إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / المخدرات وتأثيرها في الاقتصاد القومي





منحنى إمكانيات الإنتاج
منحنى السواء
المخدرات ومعدلات البطالة
المخدرات ودورة النشاط الاقتصادي
توازن المستهلك
خط الميزانية




لمحة تاريخية إلى انتشار المخدرات

لمحة تاريخية إلى انتشار المخدرات

       تُعَدّ مشكلة المخدرات من المشاكل العالمية، التي لها أصول تاريخية؛ سواء بالنسبة إلى الإنتاج أو التعاطي. وهذا ما يوضحه ويليس Willis، بقوله: "إذا رجعنا إلى ما قبل مئات السنين، وإلى عام 2000 قبل الميلاد، تحديداً، نجد إشارات إلى ميل الإنسان إلى استعمال المخدرات، وسيلة لإعتاق نفسه من التفكير في متاعب وجوده في هذا العالم، وعزل نفسه عنها".

       وقد أشارت أبحاث عدة إلى أن زراعة الأفيون وتحضيره، يعودان إلى عام 4000 قبل الميلاد؛ فقد اعتاد السومريون، شعب الهلال الخصيب القدماء، استخراج عصارة الأفيون، التي كانوا يطلقون عليهـا كلمـة "جل"، ومعناها "السعادة" أو "المتعة". كما وجدت لوحة سومرية، تعود إلى سنة 4000 ق.م، توضح أنهم قد أطلقوا على هذا النبات اسم "نبات السعادة"، وهو الاسم، الذي لا يزال سائداً، في الوقت الحاضر.

       أما قدماء المصريين، فقد عرفوا الأفيون منذ نحو 1500 سنة ق.م؛ واستعملوه كعقار لمنع الإفراط في البكاء، عند الأطفال.

       وفي مرحلة لاحقة، نقل البابليون الاستعمال الطبي لهذا المخدر، إلى مصر وفارس، نحو 1550 ق.م. ومن هناك، انتقل إلى الإمبراطورية الرومانية، ومن ثَم، في اتجاه الشرق. وقد سماه الإغريق باسم "أوبيون"، وهي كلمة مشتقة من كلمة "أوبوس"، ومعناها "عصارة الخضار" . وفي الهنـد، ترى الريج فيدا Rig Veda، أن الاستعمالات الطبية للنبات، كانت موجودة ، قبل عام 1600 ق.م.

       ولقد كان كل من الخشخاش والأفيون، معروفاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتقول بعض الكتابات، إن القنب كان معروفاً للناس، قبل 3000 عام، على الأقل، من ميلاد المسيح ـ عليه السلام.  

ويعتقد أن العرب قد نقلوا الأفيون إلى الصين، بحلول القرن التاسع بعد الميلاد. لكن استعماله في تلك البلاد، في القرن التاسع عشر، نشأ، أصلاً، من الهند، وأدى إلى ما يعرف باسم (حرب الأفيون)، خلال الفترة 1839 ـ 1842، بين الصين وبريطانيا، والتي انتهت إلى إجبار الصين، وقتها، على قبول تجارة الأفيون، التي ترعاها بريطانيا من الهند.

       وفي عهد الإمبراطور أكبر، وضعت زراعة القنب، في الهند، تحت رقابة الحكومة. وبعد ذلك، جرى تنظيم الإنتاج الفائض على الطلب المحلي وتصديره. وهكذا، عندما سيطر البريطانيون على شبه القارة الهندية، ورثوا احتكار تجارة الأفيون، الجيدة التنظيم فيها.

       أما فيما يتصل بتاريخ تعاطي المخدرات، في الأجزاء الأخرى من العالم، فيعتقد، مثلاً، أن مضغ أوراق الكوكا، التي يشتق منها الكوكيين، كان أمراً شائعاً في البيرو، من قبل الأنكا. ويقتبس شِاترجي Chaterjee من زاباتا أورتيز Zapata Ortiz قوله، موضحاً هذه النقطة: "كانت زراعة الكوكا وتعاطيها مقيدين جداً، في ذلك الوقت. ولذا، فإن مضغها كان إحدى الميزات، التي تتمتع بها طبقة الأرستقراطيين من الأنكا، الذين كانوا يتعاطون الكوكا، أثناء الاحتفالات الرسمية. ويذكر أن ساتولين، وكذلك ولي عهده فرانسيسكو دي توليدو، قاما، بعد الفتح الأسباني، بإزالة القيود، التي كانت مفروضة على زراعة الكوكا وتعاطيها؛ وأصبحت زراعتها من الأعمال المربحة".

       وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 1583، كان الناس يستهلكون نحو 100 ألف من السلال الملأى بالكوكا، في السنة الواحدة، في مناجم باتوسي وحدها. كما يذكر بين Bean، أن استهلاك الكوكيين من خلال عجن أوراق الكوكا، في البيرو، يصل، في العصر الحاضر، إلى 40 ألف كجم، في السنة؛ وهو يعادل 25 ضعف كمية الكوكيين، اللازمة لأغراض دوائية في العالم كله.

       وبمعزل عن الشرق الأوسط والهند والصين وأمريكا الجنوبية، لاحظ ليونج Leong، كما يذكر شاترجي، أنه في الوقت، الذي تأسست فيه سنغافورة، عام 1819، كان الأفيون حقيقة من حقائق الحياة فيها، بل مادة تدل على المكانة، وسلعة باهظة الثمن.

       أما فيما يتصل بالبلدان الأوروبية، فهناك تقارير، تفيد أن الأفيون كان معروفاً بصفته دواء، في أوروبا، منذ زمن المسيح. لكن تعاطيه، لم يكن منتشراً، حتى استوردته، على نطاق واسع، شركة الهند الشرقية. وهكذا، لم يتطور استعمال المخدرات والإدمان عليها، إلا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

       ويذكر أن المستكشفين الأوروبيين، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وجدوا مواد أخرى، تؤثر في العقل، غير الكحول، في بلدان أخرى، فجلبوها معهم، على أنها طريقة جديدة للتخدير. وخلال تلك الفترة، انتقلت أوروبا من ثقافة المخدر الواحد، وهو الكحول، إلى ثقافة المخدرات المتعددة والمتنوعة.

       وقد استمر تعاطي المخدرات في التطور، في القرن التاسع عشر، عندما بدأ تطوير مشتقات الأفيون؛ كالمورفين والهيرويين، إلى درجة أمكنت من حقن المشتقات الجديدة المركزة، في الجسم مباشرة، بدلاً من الطريقة القديمة، التي كانت تعتمد على تعاطي الأفيون مع مواد أخرى. وفي عام 1805، اكتشف الكيماوي الألماني، فردريك سرترنز، المورفين، في ألمانيا. وفي عام 1832، أنتج الفرنسيون الكوديين، وأشباه القلويات الأخرى، المشتقة من الأفيون. وفي عام 1898، أنتج الألمان الدياكتيل مورفين (الهيرويين)، الذي لقي ترحيباً كبيراً من العاملين في الحقل الطبي، على أساس أنه العقار المعجزة؛ وأنه يحتوي على جميع فضائل الأفيون من دون أخطاره. وأدى ذلك إلى البدء باستعمال الهيرويين بحُرية، وأصبح المدمنون عليه، في كلٍّ من أوروبا والأمريكتين، يعدون بالملايين.

       وقد طور تايلور Taylor، عام 1839؛ وريند Rynd، عام 1845؛ وود Wood، عام 1835، الإبرة التي تحقن في الجلد، وانتشر استعمالها بين مدمني المخدرات انتشاراً واسعاً، أثناء الحرب الأهلية وبعدها في أمريكا حيث كان المصابون من الجنود يعودون إلى الحياة المدنية، بما كان يعرف باسم "مرض الجيش".

       وقد تواصل اكتشاف الأنواع الأخرى، من المخدرات والمؤثرات، العقلية والنفسية، فاستخدمت الباربيتورات، للمرة الأولى، في الطب، عام 1903، بواسطة (جوزيف فون ميرنج) و(أميل فيشر)، اللذين حصلا على مركب، يسمى "حمض ثنائي إيثيل البربيتوريك"، وأسمياه، حينئذٍ، "فيرونال"؛ نسبة إلى المدينة الإيطالية، فيرونا، التي يعتقدان أنها أكثر مدن العالم هدوءاً.

       وفي عام 1933، لاحظ الطبيب (بنيس)، أن الآمفيتامينات، تمدد الشعب الهوائية، وتنبه الجهاز العصبي المركزي. وقد استخدمت علاجاً للنوم المفاجئ، عام 1935. ورفع البروفسور الياباني، (ماساكي)، تقريراً إلى منظمة الصحة العالمية، عام 1956، مشيراً إلى سوء استعمال الشباب لهذا النوع من العقاقير.

       وفي عام 1943، اكتشفت عقاقير الهلوسة، بعد أن اكتشف الكيماوي السويسري، (هوفمان)، في أحد أنواع الفطور، مادة حمض الليسرجيك، خلال إحدى تجاربه على هذا الفطر، وإصابته بالهلوسة، نتيجة لاستنشاقه بخار هذا الحمض.

       ويرجع تاريخ المذيبات المتطايرة، إلى تاريخ اكتشاف غاز أوكسيد النيتروز، المخدر، أو الغاز الضاحك، من قِبل العالم (جوزيف بريسلي)، عام 1776. وقد ذاع استخدام هذا الغاز، في بداية القرن التاسع عشر، لإحداث التسلية واللهو والطرب.

       ومن هذا العرض التاريخي الموجز، يتضح أن واقع المخدرات الحالي، يستند إلى أصول تاريخية، لها من القدم قدم البشرية. كما يتضح أن الاكتشافات العلمية، والضرورة الطبية، كانتا وراء معظم حالات التطور، التي تعرضت لها المخدرات؛ إلا أن ذلك لم يمنع استعمال المخدرات في أغراض أخرى، كاللهو والتسلية. ولكن تبقى أخطار الإدمان، والتعود النفسي، والهلوسة، والهذيان، وفقدان العقل، والوفاة ـ من أبرز ملازمات تعاطي المخدرات ونتائجها الضارة.