إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / المخدرات وتأثيرها في الاقتصاد القومي





منحنى إمكانيات الإنتاج
منحنى السواء
المخدرات ومعدلات البطالة
المخدرات ودورة النشاط الاقتصادي
توازن المستهلك
خط الميزانية




الآثار الاقتصادية للمخدرات

الآثار الاقتصادية للمخدرات

      على الرغم من وجود العديد من الآثار الاقتصادية، التي يمكن نسبتها إلى انتشار ظاهرة المخدرات، فإنه سيُكْتَفَى بذكر أهمها وأبرزها.

أولاً: المخدرات ودورة النشاط الاقتصادي

      قبل النظر إلى أثر تعاطي المخدرات في دورة النشاط الاقتصادي، لا بدّ من إعطاء صورة مبسطة للاقتصاد القومي، الذي يتكون من قطاعين: أحدهما، استهلاكي، ويسمى القطاع العائلي. والآخر، إنتاجي، ويسمى قطاع المشروعات. يعرض القطاع العائلي خدمات عوامل الإنتاج في السوق (أي العوامل التي لا تتحقق العملية الإنتاجية إلا بها؛ وتشمل الأرض، والعمل، ورأس المال، والتنظيم). ويحصل، في مقابل ذلك، على عوائد تلك العوامل (الريع للأرض، والأجر للعمل، والفائدة لرأس المال، والربح للمنظم). أما قطاع المشروعات، فيشتري خدمات عوامل الإنتاج، مقابل عوائدها، لاستخدامها في إنتاج السلع والخدمات، التي يبيعها للقطاع العائلي، من طريق أسواق المنتجات النهائية، ويحصل، في المقابل، على الإنفاق العام.

      ويمكن، من خلال هذا الرسم البياني المبسط، تحديد آثار تعاطي المخدرات في دورة النشاط الاقتصادي، على النحو التالي:

  1. نظراً إلى كون إنتاج المخدرات وتسويقها وبيعها، لا تدخل ضمن الإطار العام لدورة النشاط الاقتصادي، فإن أثر هذه العمليات، يتمثل في الخسائر، التي تعترض طريق دورة المتغيرات الرئيسية، في دورة النشاط الاقتصادي.
  2. نظراً إلى كون إنتاج المخدرات وبيعها وتعاطيها، تستهلك الكثير من قدرات القطاع العائلي، فإن أول الآثار السلبية، الناتجة من هذه العمليات، يتمثل في نقص المعروض من عناصر الإنتاج، في سوق عوامل الإنتاج؛ إذ يُصْرَف بعض من عناصر الإنتاج، المتاحة للدولة، وبطريقة غير مشروعة ـ إلى العمل في ميدان المخدرات؛ وهذا ما يسبب هدراً واضحاً لموارد الدولة النادرة.
  3. يسبب صرف جهود الكثير من عوامل الإنتاج، إلى العمل في ميدان المخدرات، خسارة كبيرة في الناتج القومي الإجمالي، الذي يتمثل في السلع والخدمات النهائية، المنتجة في فترة زمنية معينة. ومن ثَم، فإن توجه بعض عوامل الإنتاج إلى العمل في العمليات المرتبطة بتعاطي المخدرات سيؤدي إلى نقص في هذه  السلع والخدمات، وفي الإنتاج القومي الإجمالي بعامة.
  4. نتيجة لكون معظم أعمار المتعاطين للمخدرات، تندرج تحت السن القانونية للعمل؛ لذا، فإن تعاطي المخدرات سيؤدي إلى نقص كبير في الإنتاجية الفردية وربما إلى اضمحلالها؛ وهذا ما يسبب نقصاً إضافياً في الناتج القومي الإجمالي؛ ونقصاً في المعروض من السلع والخدمات النهائية، واستطراداً، خسارة إضافية للاقتصاد الوطني.
  5. يؤدي تعاطي المخدرات إلى إنفاق الكثير من الدخل العام، للأسرة والفرد، على المخدرات المطلوبة؛ وهذا ما يؤدي إلى نقص في الدخل المتاح، للإنفاق على السلع والخدمات المشروعة المنتجة، في الاقتصاد القومي. يمثّل الإنفاق على المخدرات، إذاً، تسلاً من دورة النشاط الاقتصادي، لكونه لا يتجه إلى السلع والخدمات، التي ينتجها القطاع الإنتاجي (قطاع المشروعات)؛ ومن ثَم، فإنه يُعَدّ نقصاناً في الإنفاق العام، قد يؤدي، بدوره، إلى حالة كساد واضحة في الاقتصاد القومي.

ثانياً: المخدرات ومنحنى إمكانات الإنتاج

      يُعرّف منحنى إمكانات الإنتاج، بأنه المنحنى الذي يوضح البدائل الإنتاجية الممكنة، في ظل الموارد الاقتصادية والتكنولوجيا المتاحة. وقوامه الافتراضات التالية:

  1. التوظيف الكامل، والفاعل، لجميع الموارد الاقتصادية المتاحة؛ وهذا يعني عدم وجود بطالة، مفتوحة أو مقنعة، بين صفوف الموارد الاقتصادية المتاحة للتوظيف.
  2. ثبات الفن التكنولوجي المتاح.
  3. إمكانية إنتاج سلعتين فقط؛ وهذا الافتراض يخدم أغراض الرسم البياني، على الرغم من عدم موافقته الواقع. ولكن، يمكن القول بإنتاج سلعتين: السلعة ص والسلعة س، على أساس أن الأولى تمثل بقية السلع، التي ينتجها الاقتصاد القومي.

      ويمكن توضيح أثر المخدرات في منحنى إمكانات الإنتاج، بافتراض أن الجدول التالي، يوضح البدائل الإنتاجية الممكنة، لدولة من الدول.

جدول إمكانات الإنتاج بالألف وحدة

بقية السلع (ص)

السلعة س

الإمكانية

10

0

أ

8

1

ب

6

2

ج

4

3

د

2

4

هـ

0

5

و

      يُظهر الجدول، أن هنالك 6 بدائل إنتاجية متاحة، يمكن الدولة أن تختار منها ما يحقق لها أكبر إشباع ممكن. ويلاحظ أن البديل (أ)، يعني أن جميع الموارد موظفة توظيفاً كاملاً، وفعالاً، في إنتاج السلعة ص فقط، ومن ثَم، أمكن إنتاج 10 آلاف وحدة من السلعة ص، وصفر من السلعة س. كما أن البديل الإنتاجي (و)، يعني أن جميع الموارد موظفة توظيفاً كاملاً وفعالاً، في إنتاج السلعـة س؛ وهذا ما أدى إلى إنتاج 5 آلاف وحدة من السلعة س، وصفر من السلعة ص. وبين البديلين، (أ) و(و)، عدة بدائل أخرى، يمكن الدولة أن تختار منها ما يوافق معطيات واقعها الاقتصادي، ومؤشرات قوى السوق، المتمثلة في قوى العرض والطلب.

      وقبل المبادرة إلى رسم منحنى إمكانات الإنتاج لهذه الدولة، يُشار إلى أنه قد افتُرض ثبات الإنتاجية، الناتج من افتراض عدم تخصص الموارد الاقتصادية المتاحة، حتى إنه يمكن نقل الموارد المتاحة من سلعة إلى أخرى، من دون أن يكون هنالك تأثير في إنتاجية هذه الموارد. ويُشار، كذلك، إلى أن هذا الافتراض، لا يؤثر في التحليل العام، المراد تحقيقه، والمتمثل في إيضاح أثر المخدرات في منحنى إمكانات الإنتاج للدولة، خاصة أن هدف التحليل، هو توضيح اتجاه الأثر، لا قياس كميته.

      افترض أن الدولة، قد اختارت إمكانية الإنتاج (د)، التي تنتج 4 آلاف وحدة من السلعة ص، و3 آلاف وحدة من السلعة س، لتصبح عند النقطة (د)، على منحنى إمكانيات الإنتاج (أ ـ و). وكما يتضح من الجدول، فإن إمكانية الوصول إلى هذه النقطة، لا تتحقق إلا إذا تحقق الشرط الضروري، الذي ينص على التوظيف الكامل للموارد الاقتصادية المتاحة.

      افترض أن هذه الدولة، أصبحت تعاني مشكلة إنتاج أو/و تعاطي المخدرات، وهذا ما أدى إلى صرف بعض الموارد الاقتصادية المتاحة إلى هذا المجال. بطبيعة الحال، سيؤدي ذلك إلى نقص في الموارد المتاحة لإنتاج السلع المشروعة (السلعة س والسلعة ص)؛ ومن ثَم، ستصبح البدائل الإنتاجية، المذكورة في جدول إمكانات الإنتاج، غير ممكنة، في ظل الوضع الاقتصادي الجديد، وهذا ما سيؤدي إلى تغير جدول إمكانات الإنتاج. وبما أن منحنى إمكانات الإنتاج، يمثل الرسم البياني لجدول إمكانات الإنتاج، فإن هذا المنحنى سيتغير، كذلك، ليعكس التغير في البدائل الإنتاجية الممكنة للدولة.

      يُظهِر الجدول التالي، أن عدد البدائل الإنتاجية، قد انخفض، نتيجة لتوجيه بعض الموارد الاقتصادية المتاحة للدولة، إلى مجال المخدرات المختلفة وعملياتها (الإنتاج ـ التسويق التعاطي). كذلك لو أمكن توظيف جميع الموارد الاقتصادية المتبقية، في إنتاج السلعة ص، لأمكن إنتاج 8 آلاف وحدة فقط؛ بينما كان في الإمكان إنتاج 10 آلاف وحدة، قبل انتشار ظاهرة المخدرات. ولو أُتيح توظيف جميع الموارد المتبقية، في إنتاج السلعة س فقط، لأمكن إنتاج 4 آلاف وحدة؛ بينما كان في الإمكان إنتاج 5 آلاف وحدة، قبل انصراف بعض الموارد الاقتصادية، إلى المجالات المختلفة المتعلقة بالمخدرات.

جدول إمكانات الإنتاج، في ظل افتراض انتشار ظاهرة المخدرات

بقية السلع (السلعة ص)

السلعة س

الإمكانية

8

0

أ1

6

1

ب1

4

2

ج1

2

3

د1

0

4

هـ1

      لا شك أن المقدرة الإنتاجية للدولة، قد انخفضت، نتيجة لعدم تحقق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، ونتيجة لتحوّل بعض الموارد الاقتصادية، من الإنتاج المشروع إلى الإنتاج غير المشروع.

      كما يلاحظ أن سوء استغلال الموارد الاقتصادية، أو استغلالها في المجالات غير المشروعة، قد أدى إلى انتقال منحنى إمكانات الإنتاج (أ1 ـ هـ1)، إلى يسار المنحنى السابق (أ ـ و)، للدلالة على نقصان ما يمكن إنتاجه من السلعتين المشروعتين.

      ويمكن الإشارة، كذلك، إلى أن أثر انتشار المخدرات، قد يكون على حساب السلعة س فقط، أو على حساب السلعة ص فقط، أو على حسابهما معاً.

      وبالانتقال من البديل الإنتاجي (د)، على منحنى إمكانات الإنتاج القديم، إلى البديل الإنتاجي (ج)، على منحنى إمكانات الإنتاج الجديد، يتضح أثر المخدرات في كلتا السلعتين؛ إذ نقص إنتاج السلعة ص بالمقدار (ص1 ـ ص2)؛ ونقص إنتاج السلعة س، بالمقدار (س1 ـ س2).

      أما الانتقال من النقطة (د) إلى النقطة (ن)، على المنحنى الجديد، فيُظهر أن إنتاج السلعة س، بقي عند مستواه السابق؛ بينما انخفض إنتاج السلعة ص، بالمقدار (ص1 ـ ص3)، مشيراً إلى أن الموارد، التي حُوِّلت إلى مجال المخدرات، كانت، في السابق، موظفة في إنتاج السلعة ص.

      ويُظهِر الانتقال إلى النقطة (ب)، على المنحنى الجديد، أن تحوّل الموارد الاقتصادية، من إنتاج السلعة س إلى إنتاج المخدرات، أدى إلى نقصان إنتاج السلعة س، بالمقدار ( س1 ـ س2)؛ مع بقاء إنتاج السلعة ص على ما كان عليه في السابق. بعامة، يؤدي انتشار ظاهرة المخدرات إلى:

  1. نقصان البدائل الإنتاجية المتاحة للدولة، نتيجة لتحوّل بعض الموارد الاقتصادية إلى مجال المخدرات.
  2. تغير جدول إمكانات الإنتاج، نتيجة لنقصان الكميات الممكن إنتاجها، من السلع والخدمات.

انتقال منحنى إمكانات الإنتاج إلى الداخل، للدلالة على الهدر الملحوظ في الموارد الاقتصادية المتاحة.

ثالثاً: المخدرات وتوازن المستهلك

      يحرص كل مستهلك على أن يسلك سلوكاً رشيداً، يستطيع، من خلاله، اختيار التوليفة والكميات المثالية، من السلع والخدمات، التي تحقق له أقصى إشباع ممكن، في حدود إمكاناته المحدودة. بعبارة أخرى، يسعى كل مستهلك إلى تحقيق التوازن الاستهلاكي، من خلال بحثه عن أفضل السبل، التي تحقق له توزيع دخله المتاح، على السلع والخدمات المطلوبة، لتحقيق أقصى إشباع ممكن. وطبقاً للنظرية الاقتصادية، فإن هنالك طريقتين، لشرح توازن المستهلك وتوضيحه: الأولى، تمثل مدرسة النفعيين، التي تبلورت في نظرية مارشال، وتعتمد على فكرة قياس المنفعة الحدية، كطريقة لتحديد توازن المستهلك. والثانية، تتمثل في طريقة منحنيات السواء، التي تعتمد على فكرة ترتيب المنفعة، وليس قياسها. ونظراً إلى كون الطريقة الثانية، هي الأكثر شيوعاً وتطبيقاً، فستُعْتَمَد في تحليل أثر المخدرات في توازن المستهلك.

      عماد هذه الطريقة فكرة أن المنفعة، التي يحصل عليها المستهلك، من استهلاكه للسلع والخدمات، هي نفسية بحتة، لا يمكن قياسها أو تلمسها؛ فلا يمكن، إذاً، إخضاعها لعمليات القياس الإحصائي. ومن هذا المنطلق، فقد بلور الاقتصادي "هيكس" هذه الفكرة، في نظرية، أصبحت تعرف، فيما بعد، بنظرية منحنيات السواء.

      وتعرّف منحنيات السواء بأنها تلك المنحنيات، التي توضح البدائل الاستهلاكية، التي تعطي للمستهلك مستويات متماثلة، من الإشباع أو من المنفعة؛ ومن ثَم، فإن أي نقطة على المنحنى، تعطي المنفعة نفسها، التي يمكن الحصول عليها من النقاط الأخرى، على المنحنى نفسه.

      وينحدر منحنى السواء من أعلى إلى أسفل، وفق معدل إحلال حدي بين السلعتين أو السلع، التي يستهلكها الفرد. ولتوضيح شكل منحنيات السواء، انظر إلى الشكل التالي:

      يلاحظ من الرسم البياني، أنه يمكن قياس ميل منحنيات السواء، من طريق معدل الإحلال الحدي Marginal Rate of Substitution  ، الذي يقيس عدد الوحدات، التي يمكن الحصول عليها من السلعة ص، مقابل التضحية بوحدة واحدة من السلعة س. ويلاحظ، كذلك، أن معدل الإحلال الحدي، يتناقص، بمعنى أن الانتقال من نقطة إلى أخرى، على منحنى السواء، يصاحبه تناقص في الكمية، التي يكون المستهلك على استعداد للتضحية بها من السلعة، مقابل الحصول على وحدات محددة من السلعة الأخرى. ولمنحنيات السواء العديد من الخصائص، التي يأتي في مقدمتها، أن منحنى السواء الأعلى، يعطي مستوى إشباع أفضل للمستهلك، واستطراداً، فإن الانتقال من منحنى السواءU1 ، إلى منحنى السواء U2 ، يعني أن المستهلك قد حصل على مستوى إشباع أفضل، نتيجة لحصوله على كميات أكبر من السلعتين.

      وحرصاً على الاستفادة مما تقدم، في تحليل أثر المخدرات في توازن المستهلك ومستوى رفاهيته، لا بدّ من التطرق إلى ما يسمى بخط الدخل، أو خط الميزانية Budget Line؛ وذلكلكون المستهلك، يحتاج إلى أن يختار منحنى السواء والتوليفة من السلع، التي تعطيه أكبر إشباع ممكن، في حدود دخله وإمكاناته المتاحة. ولتوضيح شكل اشتقاق خط الميزانية وكيفيته، يُفتَرض أن مستهلكاً، يبلغ دخله 100 ريال، وينفقه على السلعتين، س وص. وإذا كان سعر السلعة س، يساوي 10 ريالات؛ وسعر السلعة ص، يساوي 50 ريالاً. فما هي الكميات، التي يستطيع المستهلك شراءها من السلعتين؟

      إذا أنفق دخله كله على السلعة س، فإنه يستطيع الحصول على 10 وحدات منها. كما يستطيع الحصول على وحدتين من السلعة ص، إذا أنفق كامل دخله على السلعة ص. وهكذا، يمكن رسم خط الميزانية، على النحو التالي: المبين في الشكل التالي:

ولقد اشتُقَّ خط الميزانية باستخدام المعادلة التالية:

ل = 10 س + 50 ص.

ترمز (ل) إلى دخل المستهلك، وتساوي 100 ريال.

      يستطيع المستهلك، إذاً، شراء صفر من س، ووحدتين من ص؛ أو 10 وحدات من س، وصفر من ص؛ وبين هذين الخيارين العديد من الخيارات، التي يمكن المستهلك اختيارها.

      ما هي الكميات التي سيختارها المستهلك؟ تقول النظرية الاقتصادية، إن المستهلك الرشيد، سيختار الكميات، التي تحقق له أفضل إشباع ممكن، أو الكميات، التي تمكنه من الوصول إلى أعلى منحنى سواء ممكن؛ في ظل دخله المحدود. ومن ثَم، فإن تعرّف توازن المستهلك، يتطلب إدماج منحنيات السواء في خط الميزانية، في رسم بياني واحد، كما في الشكل التالي:

      يلاحظ في الشكل ثلاثة منحنيات سواء: منحنى السواء الأول u1، يمكن الوصول إليه؛ ولكنه غير مرغوب فيه؛ لأنه يمكن الوصول إلى منحنى سواء أعلى، وهو منحنى u2. منحنى السواء الثالث u3، لا يمكن الوصول إليه، في ظل ثبات مستوى الدخل. واستطراداً، فإن منحنى السواء، الذي حقق للمستهلك أفضل إشباع ممكن، وفقاً للدخل الحالي، هو منحنى السواء الثاني u2. والكميات، التي تحقق له أفضل إشباع ممكن، هي الكميات، التي تتحدد عند نقطة تماس منحنى السواء وخط الميزانية، أي الكميات س1 و ص1.

      وبافتراض أن هذا المستهلك، قد تخلى عن رشده، وأصبح ينفق جزءاً (قلْ 50%) من دخله، على المخدرات، فإن الدخل المتاح للإنفاق على السلعتين المشروعتين (س وص)، سينخفض إلى 50 ريالاً فقط؛ وهذا ما سيؤدي إلى انتقال خط ميزانية المستهلك إلى الداخل، أي إلى الخط (1 ـ 5)، الذي يمكن الحصول عليه من المعادلة التالية:

ل ـ ن ل = 10 س + 50 ص.

أو:

أو (1 ـ ن ) ل = 10 س + 50 ص.

      ويُشار إلى أن قيمة (ن) تراوح بين الصفر والواحد الصحيح؛ إذ تكون صفراً للمستهلك الرشيد، الذي لا يتعاطى المخدرات؛ وتكون واحداً صحيحاً، للأفراد الذين ينفقون كامل دخولهم على المخدرات؛ وتكون أعلى من الصفر، وأدنى من الواحد الصحيح، للمستهلك، الذي ينفق جزءاً فقط من دخله على المخدرات، وهي في المثال السابق 50%.

      ولقد ترتب على انتقال خط الميزانية إلى الداخل، انتقال نقطة توازن المستهلك، من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) حيث يتماس خط الميزانية الجديد ومنحنى السواء u1؛ وهذا ما يعني أن المستهلك قد أصبح، نتيجة لتعاطيه المخدرات، عند مستوى رفاهية أقلّ مما كان عليه في السابق (منحنى السواء u2   أعلى من منحنى السواء u1 . ويلاحظ، كذلك، أن الكميات، التي كان المستهلك يستطيع شراءها بدخله المتاح، قد انخفضت، نتيجة لانخفاض الدخل المخصص للسلع المشروعة. كما أن الكميات، التي تعطيه أقصى إشباع ممكن، في ظل الدخل المتاح للسلع المشروعة، قد انخفضت إلى س2 وص2، بعد أن كانت س1 وص1. باختصار، يمكن القول إن تعاطي المخدرات، يؤدي إلى:

  1. انتقال نقطة توازن المستهلك إلى الأسفل.
  2. انخفاض مستوى رفاهية المستهلك؛ إذ إنه أصبح على منحنى سواء، أسفل مما كان عليه في السابق.
  3. انخفاض كميات السلع والخدمات، التي يستطيع شراءها بدخله المتاح، المخصص للسلع المشروعة.
  4. انخفاض كميات السلع والخدمات، التي تعظم منفعة المستهلك، نتيجة لانتقال خط الميزانية إلى الداخل.

رابعاً: المخدرات وعمليات غسل الأموال Money Laundering

      يُعَدّ الاتجار في المخدرات، من أهم الأسباب الدافعة إلى عمليات غسل الأموال؛ إذ يلجأ المتجرون فيها، وفي غيرها من العقاقير غير المشروعة، إلى إخفاء وجود الدخل، أو إخفاء مصدره غير المشروع، ثم يعمدون إلى التمويه، من أجل الإيهام بأن الدخل مشروع. ومما لاشك فيه، أنه يترتب على هذه العمليات، العديد من الآثار السلبية، التي تنعكس على الاقتصاد القومي، وتدفع به إلى الكثير من المشاكل، الإدارية والمالية.

      وقبل تعرّف أهم هذه الآثار السلبية، لا بدّ من تعرّف ماهية غسل الأموال ومجالاتها المختلفة. لقد تعددت التعريفات، التي اجتهد الخبراء في الوصول إليها، بهدف تقريب معنى غسل الأموال إلى الأذهان، فعرفه خبراء التدريب، في برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، بأنه "عملية يلجأ إليها من يتعاطى الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة، لإخفاء وجود دخل، أو لإخفاء مصدره غير المشروع، ثم يعمد إلى تمويه ذلك الدخل، ليبدو وكأنه دخل مشروع؛ بعبارة أبسط، هو التصرف في النقود، بطريقة تخفي مصدرها وأصلها الحقيقي".

      وعرف "ليجو جيرارد"، الخبير في الشرطة الفرنسية، غسل الأموال، بأنه "المحاولة، بوسائل متعددة، قد تكون مأخوذة من دنيا رجال الأعمال ـ لإخفاء مصدر الكسب غير المشروع للأموال؛ حتى يمكن استثمارها، من دون خوف من إمكانية مصادرتها، في قنوات، مالية أو اقتصادية، مشروعة".

      واعتمد المجلس الأوروبي تعريفاً لغسل الأموال، ورد في التوجيه ذي الرقم 308، الصادر في 10 يونيه 199، على أنه تغيير شكل المال، من حالة إلى أخرى؛ وتوظيفه أو تحويله ونقله، مع العلم بأنه مستمد من نشاط إجرامي، أو من فعل، يعد مساهمة في مثل هذا النشاط؛ وذلك بغرض إخفائه أو تمويه حقيقة أصله غير المشروع.

      ومما لا شك فيه، أن تجارة المخدرات، تُعَدّ مصدراً من أهم مصادر الأموال غير المشروعة، التي تحتاج إلى تمويه وغسل، حتى تأخذ صورة المال المشروع. ويشير بعض التقديرات إلى أن تجارة المخدرات، قد تضاعفت بما يزيد على ستة أضعاف، خلال الفترة بين عامَي 1973 و1990. وقد أشار بعض المصادر إلى معدلات أرباح التجارة، في هذا المجال، تصل إلى 98 %؛ فقد قدرت قوة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال FATF، أن أرباح مبيعات المخدرات، من الهيرويين والكوكيين، بلغت، عام 1989، 122 بليون دولار، في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؛ وأن ما يزيد على 70 % من هذه المبالغ، تمر بمرحلة غسل وتبييض. كما قدرت الأمم المتحدة، وقوة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال، حجم الأموال، التي تُغْسَل، سنوياً، بما يراوح بين 300 و500 بليون دولار أمريكي، على مستوى الدول الصناعية فقط. وبإضافة ما يُغْسَل من أموال، في باقي دول العالم، تتضح ضخامة الآثار الاقتصادية، المترتبة على الاتجار في المخدرات، وما يعقبها من غسل للأموال غير المشروعة.

      ومن أهم الآثار الاقتصادية، المترتبة على عمليات غسل الأموال، ذات العلاقة بالاتجار في المخدرات، ما يلي:

  1. لعمليات غسل الأموال آثار سلبية في مستوى الدخل القومي، إذ يلجأ تجار المخدرات إلى غسيل أموالهم، التي حصلوا عليها من عمليات بيع المخدرات، في المصارف الخارجية؛ وهذا ما يسبب استنزافاً للدخل القومي، وضموراً في دورة النشاط الاقتصادي.
  2. لعمليات غسل الأموال آثار سلبية في سعر العملة المحلية؛ إذ إن زيادة المعروض من العملة المحلية، تؤدي إلى نقص قيمتها في سوق العملات الأجنبية. كما أن طلب العملات الأجنبية، وبخاصة العملات الصعبة، كالدولار والجنيه الإسترليني والمارك الألماني، يزداد، مسبباً استنزافاً للاحتياطي النقدي من هذه العملات، خاصة في ظل لجوء الكثير من الدول، إلى دعم عملاتها الوطنية وحمايتها من التقلبات الخطيرة.
  3. تسبب عمليات غسل الأموال أعباء إضافية على ميزانية الدولة؛ إذ يؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية، إلى ارتفاع قيمة الواردات. ونظراً إلى كون معظم الدول النامية، تعتمد اعتماداً كبيراً على السلع والخدمات المستوردة، فإن الدول ذات المقدرة، المالية والنقدية الضعيفة ، تكون من أكثر الدول تضرراً بتجارة المخدرات، وما يرتبط بها من عمليات لغسل الأموال.
  4. تسبب تجارة المخدرات إرباكاً للسلطات النقدية في أي دولة، حيث يصبح من الصعب عليها مراقبة العملة المحلية ودعمها، نتيجة لعدم قدرتها على التنبؤ بالمطلوب والمعروض من العملة، خاصة أن تجارة المخدرات من النشاطات الإجرامية، التي لا تبدو للعيان، ولا يمكن متابعة أو تعرف عناصرها، بسهولة.
  5. تتسبب تجارة المخدرات، وعمليات غسل الأموال، بظهور ما يُعرف بالاقتصاد الخفي، الذي يصعب مراقبته أو التأثير في متغيراته؛ وهذا ما يسبب انتشاراً للفساد، الإداري والمالي، في الدولة.
  6. تتسبب عمليات غسل الأموال بخسائر مالية ضخمة، نتيجة لتهرّبها من دفع الضرائب، أو الالتزامات القانونية الأخرى، والذي يسهم في زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة.
  7. تتسبب العمليات المتعلقة بالمخدرات، ولا سيما عمليات غسل الأموال، بإضعاف الموقف الدولي لأي بلد؛ وهذا ما قد يعرّضه لإجراءات اقتصادية صارمة، تفرضها الدول الأخرى. كما أن سوء سمعته الدولية قد يحرمه من القروض والمساعدات، التي ربما يكون في أمسّ الحاجة إليها.
  8. اتصاف دولة من الدول، بكونها حوضاً لعمليات غسل الأموال، قد يحرمها الاستثمارات الأجنبية، التي عادة ما تحظى بها الدول ذات الاستقرار، السياسي والاقتصادي والمالي.

خامساً: المخدرات والبطالة

      إن انتشار المخدرات في دولة من الدول، يعني أن هنالك سوء توجيه للموارد الاقتصادية المتاحة، يتسبب بانحسار النشاط الاقتصادي، فانتشار البطالة في اقتصاد هذه الدولة. ولتوضيح أثر تعاطي المخدرات والاتجار فيها، في معدلات البطالة، افترضْ أن دولة من الدول توظف جميع مواردها توظيفاً كاملاً، وفعالاً، في إنتاج السلع والخدمات المشروعة، وتحقق ناتجاً قومياً مقداره (س*)، عند مستوى الأسعار (ع*)؛ والناتج القومي هو مجموع السلع والخدمات المشروعة النهائية، التي تنتجها هذه الدولة، عندما تكون جميع مواردها موظفة توظيفاً كاملاً، وفعالاً؛ ويتحقق عند تقاطع منحنى الطلب الكلي (ط ك) مع منحنى العرض الكلي (ع ك).

      يلاحظ أن منحنى العرض الكلي يتقاطع، في الرسم البياني، مع منحنى الطلب الكلي، عند مستوى التوظيف الكامل (س*). والآن، افترض أن هذه الدولة، قد أصبحت من الدول، التي تنتشر فيها ظاهرة المخدرات؛ فستجد أن انتشار ظاهرة المخدرات، ستخلف نتائج سلبية على جانب الطلب الكلي؛ إذ سيقلّ الطلب الاستهلاكي للسلع والخدمات المشروعة، نتيجة لاستحواذ المخدرات على جزء من دخل المستهلك؛ وسيقلّ طلب السلع الاستثمارية، نتيجة لنقصان الادخار، الناتج من استنزاف المخدرات للمدخرات، ومن زيادة نسبة الدخل المستهلك، لدى متعاطي المخدرات.

      كما أن انتشار ظاهرة المخدرات، ستجبر الدولة على تحويل جزء كبير من إنفاقها العام، إلى أعمال المكافحة؛ وهذا ما سيقلل من الأموال المستغلة في الأوجه ذات العلاقة بالسلع المشروعة. بشكل عام، سيؤدي انتشار ظاهرة المخدرات إلى إضعاف مكونات الطلب الكلي (الطلب الاستهلاكي ـ الطلب الاستثماري ـ الإنفاق الحكومي ـ صافي التصدير)؛ وهذا ما سينجم عنه نقصان الطلب الكلي، وانتقال منحناه (ط ك) إلى اليسار، أي إلى منحنى الطلب الكلي (ط ك1).

      يلاحظ، هنا، أن مستوى الناتج القومي، قد انخفض من مستوى التوظيف الكامل (س*)، إلى الناتج القومي (س1)، مشيراً إلى أن بعض الموارد الاقتصادية، التي كانت تعمل في السابق، بما فيها عنصر العمل، قد أصبحت معطلة، نتيجة لانخفاض الطلب الكلي. إضافة إلى ذلك، فإن انتشار ظاهرة المخدرات، في هذه الدولة، قد أسفر عن تحوّل بعض الموارد الاقتصادية، إلى العمل في مجال عمليات المخدرات المختلفة (التسويق، التهريب، الإنتاج)؛ وهذا ما نجم عنه نقصان العرض الكلي من هذه الموارد؛ ومن ثَم، ارتفاع نفقات توظيفها. وارتفاع النفقات الإنتاجية لعناصر الإنتاج، سيسفر عنه نقصان العرض الكلي، وانتقال منحنى العرض الكلي (ع ك) إلى اليسار، أي إلى منحنى العرض الكلي (ع ك1).

      كما أن من المتوقع أن يضعف انتشار ظاهرة المخدرات، إنتاجية الأفراد المتعاطين، والذي سيؤثر، بدوره، سلباً في مستوى الإنتاج الكلي؛ ومن ثَم، في مستوى العرض الكلي. وهذا يعني أن انتقال منحنى العرض الكلي إلى اليسار، لم ينتج من نقصان المعروض من الموارد الاقتصادية فقط، ولكن من نقصان إنتاجية بعض الموارد، التي لا تزال على رأس العمل، كذلك. باختصار، يمكن القول:

  1. إن انتشار ظاهرة المخدرات في هذه الدولة، قد أسفر عن نقصان الطلب الكلي؛ ومن ثَم، نقصان الناتج القومي؛ وأدى إلى انتشار البطالة بين عناصر الإنتاج المختلفة.
  2. أسهم انتشار ظاهرة المخدرات، في تحوّل بعض الموارد الاقتصادية، إلى العمل في مجال المخدرات؛ وفي إضعاف إنتاجية المتعاطين؛ وهذا ما أسفر عن نقصان العرض الكلي، وازدياد حدة البطالة، في تلك الدولة.

سادساً: المخدرات والإنفاق العام

      يؤدي انتشار ظاهرة المخدرات إلى قيام الحكومات، ببذل الكثير من المال والجهد، في أوجُه المكافحة؛ وهذا ما يستنزف الخزينة العامة للدولة. وتزداد نفقات مواجهة المخدرات، بازدياد انتشارها، تعاطياً وتسويقاً واتجاراً.  ومما لا شك فيه أن عملية المكافحة، لا تبدأ من النهاية؛ ولكنها تنطلق من التدابير الوقائية، مروراً بالأجهزة، الأمنية والطبية والقضائية والقانونية، وانتهاءً بعلاج حالة الإدمان، التي يتعرض لها المتعاطون. وباختصار، يمكن عرض أهم المجالات، التي تستحوذ على جهود الحكومات ونفقاتها، على النحو التالي:

  1. مجال المكافحة: يقع في نطاق اختصاص الأجهزة الأمنية، المعنية بمكافحة المخدرات، كالشرطة والجوازات والجمارك وحرس الحدود، وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة؛ والتي تسعى إلى منع عبور المخدرات إلى أرض الدولة والاتجار فيها وتوزيعها وترويجها ونقْلها. كما تُعنى هذه الأجهزة بمتابعة المتعاطين وملاحقتهم، وترقب مصادر الترويج والتهريب، بهدف الحد من الظاهرة، ومنع انتشارها. ومما لا شك فيه، أن هذه الجهود تتطلب كفاءة عالية، ومهارة ميدانية متطورة، تمكنان رجل الأمن من تحقيق أهداف المكافحة، وتساعدانه على مواجهة التطور المستمر للنشاطات الإجرامية، ذات العلاقة بظاهرة المخدرات. إذاً، تمثل الأموال الطائلة، التي تنفق في هذا المجال، عبئاً مالياً على الميزانية العامة؛ بينما كان في الإمكان الاستفادة منها، في أوجُه التنمية المختلفة، التي يكون البلد في أمسّ الحاجة إليها.
  2. مجال الوقاية والتوعية بأضرار المخدرات: يكتسب هذا المجال أهميته من كونه الخطوة الأولى في مواجهة ظاهرة المخدرات؛ إذ من المتوقع، أن يحدّ تحسن الوعي العام، من الإقبال على المخدرات؛ وهذا ما يحدّ، بدوره، من الجهود المبذولة في المجالات الأخرى. ومن هذا المنطلق، فإن جميع الدول، التي تشتكي أو لا تشتكي من ظاهرة المخدرات، تبذل جهوداً جاهدة وأموالا طائلة، في سبيل تنمية الحس، الخاص والعام، لدى أفراد المجتمع، من خلال أجهزة الإعلام المختلفة، والمؤسسات التربوية والثقافية والعلمية، والهيئات العامة والخاصة، ووزارات الشباب والرياضة، وغيرها من الأجهزة، التي لها قنوات اتصال بالجمهور.

كما أن بعض الدول، تبذل جهوداً مباشرة، لتوعية القادمين إليها، وتحذيرهم من أخطار المخدرات والتعامل بها، داخل حدود تلك الدول. ومما لا شك فيه، أن لهذه الجهود، التي تسعى إلى خلق شعور مضاد لظاهرة تعاطي المخدرات ـ دوراً إيجابياً، على أرض الواقع؛ إلا أنها تستنزف أموالاً طائلة، تتزايد بازدياد حدة انتشار الظاهرة، ودرجة الشفافية حول حجم الظاهرة.

  1. مجال الدراسات والأبحاث، التي تختص بمتابعة انتشار ظاهرة المخدرات: نتيجة لتطور الأساليب والوسائل، التي يتبعها المتعاملون بالمخدرات، فإن متابعة حركة المتغيرات، الرئيسية والفرعية، لهذه الظاهرة تتطلب تطوراً مماثلاً، في المنهج والأسلوب؛ ما يستدعي تخصيص أجهزة معينة، وكفاءات متخصصة، لإجراء الدراسات العلمية، التي تهدف إلى استطلاع حجم الظاهرة، وأسباب انتشارها، ودوافعها واتجاهاتها، وطبيعة الاتجار في المخدرات.

ونظراً إلى الدور الكبير للجريمة المنظمة، في مجال المخدرات، فإن الأبحاث والدراسات، التي تتعلق بها، يجب أن تكون ذات نوعية خاصة تسهم في فهْم الأساليب الفنية، الجديدة والمبتكرة، لهذا النشاط الإجرامي. بشكل عام، إن التطور العلمي، المطلوب لفهْم ظاهرة المخدرات، يتطلب جهوداً متواصلة، ونفقات مالية، متوالية وهائلة، ستتحمل الخزينة العامة للدولة جزءاً كبيراً منها.

  1. مجال القضاء والردع القانوني: يتطلب الحد من انتشار ظاهرة المخدرات، العمل على تطوير السلطات التشريعية وتدريبها، بهدف سن التشريعات والأنظمة، القادرة على صيانة الأمن، وتحقيق خاصية الردع المنشودة. وحتى يتحقق ذلك لأي دولة، فإنها تحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والمال، وإلى تخصيص العديد من الكفاءات العلمية، القادرة على النهوض بهذه المهمة، وفق فهْم، حقيقي وواقعي، لحجم الظاهرة واتجاهاتها وأنماطها. ومن الطبيعي أن تكون الخزينة العامة، هي المصدر الرئيسي للحصول على الأموال اللازمة، لتحقيق هذا المستوى المتطور للنظام، القضائي والقانوني.
  2. مجال السجون والإصلاحيات، اللازم لاستكمال إجراءات العدالة: يتطلب الأمر إعداد أماكن خاصة، لتنفيذ العقوبة، واستكمال إجراءات الردع القانوني، للمشاركين في العمليات المرتبطة بالمخدرات. وتنفق الدولة، في هذا المجال، أموالاً طائلة، بدءاً من أجور العاملين، والمباني وصيانتها، والإعاشة، والرعاية الطبية، وغيرها من المستلزمات الضرورية، التي تستنزف الكثير من خزينة الدولة.
  3. مجال العلاج، والرعاية اللاحقة للمدمنين: لكل جريمة ضحايا، ومن ضحايا جريمة المخدرات المدمنون، الذين تحولوا إلى أسرى لهذه العادة، أو لهذا السلوك الإجرامي. ونتيجة لكونهم يمثلون جزءاً من التركيبة الاجتماعية للدولة، فإن من مسؤوليتها، أن تؤمن المستشفيات والمصحات، اللازمة لتخليصهم من حالة الإدمان، حتى يعودوا أصحاء، فاعلين، ومواطنين أسوياء. ومن المعلوم أن مرحلة العلاج لا تنتهي بمجرد مغادرة المستشفى، أو العيادة الخاصة بمعالجة المدمنين؛ إذ من الضروري أن يخضع المدمنون لمرحلة متابعة، وإعادة تأهيل؛ وهذا ما يستدعي إنشاء أجهزة متخصصة، للاضطلاع بمهمة رعايتهم اللاحقة؛ وهو ما يتطلب نفقات طائلة، تمثل عبئاً إضافياً لا بدّ أن تتحمله الخزينة العامة للدولة.

      وعلى الرغم من صعوبة تقدير الخسائر المادية، التي تتكبدها الدولة، في سبيل مكافحة ظاهرة المخدرات، فإن المحاولة، التي نهض بها الدكتور/ وليد ناجي الحياني، لتقدير نفقات تعاطي المخدرات وأثرها في الاقتصاد الأردني ـ جديرة بالذكر، في هذا المجال؛ إذ اعتمد أسلوب العينات، والمعادلات التالية، لقياس تلك النفقات:

  1. متوسط نفقة الجرعة اليومية، من النوع (س) من المخدرات، للشخص الواحد = جملة نفقة الجرعة اليومية من مخدر معين للعدد (س) من الأشخاص/عدد أفراد العينة (س).
  2. متوسط نفقة الإدمان على المخدرات، في المجتمع (ع)، في اليوم الواحد = أ   X عدد الأشخاص المدمنين على المخدر (س)، في المجتمع (ع).
  3. نفقة الإدمان على المخدر (س)، في المجتمع (ع)، في العام = ب x 360 يوماً.
  4. نفقة الإدمان على أنواع المخدرات المختلفة = نفقة الإدمان على المخدر (س) + نفقة الإدمان على المخدر (ص) + … ن.

      وتطبيقاً للمعادلات السابقة، فقد توصل الباحث إلى النتائج التالية بعدما حصل على بيانات لعينة حجمها عشرة أشخاص من مدمني كل نوع من أنواع المخدرات:

  1. نفقات تعاطي الهيرويين

متوسط نفقة الجرعة اليومية، للشخص الواحد = 420/10 أشخاص = 42 ديناراً.

متوسط نفقة تعاطي الهيرويين، لجميع مدمنيه، في اليوم = 42 ديناراً x 228 شخصاً = 9576 ديناراً.

نفقة الإدمان على الهيرويين، لعام 1997= 9576 ديناراً  x 360 يوماً = 344736 ديناراً.

  1. نفقات تعاطي الحبوب المخدرة

متوسط نفقة الجرعة اليومية، للشخص الواحد = 94 ديناراً/10 أشخاص = 9.4 دنانير.

متوسط نفقة الإدمان، لجميع مدمني الحبوب المخدرة، في اليوم = 9.4 دنانير X  53 شخصاً = 498.4 ديناراً.

نفقة الإدمان على الحبوب المخدرة، لعام 1997 = 498.4 ديناراً  x 360 يوماً = 179352 ديناراً.

  1. نفقات تعاطي الحشيش

متوسط نفقة الجرعة اليومية، من الحشيش، للشخص الواحد = 66 ديناراً/10 أشخاص = 6.60 دنانير.

متوسط نفقة الجرعة اليومية، لجميع مدمني الحشيش = 6.60 دنانير  x 132 شخصاً = 871.2 ديناراً.

نفقة الإدمان على الحشيش، لعام 1997 = 871.2 ديناراً  x 360 يوماً = 313632 ديناراً.

  1. نفقات تعاطي المواد المخدرة الأخرى

متوسط نفقة الجرعة اليومية، للشخص الواحد = 146 ديناراً/10 أشخاص = 14.6 ديناراً.

متوسط نفقة الإدمان اليومية، لجميع مدمني المواد الأخرى= 14.6 ديناراً X 389 شخصاً = 5679.4 ديناراً.

نفقة إدمان المواد الأخرى، لعام 1997 = 5679.4 ديناراً  x 360 يوماً = 2044584 ديناراً.

  1. نفقة تعاطي جميع أنواع المخدرات، لعام 1997

3447360 + 179352 + 313632 + 2044584 = 5984928 ديناراً.

      وقد أشار الباحث إلى أن الرقم المذكور، لا يمثل سوى 20 ـ 30% من إجمالي الرقم الحقيقي؛ إذ إن الأجهزة المختصة، لم تتمكن من الوصول إلى ما يقارب 70 ـ 80% من إجمالي المخدرات الداخلة إلى الأردن؛ ومن ثَم، فإن الرقم الحقيقي لنفقة تعاطي المخدرات، في الأردن، لعام 1997، حسب تقدير الباحث هو 14962320 ديناراً، والذي يعادل 21073690 دولاراً أمريكياً، وهو ما يعادل 95 % من ميزانية الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات، في الأردن، للعام 1999 و2001، والبالغة 22 مليون دولار، أي ما يعادل 15 مليون و920 ألف دينار أردني.

      كما توصل الباحث إلى تقديرات لنفقات معالجة الإدمان على المخدرات، والتي جاءت على النحو التالي:

  1. متوسط نفقة المعالجة للشخص الواحد = (نفقة العلاج في المركز الحكومي + نفقة العلاج في المراكز الأهلية)/2 = (2000 + 1000)/2=1500 دينار.
  2. متوسط النفقة الإجمالية للعلاج، لعام 1997 = أ X  عدد المدمنين = 1500 دينار  x 802 من المدمنين = 1203000 دينار.

      ولقد استكمل الباحث محاولته لتقدير إجمالي النفقة، التي تتحملها ميزانية الدولة، بمحاولة قياس نفقة أعمال المكافحة؛ فرأى أن المبالغ المخصصة لميزانية الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات، للفترة 1999 ـ 2001 يمكن أن تكون أساساً لتقدير نفقة أعمال المكافحة، عام  1997؛ أي أن نفقة أعمال المكافحة، حسب تقدير الباحث، تساوي 5206667 ديناراً.

      وهكذا، تمكن الباحث من تقدير الأموال المنفقة على المخدرات، عام 1997، من خلال المعادلة التالية:

نفقة تعاطي المخدرات = نفقات التعاطي + نفقات العلاج + نفقات المكافحة = 5984928 + 1203000 + 5206667 = 12394595 ديناراً أردنياً.

      وبالنظر إلى ضخامة الرقم، الذي توصل إليه الباحث، يمكن القول، إن ظاهرة المخدرات، تستنزف، الميزانية العامة للدولة، أموالاً طائلة، كان في الإمكان الاستفادة منها، في أوجُه التنمية الأخرى. ولك أن تتصور كم فرصة عمل، كان في الإمكان توفيرها، في سوق العمل الأردني، لو أنفقت هذه المبالغ الطائلة، في مجال الاقتصاد الوطني! ولك أن تتصور كم مستشفى أو مدرسة، حُرمَها المواطن الأردني، بسبب تفشي ظاهرة المخدرات، وعزم الحكومة الأردنية على مكافحتها والحد من انتشارها. باختصار، إن انتشار ظاهرة المخدرات، يسبب إرباكاً وإرهاقاً للخطط التنموية، ويضيف أعباءً مالية، ربما لا تتحملها الميزانية العامة؛ وهذا ما ينجم عنه التضحية ببرامج تنموية، على درجة عالية من الأهمية للمواطن.

سابعاً: المخدرات والعملة الوطنية

      نتيجة لكون المخدرات من الأنشطة الإجرامية، ونتيجة لكون الاتجار في المخدرات، في المجال غير المشروع، هو من المعاملات المحرمة، والمحاربة دولياً، فإن المتعاملين في هذا المجال، يسعون إلى إخفاء تحركاتهم وطبيعة تعاملاتهم، بهدف تضليل الأجهزة الأمنية، والسلطات الإدارية في الدولة. ونتيجة لكون الاتجار في المخدرات، قد تطور، ليصبح نشاطاً دولياً، له قوانينه ومنظماته الإجرامية، فإن طبيعة التعامل في هذا المجال، قد أخذت شكلاً دولياً، يتطلب التعامل فيه معرفة جيدة بأسواق المال العالمية، وأسعار صرف العملات الأجنبية، وتحركات العملات الصعبة، ونحو ذلك من التعاملات ذات الطبيعة الدولية.

      ومن هذا المنطلق، فإن انتشار ظاهرة المخدرات، في أي دولة من الدول، من شأنه أن يستنزف العملات الصعبة، نتيجة لدفع قيمة الكميات المستوردة بهذه العملات، القابلة للتداول في جميع الأسواق العالمية. وهذا، بطبيعة الحال، يؤثر في قيمة العملة الوطنية؛ إذ تنخفض قيمتها في أسواق العملات الأجنبية، نتيجة لازدياد المعروض منها. كما أن ازدياد طلب العملات الأجنبية، ولا سيما العملات الصعبة، قد يستنزف رصيد المصارف المركزية، أو المؤسسات المالية المركزية، من هذه العملات؛ وهذا ما قد يقلل من قدرتها على التدخل المباشر، للتأثير في قيمة العملة الوطنية، عند الحاجة إلى ذلك.

      ومما لا شك فيه، أن انخفاض قيمة العملة الوطنية، مع عجز المؤسسات الحكومية المركزية عن الدفاع عنها، من شأنه أن يضعف الثقة العامة بالعملة الوطنية، والذي قد يدفع، بدوره، المتعاملين بها إلى سرعة التخلص منها، مسبباً ضغطاً إضافياً على قيمة العملة الوطنية؛ واستنزافاً إضافياً للعملات الصعبة، التي عادة ما تكون السلاح الفاعل، لحماية العملة الوطنية من التقلبات والتغيرات الهيكلية الخطيرة. كما أن انخفاض قيمة العملة الوطنية، سيسهم في ارتفاع فاتورة الواردات من السلع والخدمات؛ وهذا ما قد يسبب مشاكل إضافية للميزان التجاري بشكل خاص، ولميزان المدفوعات بشكل عام. ونظراً إلى كون معظم الدول النامية تعتمد اعتماداً مباشراً على استيراد حاجاتها من السلع والخدمات النهائية من الخارج، فإن هذا يعني أن تأثير ظاهرة المخدرات فيها، سيكون أكثر وضوحاً، وأكبر حجماً، خاصة في ظل افتقارها إلى الخبرات الكافية والقدرات المالية، اللازمة لمواجهة الضغوط الخارجية، التي قد تتعرض لها عملاتها المحلية.

ثامناً: أثر المخدرات في الادخار والاستثمار

      يشكل الإنفاق على المخدرات، عبئاً على ميزانية الفرد والأسرة والمجتمع. ومما لا شك فيه، أن الأموال المنفقة على المخدرات، تأتي على حساب حصة الاستهلاك من جهة، وعلى حساب مدخرات الأسـرة والفـرد والمجتمـع من جهة أخرى. وحتى تتضح الصورة أكثر، لا بدّ من التطـرق إلى ما تضمنته النظرية الاقتصادية، وبشكل خاص النظرية الكنزية، من معادلات ذات صلة بالاستهلاك والادخار والاستثمار، حتى يتضح، رياضياً، الأثر الكبير للمخدرات في الإنفاق، الاستهلاكي والاستثماري. تقول النظرية الاقتصادية، إن الفرد يوزع دخله بين الاستهلاك والادخار، وفق ميل حدي، محدد للاستهلاك. كما أن تمويل الاستثمار، يأتي من طريق استغلال المدخرات، التي يحتفظ بها الأفراد؛ أي أن الادخار، يساوي الاستثمار. وهكذا، يمكن تمثيل ما تقدم، رياضياً، من طريق المعادلات التالية:

ل = خ + س                                                      (1)

ل = س + ث                                                      (2)

ومن المعادلتين السابقتين، يتضح لنا أن:

خ = ل - س = ث.

ل = الدخل.

س = الاستهلاك.

ث = الاستثمار.

خ = الادخار.

ويمكن عرض أثر تعاطي المخدرات، على النحو التالي:

  1. إن تعاطي المخدرات، سيسفر عن البطالة، أو انخفاض إنتاجية المتعاطي، فنقصان دخله.
  2. إذا حافظ المتعاطي على مستواه الاستهلاكي السابق، فإن هذا يعني أن الإنفاق على المخدرات، سيُنقِص الادخار والاستثمار؛ إذ أول ما سيلجأ إليه، هو الاعتماد على مدخراته السابقة، ثم على تخفيض معدل الادخار، ثم يأتي، في النهاية، استبدال المخدرات باستهلاك السلع المشروعة.

      الضحية الأولى لتعاطي المخدرات، ستكون، إذاً، هي الأموال المدخرة؛ وهذا ما يعني تعرض النشاط الاستثماري للانحسار، والذي سيؤثر، بدوره، في معدلات النمو الاقتصادي، ومستوى الناتج القومي، وفرص العمل المتاحة في سوق العمل.

تاسعاً: المخدرات والموازنة العامة للدولة

      يرهق انتشار ظاهرة المخدرات، في أي دولة من الدول، خزينتها العامة؛ أو يَحْرِمها إيرادات، حالت دونها تلك الظاهرة. وإذا كان في الإمكان عرض معادلة فائض الميزانية، على النحو التالي:

                                 BS = tY - G - TR - dY

BS = فائض الميزانية.

tY = الإيراد الحكومي.

G  = الإنفاق الحكومي، ويساوي مجموع أثمان السلع والخدمات، التي اشترتها الحكومة.

TR  = إجمالي المساعدات، التي تقدمها الحكومة.

dY  = مجموع الإنفاق الحكومي على مكافحة المخدرات.

      في الإمكان، كذلك، عرض الآثار، التي يسببها انتشار ظاهرة المخدرات، في ميزانية الدولة، على النحو التالي:

  1. يؤثر انتشار ظاهرة المخدرات في الميزانية العامة للدولة، من خلال الأموال الطائلة، التي تنفق على مكافحة المخدرات؛ وتساوي، هنا، dY. ويشار إلى أن قيمة d، بالنسبة إلى الدول، التي لا تنتشر فيها ظاهرة المخدرات، تساوي صفراً؛ وتزداد قيمتها، تبعاً لازدياد حجم الظاهرة، وازدياد النسبة المخصصة من الدخل القومي، لمواجهتها.
  2. يؤثر انتشار ظاهرة المخدرات في الميزانية العامة للدولة، من خلال النقص الملحوظ في الإيراد الحكومي، نتيجة لتهرب الأموال غير المشروعة من دفع الضرائب، ونتيجة للانخفاض في الدخل القومي بشكل عام، الناتج من انتشار البطالة بين المتعاطين، وانخفاض إنتاجيتهم.
  3. يتولد من انتشار ظاهرة المخدرات، انتشار البطالة بين المتعاطين، فانتشار ظاهرة الفقر، واتساع الفوارق بين طبقات المجتمع؛ وهذا ما يحمل الدولة، بحكم مسؤولياتها الوطنية، على تقديم المساعدات المالية للمتعاطين وأسَرهم، من أجل تمكينهم من مواجهة متطلبات الحياة الضرورية؛ وهذا، بدوره، سيزيد حجم المساعدات الحكومية TR؛ وهذا ما سيحدّ من الفائض، أو يزيد العجز في الميزانية.

      انتشار ظاهرة المخدرات، يصاحبه، إذاً، نتائج سلبية، تتعرض لها الميزانية العامة للدولة بشكل خاص، والاقتصاد القومي بشكل عام.