إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الوضوء والصلاة









الفصل الثاني

المبحث الثاني

الصلاة ومكانتها في الإسلام، وفرضيتها، عددها، مواقيتها، وشروطها

أولاً: الصلاة ومكانتها في الإسلام

1. تعريف الصلاة

لغة: الدعاء والاستغفار، والدعاء هو أصل معانيها، ومنه قوله تعالى: ]وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 103)؛ دع لهم؛ يقال، صلى على فلان، إذا دعا له وزكّاه. وصلاة الله على رسوله، رحمته له، وحسن ثنائه عليه.

ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن: القيام والركوع والسجود، والدعاء والتسبيح.

وأصل الصلاة: اللزوم، وصلى: أي لزم؛ فتكون الصلاة لزوم ما فرض الله.

وقيل أصلها، في اللغة، التعظيم: وسميت الصلاة المخصوصة صلاة، لما فيها من تعظيم الرب تعالى.

وقيل مشتقة من الصلة، لأنها تصل الإنسان بخالقه، وتقربه من رحمة ربه.

وقولنا في التشهد: الصلوات لله؛ أي الأدعية التي يراد بها تعظيم الله، و لا تليق بأحد سواه.

وأما قول: اللهم صل على محمد، فمعناه عظِّمه في الدنيا، بإعلاء ذِكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته؛ وفي الآخرة، بتشفيعه في أمته، ومضاعفة أجره ومثوبته. قيل: المعنى أنه لما أمرنا الله بالصلاة على النبي، ولن نبلغ قدر الواجب من ذلك، أحلناه إلى الله؛ وقلنا: اللهم صل أنت على محمد؛ لأنك أعلم بما يليق به.

شرعاً: أقوال وأفعال مخصوصة، يُقصد بها تعظيم الله، مُفتتحة بالتكبير، ومُختتمة بالتسليم، بشروط وأركان وواجبات وسنن مخصوصة.

والمراد بالأقوال: التكبير والقراءة والتسبيح ونحوه.

والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه.

ومن مقارنة التعريفَين، اللغوي والشرعي، تظهر الصلة الوثيقة بينهما؛ فالدعاء واللزوم والتعظيم، كلها أجزاء ومعان موجودة في الصلاة، بمعناها الشرعي. وقد تكون، في اللغة، مأخوذة من الصلوين، أي وسط الظهر من الإنسان، وما انحدر من الوركَين؛ فهما موضعان في الإنسان، يقوم عليهما الركوع والسجود، فلا ركوع ولا سجود بلا تحريك لهما، فأُخذ اسم الصلاة منهما، كما أُخذ اسم البيع من الباعَين، اللذَين يمدهما البائع والمشتري. ومن ثَم، يتضح ارتباط المعنيَين، اللغوي والشرعي.

2. أهمية الصلاة في الإسلام

هي فريضة الله على كل مسلم، أمره بها، في كتابه:

قال ]َأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[ (سورة النساء: الآية 103).

وقال ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[ (سورة البقرة: الآية 238).

وقال]وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 43).

وقال ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 45).

وقال ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة الحج: الآية 77).

وجعلها رسول الله r القاعدة الثانية من قواعد الإسلام الخمس؛ فقال: ]بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 7).

]عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلاَةِ: فَقَالَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: الآ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصِّيَامِ. فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ: الآ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الزَّكَاةِ. فَقَالَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1758).

كذلك أجمعت الأمة، من سلف وخلف، على وجوب خمس صلوات، في اليوم والليلة، على كل مسلم ومسلمة، بالغَين عاقَلين؛ على أن تكون المرأة غير حائض ولا نفساء.

ويؤمر المسلم بالصلاة متى بلغ سبع سنين، وذلك ليتعلمها. وإذا بلغ عشر سنين؛ ولم يصلِّ، يُضرب على تركها، ليفعلها، فيعتادها، فيسهل عليه أداؤها متى كبر؛ لقول الرسول: ]مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ؛ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 418).

3. حكم تاركها

إن في ترك الصلاة مخالفة لنظام الكون؛ لأن كل ما في الكون، يسبح لله، ويسجد له، بكيفيات لا يعلمها إلا الله. قال تعالى ]تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا[ (سورة الإسراء: الآية 44). وقال: ]وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآْصَال[ (سورة الرعد: الآية 15). وقال: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ[ (سورة الحج: الآية 18).

ولا ريب أن ترك الصلاة، يؤدي إلى عذاب الله، في الآخرة. وإذ يصور القرآن الكريم حال أهل النار وجوابهم، حينما يُسألون عن سبب عذابهم ]مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[ (سورة المدثر: الآيتان 42، 43).

وترك الصلاة على أنواع، ولكل منها حكم خاص، كالتالي:

أ. ترك الصلاة، جهلاً بفرضيتها

يقع فيه من دخل الإسلام حديثاً، أو نشأ في منطقة نائية، ليس فيها من أهل العلم من يُعرّفه أمور الدين. وفي هذه الحالة، يُعذر في ترك الصلاة، وليس عليه عقوبة؛ لقوله تعالى: ]مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 15) ويجب تعليمه، بعد ذلك.

ب. ترك الصلاة، جحوداً وإنكاراً

من ترك الصلاة، جحودًا وإنكارًا، وكان ممّن يُقيمون بِقُرى المسلمين ومدنهم، حيث تشيع الأحكام وتنتشر، فهو لا يُعذر، ولا يُقبل منه ادعاء الجهل؛ وإنما يُحكم بكفْره، بحسب إجماع علماء المسلمين، الذين استدلوا على حكمهم بالأدلة الآتية:

(1) من القرآن

(أ) قوله تعالى: ]فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 5)

(ب) وقوله ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ[ (سورة المرسلات: الآيات 48 - 50).

(ج) وقوله ]إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ[ (سورة السجدة: الآية 15).

فقد نفت الآية الكريمة الإيمان عمن إذا ذُكِّروا بآيات الله، لم يخروا سُجداً، مسبحين بحمد ربهم؛ ومن أعظم التذكير بآيات الله آيات الصلاة.

(د) وقوله تعالى: ]وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ (سورة النور: الآية 56).

فقد ارتبطت الرحمة بفعل الأمور الآنفة. فلو كان ترك الصلاة، لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار، لكانوا مرحومين، من دون فعل الصلاة؛ والله جعلهم على رجاء الرحمة، إذا فعلوها.

(2) من السنة

(أ) ]بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، تَرْكَ الصَّلاَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 116).

(ب) ]الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا، فَقَدْ كَفَرَ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2545).

(ج) ]إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاَتُهُ؛ فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّةً، كُتِبَتْ تَامَّةً؛ وَإِنْ كَانَ انْتُقِصَ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ، يُكَمِّلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ. ثُمَّ سَائِرُ الأَعْمَالِ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 462).

(د) ]مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6288).

قال ابن قيم الجوزية: "تارك المحافظة على الصلاة، إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته: فمن شغله عنها ماله، فهو مع قارون. ومن شغله عنها ملكه، فهو مع فرعون. ومن شغله عنها رياسته ووزارته، فهو مع هامان؛ ومن شغله عنها تجارته، فهو مع أبيّ بن خلف".

وقول النبي r، إن تارك الصلاة، يُحشر مع عتاة الكفر هؤلاء، يدل على أن ترْكها كفْر شديد مبالغ فيه؛ لأن هؤلاء المذكورين هم أشد أهل النار عذاباً؛ ويدل على خلود تاركها في النار، كخلود من جُعل معهم في العذاب.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: ]كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ r لاَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ، غَيْرَ الصَّلاَةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2546).

وكان عمر بن الخطاب t يكتب إلى عماله (أي ولاته) يقول: إن أهم أموركم عندي الصلاة؛ فمن حفظها، وحافظ عليها، حفظ دينه. ومن ضيعها، فهو لما سواها أشد ضياعاً.

وقد ثبت أن عمر t، حين جُرح، وكان جرحه يثعب دماً، وهو على وشك الموت، حين قيل له: الصلاة، يا أمير المؤمنين؛ قال]لاَ حَظَّ فِي الإِسْلاَمِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ[ (موطأ مالك في الموطأ، الحديث الرقم 74).

قال ابن حزم: قد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم، إلى تكفير من ترك الصلاة، متعمداً تركها، حتى يخرج جميع وقتها؛ ومنهم: عمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبدالله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم وجماهير من التابعين والأئمة والعلماء.

ج. ترك الصلاة، تكاسلاً وتهاوناً

إن كان تارك الصلاة، يؤمن بفريضتها، ويعتقد وجوبها؛ ولكنه يتكاسل عن أدائها ـ فقد اختلف العلماء فيه:

·   فذهب مالك والشافعي رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف، إلى أنه لا يكفّر، بل يعد فاسقاً، ويستتاب، فإن تاب، وإلا قُتل حدّاً، كالزاني المحصن.

·   وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر؛ وهو مروي عن كل من: علي بن أبي طالب t وأحمد بن حنبل. وعبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه؛ وبعض أصحاب الشافعي.

ويدل على جواز قتل تارك الصلاة، بعامة: الأدلة التالية:

قول النبي r ]أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ؛ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 24).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ: الآ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 24).

قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r مِنَ الْيَمَنِ، بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا. قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ r فَقَالَ ]أَلاَ تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ؛ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ، صَبَاحًا وَمَسَاءً! قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ r، اتَّقِ اللَّهَ. قَالَ: وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ! قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ r: أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لاَ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ، يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. وَأَظُنُّهُ قَالَ: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4004).

وهذا يدل على قبول ظاهر التوبة، وعصمة من يصلي.

أَتَى رجلٌ إلى رَسُولَ اللَّهِ r وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ، فَسَارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ. فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ الأَنْصَارِيُّ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ r، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ r؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ. أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ r؛ وَلاَ صَلاَةَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22559).

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: ]إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ؛ فَتَعْرِفُونَ، وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ كَرِهَ، فَقَدْ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ، فَقَدْ سَلِمَ. وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الآ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لاَ، مَا صَلَّوْا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3446).

·   وذهب أبو حنيفة، وجماعة من أهل الكوفة، إلى أنه لا يكفّر، ولا يُقتل، بل يُعزّر ويُحبس، حتى يصلي.

وثمة مَن يميل إلى القول بأن من تركها كسلاً، فإن ولي الأمر، يتخذ من الإجراءات ما يُلزمه أداءها، وإذهاب كسله عنها؛ وهذا إنما يكون بالتعزير، أي التأديب، حسبما يرى ولي الأمر، بما يكون ملائماً، كالسجن أو الضرب أو غيره.

أما من ترك صلاة، ناسياً أو نائماً، أو بسبب غيبوبة، فإنه يصليها وقت تذكرها، ووقت قيامه من نومه. وأداؤه إياها، في هاتَين الحالتَين، لا يكون قضاء؛ لقول الرسول: ]مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا؛ لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ، وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 562).

أما المغمى عليهم، فقد ذكر جمهور الفقهاء أنه لا قضاء عليه قياساً على المجنون، وقال فقهاء الحنابلة: يجب القضاء على من غاب عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح، لأن ذلك لا يسقط الصوم، فكذا الصلاة. وذهب الحنفية أنه إذا كان الإغماء قصيراً ـ أقل من يوم وليلة ـ يقاس على النائم وعليه القضاء، وإذا كان الإغماء طويلاً أكثر من يوم وليلة، يقاس على المجنون فلا قضاء عليه. وقيل يجب القضاء على السكران لتعديه بالسكر.

4. حكمة مشروعية الصلاة

هي الركن الثاني بعد الشهادتين. وهي صميم الإسلام. عن أنس بن مالك t قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَت قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3878).

5. ماذا يتحقق بالصلاة؟

الصلاة عبادة، تحقق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به؛ وتمثل تمام الطاعة والاستسلام لله، والتجرد له وحده، بلا شريك. إنها عمل من صميم التدين، ولذلك كانت سُنة مطردة، أمر بها جميع الرسل، بعد التوحيد؛ إذ بها تتوثق أسباب الاتصال بالله.

فيها يقف الإنسان بين يدي ربه، في خشوع وخضوع، مستشعراً بقلبه عظمة المعبود، مع الحب والخوف من سلطان الله وجلاله، طامعاً في ما عنده من الخير، وراغباً في كشف الضر، وجِلاً من عقابه الشديد.

6. منزلة الصلاة

للصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تبلغها أي عبادة أخرى؛ فهي عمود الدين، من أقامها فقد أقامه، ومن أضاعها فقد أضاعه، قال رسول r ]رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2541).

وتأتي منزلتها بعد الشهادتَين، لمكانتها وعظيم شأنها؛ لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له.

وتتقدم الصلاة على جميع الأركان، بعد الشهادتَين. وهي أول عبادة، فرضها الله على عباده، في مكة؛ وأول عبادة، تكتمل في المدينة. عَنْ عَائِشَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قالت: ]فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ، حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَر[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 337)، وفي المدينة، أُتمت بعدها سائر شعائر العبادة، وفُرِض معظم التكاليف.

وتكتسب الصلاة مكانة خاصة، لمكان فرضيتها؛ فلم ينزل بها ملكٌ إلى الأرض، لكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد r بمعراج إلى السماء، حيث تلقى هذا التكليف العظيم.

7. أثر الصلاة

يقف المصلي في رحاب الله، ليس بينه وبين الله واسطة؛ فيشعر بالقرب من الله، ويشعر بمعية الله له، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين، فيخشع راكعاً، ويخشع ساجداً، يستمد العون والتأييد، قال الله تعالى ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون[ (سورة المؤمنون: الآيتان 1، 2).

ويدأب المسلم على أدائها، لا يمنعه عنها عذر، من مرض أو سفر؛ وحيثما انتقل لازمته، يؤديها أينما تيسر له. قال النبي r ]أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا َطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي، أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ، فَلْيُصَلِّ؛ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي؛ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 323): الأرض، إذاً، كلها، وليس بين جدران بيت الله فقط، هي مكان عبادة؛ لوقوعها في سلطان الله.

ولا يكاد المسلم يفرغ من صلاة، حتى يُقبِل على أخرى؛ وإذا به دائم المثول بين يدي الله؛ ولا يليق بمن هذا حاله، أن يغيب أو يغفل عن ذكر الله، فيظل واقعاً في مجال تأثير الصلاة؛ ما يرسخ إيمانه، ويشد عزيمته، وينتشله من الركون إلى الدنيا، ومغرياتها. قال الله تعالى: ]رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار[ (سورة النور: الآية 37).

ودوام الصلاة واطرادها، على اختلاف الأحوال والأزمنة، صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية، المنوطة بمصالح معينة، تدور معها، فتثبت برجاء المصلحة، وترتفع بانتفائها أو نفادها؛ تلك الرهينة بعلاقات الناس، تجب في أوضاع معينة، وتسقط بالإعفاء وغيره. أما أركان الإسلام الأخرى: الصلاة والزكاة والصوم والحج، فهي واجبات عينية، وحقوق لله لا تتخلف. ولكن الصلاة من بين تلك الأركان، تتميز بصفة الدوام؛ فعلى سبيل المثال، الصوم لا يجب إلا على المستطيع، والحج لا يلزم إلا من وجد إليه سبيلاً، والزكاة لا يخرجها إلا من ملك النصاب. أمَّا الصلاة، فلا يسقطها أي عذر، مهما كان؛ وإنما تُخفَّف أركانها، لرفع الإحراج أو المشقة، ويبقى أصلها، لئلا تتخلف معانيها الجليلة.

8. الصلاة تجمع أركان الإسلام

وتكاد الصلاة تكون جامعة لأركان الإسلام؛ لاشتمالها على الشهادتَين، في التشهدَين: الأول والأخير؛ ولكونها زكاة يومية. والمصلي يبذل وقته في أدائها، منصرفاً عن السعي إلى المال، الذي سيزكيه، وهو، بصَلاته، ينفق من وقته، الذي هو أصل المال. وكما الزكاة مطهرة للمال، كذلك الصلاة مطهرة للأوقات، ومطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاصٍ في أوقاته، وفي الفترات الفاصلة بين صلواته. وكفى على ذلك شهيداً، ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ، كُلَّ يَوْمٍ، خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1071).

وتتعدى الصلاة هذا المعنى، لتكون تمهيداً للنفس وإعداداً لها، لتتخلص من البخل والأنانية؛ فهي، بما فيها من إقرار لله بالربوبية، وما تشتمل عليه من خضوع له، وقيام وركوع وسجود ـ ترويض للنفس، وإذلال لكبريائها، وجعلها طيّعة في قبول الأوامر الإلهية والعمل بها.

ومن هنا، يأتي اقتران ذكر الصلاة بالزكاة، في أكثر الآيات التي أمرت بهما، ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة؛ قال الله تعالى:

أ. ]وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[ (سورة البقرة: الآية 43).

ب. ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ[ (سورة البقرة: الآية 277).

ج. ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ[ (سورة التوبة: الآية 18).

د. ]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[ (سورة الأحزاب: الآية 33).

هـ. ]وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا[ (سورة مريم: الآية 31).

وبأساليب مختلفة، يقترن ذكر الزكاة بذكر الصلاة؛ قال الله تعالى ]الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون[ (سورة البقرة: الآيات 1 - 3).

والصلاة، بعد ذلك، أقوال وأفعال مخصوصة، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه، عن جميع المخالفات، التي تفسد تمامها وكمالها.

ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام؛ قال الله تعالى: ]قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ[ (سورة البقرة: الآية 144)؛ ملتزماً بركن الصلاة في التوجه، ومشتركاً مع ركن الإسلام الحج، في التوجه إلى المسجد الحرام.

9. الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

تعالج الصلاة النفس البشرية من نوازع الشر؛ حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر. فعندما يقف المسلم بين يدي ربه، خاشعاً راكعاً وساجداً، يرتبط بخالقه، تسمو نفسه، ويشعر بعلو مكانته، فيبتعد عمّا يغضب خالقه؛ ليقينه أن الله يراقبه. فكلما حدثته نفسه بسوء تذكر نعم الله عليه، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه بنعمة الوجود، وأكرمه بالإسلام، وشرّفه بلقائه والقرب منه بالصلوات، فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي.

ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات، ويتدبر المعاني. وعندما يقرأ أو يسمع آيات العذاب، وأن الله شديد العقاب، ترتعد نفسه، وتلتفت عن غيها. فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر. ثم تأتي آيات الرحمة والنعيم والجنات، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات، والفوز بالجنات، فتزداد خشيته لله، فيتقي عذابه، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. قال الله تعالى: ]اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[ (سورة العنكبوت: الآية 45).

ولعل السر في كثرة المصلين، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط، من قيام وركوع وسجود، ودعاء وتسبيح، وتكبير وتحميد؛ ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة، بحضور القلب فيها. وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب، وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله، مع أن الأعمال، التي يؤدونها في الصلاة، واحدة؛ مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك المصلي. قال الله تعالى: ]اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[ (سورة العنكبوت: الآية 45). ومصداق ذلك حال المنافقين، الذين كانوا يؤدّون الصلاة مع رسول الله r؛ إذ آلوا إلى الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً[ (سورة النساء: الآية 142).

ومن آثار الصلاة: أنها مفتاح كل خير، تعطي القلب أنساً وسعادة، وتعطي الروح بشراً وطمأنينة، وتعطي الجسد نشاطاً وحيوية؛ والإنسان لا يستمر على حال واحدة، فإن كان صافياً ساعة، تعكَّر أخرى، وإن سرّه شيء، نكَّده آخر.

وتتعدد وجوه الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة، وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللاستسقاء صلاة، وللقيام صلاة، وللضحى صلاة. وكأنها بهذا التعدد، تطبب الإنسان، تداوي أسقامه، وتعالج علله وهمومه المتنوعة المتغيرة.

وتتكرر الصلوات المفروضة، لتكون مثابة للعبد؛ يعرض فيها المسلم نفسه على خالقه، فيظل في رحابه، تحرسه مراقبته، يستمد منه طاقات إيمانية، تعينه على شواغل الحياة، فلا ينخدع بفتن الدنيا، ولا تشغله مادة؛ لأن قلبه يُشحن من صلاة إلى صلاة، بزاد ينمي دوافع الخير، ويقضي على دوافع الشر.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِr  ]صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ، تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ، ارْحَمْهُ. وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 611).

وللصلاة آثار تربوية، فهي تربي النفس على طاعة الخالق، وتعلّم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تغرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته. كما تحليه وتجمله بمكارم الأخلاق؛ لسموّها به عن الخسّة والدناءة. فإذا تمكن أثر الصلاة فيه، صار صادقاً أميناً قانعاً وفياً حليماً ليناً عدلاً، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكِبر والظلم.

وعندما يتجه المصلون، في أنحاء الأرض، إلى القِبلة، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة، ونبذ الفرقة؛ فلا مكان للون أو جنس أو طبقية، كلٌّ عباد لله، إلههم واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة؛ فلا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير. يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت الله، فلا يحيد ولا يميل، فيتربى، بذلك، على العدل في جميع أمور حياته، والحكمة بوضع كل شيء في موضعه.

يعيش آلام إخوانه المسلمين، جماعة المسجد، وآمالهم، فيصبح فاعلاً في جماعته ومجتمعه. تعوِّده الصلاة الدقة في الموعد، والحرص على الوقت، وتنظم له أوقاته، فيتعوّد النظام في جميع أمور حياته، ويتبع الإمام، فيتدرب على الطاعة والالتزام.

ثانياً: فرضية الصلاة، عددها، مواقيتها، وشروطها

1. فرضية الصلاة، عددها

فرضت الصلاة في مكة المكرمة، ليلة الإسراء والمعراج، في العام الثامن من بعثة المصطفى r قبل هجرته بأكثر من عام. وفُرِضت، في أول الأمر، خمسين صلاة، ثم خفّفها الله الرحمن الرحيم، إلى خمس صلوات.  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى. فَقَالَ مُوسَى u: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً قَالَ لِي مُوسَى u: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى u فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي. فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ؛ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى u فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 237). وفي رواية أخرى، قَالَ أنس بن مالك: ]فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ r الصَّلَوَاتُ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، خَمْسِينَ. ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّـهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِين[.(مسند أحمد، الحديث الرقم 12180).

والمراد أنها خمس في العدد، وخمسون في الأجر. وقد استدل به على عدم فرضية ما زاد على الخمس الصلوات.

]فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: الآ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ. فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ: الآ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ. فَقَالَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ  rشَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ[ (صحيح البخاري،  الحديث الرقم 1758). وفي ذلك دليل، أن الصلوات خمس فقط؛ والرد على من أوجب صلاة الوتر، أو أوجب ركعتَي الفجر، أو صلاة العيد، أو صلاة الضحى، أو تحية المسجد.

ومجموع ركعات الصلوات الخمس المفروضة، في الأيام العادية، غير يوم الجمعة، للمقيم غير المسافر، سبع عشرة ركعة:

الصبح اثنتان. وأربع لكل من الظهر والعصر. والمغرب ثلاث. والعشاء أربع. وفي يوم الجمعة، تصبح خمس عشرة ركعة فقط؛ لأن الجمعة ركعتان. وفي أثناء السفر، تصبح إحدى عشرة فقط: ست للصلوات الرباعية الثلاثة: الظهر، والعصر، والعشاء. وثلاث للمغرب. واثنتان للصبح.

2. مواقيت الصلاة

للصلاة مواقيت محددة، إذا فاتت، صار القيام بها قضاء، لا أداء. وقد أشار القرآن إلى هذه الأوقات المحددة، فقال:

أ. ]وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[ ( سورة هود: الآية 114).

ب. ]فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى[ (سورة طه: الآية 130).

ج. ]أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[ (سورة الإسراء: الآية 78).

د. ]فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُون[ (سورة الروم: الآيتان 17، 18).

ويعني بالصلاة طرفي النهار: الصبح والمغرب. ويعني بالتسبيح قبل طلوع الشمس: صلاة الصبح؛ وقبل غروبها: صلاة العصر. عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ كُنَّا جُلُوسًا، لَيْلَةً، مَعَ النَّبِيِّ r فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ ]إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا[.(صحيح البخاري، الحديث الرقم 4473) ثُمَّ قَرَأَ ]وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ[.(سورة ق: الآية 39). ويقصد بدلوك الشمس زوالها، أي صلاة الظهر. وعلى هذا، تكون هذه الآية قد شملت أوقات الصلوات الخمس؛ فبقوله ]لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل[ (سورة الإسراء: الآية 78)، أي إلى غروبها، أشار إلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم قال: ]وَقُرْآنَ الْفَجْر[ (سورة الإسراء: الآية 78) أي صلاة الفجر.

وهذا خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة، والحض على الصلاة في هذه الأوقات. قال ابن عباس: الصلوات الخمس في القرآن. قيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى ]فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُون[ (سورة الروم: الآية 17) صلاة المغرب والعشاء، ]وَحِينَ تُصْبِحُونَ[ (سورة الروم: الآية 17) صلاة الفجر، ]وعشياً[ (سورة الروم: الآية 18) العصر، ]وَحِينَ تُظْهِرُونَ[ (سورة الروم: الآية 18)، الظهر. وقاله الضحاك وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس، كذلك، وقتادة، أن الآية تنبيه على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر. قالوا: والعشاء الآخرة هي في آية أخرى، في ]وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ[ (سورة هود: الآية 114). وقال النحاس: وفي تسمية الصلاة بالتسبيح، وجهان: أحدهما، لما فيها من التسبيح، في الركوع والسجود. والثاني، مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة؛ ومنه قول النبي r ]تكون لهم سبحة، يوم القيامة[ أي صلاة.

أما السُّنة، فقد حددت مواقيت الصلاة بدقة، قَالَ رَسُولَ الله r ]وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ. مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 966).

]وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ جِبْرِيلَ u أَتَى النَّبِيَّ r يُعَلِّمُهُ مَوَاقِيتَ الصَّلاَةِ فَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ r خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ. وَأَتَاهُ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَ شَخْصِهِ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ. فَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ rخَلْفَهُ، وَالنَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى الْعَصْرَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ r خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ خَلَفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى الْمَغْرِبَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، فَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ r خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى الْعِشَاءَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، فَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ r خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى الْغَدَاةَ. ثُمَّ أَتَاهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، حِينَ كَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ مِثْلَ شَخْصِهِ، فَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ بِالأَمْسِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ كَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ مِثْلَ شَخْصَيْهِ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالأَمْسِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالأَمْسِ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ. فَنِمْنَا، ثُمَّ قُمْنَا، ثُمَّ نِمْنَا، ثُمَّ قُمْنَا، فَأَتَاهُ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالأَمْسِ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ امْتَدَّ الْفَجْرُ، وَأَصْبَحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالأَمْسِ فَصَلَّى الْغَدَاةَ. ثُمَّ قَالَ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصلاتينَ وَقْتٌ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 510).

ويتبين مما سبق ما يلي:

أ. وقت صلاة الظهر، يبدأ من زوال الشمس عن كبد السماء، ويمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فَيْء الزوال.

ب. وقت صلاة العصر، يبدأ عندما يصير ظل كل شيء مثله سوى فَيْء الزوال، بعد الزوال، ويمتد إلى غروب الشمس؛ لقول النبي r ]مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ. وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْر[ (صحيح البـخـاري، الحديث الرقم 545). وينتهي وقت الفضيلة باصفرار الشمس. وبعد ذلك، يصير وقت كراهة، لغير عذر، لقول النبي r ]تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا[ )صحيح مسلم، الرقم 987).

أي الصلوات هي الوسطى؟ لا شك أنها صلاة العصر؛ لقول النبي r يَوْمَ الْخَنْدَقِ: ]مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَهِيَ صَلاَةُ الْعَصْرِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5917). وفي رواية، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الأَحْزَابِ ]شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى، صَلاَةِ الْعَصْرِ. مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا. ثُمَّ صَلاَّهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 583).

ج. وقت صلاة المغرب، إذا غابت الشمس، ويمتد إلى مغيب الشفق الأحمر؛ لقول سول الله r ]وَقْتُ صَلاَةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلُ وَوَقْتُ صَلاَةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الأَوَّلُ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ. وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْل[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 967). وقال رافع بن خديج ]كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1007).

د. وقت صلاة العشاء، يبدأ من مغيب الشفق الأحمر، ويمتد إلى نصف الليل؛ فعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْعَتَمَةِ، حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ r فَقَالَ: ]مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ؛ وَلاَ يُصَلَّى، يَوْمَئِذٍ: إلا بِالْمَدِينَةِ. وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 817). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r ]لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ[ (سنن الترمذي: الحديث الرقم 152)؛ مما يدل على أن الأفضل تأخير وقت العشاء.

هـ. يبدأ وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق، ويستمر إلى طلوع الشمس.

ملاحظات مهمة

أ. جميع الصلوات يستحب أداؤها في أول وقتها؛ لأن "رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ r أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ ]الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6980).

ب. من أدرك ركعة من الصلاة، قبل خروج وقتها، فقد أدركها كلها؛ لقول الرسول r ]مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ. وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْر[َ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 545).

ج. بعض الناس يختلط عليهم اسم صلاة الصبح باسم صلاة الفجر، والواقع أنهما اسمان لمسمّى واحد. وكذلك صلاة العشاء، التي تسمى صلاة العشاء، وصلاة العتَمة.

د. يستحب المبادرة إلى صلاة الصبح، على وجه الخصوص، في أول وقتها، لحديث ابن مسعود t ]صَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً، بِغَلَسٍ؛ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى، فَأَسْفَرَ بِهَا. ثُمَّ كَانَتْ صَلاَتُهُ، بَعْدَ ذَلِكَ، التَّغْلِيسَ، حَتَّى، مَاتَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 333).

هـ. هناك أوقات يُنهى فيها عن الصلاة، لغير عذر، على سبيل الكراهة. وهي: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، أي الشروق؛ ومن بعد طلوعها حتى ترتفع قدر رمح (أي بعد الشروق بنحو 25 دقيقة)؛ وعند استوائها (أي في كبد السماء) إلى الزوال (أي إلى أذان الظهر)؛ وبعد صلاة العصر. ودليل ذلك قول عقبة بن عامر ]ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، حَتَّى تَرْتَفِعَ؛ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ؛ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ، حَتَّى تَغْرُبَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1373). وكذلك قول النبي r ]لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 548). وقال عَمْرَو بْنُ عَبَسَةَ: قُلْتُ ]يَا رَسُولَ اللَّهِ r، هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الأَخْرَى، أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ U مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ U فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَكُنْ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ سَاعَةُ صَلاَةِ الْكُفَّارِ، فَدَعِ الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ، وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا. ثُمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ، حَتَّى تَعْتَدِلَ الشَّمْسُ اعْتِدَالَ الرُّمْحِ بِنِصْفِ النَّهَارِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَتُسْجَرُ، فَدَعِ الصَّلاَةَ حَتَّى يَفِيءَ الْفَيْءُ، ثُمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ، حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَهِيَ صَلاَةُ الْكُفَّار[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 568).

قال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات. واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها. واختلفوا في النوافل، التي لها سبب، كصلاة تحية المسجد، وسجود التلاوة والشكر، وصلاة العيد والكسوف، وفي صلاة الجنازة وقضاء الفوائت. فذهب جماعة إلى جواز ذلك كله، بلا كراهة؛ فقد ثبت أن النبي قضى ركعتَي سُنة الظهر، بعد صلاة العصر: "َقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَنْهَى عَنْهَما. ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ، فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ r، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؛ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخـِرِي عَنْهُ. فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: ]يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ[ (سنن البخاري، الحديث الرقم 1157). وقال كذلك: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". و]الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ كثير من أهل العلم؛ اسْتَحَبُّوا إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ، أَنْ لاَ يَجْلِسَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ: الآ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْر[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 290).

وقال آخرون بكراهة ذلك، لعموم الأحاديث. وقال الترمذي: والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم، هو كراهة الصلاة بعد العصر، حتى تغرب الشمس؛ وبعد الصبح حتى تطلع الشمس؛ إلا ما استثني من ذلك، مثل الصلاة بمكة، بعد العصر، حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، بعد الطواف. فقد روي عن النبي r رخصة في ذلك، قال ]خَيْرُ عَطَاءٍ هَذَا. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَيَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنْ كَانَ لَكُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، فَلأَعْرِفَنَّ مَا مَنَعْتُمْ أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ، أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 16143).

ومما يؤكد صحة صلاة ما له سبب، في جميع الأوقات، قول النبي r لأم سلمة ]يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1157). فالنبي r قد تطوع بركعتَين بعد العصر، قضاء الركعتين اللتين واظب على أدائهما بعد الظهر. فلو كان نهيه عن الصلاة بعد العصر، حتى تغرب الشمس، عن جميع التطوع، لما جاز أن يقضي ركعتَين، كان يصليهما بعد الظهر، فيقضيهما بعد العصر.

وقد ورد أن النبي r بعد فراغه من صلاة الصُّبْحِ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْحَرَفَ، إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ، لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ. فَقَالَ r ]عَلَيَّ بِهِمَا. فَجِيءَ بِهِمَا، تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا. فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلاَ. إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 203). فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر، حتى تطلع الشمس، نهياً عاماً، لا نهياً خاصاً، لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل، أن يصلي مع الإمام تطوعاً.

أما صلاة الجنازة، فتصح بعد الصبح، وبعد العصر؛ لأن مدة هذين الوقتَين طويلة، والانتظار بالجنازة قد يضرها، لهذا أجيزت فيهما. وأمّا ما عداهما من الأوقات، التي تدخل في عموم النهي، فيبقى النهي فيها قائماً.

3. شروط الصلاة

شروط الصلاة تسعة، هي:

أ. الإسلام: لا تُقبَل العبادة من كافر. قال تعالى: ]وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ[ (سورة الزمر: الآية 65). وقال تعالى: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 85).

ب. العقل: ليس على المجنون صلاة. قال رَسُولَ اللَّهِ r ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِل[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1343).

ج. التمييز: الطفل الصغير، الذي لا يميز، لا صلاة له. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 418).

د. الطهارة من الحدثَين: الأكبر والأصغر. قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[ (سورة المائدة: الآية 6). وقال رسول الله r ]لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 139). والمقصود بالحدث الأكبر: موجبات الغسل. والمقصود بالحدث الأصغر: نواقض الوضوء. ويُرفع الحدث الأكبر بالغسل، ويُرفع الحدث الأصغر بالوضوء.

هـ. دخول الوقت: لقوله تعالى: ]فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[ (سورة النساء: الآية 103).

و. ستر العورة: قال تعالى ]يَا بَنِي ءاَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 31). وعورة الرجل من السرة إلى الركبة. أما المرأة، فكلها عورة: الآ الوجه، والكفان فيهما خلاف. قال رسول الله r ]لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 546). وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ r أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ r:] إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا[ (سنن أبوداود، الحديث الرقم 545).

ز. اجتناب النجاسات في البدن، والثياب، والبقعة التي يصلي فيها.

ح. استقبال القبلة: لقوله تعالى: ]قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ[ (سورة البقرة: الآية 144).

ط. النية: وهي شرط لصحة أي عمل.