدولة الأكثر رعاية. وربما لا تكون العقوبة من جنس العمل، بمعنى أن إخلالاً بالتزام متعلق بالتجارة في السلع، قد يواجَه بعقوبة تتعلق بالتجارة في الخدمات، أو بحقوق الملكية الفكرية، أو بالاستثمار.

وهو ما قد ينطوي على شيء من عدم التكافؤ في قوة العقوبة، أو عدم التواؤم بين الإخلال بالتزام معين والعقوبة الممكن توقيعها في هذا الشأن. فما دام توقيع العقوبة متروكاً للطرف المتضرر، فإن قدرة الدول القوية على معاقبة الدول الضعيفة، ستكون أشد من قدرة الأخيرة على فرض عقوبات مؤثرة أو رادعة على الأولى.

 



[1] لاحظ الفرق بين اتفاقية مراكش وبروتوكول مراكش. فالأول هو الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية مع بيان المجلس واللجان التي تتكون منها، وشروط الانضمام إليها، وتعديل أحكامها. أما الثاني فهو وثيقة مستقلة من وثائق جولة أوروجواي تتضمن التخفيضات الجمركية والتنازلات المتفق عليها أثناء جولة أوروجواي، وقد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جات 1994.

[2] أصبحت الجات جزءاً من الاتفاقات التي أسفرت عنها جولة أوروجواي، وأصبحت تُسمى الجات 1994، تمييزاً لها عن الجات 1947. والفرق بين الاثنين أن الجات 1947 تعني الاتفاقية الأصلية المكونة من 38 مادة وملاحقها وما طرأ عليها من تعديلات منذ التوقيع عليها. أما الجات 1994 فهي تشمل الجات 1947 بالمعنى السابق، بالإضافة إلى جميع الأعمال القانونية التي اتفقت عليها الأطراف المتعاقدة، وكانت نافذة في أول يناير 1995. ويدخل في ذلك بروتوكولات الانضمام إلى الجات وبروتوكولات الإعفاءات وغير ذلك.