إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / منظمة التجارة العالمية (WTO)





الهيكل التنظيمي




المبحث الأول

المبحث الأول

النظام الاقتصادي العالمي، ونشأة "الجات"

النظام الاقتصادي العالمي هو القواعد والترتيبات، التي وُضعت، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لضبط العلاقات الاقتصادية بين الدول المختلفة، قوامه ثلاثة أركان: أولها، النظام النقدي الدولي، وهو الذي يحكم قواعد السلوك في كلّ ما يتعلق بأسعار الصرف، وموازين المدفوعات، ومصادر تمويل العجز، وسياسات تصحيحية. وصندوق النقد الدولي International Monetary Fund هو المرفق الأول، المسؤول عن ذلك النظام. وركنه الثاني هو النظام المالي الدولي، وهو الذي يحكم قواعد السلوك في كلّ ما يتعلق بالانتقالات الدولية لرؤوس الأموال، سواء كانت مساعدات أجنبية، أو قروضاً خارجية، أو استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة. ويضطلع البنك الدولي لإعادة التعمير والتنمية International Bank for Reconstruction and Development بإسهام قيادي في هذا المجال. ويتمثل ثالث أركانه في النظام التجاري الدولي، وهو الذي يحكم قواعد السلوك في كلّ ما يتعلق بتصدير السلع أو استيرادها، وما يجوز وما لا يجوز، من الإجراءات الحمائية أو إعانات التصدير. وقد تولت الجات المسؤولية عنه، إلى أن استبدلت بها منظمة التجارة العالمية.

أولاً: اتفاقية "بريتون وودز"، وأركان النظام الاقتصادي العالمي

في الأول من يوليه 1944، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى عقد مؤتمر، في "بريتون وودز" إحدى مدنها. ضم المؤتمر 44 دولة، استهدفت تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد، عماده ثلاثة أركان رئيسية: النظام النقدي الدولي، النظام المالي الدولي، النظام التجاري الدولي. وترعاه ثلاث منظمات عالمية، وذلك من خلال القواعد، التي تحكم سلوك كلّ دولة تجاه هذا النظام، وتجاه أيّ دولة أخرى عضو في أيّ منظمة من تلك المنظمات، التي تتبع المنظمة الكبرى، الأمّ، وهي منظمة الأمم المتحدة.

وقد تمخض المؤتمر، بعد ثلاثة أسابيع من انعقاده، بالمشروع النهائي لاتفاقية "بريتون وودز"، التي أنشئ بموجبها صندوق النقد الدولي، ليكون حارساً للنظام النقدي الدولي؛ والبنك الدولي لإعادة التعمير والتنمية، ليكون حارساً للنظام المالي الدولي. أنشئ أولهما في 25 ديسمبر 1945. وعهد إليه اشتراع السياسات النقدية العالمية، وتحقيق الاستقرار لأسعار الصرف، وتخفيف القيود على الصرف الأجنبي؛ فضلاً عن تدارك الاختلالات الطارئة على موازين المدفوعات، من طريق توفير رصيد مالي دولي لهذا الغرض. ووُلد ثانيهما، عام 1946. وفوِّض إليه إدارة السياسات المالية العالمية، والإسهام في إعادة تعمير ما خربته الحرب العالمية الثانية في الدول، أطراف الاتفاقية، ومساعدة تلك النامية منها على عملية التنمية؛ وذلك من طريق تقديم القروض والتسهيلات الائتمانية، وتوفير التمويل اللازم للاستثمار، وتشجيع نمو التجارة الدولية.

ثانياً: "ميثاق هافانا"، ونشأة "الجات"

لاستكمال أركان النظام الاقتصادي العالمي، اتجه تفكير الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إنشاء منظمة للتجارة العالمية، في عام 1947، سُميت بمنظمة التجارة الدولية International Trade Organization (ITO)، هدفها التوسع في تلك التجارة، من خلال إقامة نظام للتجارة الحرة بين الدول.

ولقد طُرحت فكرة إنشاء المنظمة الآنفة، حينما أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، بناءً على مقترح أمريكي، توصية بعقد مؤتمر دولي للتجارة والتوظيف، في لندن، عام 1946. فانعقد في العاصمة البريطانية، واستكمل أعماله في جنيف، في سويسرا، عام 1947، ثم اختتمها في هافانا، عاصمة كوبا، في 24 مارس 1948. وأسفر عن وثيقة، عُرفت باسم "ميثاق هافانا"، أو "ميثاق التجارة الدولية". اشتمل الميثاق على قواعد وأُسُس، تستند إليها اتفاقية للتجارة الدولية، تنظم المبادلات التجارية بين الدول، بما يحقق العدالة فيما بينها؛ والعمل على إنشاء منظمة للتجارة العالمية، توازي صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. وتألف من أربعة فصول، خُصت بالثلاثة الأولى منها مشكلات السياسة التجارية الدولية، وما يشوبها من عوائق وأوجُه قصور، تؤثر سلباً، في التدفقات السلعية للدول، والاتفاقيات المتعلقة بتجارة السلع الأولية، والتجمعات التصديرية الأساسية، وسياسات العمل والتوظيف. وقُصر الفصل الرابع على القواعد الأساسية للسياسة التجارية، التي يقرها الميثاق، وتتضمن تقييداً لسيادة الدول المطلقة في سياساتها التجارية، بالقدر اللازم لتحقيق التزامها بأحكام الاتفاقيات الدولية في هذا المجال. ونص كذلك على إنشاء المنظمة التجارية المقترحة.

شاركت في مفاوضات "ميثاق هافانا" 56 دولة، خلال الفترة من 21 نوفمبر 1947 إلى 24 مارس 1948. وكان من الضروري موافقة نصف عدد الدول المشاركة على الوثيقة، بالأحرف الأولى؛ على أن تصبح الموافقة نهائية، بعد أن تقرها، وتصدق عليها المؤسسات التشريعية في تلك الدول. وعلى الرغم من أن انعقاد المؤتمر، الذي أسفر عن "ميثاق هافانا"، كان استجابة لمبادرة أمريكية، فإن واشنطن، تنكرت لموافقتها المبدئية عليه، ولم تعرضه على الكونجرس؛ بل أعلنت، عام 1950، رفضها التصديق عليه، ولا سيما جزئه المتعلق بإنشاء منظمة للتجارة الدولية؛ خشية أن تنتقص من سيادتها في تجارتها الخارجية. إلا أن رفض الولايات المتحدة الأمريكية، لم يخلّ بتوجهها العام، الرامي إلى توقيع اتفاقية شاملة لتحرير التجارة الدولية السلعية من القيود، التي تعوق تدفقها؛ إذ كانت دعت إلى عقد مؤتمر دولي، عام 1947، في جنيف، أيْ قبل التوصل إلى وثيقة "ميثاق هافانا"؛ ويماشي هذا التوجه النمط الأمريكي التقليدي، المعروف بالازدواجية في التحرك Double-Track Approach.

ولقد ضم المؤتمر، في بدايته، ثماني عشرة دولة، وما لبث عددها أن ارتفع إلى 23 دولة، تفاوضت في اتفاقية دولية لتحرير التجارة، تكون ترتيباً مؤقتاً، ريثما تتضح مواقف الدول من التصديق على "ميثاق هافانا". بدأت المفاوضات ثنائية، لتبادل التخفيضات الجمركية على السلع المختلفة. وتلا ذلك تجميع الاتفاقيات الثنائية كافة في اتفاقية شاملة، متعددة الأطراف، لتحرير التجارة في السلع. وفي هذه الأثناء، جاء الرفض الأمريكي للتصديق على "ميثاق هافانا"، ليقوض الجهود الرامية إلى إنشاء منظمة التجارة الدولية؛ إلا أنه لم يمنع من التوصل، في 20 أكتوبر 1947، إلى اتفاقية متعددة الأطراف، أُطلق عليها "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة" General Agreement on Tariffs and Trade GATT، وأصبحت سارية المفعول،  منذ الأول من يناير 1948.

اتفاقية الجات، إذاً، تنظيم دولي مؤقت. وعلى الرغم من أنها ليست منظمة عالمية، من الناحية القانونية، مثل: صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي؛ إلا أنها اكتسبت، بقوة الممارسة خلال سنوات عملها الطويلة، وضع المنظمة العالمية، غير الدائمة، التي تمارس مهامها من خلال سكرتارية دائمة، مقرها جنيف، في سويسرا. وكان من أهم أعمال سكرتارية الجات إشرافها على جولات المفاوضات في التعريفات الجمركية، والقواعد والإجراءات المنظمة للتجارة الدولية بين الدول المنضمة إلى الاتفاقية. واستمرت مضطلعة بمهامها إلى أن أعلن، في الأول من يناير 1995، نشوء منظمة التجارة العالمية، التي استبدلت بها.

وخلاصة ذلك، أن الجات، نشأت عام 1947، بانضمام 23 دولة عضو. وانتهت عام 1994، حينما وقعت 117 دولة، في مراكش، في المغرب، إنشاء منظمة التجارة العالمية.