إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / عمليات غسل الأموال





مجموعات الكوسكيه الإجرامية
التسلسل الهرمي
العلاقة بين ثلاثة أطراف




المبحث الأول: أسباب الاقتصاد الخفي

المبحث الأول: أسباب الاقتصاد الخفي

      تتعدد أسباب الاقتصاد الخفي، لتشمل الضرائب، والتعقيدات، والفساد الإداري، والقوانين، والحواجز الاقتصادية، والأنشطة الإجرامية المنظمة، وانتشار المشروعات الصغيرة، وندرة السلع، وتوافر المعلومات عن السوق الخفي.

أولاً: الضرائب

      العدالة، والإنتاجية، والاستقرار، تعد القواعد الأساسية للضريبة. التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، عن طريق نِسب ضريبية، ترتبط بمستويات الدخول المختلفة، لكل فرد من أفراد الشعب. وعن طريق فرض الإنتاجية، تسعى الضريبة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن، من الحصيلة في حدود القانون المنظم لها. والهدف الرئيسي من فرض الإنتاجية، هو محاولة منع التهرب الضريبي بشتى السبل.

      إضافة إلى ذلك، تسعى الضريبة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، عن طريق تجنب الاقتصاد القومي لأخطار التضخم، وآثار الانكماش.

      ولا بد من حدوث توازن لتحقيق هذه القواعد الأساسية. فإذا اختلت الموازين، وتحققت قاعدة على حساب الأخرى، ظهر الاقتصاد الخفي. فارتفاع المعدلات الضريبية، أو شعور المواطنين بعدم إنفاق الحصيلة الضريبية، في المنافع العامة، أو عدم وجود عدالة، في توزيع الخدمات والمنافع العامة، يؤدي حتماً إلى سعي الملتزمين بتسديد الضريبة، إلى التهرب منها بشتى الطرق، وإخفاء دخولهم عند كتابة إقراراتهم الضريبية.

      وعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع معدل الضريبة على الدخل الإضافي، يمثل العامل الرئيسي، في ظهور الاقتصاد الخفي في السويد. فوفقاً لمعدلات الضريبة السائدة في السويد، يؤدي عدم كشف الممول عن دخوله الإضافية، إلى تهرب ضريبي نسبته 65%، من الدخول غير المكشوف عنها. الأمر، مما يمثل حافزاً كبيراً للممولين نحو التهرب الضريبي، والتحول نحو الاقتصاد الخفي.

      ففي حالة السويد، فإن العامل الذي يعمل في الاقتصاد الخفي، ساعة إضافية بنصف الأجر، الذي يعمل به في الاقتصاد الرسمي؛ سيحصل على إيراد صافي، يساوي ضعف إيراده من تلك الساعة، إذا ما عمل في الاقتصاد الرسمي، ودفع الضريبة المفروضة، عن هذه الساعة الإضافية. وعلى الرغم من أنّ النظام الضريبي، في السويد، من الأنظمة ذات الكفاءة العالية، فضلاً عن انخفاض نسبة الفساد الإداري، بين العاملين في مجال الضرائب، التي تكفل حصر الاقتصاد الخفي في أضيق نطاق، مقارنة مع الدول الأخرى، إلاّ أن آثار ارتفاع معدلات الضريبة، تنعكس في صورة توفير دوافع للاتجاه نحو المخاطرة، والتحول نحو الاقتصاد الخفي، ومن ثم، ازدهاره على المدى الطويل.

10  دولار

أجر العامل في الساعة (في الاقتصاد الرسمي)

فمثال على ذلك:

70%

ضريبة على الأجر قد تصل إلى

 

3  دولار

إذاً صافي الدخل عن هذه الساعة

 

5  دولار

أجر العامل في الساعة (في الاقتصاد الخفي)

 

5  دولار

لا ضرائب ـ الدخل الصافي

 

وهنا يظهر الفرق، بين أجر العامل في الحالتين.

ثانياً: التعقيدات والفساد الإداري

      إن ازدياد التعقيدات الإدارية، المتعمدة أو غير المتعمدة، يؤدي إلى لجوء جمهور المتعاملين، إلى الأبواب الخلفية، أو ما يسمى بالسوق السوداء. فالتعقيدات الإدارية، التي تضعها الجهات الحكومية مثلاً، في سبيل الحصول على تراخيص أو تصريحات، تؤدي إلى ظهور طائفة من المستفيدين، يقومون بإنهاء هذه الإجراءات، في مقابل الحصول على إكراميات أو عمولات أو رشاوى. وعندما تفرض الحكومات القيود على تداول هذه العملات، فسرعان ما نجد الأسواق السوداء تنتشر، لتغطي احتياجات المتعاملين من هذه العملات.

      والفساد الإداري يشمل، تصرفات غير قانونية، تهدف إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة. فيعمد المسؤولون الحكوميون، إلى استغلال سلطاتهم، مثلاً، في إعطاء تأشيرات، أو تصريحات غير قانونية، أو إعطاء تصريحات قانونية، في فترات قصيرة، تلافياً لعيوب التعقيدات الإدارية والإجراءات البيروقراطية، أو إرساء عطاءات لجهات لا تستحقها، على حساب جهات أخرى لها الأولوية فيها. وكل هذه التعقيدات الإدارية، والإجراءات البيروقراطية، تؤدي إلى نتيجة حتمية واحدة، وهي انتعاش الاقتصاد الخفي.

ثالثاً: القوانين المانعة

      إن ظهور القوانين، التي تُحِّرم الاستيراد، أو التعامل، في بعض أنواع من السلع، تؤدي إلى ظهور السوق السوداء، التي تتعامل في هذه الأنواع، لسد احتياجات المستهلكين لها. وتبيع هذه الأسواق عادة، السلع بأسعار باهظة، وتحقق أرباحاً كبيرة، تدخل في عِداد الاقتصاد الخفي.

      وأوضح مثال على ذلك، هو المخدرات بأنواعها، التي تحرم القوانين تداولها، ويتعرض من يتاجر فيها لعقوبة، قد تصل إلى الإعدام، في بعض الدول. فظهور القوانين التي تمنع تداول هذه السلع، مع شدة الطلب عليها، يؤدي إلى ظهور من يتاجرون فيها، ويعرضون حياتهم للخطر، في مقابل الحصول على أرباح باهظة من وراء تجارتهم. والأرباح التي يحققونها من خلال هذه الأنشطة، غير القانونية، تدخل أيضاً ضمن الاقتصاد الخفي.

رابعاً: انخفاض مستويات الدخل

      إن تدني مستويات الدخل في دولة ما، وارتفاع نسبة البطالة فيها، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة. وإذا استمرت مستويات الدخل في الانخفاض، سيؤدي ذلك إلى ظهور ما يسمى بالجريمة الكاملة، التي لا تستطيع أجهزة الشرطة اكتشاف الجاني فيها، وكذلك، إلى ظهور المنظمات الإجرامية، ذات النفوذ والسلطة. وكل ذلك إلى زيادة النشاط في الاقتصاد الخفي.

      ومن أمثلة ذلك، ما حدث في روسيا الاتحادية، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، من تدنٍ في مستوى المعيشة، أدى إلى ظهور المافيا الروسية، التي غسلت أربعة مليارات من الدولارات، في دولة واحدة، هي إسرائيل. إضافة إلى سيطرتها، على الآلاف من الشركات، التي تنقل الأموال، إلى دول متعددة.

      وكذلك، يؤدي تدني مستويات الدخول في الدول، إلى توسيع دائرة الفساد الإداري و السياسي. ولعل أحدث هذه الجرائم، جرائم روسيا الاتحادية، المتعلقة بالتهم الموجهة إلى النائب العام الروسي السابق "اكسي اليوشنكو"، والمتمثلة في اتهامه بالاختلاس والرشوة، وسوء استغلال وظيفته، لمدة عامين.

خامساً: دور المشروعات الصغيرة

      تميل المشروعات الصغيرة، إلى إجراء معاملاتها باستخدام النقود السائلة. ومن المعروف أن الأعمال التجارية، التي تعتمد على استخدام النقود السائلة، في تسوية معاملاتها، تسهّل من الأنشطة التجارية الخفية. لذلك، فإنّ أي محاولة لتطبيق النظم الضريبية بالقوة، يترتب عليها إفلاس عدد كبير، من المشروعات الصغيرة.

      ويؤدي تزايد أعداد المشروعات الصغيرة، التي تعتمد أساساً على استخدام النقود السائلة، في إبرام المعاملات، إلى زيادة حجم الاقتصاد الخفي، حيث يصبح من السهل التهرب من الضريبة، لصعوبة تحديد الجهات الحكومية، للإيرادات الفعلية لهذه المشروعات.

سادساً: ندرة السلع

      تعاني الدول الفقيرة، عادة، من نقص في عرض بعض السلع الاستهلاكية، التي يُفترض أن توزّع من خلال المنافذ المختلفة، التي تتولى الحكومة الإشراف عليها. وتكون السلع الاستهلاكية، التي تتولى الحكومة الإشراف عليها، عادة، سلعاً أساسية، لحياة المجتمع (مثل القمح والدقيق). ولذلك، تسعى حكومات هذه الدول، إلى بيعها بأسعار مدعّمة. وأحياناً لا يُغطي المعروض من هذه السلع، الطلب عليها، وذلك يرجع إما لسهولة التلاعب في السلع، التي توفرها الحكومة وإعادة بيعها بصورة غير قانونية، أو من خلال محاولة إنتاج هذه السلع، في الاقتصاد الخفي، للوفاء باحتياجات الطلب عليها.

سابعاً: توافر المعلومات

      تلعب المعلومات دوراً حيوياً في أداء الاقتصاد الخفي. فكل من المشترين والبائعين في السوق الخفي، يحتاجون إلى معلومات، عن الأطراف والسلع موضوع المعاملات، التي تتم على أرض الواقع. والبائع والمشتري يبحث كل منهما عن الآخر، وكلاهما يحتاج إلى توافر معلومات، عن السلع وأسعارها ومدى جودتها. لذلك، فإن السوق السوداء لا يمكن أن تعمل، في غياب مثل هذه المعلومات.

      ويستخلص من ذلك، أن توافر المعلومات في سهولة، وتكلفة زهيدة، يؤدي إلى انتشار الأسواق السوداء، وازدهار الاقتصاد الخفي.