إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / شركة الزيت العربية المحدودة (1991)




ولي عهد اليابان وبعثة الشرف
ولي عهد اليابان في الخفجي
الأمير ناروهيتو قرب الرياض
الأمير سلطان والأميرة ماساكو
الأمير عبدالله والأمير ناروهيتو
الملك فهد يستقبل ولي عهد اليابان
المكاتب والمساكن بالخفجي
خزان نفط يحترق
حفل غداء تكريماً للأمير ناروهيتو
زيت الخفجي
عمليات الزيت
قاعدة العمليات في الخفجي

الخفجي والحوت




الخفجي والغزو العراقي

الخفجي والغزو العراقي

       عندما غزا الجيش العراقي الكويت، في الساعات الأولى من صباح الثاني من أغسطس 1990 أُضيف فصل غير متوقع إلى تاريخ شركة الزيت العربية. فحتى ذلك التاريخ كانت الشركة تركز كل طاقاتها، من أجل تحقيق أعلى قدر ممكن من الامتياز الفني، في ميدان إنتاج النفط، وتطوير المجتمع المحلي، والأنظمة اللازمة لعمليات الشركة، والمصادر البشرية اللازمة لتشغيلها. أما الآن، وفجأة، أصبح من واجب الشركة أن تفكر في حماية حياة موظفيها وأسرهم، والدفاع عن منشآتها وممتلكاتها. وأصبح تفكير الشركة متجهاً إلى الدفاع قبل البناء.

       تم كل ذلك وسط جو مشحون بالتوتر والقلق، على سلامة العاملين وأسرهم، واستقال عدد قليل من الموظفين، ولكن الأغلبية الساحقة منهم بقوا في مواقع عملهم، يؤدون واجباتهم.

       لم تحدث أي خسائر في الأرواح، كما أن التلف الذي لحق بالمنشآت والمعدات كان محدوداً، على الرغم من القصف الصاروخي الكثيف، والغزو الفعلي، الذي تعرضت له منشآت الشركة.

       كانت القوات العراقية قد احتلت مدينة الكويت، وبدأت تتحرك جنوباً باتجاه الحدود السعودية. وظل موظفو الشركة على اتصال دائم مع أعضاء الإدارة في طوكيو، بينما كان مكتب الحقل في الخفجي، الذي يبعد ثمانية كم عن الحدود، يواصل عمليات إنتاج الزيت وتصديره كالعادة. ولو أن قوات الغزو واصلت تقدمها، لكانت الخفجي أول أهدافها. وكانت تلك أكبر وأخطر أزمة تواجهها الشركة منذ تأسيسها. ولعل التقسيم أتي للشركة بحظ سعيد. فعندما بدأت أزمة الخليج، بغزو العراق للكويت واحتلها بالكامل، توقفت القوات العراقية عند الحدود التي رسمها التقسيم، ونجا مكتب الحقل ومدينة الخفجي من الدمار. أمّا الشركة، التي كانت تعمل في الجزء الشمالي من المنطقة المقسومة، فقد وقعت تحت نير الاحتلال. وعندما بدأت حرب تحرير الكويت، دمّر العراقيون مرافقها، وأشعلوا النار في آبارها، قبل أن تنسحب قواتهم.

       وكان على إِدارة الشركة أن تتخذ قراراً إمّا بمواصلة عمليات إنتاج الزيت، أو التوقف المؤقت، نظراً للأخطار التي نشأت عن الغزو. وبعد الحصول على موافقة وزارة البترول والثروة المعدنية، قررت الشركة أن يبقى موظفوها في مواقع عملهم، ليواصلوا تأدية واجباتهم. وعلى الرغم من الأخطار، التي يعنيها القرار، كان هناك عوامل وبواعث حملت شركة الزيت العربية على اتخاذه، وهي تختلف عن ظروف أي شركة يابانية أخرى من الشركات العاملة في المملكة العربية السعودية. لم تكن شركة الزيت العربية شركة يابانية خالصة، على الرغم من وجود مكتبها الرئيسي في طوكيو، بل كانت شركة مملوكة جزئياً للحكومتين المضيفتين، اللتين تملكان حصة كبيرة من أسهم الشركة. وقد وضعت إدارة الشركة هذا الأمر موضع الاعتبار، عندما اتخذت قرارها بمواصلة الإنتاج.

       وعلى الرغم من أن شركة الزيت العربية، شركة تجارية خاصة، إلاّ أنها كانت تشعر بأن من واجبها أن تؤمن إمدادات ثابتة من الزيت، لليابان والدول الأخرى.

       وعبرت حكومة المملكة العربية السعودية عن احترامها وتقديرها، للعاملين في شركة الزيت العربية، الذين واصلوا عملهم في إنتاج الزيت، وهم يواجهون أخطاراً من تهديدات القوات العراقية المحتشدة عند الحدود، على بعد 17 كم فقط. وعندما عاد الأستاذ هشام محيي الدين ناظر، وزير البترول والثروة المعدنية، من فيينا، بعد حضوره اجتماعات (أوبك)، قام بزيارة تفقدية لمكتب الحقل في الخفجي، ليعبّر عن مساندته وتقديره للشركة.

       وقال الوزير في ختام زيارته: "نود أن نعبر عن احترامنا وتقديرنا للعاملين في شركة الزيت العربية، الذين حافظوا على استمرار عمليات إنتاج الزيت في الخفجي. إنّ حكومة المملكة العربية السعودية تتفهم الأخطار، التي تتعرضون لها، وهي تضمن سلامتكم". ونقل الوزير رسالة من خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، عبرّ فيها عن تقديره لجهود شركة الزيت العربية، في تلك الظروف الصعبة. وكرر وعد الحكومة بحماية حياة العاملين وتأمين سلامتهم.

       انتهت أعمال بناء الملاجئ المؤقتة للموظفين، قبل نشوب الحرب مباشرة. وكانت حكومة المملكة العربية السعودية، قد بنت اثني عشر ملجأ قوية التحصين، لحماية الجمهور. يتسع الملجأ الواحد لمائة وخمسين شخصاً. أما ملاجئ الشركة، فقد كانت ذات طبيعة مؤقتة، لأن الوقت لم يتسع لبنائها طبقاً للمواصفات الحكومية. فعندما علم مكتب الشركة في الدمام، أن لدى شركة الأنابيب الوطنية كمية كبيرة من أنابيب الصلب، مقاس (60 بوصة)، اشترى عدداً منها وقصها بطول عشرة أمتار للأنبوب، وأرسلها لمكتب الحقل حيث دُفن 31 منها في مواقع مختلفة، مع مدخلين لكل أنبوب، ووضعت فيها مقاعد مستطيلة، وتم إِعداد ثمانية وعشرين موقعاً، غُطيت بأكياس الرمل لتوفير الحماية للموظفين، في وقت قصير. وانتهى العمل في إِنشاء تلك الملاجئ، لتستوعب 1500 شخص، في 13 يناير 1991، قبل يومين من الموعد النهائي، الذي حددته الأمم المتحدة لانسحاب الجيش العراقي من الكويت. وبعد أربعة أيام من ذلك التاريخ، أثبتت تلك الملاجئ استحقاقها للجهد الذي بذل في إِنشائها.

       كان الحديث قد كثر عن إِمكانية استخدام القوات العراقية للغازات السامة عند نشوب الحرب. فاشترت إِدارة مكتب الحقل عدداً كافياً من الأقنعة الواقية، ووزعتها على الموظفين وأسرهم، وعلى المقاولين العاملين في المنطقة.

       تواصل إِنتاج الزيت من حقلي الخفجي والحوت من دون توقف، على الرغم من زيادة مشاعر القلق والتوتر، وذلك حتى نهاية عام 1990، ووصل الإنتاج خلال ذلك العام إِلى 85.210.000 برميل بمعدل يومي قدره 230 ألف برميل تقريباً، وهو معدل الإنتاج الطبيعي نفسه تقريباً.

       وفي 30 ديسمبر 1990، أوقف مكتب الحقل عمليات إِنتاج الزيت من حقل الحوت. كما توقف العمل في المصفاة، لأن عدد ناقلات النفط القادمة إلى الخفجي كان قد تضاءل، بينما كانت الخزانات تمتلئ بالزيت ومنتجاته. ووافقت وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية، على تلك الإِجراءات.

       غادرت آخر ناقلة نفط الخفجي، في 9 يناير 1991، ولم يكن من المتوقع وصول أي ناقلة أخرى. فخفض مكتب الحقل الإنتاج إلى 80 ألف برميل يومياً، وطلب "تونو"، نائب رئيس الشركة التنفيذي، موافقة وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية على وقف الإنتاج وإقفال الآبار. وردت الوزارة بالموافقة في السادس عشر من يناير، على أن يكون ذلك مؤقتاً، وأعطى رئيس الشركة، "ايجوتشي" موافقته أيضاً، وكان في ذلك الوقت، في الخفجي، فأُقفلت الصمامات على كلِ بئر من آبار الزيت، وفي الساعة الحادية عشر من صباح 16 يناير توقفت كل عمليات الإنتاج.