إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / عمليات غسل الأموال





مجموعات الكوسكيه الإجرامية
التسلسل الهرمي
العلاقة بين ثلاثة أطراف




المبحث الثاني: تقدير الاقتصاد الخفي ونتائجه

المبحث الثاني: تقدير الاقتصاد الخفي ونتائجه

      إن الاقتصاد الخفي، يصعب تقديره بالطرق الإحصائية المعتادة، لعدم ظهوره ضمن الحسابات القومية للدول. لذلك، استخدمت طرق خاصة، لتقدير قيمة العمليات، التي تجرى تحت ستار الاقتصاد الخفي. وفي إيجاز، يعالج هذا الجزء من البحث، الطرق المستخدمة، لتقدير قيمة الاقتصاد الخفي ونتائجه.

أولاً: طرق تقدير الاقتصاد الخفي

      تتعدد الطرق التي على أساسها، يُقدر حجم الاقتصاد الخفي لدولة ما. فتستخدم طريقة التقدير المباشر، وطريقة أسئلة الاستقصاء، وطريقة الإحصائيات السكانية، وطريقة المقارنة، بين قيمة الناتج القومي المحسوب، بواسطة تقديرات الدخل، والناتج المحسوب، بواسطة تقديرات الاستهلاك.

1. طريقة التقدير المباشر

ووفقاً لهذه الطريقة، تُحسب قيم تقديرية للدخول، الناتجة من مختلف الأنشطة الفرعية لدولة ما، وترتبط بنشاط الاقتصاد الخفي. ثم يجمع هذه القيم الجزئية، حتى يتوصل في النهاية، إلى قيمة الاقتصاد الخفي، لهذه الدولة.

ويصعب عادة على القائمين بتطبيق هذه الطريقة، حصر جميع أنشطة الاقتصاد الخفي. ولذلك قد يختلف حجم الاقتصاد الخفي المقدر، عن حجمه الحقيقي اختلافاً جوهرياً. وتلجأ بعض الدول لتطبيق هذه الطريقة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

2. طريقة أسئلة الاستقصاء

تُطبق هذه الطريقة، بتوزيع استمارات، تسمى "استمارات استقصاء"، تحتوي عدداً من الأسئلة، الموضوعة بمعرفة خبراء متخصصين. وتهدف الأسئلة إلى جمع معلومات مفيدة، عن حقيقة قيمة الاقتصاد الخفي، وهي موجهة، إلى البائعين والمشترين، في الاقتصاد الخفي.

ثم تجرى عملية مطابقة، بين إجابات البائع والمشتري. وفي حالة تطابق الأجوبة، يمكن الاعتماد على نتائج عملية الاستقصاء. وفي هذه الحالة، يُمكن التوصل إلى أرقام، تكون قريبة من قيمة الاقتصاد الخفي الحقيقية. ويعاب على هذه الطريقة، أنها تحتاج إلى مجهود كبير، ووقت طويل لتطبيقها (باحثين وخبراء... الخ)، إضافة إلى احتمالات عدم تطابق الإجابات، بين البائعين والمشترين، فضلاً عن رفض كثير من المتعاملين، في هذه الأنشطة غير الشرعية، الإدلاء بأية إجابات على قوائم الاستقصاء. وتطبق هذه الطريقة في السويد والنرويج.

3. طريقة الإحصائيات السّكانية

تعمد هذه الطريقة إلى تقييم إنتاجية الفرد، في القطاع الخفي من الاقتصاد، بطريقة افتراضية، يقوم بها الخبراء والمتخصصين. ثم يُقدر عدد الأشخاص، العاملين في الاقتصاد الخفي، عن طريق حساب الفرق بين، عدد السكان، ممن يُفترض أنهم يمثلون قوة العمل الاقتصادية، بناء على الإحصائيات السكانية لدولة ما، وعدد السكان المسجلين رسمياً، باعتبارهم قوة العمل الفعلية في الدولة.

ويمثل ضرب هذا الفرق، في حجم إنتاجية الفرد المفترضة، في القطاع الخفي للاقتصاد، قيمة الاقتصاد الخفي التقديرية. ويصعب تقدير إنتاجية الفرد في قطاع الاقتصاد الخفي، وقد تختلف اختلافاً كبيراً في الواقع. وتُعد إيطاليا من الدول، التي تطبق هذه الطريقة.

4. طريقة إجمالي الناتج القومي

تطبق طريقة إجمالي الناتج القومي، في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الطريقة، يُقدر الاستهلاك عن طريق، برنامج يسمى "برنامج مقاييس امتثال الخاضعين للضريبة" (Tax Payers' Compliance Measurement Program)(TCMP). تؤخذ فيه عدد من الأسر كعينات. ويجري تتبع جميع الأوراق والمستندات وأوجه الصّرف الخاصـة بهذه الأسرة، بهدف الوصول إلى دخلها الحقيقي. وهذا البرنامج تطبقه مصلحة الضرائب في الولايـات المتحدة الأمريكية، التي يطلق عليها "قطاع الإيراد الداخلي" (Internal Revenue Service).

وقد أعطى القانون لمصلحة الضرائب الأمريكية، الحق ـ في بعض الأحيان ـ في مسائلة المواطنين عن المصادر التي حصلوا منها على أموالهم وأصولهم (السيارات الفاخرة، القصور، الأثاث الباهظ الثمن، الودائع… الخ). وبعد الحصول على الدخول الحقيقية لهذه العينة، من المواطنين الذين يعيشون في مستويات مختلفة، تُحلل هذه العينات لمعرفة إجمالي الدخل الحقيقي، ومقارنة ذلك بإجمالي الناتج القومي المسجل في الحسابات القومية. والفرق هو ما يمثل الإنتاج القومي للاقتصاد الخفي.

فعلى سبيل المثال، أعلنت مصلحة الضرائب الأمريكية في عام (1981) عن ضياع (90.5) مليار دولار على وزارة الخزانة، تمثل ضرائب دخل لم تُحصّل، نتيجة عدم تقديم عدد من المواطنين، إقرارات دخولهم كاملة، منها (81.5) مليار دولار ناتج عن دخول مشروعة، و 9 مليار دولار ناتج عن دخول غير مشروعة.

وفي أوروبا، أكدت أحدث الإحصائيات، أن أكثر حالات التهرب الضريبي في الاتحاد الأوروبي، توجد في اليونان، وأقلها في فنلندا. وأشارت الإحصائية أن نسبة الاقتصاد الأسود في اليونان، تراوح بين 29%، و 36%، من الناتج المحلي الإجمالي.

وأوضحت الإحصائية، أيضاً، أن إيطاليا تأتي في المركز الثاني، حيث يمثل الاقتصاد الأسود ما يتراوح بين 20%، إلى 26%، من الناتج المحلي الإجمالي. ويمثل في أسبانيا ما يتراوح بين 10% و23%، مما يجعلها تحتل المركز الثالث، في نسبة الاقتصاد الأسود في الاتحاد الأوروبي. وأشارت الإحصائية، إلى أن فنلندا تأتي أسفل القائمة، حيث لا تتعدى نسبة هذا النوع من الاقتصاد، ما يتراوح بين 2% و4% فقط.

وذكر مفوض الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الأوروبي، أن معنى هذه الإحصائية، هو أن هناك 28 مليون عامل، عبر دول الاتحاد، يحصلون على عائدات وأموال، لا يعلنون عنها، مما يعني ضياع مليارات الدولارات، من التهرب الضريبي على الدول الأوروبية. ففي إيطاليا وحدها، أعلنت الحكومة الإيطالية، أن عدد المتهربين من دفع الضرائب، بلغ أكثر من 35 ألف ممول. فمن ضمن ما اكتشفته التحقيقات، في نطاق هذا الموضوع، أن أحد سكان مدينة (نابولي)، نجح في تأجير (344) شقة مفروشة، غير مذكورة في إقراره الضريبي السنوي، وأنه ظلّ يؤجرها بعقود غير مسجلة، دون أن يدفع الضرائب المستحقة عليها، منذ أكثر من عشر سنوات.

وهناك العديد من الطرق الأخرى، التي تلجأ إليها الدول، لتقدير حجم الاقتصاد الخفي، مثل تقدير السيارات والكهرباء، المفترض استهلاكها لتحقيق حجم الإنتاج الرسمي، ومقارنة ذلك باستهلاك الكهرباء الفعلي، وتحديد حجم الإنتاج الحقيقي بناء عليه. فإذا كان استهلاك الكهرباء اللازم لتحقيق إنتاج رسمي قدره (2 مليار دولار) هو (2 مليون كيلو فولت)، فإن اكتشاف استهـلاك (3 مليون كيلو فولت) يشير إلى تحقيق إنتاج فعلي قدره (3 مليار دولار)، أي أن الاقتصاد الرسمي يبلغ حجمه (2 مليار دولار)، وقطاع الاقتصاد الخفي يبلغ حجمه (مليار دولار).

ثانياً: آثار الاقتصاد الخفي

      للاقتصاد الخفي، ويشمل دخول مشروعة وغير مشروعة، غير مسجلة في الحسابات القومية للدول، العديد من الآثار الإيجابية والسلبية، وهي كما يلي:

1. الآثار الإيجابية

يساعد على حل أزمة البطالة، وتخفيف الأعباء الاجتماعية، للعديد من طبقات الشعب، التي تطبق مبدأ الاكتفاء الذاتي. فتنتج هذه الطبقات بنفسها، ما تستهلكه، مثل الفلاح صاحب الأرض الزراعية الصغيرة المساحة (أربعة قراريط مثلاً)، فهو بهذه المساحة، يستهلك جزءاً من المحصول، الذي يزرعه على مدار العام، ويحلب الماشية التي يملكها، ويربي الطيور، فيأكل منها ويبيع ما فاض عن احتياجاته، من دون تسجيل مبيعاته في دفاتر محاسبية. ويرجع عدم تسجيل هذا الفلاح، مبيعاته في دفاتر محاسبية، إما لأنه لا يعرف كيفية التسجيل، أو لأن مبيعاته لا تستدعي ذلك لصغر قيمتها. ثم يشتري المزارع بعد ذلك، حاجاته من حصيلة مبيعاته.

ومثال ذلك أيضاً، الخياط الذي يمارس (أو تمارس) عمله في بيته، فيُفصّل، ما يلزمه من ملابس، ثم يبيع ما يفيض من منتجاته إلى الغير. وبذلك يساعد الاقتصاد الخفي على تخفيض معدلات البطالة، كما يؤدي إلى تخفيض الواردات من الخارج، ومن ثم المساعدة في خفض العجز في ميزان المدفوعات للدول. كما يؤدي إلى زيادة حجم دخول أفراد المجتمع الحقيقية، مما يؤدي إلى زيادة الدخل القومي للدول.

2. الآثار السلبية

يؤدي الاقتصاد الخفي إلى العديد من الآثار السلبية، الاقتصادية والاجتماعية، وتتلخص في الآتي:

أ. الآثار الاقتصادية

يتمتع أصحاب على الدخول الخفية، بالمرافق والخدمات العامة (مياه، كهرباء، تعليم، صحة، صرف،... الخ)، مثلهم مثل أصحاب الدخول المعلنة. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن أصحاب هذه الدخول، لا يسددون الضرائب المستحقة عليهم، خلافاً لأصحاب الدخول المنظورة، الذين يسددون الضرائب الواجبة الدفع، أولاً بأول.

إذا أخذنا مثال الموظف وبائع الجرائد، نجد أن الموظف، تُستقطع الضرائب المستحقة عليه أولاً بأول، لأنها تمثل دخولاً منظورة، أما بائع الجرائد، الذي يستفيد من المرافق العامة نفسها، التي يستفيد منها الموظف، لا يسدد الضرائب، على ما يحصل عليه من دخل، وبذلك ينقلب ميزان عدالة التوزيع الضريبي.

وتؤدي زيادة حجم الاقتصاد الخفي؛ إلى زيادة حجم الإنفاق العام. كما تؤدي زيادة حجم الإنفاق العام، مع عدم ارتفاع حصيلة الضرائب؛ إلى زيادة الموازنة العامة للدولة، دون وجود مصادر كافية لتغطية هذه الزيادة، مما يؤدي إلى الضغط على أصحاب الدخول المنظورة، لسد الاحتياجات المالية الخاصة بهذه الزيادة.

إن الاقتصاد الخفي، يؤدي إلى عدم صحة البيانات والمعلومات، التي على أساسها تُعد الإحصاءات القومية (معدلات البطالة، نسبة التضخم، الدخل القومي،... الخ)، وتُتخذ القرارات وتُوضع السياسات الاقتصادية (السياسات الضريبية، موازين المدفوعات،...) ومن ثم تخرج قرارات خاطئة، بناءً على هذه المعلومات غير الصحيحة.

فإذا أُعدت الإحصاءات الخاصة، بمعدلات البطالة مثلاً، دون أخذ العاملين في الاقتصاد الخفي في الاعتبار، فإن ذلك سيؤدي إلى بناء السياسات الاقتصادية، على معلومات مضللة، وحساب معدلات بطالة خاطئة. وبذلك تكون المؤشرات المستخلصة غير مناسبة، لوضع السياسات الإستراتيجية الاقتصادية.

ب. الآثار الاجتماعية

يؤدي الاقتصاد الخفي، إلى حدوث تقلبات في الطبقات الاجتماعية المختلفة. ويتحقق ذلك، نتيجة ازدياد دخول العاملين في الاقتصاد الخفي. فأصحاب الدخول غير المشروعة، يحصلون على مبالغ طائلة، من وراء عملهم في مقابل المخاطرة، التي يتعرضون لها، مثل تجار المخدرات وأصحاب الدخول المشروعة غير المنظورة، الذين لا يسدّدون الضرائب على أرباحهم. ويؤدي ذلك إلى زيادة قدراتهم الإنفاقية، عن أصحاب الدخول المشروعة المنظورة.

وغالباً ما تزداد الدخول، التي يحصل عليها العاملون، في الاقتصاد الخفي، بنسبة أكبر من دخول الذين يعملون في الاقتصاد الرسمي. ويمثل أغلب العاملين في الاقتصاد الخفي، مستوى طبقي متدنٍ، خلقياً وعلمياً واجتماعياً.

كما يؤدي الاقتصاد الخفي، إلى ارتقاء الطبقات المتدنية، التي تعمل فيه، إلى الطبقات العليا في المجتمع.

وتتعرض الفئات، التي تعمل في الاقتصاد الرسمي إلى المنافسة الشديدة، من أصحاب الاقتصاد الخفي، الذين يعملون في النشاط نفسه، مثل الذين يبيعون السّلع، التي تنتج في السوق الرسمي، ولكن بسعر أقل وجودة أقل، أو الذين يزورون العلامات التجارية، أو ينسخون برامج الحاسبات الآلية، دون الحصول على تصريح أو حق النسخ. وتنجم عن هذه المنافسة، ارتفاع دخول العاملين في الاقتصاد الخفي، وارتباطهم المباشر بالطبقات العليا في المجتمع، بل ودخولهم فيها، واعتبارهم منها، وتأثيرهم فيها سلباً لا إيجاباً.

ج. انخفاض الرغبة في التعليم

إن أغلب العاملين في الاقتصاد الخفي، يتصفون بتدني مستوياتهم العلمية. وينجذب الشباب، عادة، في منتصف طريقهم العلمي (في المدارس الثانوية)، إلى العمل في الاقتصاد غير المنظور. ويرجع ذلك، إلى إحساسهم بعدم الجدوى من إكمال مراحل التعليم، والحصول على شهادات عُليا. لأنهم يرون أن من لم يكمل تعليمه (أو الأُميِّ)، يحصل على معدلات دخل، تتجاوز أضعاف ما يحصل عليه المتعلم بعد تخرجه. لذلك، يترك الشباب تعليمهم، للعمل في الاقتصاد الخفي، بهدف الحصول على أعلى عائد، في أقصر وقت ممكن.

ويؤدي ذلك إلى آثار في غاية الخطورة، تتمثل في تفشي الجهل والأمية في المجتمع، وانخفاض مستويات الأعمار، التي تعمل في الاقتصاد الخفي. إضافة إلى ذلك، فإن اتساع التعاملات غير المنظورة، يؤدي إلى تدمير ما تقوم ببنائه، العديد من المنظمات المحلية والدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)[1]، من ندوات وتأكيدات على حقوق الإنسان في التعليم للكبار والأطفال، والارتفاع بمستوى مناهج التعليم، والمساهمة في نشر العلوم وتشجيع البحث العلمي.



[1] United Nations Educational Scientific Cultural Organization UNESCO.