إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الوضوء والصلاة









المبحث الرابع

المبحث الرابع

صفة الصلاة، وأنواعها، وضرورة الخشوع في الصلاة

أولاً: صفة الصلاة، وأنواعها

1. موجز صفة الصلاة

يقف العبد متطهراً، مستور العورة؛ فيستقبل القبلة، ثم يُقيم للصلاة، حتى إذا فرغ من لفظ الإقامة، رفع يديه محاذياً بهما منكبَيه، ناويًا، بقلبه، الصلاة التي أراد أن يصليها، قائلاً: الله أكبر، ويضع يده اليمنى على اليسرى، فوق صدره. ثم يستفتح، ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، سراً، فيقرأ الفاتحة حتى إذا بلغ: ولا الضالين، قال: آمين. ثم يقرأ سورة، أو ما تيسر له من الآيات القرآنية. ثم يرفع يدَيه حذو منكبَيه، ويركع، قائلاً: الله أكبر، فيمكن كفَّيه من ركبتَيه، ويمد صلبه ـ ظهره ـ ولا يرفع رأسـه، ولا ينكسه، بل يمده في سمت ظهره؛ ثم يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم، ثلاثاً أو أكثر. ثم يرفع من الركوع رافعاً يديه حذو منكبَيه، قائلاً: سمع الله لمن حمده؛ حتى إذا استوى قائماً في اعتدال، قال: ربنا، لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. ثم يهوي إلى السجود، قائلاً: الله أكبر، فيسجد على أعضائه السبعة، وهي: الوجه والركبتان والكفان والقدمان، ممكناً جبهته وأنفه من الأرض، قائلاً: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، أو أكثر؛ وإن دعا بخير فحسن. ثم يرفع من السجود، قائلاً: الله أكبر، فيجلس مفترشاً رجله اليسرى جالساً عليها، ناصباً اليمنى ويقول: رب اغفر لي وارحمني وعافني، واهدني، وارزقني. ثم يسجد، كما سبق. ثم ينهض للركعة الثانية، فيفعل فيها مثل ما فعل في الأولى. ثم يجلس للتشهد؛ فإن كانت ثنائية، كصلاة الصبح، فإنه يتشهد، ويصلي على النبي، قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، ملتفتاً إلى اليمين، ثم يسلم، ملتفتاً إلى اليسار، كذلك.

وإن كانت غير ثنائية، فإنه إذا قرأ التشهد، ينهض مكبراً، رافعاً يديه حذو منكبَيه، فيتم صلاته على النحو الذي تقدم؛ إلا أنه يقتصر في القراءة على الفاتحة فقط. فإذا فرغ، جلس متوركاً؛ بإفضائه بوركه إلى الأرض، ونصب قدمه اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض. ثم يتشهد، ويصلي على النبي r، ويستعيذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ويسلم، جهراً، قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، ملتفتاً إلى اليمين، ثم يسلم تسليمةً ثانية، ملتفتاً بها إلى اليسار.

2. أنواع الصلاة

أنواع الصلاة خمسة: فرض عين، وفرض كفاية، وسُنة، وفضيلة، ونافلة.

أ. فرض العين: وهو ما يجب على كل مسلم بنفسه، وهو الصلوات الخمس: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.

ب. فرض الكفاية: وهو الذي إذا أداه نفر من المسلمين، سقط عن الباقين، فإن تركه المسلمون جميعاً أثموا، وهو صلاة الجنازة.

ج. السُّنة: وهي الصلوات التابعة للفرائض، وتنقسم إلى سُنن مؤكدة، وأخرى غير مؤكدة. فأما المؤكدة، فهي كالتالي:

(1) الوتر وهي آكد السُّنن: وقد ثبت أن رسول الله r قال]الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاَتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ. وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ r وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا، يَا أَهْلَ الْقُرْآن[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 415). وقد واظب عليه رسول الله r، ولم يكن يتركه أبداً، لا في الحضر ولا في السفر. ووقت الوتر من بعد صلاة العشاء إلى الفجر. وأقلّه ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة. ويستحب قضاؤه نهاراً، لمن لم يصله ليلاً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1219).

(2) عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة: في اليوم والليلة؛ لقول النبي r ]مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ، كُلَّ يَوْمٍ، ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّة[ (سنن مسلم، الحديث الرقم 1199). ولقول ابْنِ عُمَرَ]حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ  rعَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَكَانَتْ سَاعَةً، لاَ يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ  r فِيهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1109). وأكد هذه الركعات ركعتا سُنة الفجر؛ لقول عائشة: ]لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ r عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1093). وعنها أن النبي r قال ]رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا[ (رواه: مسلم، الحديث الرقم 1193). وعنها، كذلك ]مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فِي شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْر[ِ (سنن مسلم، الحديث الرقم 1192). وقال ]لاَ تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8885). ثم سُنة الظهر، وقد ورد أنها ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده. وورد، كذلك، أنها أربع قبل الظهر، واثنتان بعده. "عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب t قَالَ ]كَانَ النَّبِيُّ r يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَخْتَارُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَقَ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 389). وورد، كذلك، أنها أربع قبل الظهر وأربع بعده. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا، حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّار[ِ (مسند أحمد، الحديث الرقم 25539). ثم سُنة المغرب، وهي اثنتان بعده. يستحب أن يقرأ فيهما، بعد الفاتحة، بـ ]قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ[ (سورة الكافرون: الآية 1). و]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ (سورة الإخلاص: الآية 1). عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ،مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ ]ما أُحْصِي مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 396). ثم سُنة العشاء، وهي ركعتان بعدها.

وأمّا السنن غير المؤكدة فهي:

(1) أربع ركعات قبل العصر: لقول الرسول r ]رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 395).

(2) ركعتا قبل المغرب: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، لِمَنْ شَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1089).

(3) ركعتان قبل العشاء: لقول النبي r ]بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، ثَلاَثًا، لِمَنْ شَاءَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 588).

ويلحق بالسُّنن المؤكدة، الصلوات الآتية: صلاة العيدين، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، وصلاة التروايح؛ وهي صلوات تؤدى جماعة. وكذلك ركعتا الطواف، وتحية المسجد.

د. الفضائل أو التطوع: وهي ركعتان بعد الوضوء، وصلاة الضحى. عن عبدالله بن شقيق، قال: سألت عائشة هل كان رسول الله r يصلي الضحى؟ قالت ]لاَ. إِلاَّ أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ[ (سنن مسلم، الحديث الرقم 1172). وفي رواية أخرى: ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏r‏ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1176). وعن أم هاني ]صلى، يوم الفتح، ثمان ركعات، وذلك ضحى[ (صحيح البخاري).

هـ. النوافل: ومنها ما لا سبب له، مثل التنفل أثناء السفر، والتنفل في الأوقات الجائزة. ومنها ما له سبب مثل الصلاة عند الخروج إلى السفر، وعند الرجوع منه، وعند دخول المنزل، وعند الخروج منه، وصلاة الاستخارة، وقيل صلاة الحاجة، وقيل صلاة التسابيح؛ وإن لم يصح فيها الحديث. وركعتان بين الأذان والإقامة، وركعتان عند التوبة، وركعتان لمن قُدِّم للقتل، مثل خبيب بن عدي t.

3. صلاة الراكب (في سفينة أو طائرة أو ما أشبه)

الراكب على الدابة (مهما كانت هذه الدابة سفينة، مركب فضاء، صاروخ، غواصة، قاطرة، طائرة، سيارة، أو ما أشبه) يُعدُّ من أهل الأعذار، إذا كان نزوله عنها للصلاة يؤذيه. والراجح أن ما عدا النوافل، من الفرض والواجب، لا يصح على الدابة، إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه، لو نزل، وخوف سبع وطير ونحوه. ومنها خشية فوات رفقة، بنزوله، أو يعجز عن الركوب بعد النزول، أو يعجز عن النزول خلال وقت الصلاة، ولا يستطيعه إلا بعد فوات وقتها. ومن ثَم، فإنه يصلي على دابته؛ ]عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ r فِي مَسِيرٍ، فَانْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ. وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَمُطِرُوا، السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَقَامَ، أَوْ أَقَامَ فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ صَلَّى فِي مَاءٍ وَطِينٍ، عَلَى دَابَّتِهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 376).

ويجب استقبال القبلة، عند افتتاح الصلاة، وكلما دارت الدابة، إن استطاع، وأن يركع ويسجد. فإن لم يستطع، صلى على حسب حاله. قال تعالى: ]لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[ (سورة البقرة: الآية 286). وأجاز بعض العلماء أن يصلي في السفينة (أو ما أشبه)، قاعداً، لدوران الرأس غالباً. والراجح أن الإنسان يصلي قائماً وجوباً، فإن لم يستطع، صلى حسب حاله؛ لحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ t قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ r عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ ]صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1050). فدل على أن المصلي، لا ينتقل من القيام إلى القعود وغيره، إلا مع العجز عنه.

وفيما يخص الصلاة في الطائرة، فقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للإفتاء، في المملكة العربية السعودية، كالتالي:

إذا كنتُ مسافراً في طائرة، وحان وقت الصلاة، هل يجوز أن نصلي في الطائرة أم لا ؟ فأجابت اللجنة، بما يلي:

إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويُخشى فوات وقت الصلاة، قبل هبوطها أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها في وقتها، بقدر الاستطاعة، ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة؛ لقوله تعالى ]فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[ (سورة التغابن: الآية 16)، وقول النبي r ]أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ؛ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَدَعُوهُ[ (سنن مسلم، الحديث الرقم 2380). أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة، بقدر يكفي لأدائها؛ أو أن الصلاة مما تُجمع مع غيرها، كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائها، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة؛ لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها، حسب الاستطاعة.

4. سجود التلاوة والشكر

مواضع سجود التلاوة في القرآن خمسة عشر موضعاً؛ لحديث عمرو بن العاص t ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلاَثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1193).

·   وأول مواضع السجود خاتمة الأعراف.

·   وثانيها عند قوله ]وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[ (سورة الرعد: الآية 15).

·   وثالثها عند قوله ]يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[ (سورة النحل: الآية 50).

·   ورابعها عند قوله]وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا[ (سورة الإسراء: الآية 109).

·   وخامسها عند قوله ]أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[ (سورة مريم: الآية 58).

·   وسادسها عند قوله ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ[ (سورة الحج: الآية 18).

·   وسابعها عند قوله ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[.

·   وثامنها عند قوله ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا[ (سورة الفرقان: الآية 60).

·   وتاسعها عند قوله]اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم[ِ (سورة النمل: الآية 26).

·   وعاشرها عند قوله ]إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ[ (سورة السجدة: الآية 15).

·   والحادي عشر عند قوله ]قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءاَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ[ (سورة ص: الآية 24).

·   والثاني عشر عند قوله تعالى ]وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[ (سورة فصلت: الآية 37). وقال أبو حنيفة، والشافعي، والجمهور، عند قوله ]فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ[ (سورة فصلت: الآية 38).

·   والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر: سجدات المفصل، ]فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [(سورة النجم: الآية 62). و]وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ[ (سورة الانشقاق: الآية 21). و]كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ[ (سورة العلق: الآية 19)

أ. هل يشترط الوضوء لسجود التلاوة؟

ليس في أحاديث سجود التلاوة، ما يدل على شرط الوضوء. وقد كان يسجد مع الرسول r من حضر تلاوته، ولم يُنقل أنه أمر أحداً منهم بالوضوء؛ ويبعد أن يكونوا جميعاً متوضئين. ويؤكد ذلك ما ورد في البخاري: "بَاب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ"؛ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ، لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ـ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا ]يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ[ (صحيح البخاري).

ب. ماذا يقول في سجود التلاوة؟

يكبر للسجود، وهذا ثابت. فعن ]ابْنِ عُمَرَ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ، كَبَّرَ وَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1204) ثم يقول، في سجوده، أحد الأذكار الواردة عن النبي r؛ فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ، بِاللَّيْلِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 529). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي، اللَّيْلَةَ، وَأَنَا نَائِمٌ، كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ لِيَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي جَدُّكَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ r سَجْدَةً، ثُمَّ سَجَدَ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 528).

ثم يسلم، ولا تشهد فيها. ويستحب للمستمع، إذا سمع أحداً يتلو القرآن، ويمر بسجدة، أن يسجد إذا سجد القارئ.  ]فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ r يَقْرَأُ السَّجْدَةَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1014).

ج. أما سجود الشكر، فيستحب للمسلم، إذا أصابته نعمة، أو نجا من مصيبة، أن يخر ساجداً شاكراً نعمة الله عليه. فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ ]خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَقَتِهِ، فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَخَرَّ سَاجِدًا، فَأَطَالَ السُّجُودَ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ U قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ فِيهَا. فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَجَلَسْتُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَجَدْتَ سَجْدَةً، خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ U قَدْ قَبَضَ نَفْسَكَ فِيهَا. فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ u أَتَانِي، فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ U يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ U شُكْرًا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1575).

وعن ]أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَه أَمْرُ سُرُورٍ، أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّه[ِ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2393). وقد سجد أبوبكر t، حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب؛ وسجد علي t، حين وجد ذا الثدية في الخوارج[1]؛ رواه أحمد. وسجد كعب بن مالك[2]، لما بشر بتوبة الله عليه، متفق عليه.

5. الصلاة في البلدان، التي يطول فيها النهار جداً، أو يقصر جداً، أو لا يرى فيها النهار أو الليل، في بعض أيام السنة

اختلف أهل العلم في مسألة تقدير الوقت في البلاد، التي يطول نهارها، ويقصر ليلها. وكذلك في البلاد القطبية، حيث يستمر الليل نصف سنة في القطب الشمالي، بينما تكون هذه المدة طويلة النهار في القطب الجنوبي. فمنهم من يرى التقدير، ومنهم من يرى إلحاق هذه البلاد بأقرب البلاد إليها.

القول الأول:

قال بعض أهل العلم: إن هؤلاء جميعاً لهم حكم واحد، وهو أن تُقدَّر أوقات الصلاة والصيام لهم. لكنهم اختلفوا في أي البلاد يكون التقدير، على قولَين.

أ. أن يقوموا بتقدير أيامهم ولياليهم وأشهرهم، بحساب أوقات أقرب البلاد المعتدلة إليهم، التي تتميز فيها الأوقات، ويتسع كل من نهارها وليلها لما فرض الله، من صوم وصلاة.

ب. وقال بعضهم: بل يقدِّرون أوقاتهم على حسب البلاد، التي نزل فيها التشريع: مكة أو المدينة؛ لأن هذا أيسر لهم، خصوصاً أنهم يتوجهون إلى الكعبة في صلاتهم، كل يوم وليلة.

قول ثانٍ

قال بعض أهل العلم، إذا كان يوجد في هذه البلاد نهار وليل، وجب عليهم الصلاة والصيام، مهما كان طول النهار وقصر الليل، والعكس.

ولعل الراجح، أن الحكم يختلف بين البلاد التي لها ليل ونهار. والبلاد التي لا يوجد فيها ليل أو نهار لزم أهلها الصلاة والصوم مهما طال النهار أو قصر؛ لأن الله ربط الحكم بالنهار والليل. قال الله تعالى ]وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[ (سورة هود: الآية 114).

أما البلاد التي لا يوجد فيها ليل ولا نهار البتة، كالبلاد القطبية، فهؤلاء يُقدِّرون أوقاتهم على حسب أقرب البلاد إليهم؛ ولا بد أن لهم تقديراً في بعض شؤون حياتهم اليومية، فما كانوا يعملون به في أمور دنياهم، ينبغي أن يعملوا به في أمور عبادتهم، وهذا أيسر عليهم وأسهل.

وقد ورد إلى المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، الشيخ عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ السؤال التالي:

قد يستمر الليل أو النهار، في بعض الأماكن، لمدة طويلة. وقد يقصر جداً بحيث لا يتسع لأوقات الصلوات الخمس، فكيف يؤدي ساكنوها صلاتهم؟

وقد أجاب بما يأتي:

الواجب على سكان هذه المناطق، التي يطول فيها النهار أو الليل، أن يصلوا الصلوات الخمس، بالتقدير، إذا لم يكن لديهم زوال ولا غروب، لمدة أربع وعشرين ساعة. كما صح ذلك عن النبي r في حديث عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ ]ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ r الدَّجَّالَ، ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ، عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا. فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ، غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ. إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ. وَإِنْ يَخْرُجْ، وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ؛ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ. فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالاً. يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ؛ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه rِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لاَ. اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ[ (سنن مسلم، الحديث الرقم 5228). وهكذا حكم اليوم الثاني من أيام الدجال، وهو اليوم الذي كشهر. وهكذا اليوم الذي كأسبوع. أما المكان، الذي يقصر فيه الليل، ويطول فيه النهار، أو العكس، في أربع وعشرين ساعة، فحكمه واضح، يصلون فيه كسائر الأيام ولو قصر الليل جداً أو النهار، لعموم الأدلة.

ثانياً: ضرورة الخشوع في الصلاة

عظّم الله تعالى قدر الصلاة وأمرها، وشرّفها وشرف أهلها، من بين الطاعات كلها، في مواضع من القرآن كثيرة. فمن ذلك: أن الله تعالى جعلها من شروط التقوى، قال ]ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)[ (سورة البقرة: الآيتان 2، 3). وكذلك ذكر أعمال البر، التي أوجب لأهلها الخلود في الفردوس، فافتتح تلك الأعمال بالصلاة، وختمها بالصلاة، قال ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِ ثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون[ (سورة المؤمنون: الآيات 1 - 11) وكذلك عاب الله الناس كلهم وذمهم، ونسبهم إلى اللؤم والهلع والجزع، والمنع للخير، إلا أهل الصلاة؛ فقد استثناهم منهم، فقال ]إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ[ (سورة المعارج: الآيات 19 - 24). فأوجب لأهل الأعمال الزاكية الجنة، وافتتح هذه الأعمال بالصلاة واختتمها بالصلاة، وكذلك؛ ندب الله U رسوله r إلى الطاعة كلها جملة، وأفرد الصلاة بالذكر من الطاعات كلها، فقال: ]اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[ (سورة العنكبوت: الآية 45). وكذلك، ندب الله رسوله r إلى الصلاة خاصة، وأمره أن يأمر بها أهله، ويتابع ذلك، فقال: ]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[ (سورة طه: الآية 132). ثم أمر الله تعالى جميع المؤمنين بالاستعانة على طاعته بالصبر المقرون بالصلاة ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 45). وكذلك أمر بني إسرائيل، وبيّن أن الصلاة ثقيلة وكبيرة، إلا على الخاشعين ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 45). وكذلك، أثنى الله على إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام وأوحى إليهم بالخيرات كلها، وبالصلاة خاصة، فقال ]وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 73). وذكر مثل ذلك عن موسى u، إذ قال له ربه ]إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي[ (سورة طه: الآية 14). وأثنى الله على الذين يتمسكون بالكتاب، ويحرصون على الصلاة، فقال ]وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 170).

فظهر من كل ذلك، أن الصلاة رأس الطاعات كلها، وهدى أنبياء الله جميعاً.

وفي الصلاة، يتدرج العبد في الخضوع والخشوع، فيفتتحها بالقيام، ثم يثني بالركوع، ويثلث بالسجود. يتدرج في هذه المراحل في تعظيم الله وتمجيده، فيقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". فإذا سجد، بلغ الغاية في الخضوع والتذلل لله، ناصباً أشرف أعضائه على أذل شيء في الوجود، الأرض التي هي موطأ الأقدام، وتحرك لسانه بأعظم كلمة، يعلن بها عظمة الله وعلوه، يقول: "سبحان ربي الأعلى". ومن ثَم، كان رسول الله، والصحابة الكرام من بعده، يكثر من الدعاء في سجوده؛ ]عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ r وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، يَعْنِي يَبْكِي[ (سنن النسائي، في كتاب السهو، الحديث الرقم 1199). ومن ذلك أنه ]انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ، فَقَالَ: أُفْ أُفْ. ثُمَّ قَالَ: رَبِّ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ؟ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟ فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ صَلاَتِهِ، وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1009)

وهكذا كان السجود أحب الهيئات إلى الله؛ ولذا ورد ]عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 744).

ومعنى الخشوع هو الذل والخضوع والتواضع والانكسار، مع كمال الحب والتعظيم لله U والانقطاع عما سواه. والخشوع أمر ضروري واجب، دليل ذلك قوله تعالى: ]وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 45). وقد توعد r العابث، الذي يرفع بصره إلى السماء.

والخشوع يشمل جميع الجوارح، وخاصة القلب، الذي هو ملك الجوارح. كان النبي r ]إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ، أَنْتَ الْمَلِكُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ. ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ؛ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ. وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا؛ لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ. لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ، وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ: اللَّهُمَّ، لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ. خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي. وَإِذَا رَفَعَ، قَالَ: اللَّهُمَّ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ: لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ. سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ؛ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ؛ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِي. وَقَالَ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ: وَإِذَ ا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا، وَلَكَ الْحَمْدُ. وَقَالَ: وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ[ (صحيح: مسلم، الحديث الرقم 1290).

وقد أمر النبي r بالخشوع، قال ]الصَّلاَةُ مَثْنَى مَثْنَى. تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَخَشَّعُ، وَتَضَرَّعُ، وَتَمَسْكَنُ، وَتَذَرَّعُ، وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ؛ يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ، مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ، وَتَقُولُ: يَـا رَبِّ، يَا رَبِّ. وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَذَا وَكَذَا[ (سنن الترمذي: الحديث الرقم 351). وقال الرسول r ]لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ U إِلَى صَلاَةِ عَبْدٍ لاَ يُقِيمُ فِيهَا صُلْبَهُ، بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 15690). ومن ثَم قال: ]وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُوم[ (سورة الشعراء: الآيتان 217، 218). ولذا، قال رسول الله r ]هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا وَاللَّهِ! مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ؛ وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 699).

والصلاة تشتمل على التلاوة والذكر والدعاء، فإذا كان القلب غافلاً عنها، واللسان يجري بكلمات التلاوة والذكر والدعاء، كأنه آلة، نقصت الصلاة. ولذا قال النبي r ]إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ، وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلّاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا[ (سنن أبو داود: الحديث الرقم 675). وقال ]خَمْسُ صَلَوَاتٍ، افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلاَّهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ـ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، أَنْ يَغْفِرَ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 361). وقال r ]إِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ، فَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ. وَلاَ تَكَلَّمْ بِكَلاَمٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ. وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 4161)؛ أي مودع لهواه، مودع لدنياه، سائر إلى مولاه. ومن ثَم، كان إبراهيم الخليل u إذا قام إلى، الصلاة يُسمع وجيب قلبه من بعيد. ويروى أن الحسن البصري، نظر إلى رجل يعبث بالحصى، وهو يصلي، ويدعو ويقول: اللهم، زوِّجْني الحور العين. فقال: بئس الخاطب أنت، تخطب الحور العين؛ وأنت تعبث بالحصى! وكان علي بن أبي طالب إذا حضر وقت الصلاة، يرتعد، ويصفر وجهه. فقيل له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فقال: جاء وقت أمانة، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها وحملتها؛ وهو يقول ذلك باعتباره واحداً من بني الإنسان الذين حملوا أمانة التكاليف الشرعية. ويروى عن أحد كبار التابعين، أنه سئل عن صلاته، فقال: "إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد حتى تتجمع جوارحي. ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين عيني، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي؛ أظنها آخر صلاتي. ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع وإخلاص. ثــم لا أدري أقُبِلت مني أم لا. وقال ابن عباس: "ركعتان مقتصدتان، في تفكر، خير من قيام ليلة، والقلب ساه".

وقد أمر الله بحضور القلب، فقال: ]وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 205). ونهى U السكارى أن يقربوا الصلاة، فقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا[ (سورة النساء: الآية 43).

وحضور القلب أمر يتفاوت فيه الناس. وكم من معان لطيفة، يدركها المصلي، أثناء الصلاة، ولم يكن خطر بقلبه ذلك من قبل! ومن كان هذا حاله، انصرف عن الفحشاء والمنكر. ولكي يتم استحضار القلب، وجلب الخشوع، على المرء أن يتذكر أموراً منها:

1. جلال الله وعظمته.

2. إنه عبد مسخر لله، خاضع له.

3. اليقين بعفو الله وسعة رحمته. فيتولد من ذلك الاستكانة والانكسار والخشوع.

ويأتي الخشوع، كذلك، من الصفاء النفسي والسمو الروحي، أي يأتي بحب الله، وحب الله يأتي به كثرة النوافل؛ فعن أبي فراس رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ، قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: ]سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ[ (سنن مسلم، الحديث الرقم 754) وقال رسول الله r، فيما يرويه عن ربه ]إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ؛ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ، حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ. وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ. وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6021).



[1] ذو الثدية رجل من الخوارج الذين قتلهم علي رضي الله عنه يوم النهروان. ويقال له المخدج، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي. وقصته في مسلم

[2] كان قد تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر، واعترف بذلك بين يدي رسول الله r، فنهى الرسول r الناس عن تكليمه،  وأمره بمفارقة زوجته حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ثم بعد خمسين ليلة تاب الله عليه، وعلى صاحبيه، فلما بُشِّر بذلك سجد شكراً لله تعالى.