إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / عمليات غسل الأموال





مجموعات الكوسكيه الإجرامية
التسلسل الهرمي
العلاقة بين ثلاثة أطراف




المبحث الأول: تعريف عملية غسل الأموال

المبحث الأول: تعريف عملية غسل الأموال

      عملية غسل الأموال، هي تلك التي يتم فيها التصرف في الأموال الناتجة، عن نشاط غير مشروع، بطريقة تخفي مصدرها الأصلي وأصلها الحقيقي، كي تجعله مشروعاً، وذلك عن طريق عدد من عمليات التحويل بين الحسابات البنكية المختلفة. ولكي ينجح أصحاب الأموال غير المشروعة في تبييضها، فإن عليهم إجراء عدد من العمليات المعقدة، والمتعددة العناصر. وتُعد المقومات الأساسية، لعملية غسل الأموال، هي: المالك، والمنظف، والمغسول، والمغسلة.

  • المالك: وهو الشخص، أو المنظمة، صاحبة الأموال غير المشروعة، التي يُراد غسلها عن طريق تحويلها، من أموال ناتجة عن طريق غير مشروع، إلى أموال مشروعة، وإخفاء مصدرها وأصلها الحقيقيين.
  • المنظف: وهو الشخص الذي يتولى تنظيف الأموال لصالح الغير، عن طريق إجراءات مخالفة للقوانين، أو اللوائح الخاصة بالدول، أو البنوك، أو المؤسسات، يؤدي هذا الدور، عادة، موظفو البنوك، والسماسرة، والعملاء.
  • المغسول: وهي الأموال القذرة المكتسبة، بطريق مباشر أو غير مباشر، من خلال ارتكاب جريمة، يعاقب عليها القانون، وتسمى "المتحصلات". وأغلب هذه الأموال، يكون ناتجاً عن الاتجار في المخدرات، بأنواعها المختلفة.
  • المغسلة: وتمثل الأداة، التي يستخدمها منظفو الأموال لإتمام عملية الغسل، وتحويل الأموال من مصادر غير مشروعة إلى مصادر مشروعة. وقد تكون هذه الأداة شركة وهمية، أو تجارة مشروعة، أو عمليات شراء لأصول ثابتة، أو تحف ثمينة، أو غيرها من الأدوات المستخدمة، في تنظيف الأموال.
أولاً: مصادر الأموال غير المشروعة

      تهدف عملية غسل الأموال، إلى إضفاء المشروعية على الأموال الناتجة عن الأنشطة الآتية:

1. التجارة غير المشروعة

تمثل التجارة غير المشروعة أهم مصادر الأموال "القذرة" و"السوداء"، خاصة تجارة المخدرات. إضافة إلى هذه التجارة، نجد بعض تجارة الأفلام الخلاعية والجنس (الدعارة)، التي تدر على أصحابها أرباحاً تقدر بحوالي (30) إلى (35) مليار دولار سنوياً.

كذلك تجارة الأسلحة، عن طريق التهريب، تُعد من الأنشطة التجارية غير المشروعة، التي تدر أرباحاً طائلة. وهناك أنشطة تجارية غير مشروعة أخرى، مثل تجارة الدم، والأعضاء البشرية غير المشروعة، وتجارة الرقيق، والأطفال.

2. التهرب الضريبي والجمركي

تتم عملية التهرب الضريبي، من خلال تلاعب أصحاب الشركات في حسابات شركاتهم، بهدف إظهار أرباحهم، أقل من الواقع، ومن ثم تخفيض المبلغ الضريبي، المستحق الدفع لوزارة المالية.

كذلك يُعد التهرب من الرسوم الجمركية، المستحقة على السلع المستوردة، من الأنشطة غير المشروعة، التي يلجأ إليها أصحاب الشركات، لتحقيق أرباح أعلى على مبيعاتهم.

3. الرشاوي واستغلال النفوذ

يتمثل الفساد الإداري في الحصول على دخول غير مشروعة، والثراء من الوظائف العامة، من خلال منح التراخيص والموافقات الاستثنائية (أو المخالفة)، أو تسوية العطاءات، وتعمد تخفيض المبالغ الضريبية، والجمارك المستحقة على الممولين، وتخصيص أراضٍ متميزة بمساحات شاسعة، وأسعار بخسة، أو من خلال التحايل على اللوائح والقوانين، وغير ذلك من مظاهر استغلال السلطات والنفوذ.

وتنتشر هذه الظاهرة في حكومات دول العالم الثالث، أكثر منها في حكومات الدول المتقدمة. وتمثل البنوك السويسرية، الملاذ الأكثر أمناً ومصداقية، لأموال الحكومات الطاغية في مختلف دول العالم. فليس من قبيل المصادفة أن يكون السؤال، الذي يُطرح في كل مرة يتهاوى فيها نظام ديكتاتوري، في بقعة ما من دول العالم الثالث، هو: "كم أودع في البنوك السويسرية؟".

وقد طُرح هذا السؤال بعد سقوط "فردناند كارلوس"، رئيس الفليبين الأسبق وزوجته "أيميلدا"، كما طُرح أيضاً بعد إطاحة "أنطونيو نورييجا"، رئيس بنما الأسبق، و"نيكولاي تشاوسيسكو" رئيس رومانيا المخلوع.

وإذا كان من السهل التساؤل عن حجم الثروات، التي كونتها الحكومات الفاسدة بعد فقدانهم السلطة؛ فإن الحلم الذي يصعب تحقيقه، هو قيام الشعوب المنهوبة، باستعادة هذه الثروات. وسبب ذلك أنّ استجابة البنوك، خاصة السويسرية منها، لمطالب هذه الشعوب، سوف تؤدي إلى انهيار الثقة في نظامها المصرفي والقضاء على سمعته. ولم يُسمع حتى الآن، عن استرجاع أموالاً، أودعها حكام سابقون في بنوك سويسرية.

ولكي تحفظ هذه البنوك ماء وجهها، وتُحسّن صورتها الخارجية، فإن السلطات المالية في سويسرا، بدأت تبادر إلى تجميد الأموال موضوع الخلاف، ولكنها تُطالب الحكومات الجديدة للدول بتقديم الأدلة، التي تثبت صحة الاتهامات الموجهة للمودِع. وهذا العمل ينتهي، عادة، لصالح المودع، دون تحقيق العدالة وإرجاع الحقوق لأصحابها.

4. الغش والتزييف

يتفرع الغش ليشمل الاتجار في السلع الفاسدة، وسرقة حقوق المعرفة، وحقوق النشر والطبع، والأعمال الفنية، وتقليد الماركات العالمية، وغيرها من سبل الغش المنتشرة في عالم اليوم. أما تزييف العملات وتهريبها، فيتم، عادة، عن طريق منظمات إجرامية مثل المافيا. وجدير بالذكر، أن ما يوازي مئات الملايين من الدولارات لعملات مختلفة، يجري تزييفها كل عام.

5. مصادر أخرى

وتوجد مصادر أخرى ثانوية للأموال غير المشروعة، تتمثل في السرقات والاختلاسات، ومثال ذلك:

  • العمولات غير المشروعة، التي يحصل عليها الموظفون، في المراكز الحساسة بالمؤسسات، بهدف تسيير بعض العمليات، مثل حصول موظفي البنوك في المناصب الإدارية العليا، على عمولات بهدف تسهيل بعض العمليات الائتمانية، المتمثلة في القروض والتسهيلات.
  • النصب والاحتيال، مثل الاقتراض من البنوك بهدف إقامة مشروعات استثمارية، والهروب بعد الحصول على القروض خارج البلاد. وكذلك شركات توظيف الأموال، التي يلجأ مؤسسوها إلى جذب مدخرات صغار المستثمرين، من خلال إقناعهم بالوسائل الدعائية الخادعة، بإعادة استثمار هذه الأموال، وتحقيق أرباح تفوق ما يحصلون عليه من البنوك والمؤسسات المالية، ثم الهروب بعد تحويل هذه المدخرات، إلى الخارج.
  • تمثل السوق السوداء، أيضاً، مصدراً من مصادر الأموال غير المشروعة، حيث يلجأ المتعاملون في هذه الأسواق، إلى استغلال اللوائح والقوانين، التي تمنع التعامل في نوع خاص من السلع، والاستفادة من ندرتها لتحقيق أرباح ضخمة، من خلال الاتجار في هذه السلع.
ثانياً: مراحل عمليات غسل الأموال

تمر عمليات غسل الأموال، بثلاث مراحل رئيسية، هي:

1. مرحلة توظيف الأموال  "Placement"

تستثمر في هذه المرحلة، الأموال الناتجة عن نشاط غير مشروع، سواء في صورة إيداعات في البنوك، أو المؤسسات المالية الأخرى، أو عن طريق شراء أوراق مالية، أو شراء أصول ثابتة.

2. مرحلة التمويه "Layering"

يموه ويعتم أصحاب الأموال القذرة، في هذه المرحلة، على المصادر الأصلية للأموال غير المشروعة. فيبيعون ما شروه من أصول ثابتة، أو أوراق مالية، ويفكون ودائعهم بالبنوك، أي تسييل ما قاموا بشرائه. بعد ذلك، يحوّلون عملاتهم المحلية إلى عملات أجنبية مختلفة. ثم يجرون، بعد ذلك، تحويلات بين الحسابات البنكية المختلفة والمعقدة، بغرض إخفاء مصدر هذه الأموال القذرة. ويكون القاسم المشترك في هذه المرحلة، عادة، هو تواطؤ من جانب البنوك الأجنبية.

3. مرحلة الدمج " Integration"

يُعاد هذه المرحلة، ضخ الأموال التي غسلت، من الاقتصاد الخفي إلى الاقتصاد المعلن (الرسمي)، لتحويلها إلى أموال، تكتسب مظهراً شرعياً قانونياً.

وتكتسب الأموال القذرة شرعيتها، عن طريق دمجها في مشاريع تجارية يُعرف عنها مشروعيتها، ومشروعية مصدر رأسمالها. ومن ثم، يصعب الفصل بين مصدر رأس المال المشروع، ورأس المال غير المشروع. وتصبح الأرباح، التي تدرّها هذه المشروعات، أموالاً نظيفة ومشروعة.

ثالثاً: العنصر البشري، في عمليات غسل الأموال

1. العنصر الرئيسي

العنصر البشري الرئيسي في عملية غسل الأموال؛ هو منظف الأموال. فمع اتساع حجم الأموال غير المشروعة، وزيادة شعور أصحاب الأموال القذرة، بالحاجة إلى وجود شخص يتولىَّ عنهم هذه العملية، ظهر نوع جديد من الوظائف، يسمى "منظف الأموال". وهو شخص يتلقى هذه الأموال، غير المشروعة، من أصحابها، ويشرف على تنظيفها أو تسهيل عملية التنظيف، وذلك مقابل عمولة، تمثل نسبة من الأموال المغسولة.

وأهم منظفي الأموال، وأكثرهم تكلفة، هم أصحاب شركات، هي في واقع الأمر، ستار يتحقق خلفه هدف رئيسي واحد، هو إعطاء الشرعية للأموال القذرة.

2. العناصر المساعدة

هناك عدد من العناصر البشرية، التي تساعد، في إتمام عملية غسل الأموال، سواء بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.

أ. حاملو الحقائب

هم أشخاص يتلقون ـ في حقائب ـ المبالغ القذرة، ذات الفئات الصغيرة، في أماكن سرية. ويسافرون، عادة، بهذه الحقائب، ثم يودعونها مباشرة في حسابات خاصة في بنك واحد، أو عدة بنوك، أو يسلمونها إلى أشخاص يتولون عملية الإيداع.

ب. موظفو البنوك

يساعد موظفو البنوك في عملية غسل الأموال، إما عن طريق تلقي الإيداعات من الفئات المالية الصغيرة، وتحويلها لطرف ثانٍ في منطقة أخرى في العالم، أو التعمد إلى التراخي في التأكد من حسن نية العميل، أو سلامة بياناته الشخصية والوظيفية، عند فتح حساب جديد.

ج. المحامون والمحاسبون

يلجأ أصحاب الأموال غير المشروعة ومنظفو الأموال، إلى المحامين والمحاسبين ومراقبي الحسابات، قبل عملية غسل الأموال، وبعد إتمامها.

فقبل إتمام هذه العملية، يستشير أصحاب الدخول غير المشروعة، المحامين ومراقبي الحسابات حول الطرق، التي سيستخدمونها لتنظيف أموالهم القذرة، واختيار أحسن السُبل، التي تُبعد الشبهات عنهم.

أما بعد إتمام عملية التنظيف، فإن الخارجين عن القانون، الذين حصلوا على الأموال من خلال الكسب غير المشروع، قد يتعرضون للمساءلة القانونية، نتيجة ازدياد حجم الجرائم المرتبطة بهم.

وحينئذ، فإن أول من يلجأ إليهم أصحاب الأموال غير المشروعة، هم المحامون ومراقبو الحسابات، لمساعدتهم، في الخروج من مآزقهم، وإعداد أوراقهم للدفاع عنهم، دفاعاً شرعياً.

وفي مثل هذه الحالات، يجني المحامون ومراقبو الحسابات أرباحاً طائلة، من وراء هذه العمليات التي يتولونها، حيث تزداد الخطورة، التي يتعرضون لها، لأن أغلب هذه العمليات هي تحايل على القانون، وتزوير في أوراق رسمية، وغير ذلك من وسائل دفاعية غير مشروعة. ويتولى المحامون، بصفتهم وكلاء لعملائهم، عمليات غسل الأموال غير المشروعة، لصالح هؤلاء العملاء.

وأشهر هذه الطرق قيام المحامي بدور المنظف، عن طريق فتح عدة حسابات، في عدد من البنوك، بأسماء مستعارة لأشخاص وشركات وهمية. وتكون هذه البنوك، عادة، في بلاد لا توجد بها تشريعات، لمكافحة عمليات غسل الأموال. ثم يُجري عدداً من عمليات التحويل، بين الحسابات المتعددة، التي فتحها بهدف التمويه. وبسبب مهنته، فإن البنك الوطني لا يجد مبرراً للتأكد، من صحة العمليات المالية التي يجريها.

إضافة إلى ذلك، فإن مراقبي الحسابات، قد يؤدون أدواراً مماثلة، كتلك التي يؤديها موظفو البنوك. ذلك، أن الدور الرئيسي لمراقبي الحسابات، هو مراجعة المستندات والدفاتر في الشركات المختلفة، واستصدار التقارير، التي تؤكد صحة البيانات المالية الواردة بها. وقد يعمد مراقبو الحسابات، إلى التراخي في التأكد من حسن نية العميل، أو سلامة مستنداته ودفاتره، وإصدار تقارير تشير إلى صحة هذه المستندات، على الرغم من ورود مخالفات قانونية، أو محاسبية بها.