إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / عمليات غسل الأموال





مجموعات الكوسكيه الإجرامية
التسلسل الهرمي
العلاقة بين ثلاثة أطراف




المبحث الأول: نماذج عمليات تبييض الأموال

المبحث الأول: نماذج عمليات تبييض الأموال

      ترتبط عمليات غسل الأموال بالتجارة، وتتعدد الأنشطة غير المشروعة، التي تنتج عنها الأموال القذرة. وتشمل هذه الأنشطة التجارة غير المشروعة، والتهرب الضريبي والجمركي، والرشاوى واستغلال النفوذ والغش والتزييف والسرقات والاختلاسات، والعمولات غير المشروعة، والسوق السوداء، والنصب والاحتيال.

      ولعل تجارة المخدرات، هي أهم الأنشطة غير المشروعة وأخطرها، يليها الفساد الإداري والسياسي والمالي.

أولاً: تجارة المخدرات

      أكد تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، التابعة للأمم المتحدة، أن أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي، أصبحتا تمثلان أكبر مراكز غسل الأموال، الناتجة عن تجارة المخدرات في العالم. فقد أكد التقرير، الذي أعدته المنظمة، أن غسل الأموال في تلك المناطق، أصبح يتزايد بشكل خطير، نتيجة كثرة المؤسسات والمصارف المالية فيها. وفيما يلي سرد موجز لأهم الفضائح، المتعلقة بتجارة المخدرات في هذه المنطقة.

      تعمل العديد من العصابات الإجرامية ـ وعلى رأسهم المافيا ـ جاهدة على نشر المخدرات على أوسع نطاق، لزيادة حجم الأرباح المحققة من هذه التجارة، وتسعى عصابات المافيا، إلى السيطرة على العالم، بتجارة الموت الأبيض، عن طريق عددٍ من الدول.

      ومن أشهر مدن المخدرات، التي تمارس فيها المافيا تجارتها بشكل واسع، وتعتبر سوقاً رئيسياً لها، مدينة "أمستردام" عاصمة هولندا. فالمخدرات تباع في هذه المدينة، بأسعار أرخص مما هي عليه في أي مكان آخر في العالم. أما أكبر دولة مستهلكة للمخدرات بمختلف أنواعها، فهي الولايات المتحدة الأمريكية.

      وفي كولومبيا يُصبح منظفو الأموال القذرة، مسؤولين، كل المسؤولية، عمّا يتلقونه من أموال قذرة، من الولايات المتحدة الأمريكية، ليعيدونها نظيفة، إلى رجال المافيا في كولومبيا. وهذه العملية تستلزم سرية، وإجراءات بالغة التعقيد. وتعد البنوك من أهم الوسائل، التي يستخدمها تجار المخدرات لغسل أموالهم. واخترع هذه الطريقة "جوزيه أنطونيو فردينادزي"، أحد موردي الماريجوانا من كولومبيا، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية السبعينيات.

      ففي سلسلة كاملة من شركات الاستثمار، تمكن فردينادزي، من السيطرة على بنك صغير، في فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، يسمى "صن شاين" (Sun Shine)، ليصبح بعد ذلك مركزاً لتنظيف جميع أمواله القذرة. وهذا يؤكد نظرية عمل مافيا المخدرات، انطلاقاً من قاعدة أو مكان جغرافي تسيطر عليه، مثل قرية أو حي أو مدينة. وعندما تنمو العصابة، وتزداد أرباحها ونفوذها، تتوسع لتشمل دولة أو حتى عدة دول.

      إنّ الحديث عن غسل الأموال وتجارة المخدرات، لا بد أن يتناول رئيس بنما المخلوع "أنطونيو نورييجا" (Antonio Noriega)، الذي سمح لعصابات المخدرات الدولية، في مدينة "مدلين" الكولومبية، باستخدام بنما، كمحطة ترانزيت لتجارة المخدرات، مقابل الحصول على مبالغ مالية طائلة. وقد تم اعتقال نورييجا، بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية لبلاده، عام 1989. ورُحِّل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة أربعين عاماً.

      وأثبتت التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، تورط بنك الاعتماد والتجارة الدولي، في عمليات غسل الأموال، الخاصة بتجارة المخدرات. فقد كان تجار المخدرات، ينقلونها من كولومبيا (على حدود بنما)، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويحصلون على ثمنها بالدولار، داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ثم يُودعون حصيلة البيع، في بنك الاعتماد والتجارة الدولي في مدينة فلوريدا الأمريكية. ويتولى البنك بواسطة فروعه، والبنوك التي يراسلها، تحويل حصيلة عمليات تجارة المخدرات، إلى كولومبيا، لتدخل البلاد بصورة قانونية. وقد كانت عمليات غسل الأموال، السبب الرئيسي وراء انهيار البنك، بفروعه المتعددة على مستوى العالم، حيث بلغت خسائره (22 مليار دولار).

      وفي كولومبيا، يواجه الرئيس الكولومبي "ايرنستو سامبر بيزانو" (Ernesto Samper Pizano) وعدد من كبار أعضاء حكومته، فضيحة تورطهم بتهمة استخدام أموال تجارة المخدرات، بمدينة "كالي" الكولومبية، في تمويل حملاتهم الانتخابية عام 1994.

ثانياً: الفساد الإداري

      تصدُر عمليات غسل الأموال، الناتجة عن الفساد الإداري والسياسي والمالي، عن أشخاص يسعون إلى استغلال سلطاتهم ونفوذهم، لتحقيق مكاسب شخصية لهم. وأشهر القضايا المتعلقة بالفساد الإداري، هي تلك الخاصة برئيس الفليبين الأسبق، "فرديناند ماركوس"، وزوجته "إيميلدا"، التي قدرت بنحو عشرة مليارات دولار أمريكي، جمعها ماركوس وزوجته خلال فترة حكمهم للفليبين، من عام 1971 إلى عام 1986.

      وكان "ماركوس" قد أودع هذه الأموال، في العديد من حساباته بالبنوك، خاصة في سويسرا. وقد تم إصدار قرار بحجز (400 مليون فرنك سويسري)، كان قد أودعها ماركوس في سويسرا. وبعد القبض عليه، ظهرت وثائق، تشير إلى أنه كان يأخذ لنفسه جزءً من أموال المعونات الأمريكية، المقدمة للشعب الفليبيني، لكي يشتري بها تحفاً وعقارات بأسماء شركاته في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان يغسل أمواله، عن طريق شراء شركات بأسماء شركائه ومساعديه، واستغلال سرية حسابات البنوك، وشراء التحف والمجوهرات لزوجته.

      وجاءت رئيسة الفليبين، التي حَّلت محل ماركوس، لتواجه تهم الفساد أيضاً، من خلال تورطها في عمليات تسهيل شراء أقاربها، لشركات رئيس الفليبين السابق المصادرة، بأثمان أقل من سعرها الحقيقي.

      وفي كوريا الجنوبية واليابان، انتشرت الفضائح المالية، لتشمل أكبر المناصب السياسية والإدارية. ففي كوريا الجنوبية، تحدث العالم في عام 1997، عن فضيحة مالية قيمتها (6 مليارات دولار أمريكي)، تمثل قروضاً حصلت عليها شركة "هانيو" للصلب، التي تعد أحد كبرى شركات الصلب الكورية. ولقد اكتُشف أن هذه القروض، التي حصلت عليها الشركة من البنوك، تعادل عشرون ضعف أصولها، حيث اتضح أن هذه القروض، قد حصلت عليها الشركة، من خلال استغلال نفوذ إداري وسياسي، لبعض كبار المسؤولين. من بينهم رئيس البرلمان الكوري، وبعض الوزراء، ومنهم وزير الداخلية، الذي قدم استقالته بعد توجيه الاتهامات إليه مباشرة.

      كما شملت الاتهامات، الرجل الثالث في الحزب الحاكم الكوري، وعضوين في الجبهة البرلمانية، التي دعمت فوز الرئيس السابق "كيم يونج سام". ومن خلال التحقيقات، اكتُشف حصول أصحاب المناصب العليا، في كوريا الجنوبية على رشاوي نقدية، في صناديق كرتون، وكانت تُحمّل في الصندوق الخلفي، لسيارة المسؤول نفسه، وفي وضح النهار، دون الحاجة للتخفي أو التمويه أو استخدام الوسطاء. وشملت الاتهامات مساعد الرئيس الكوري الجنوبي، الذي اعترف بحصوله على رشاوي، من شركة (هانيو) للصلب. وسبقه سياسيون آخرون، اعترفوا خلال التحقيقات معهم، بحصولهم على مبالغ مالية، وصفوها بأنها "مساعدات مالية سياسية".

      وقد سبق هذه الفضيحة، فضيحة مالية بطلها الرئيس الكوري السابق "روه تاي وو"، تتعلق بحصوله على أموال غير مشروعة، خلال فترة توليه حكم البلاد، وفي الفترة من عام (1988) إلى عام (1993). وقد طالب أحد نواب المعارضة، في البرلمان الكوري، بالتحقيق العاجل، في هذه الفضيحة، على الرغم من اعتذار الرئيس الكوري السابق للشعب، عن إخفائه (221 مليون دولار) في حسابات سرية له بالبنوك، وتحت أسماء مستعارة أو مزورة، وذلك من إجمالي (650 مليون دولار)، حصل عليها "وو" من الرشاوي والتبرعات، من شركات وطنية وأجنبية، خلال فترة حكمه للبلاد. وتحاول السلطات الكورية حالياً، الكشف عن الحسابات السرية للرئيس السابق، وتمكنت من كشف حسابات قيمتها (130 مليون دولار). وتجري السلطات تحرياتها، للبحث عن حسابات سرية، للرئيس السابق، في بنوك سويسرا.

      وفي اليابان، شهدت نهاية عام (1988) بداية فضيحة، من أكبر الفضائح المالية، التي مَّرت بها اليابان في حياتها السياسية، على الإطلاق.

      أدت هذه الفضيحة إلى تقديم رئيس الوزراء الياباني (نويوزو تاكيشيتا)، وثلاثة وزراء يابانيين، هم وزراء المالية والعدل والتخطيط الاقتصادي، استقالاتهم. وكانت هذه الاستقالات رداً على الانتقادات والاتهامات الحادة، الموجهة من المعارضة بشأن فضيحة شركة (ريكوت كوزموس) للنشر والاتصالات، التي قدّمت الأسهم والهبات، لأبرز القيادات في الحزب الوطني الديمقراطي الليبرالي الحاكم، وساعدت أعضاءه في الحصول على أرباح طائلة، من خلال التلاعب في عمليات بيع وشراء الأسهم الخاصة بالشركة، عن طريق التحكم في أسعار بيع وشراء الأسهم، بطرق غير مشروعة.

      وجدير بالذكر، أن رئيس الوزراء الياباني (هوسوكاوا)، السابق لتاكيشيتا، كان قد استقال أيضاً، نتيجة تورطه في عمليات شراء غير مشروعة، لاسم شركة (يونيون تليجراف أند تليفون كورب)، في عام 1987.

      وفي رومانيا، أُعدم الرئيس المخلوع (نيكولاي تشاوسيسكو) بعد اتهامه بتهريب مليار دولار أمريكي من البلاد، ناتجة عن فساده السياسي واستغلاله لنفوذه.

      ومن نماذج الفساد السياسي لتشاوسيسكو، حصوله على (60 مليون دولار أمريكي)، كي يسمح لليهود الرومانيين بالهجرة إلى إسرائيل. وقد أعلنت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيليـة، أن هذه المبالغ دفعتها الحكومة الإسرائيلية متعاقبة، على مدى عدة أعوام، في مقابل السماح لنحـو (15 ألف) يهودي روماني، بالهجرة إلى إسرائيل. وكان تشاوشيسكو يُهرّب هذه الأموال، ويودعها في بنوك أجنبية، خاصة البنوك السويسرية.

      إضافة إلى ذلك، كان تشاوشيسكو، يحوِّل أمواله إلى ذهب، يودعه في البنوك. فلقد أعلنت صحيفة (تربيون دي جنيف)، أن عائلة تشاوشيسكو، أخفت ذهباً في بنوك زيورخ بما قيمته (400 مليون دولار).

      أما في الشرق الأوسط، فأحدث أكبر فضيحة مالية، هي تلك التي حدثت في جمهورية مصر العربية، وتورط فيها أحد رجال الأعمال، واتهم في عام 1996، بالكسب غير المشروع، من خلال الحصول على عمولات مالية (رشاوي)، من الشركات الأجنبية ووكلائها في مصر، حيث بلغت الثروة، التي اكتُشفت ما يزيد عن (25 مليون دولار أمريكي)، وستة ملايين جنيه مصري، ومائتين وسبعين ألف فرنك فرنسي، أي ما يقدر بحوالي (91 مليون جنيه مصري). إضافة إلى شهادة مطَلَّقته، أنه كان يكنز حوالي (50 مليون دولار) في بنوك أوروبا. وأكد ذلك ضبط بطاقات فيزا كارت، التي لا تصدر إلا لمن كان له رصيد، لا يقل عن (5 مليون دولار أمريكي).

      ولقد أراد المتهم أن ينهي القضية، من بدايتها من دون الدخول في الإجراءات القضائية، عن طريق رد جزء من الأموال غير المشروعة، التي حصل عليها من خلال استغلال نفوذه، والتي بلغت (20 مليون دولار)، مقابل احتفاظه بباقي الأموال، التي لم تكتشف في البنوك بالخارج. ولكن بعد سداده للعشرين مليون دولار أمريكي، افتضح أمره في الصحف، واستكملت إجراءات القضية، وحكم عليه في عام (1997) بالسجن لمدة عشر سنوات.

      وقد كان المتهم يغسل أمواله، عن طريق شراء الشاليهات، والسيارات، والسندات، والتحف، والأثاث الفخم، والمجوهرات والمشغولات الذهبية، إضافة إلى الاستفادة من قوانين سرية الحسابات في بعض البنوك الأوروبية. وكان أيضاً يُبيض أمواله عن طريق إجراء تحويلات لزوجته وأولاده في الخارج، والصرف ببذخ في رحلات دورية، كان يقوم بها إلى أوروبا، ويقيم في أفخم الفنادق.

      وفي إيران استطاع الشاه (محمد رضا بهلوي)، تهريب عشرات المليارات من الدولارات، إلى البنوك الأوروبية والأمريكية، وذلك من حصيلة الفوائض البترولية الكبيرة، والمتراكمة لدى إيران. وكان الشاه يحصل من شركة البترول الوطنية، على ألف مليون دولار سنوياً. ولا يزال جانباً كبيراً من هذه الأموال، مجمداً في البنوك الأجنبية، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حتى الآن. وقد بلغت قيمة الأموال المهربة في عهد الشاه، عشرين مليار دولار أمريكي.

      وفي الإمارات، واجه مدير بنك دبي الإسلامي، الباكستاني الجنسية، اتهامات تورطه في عمليات اختلاس واسعة، في ودائع البنك، قدرت بنحو (500 مليون درهم إماراتي). وإثر هذه الاختلاسات، تعرض البنك لبعض المصاعب المالية، مما جعل حكومة دبي والمصرف المركزي، يتدخلان معاً، لإصلاح الوضع المالي للبنك.