إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الوضوء والصلاة









المبحث الأول

المبحث الأول

الوضوء والغسل

أولاً: الوضوء

1. تعريف الوضوء

لغة: الوَضُوء (بالفتح): الماء الذي يُتوضّأ به. والوُضوء (بالضم): هو فعل الوضوء. وأصل الكلمة من الوضاءة والنظافة.

شرعاً: استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، مفتتحاً بنية، استعداداً للوقوف بين يدي الله تعالى.

2. تاريخ فرضيته

اختلف العلماء في ذلك. فبعضهم يرى أنه فُرِض مع الصلاة، وبعضهم يرى أنه فُرِض في المدينة، بعد ستة عشر شهراً من الهجرة.

3. حكمة مشروعيته

من المعلوم أن الأعضاء الظاهرة من الجسم، تسرع إليها الأقذار، وتعلق بها. وهذا ينافي كمال الطهارة، التي تتطلبها العبادة، فشُرِع تنظيفها، وإزالة ما علق بها؛ ليحسن الوقوف بين يدي الله، استجلاباً لرضاه ومحبته.

ثم إن الوضوء يدفع عن النفس الكسل والخمول، ويحدث فيها انشراحاً وسروراً؛ لاقتران النظافة الحسية بالنظافة المعنوية غالباً؛ لوجود التلازم بين البدن والروح، والظاهر والباطن.

ثم إن الأعضاء الظاهرة تقع عليها الأبصار أبداً؛ ففي غسلها تحسين الصورة الآدمية، وتجميل مواقع نظر الخلق، بإزالة ما يحمله الهواء من الغبار والأتربة، وتربية للنفس، ألاّ تستخدم هذه الأعضاء فيما خبث، وما لا يرضي الله تعالى.

والوضوء يخفف التوتر والانفعال. فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ. وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَوَضَّأْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4152).

4. أدلة فرض الوضوء

قال الله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[ (سورة المائدة: الآية 6).

وقال رسول الله r ]لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُول[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 139)، وقال، كذلك،: ]لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ، إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6440).

5. فضل الوضوء

أعظم فضل للوضوء، هو التخلص من الخطايا. قال رسول الله r: ]إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ، فَمَضْمَضَ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ. فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ. فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ. فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ. وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ. ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلاَتُهُ، نَافِلَةً لَهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 18288).

وقال: ]أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ، عَلَى الْمَكَارِهِ؛ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 47) وذكر رسول الله r أن المتوضئين ]يُدْعَوْنَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ؛ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَل[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 133).

6. متى يجب الوضوء؟

يجب الوضوء لثلاثة أمور:

أ. الصلاة بكافة أنواعها.

ب. الطواف حول البيت الحرام؛ لقول الرسول r ]الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ؛ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ، فَلاَ يَنْطِقْ إِلاَّ بِخَيْرٍ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 1776).

ج. مس المصحف؛ لقوله تعالى: ]لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون[ (سورة الواقعة: الآية 79)، ولقول رسول الله r ]لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِر[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 419).

7. شروط الوضوء

أ. النية، وهي شرط لكل عمل.

ب. الإسلام.

ج. العقل.

د. التمييز.

هـ. انقطاع الحدث، كالبول وغيره، والحيض والنفاس.

و. دخول وقت الصلاة، بالنسبة إلى أصحاب الضرورات؛ كمن يعاني سلس بول، أو انفلات ريح، أو استحاضة.

8. فرائض الوضوء

وهي ست فرائض:

أ. غسل الوجه، مرة واحدة: ويدخل معه المضمضة والاستنشاق؛ لدخول الفم والأنف في حد الوجه: وهو من أعلى تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن طولاً، وما بين شحمتَي الأُذنَين عرضاً. وقد ثبت وجوب المضمضة والاستنشاق، بقول رسول الله r ]أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 123). وقَال:َ ]إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 157).

ب. غسل اليدَين، مع المرفقَين، مرة واحدة؛ لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن[ (سورة المائدة: الآية 6). و"إلى"، في هذه الآية، بمعنى "مع"، كما في قوله تعالى: ]وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ[ (سورة هود: الآية 52).

ولأن تلك هي صفة وضوء النّبيّ r ]فعن نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ. ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ. ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ. ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ، فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 362) والمرفق هو المفصل الذي بين العضد والساعد. ويجب وصول الماء إلى جميع الشعر والبشرة.

ج. مسح جميع الرأس، مرة واحدة: وهو فرض عند الحنابلة، لقوله تعالى: ]وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ[ (سورة المائدة: الآية 6) والباء في هذه الآية، للإلصاق؛ وذلك لأن النبي r ]دَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا. ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ، مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ. ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ؛ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 179) ويدخل مسح الأُذنَين تبعاً للرأس]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r الأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 437). وإذا غسل الإنسان رأسه، ولم يقتصر على المسح، أجزأه؛ لأن الغسل يشمل المسح وزيادة.

د. غسل الرجلَين مع الكعبَين، مرة واحدة؛ لقوله تعالى: ]وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن[ (سورة المائدة: الآية 6) ولا بدّ من غسل الرِّجْل كلها؛ لقول ابن عمر: ]َقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا. فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 58) و لا يجوز ترك جزء، ولو صغيراً، من دون أن يصيبه الماء؛ لما رواه عمر بن الخطاب t ]أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ r فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ. فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 359) والمراد بالكعبَين: العظمتان الناتئتان على جانبَي القدم.

هـ. الترتيب بين الفرائض: لأن الله تعالى ذكر فرائض الوضوء مرتبة. ولأن النبي توضأ بهذا الشكل، كما سيأتي في صفة وضوئه.

و. الموالاة: وهي متابعة غسل أعضاء الوضوء، من دون فاصل زمني كبير، بين العضو والعضو الذي يليه، بحيث لا يجف العضو السابق.

فائدة مهمة: التسمية في أول الوضوء واجبة، يأثم تاركها عمداً، وتسقط سهواً، قال رسول الله r: ]لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 25) كذلك، يُعَدّ "الدلك" من واجبات الوضوء.

9. سُنن الوضوء

وهي أفعال وأقوال، من تركها فلا إثم عليه، ومن فعلها نال الثواب والأجر. وهي كالتالي:

أ. غسل الكفَين، ثلاثاً: ]لأَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَقَالَ أَلاَ أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ r؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثَلاَثًا ثَلاَثًا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 337) وقال رسول الله r ]إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ. وَمَنِ اسْتَجْمَرَ، فَلْيُوتِرْ. وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ، قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 157).

ب. السواك: قال رسول اللهr  ]لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ، عِنْدَ كُلِّ وُضُوء[(سنن أبو داود، الطهارة ـ السواك، الحديث الرقم 43) وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيّ ِ]rالسِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 5).

ج. الزيادة على المرة الواحدة في أفعال الوضوء إلى ثلاث: فقد ثبت أن رسول الله r توضأ مرة مرة، ومرتَين مرتَين، وثلاثاً ثلاثاً.

د. المبالغة في المضمضة والاستنشاق: إلا في حالة الصوم؛ لقول النبي r ]أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 718).

هـ. تخليل اللحية الكثَّة: لحديث عثمان بن عفان t ]أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 29)، وقال أنس t ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ؛ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي U [ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 124).

و. تخليل الأصابع: قال رسول الله r ]إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلِ الأَصَابِعَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 36) وعن المستورد بن شداد t قال: ]رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r إِذَا تَوَضَّأَ، يُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهَِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 17330).

ز. البدء باليمين من يديه وقدميه: ثبت أن النبي r ]كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ، مَا اسْتَطَاعَ، فِي طُهُورِهِ وَنَعْلِهِ وَتَرَجُّلِهِ[ (سنن: النسائي، الحديث الرقم 111). وقال]إِذَا لَبِسْتُمْ، وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ، فَابْدَءُوا بِأَيَامِنِكُم[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3612).

ح. مسح الأُذنَين: ظاهراً وباطناً، بماء جديد، غير الذي مسح به رأسه؛ ]فقد كان عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لأُذُنَيْهِ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 61).

ط. إطالة الغرة والتحجيل: أما إطالة الغرة، فبأن يغسل جزءاً من مقدم الرأس، زائداً على المفروض في غسل الوجه. وأما إطالة التحجيل، فبأن يغسل ما فوق المرفقَين والكعبَين؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: ]إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1339).

ي. الاقتصاد في الماء، وإن كان من البحر: لحديث أنس t: ]كَانَ النَّبِيُّ r يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُد[ (سنن البخاري، الحديث الرقم 194).

ك. الدعاء بعد الوضوء: وذلك بما ورد عن النبي r قَالَ]مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 20345) وعن أبي سعيد الخدري t قال رسول الله r ]مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ ـ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 50).

ل. صلاة ركعتين بعد الوضوء: لقول النبي: ]مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا ـ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 771). ولحديث أبي هريرة t ]أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لِبِلاَلٍ، عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ: يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ، فِي الْجَنَّةِ! قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي، أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1081). ولحديث r: ]مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 332)؛ وفي رواية ]لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَه،ُ وَيُصَلِّي الصَّلاَةَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 155).

10. مكروهات الوضوء

أ. الوضوء في المكان النجس؛ لما يُخشى أن يتطاير إليه من النجاسة.

ب. الزيادة على الثلاث، لحديث ]أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 116).

ج. الإسراف في الماء.

د. ترك سُنة أو أكثر من سُنن الوضوء؛ إذ بتركها يفوت أجر، لا ينبغي تفويته.

هـ. الوضوء بما يتبقى من وضوء المرأة ]نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَة[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 58).

11. نواقض الوضوء

أ. كل ما خرج من السبيلَين، من بول أو براز، أو ودي أو مذي أو دم أو ريح، أو أي شيء. وذلك للأدلة التالية: قوله تعالى: ]وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أو جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ[ (سورة النساء: الآية 43). ولقول الرسول r ]لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ، إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6440). ولأمر النبي في المذي والودي بالوضوء؛ فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ]كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ r لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 456).

والمذي هو ماء أبيض رقيق، لزج، يخرج عند اللذة أو التقبيل أو خلافه. ويخرج بلا شهوة، ولا دفق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يشعر بنزوله.

وأما الودي، فهو ماء أبيض ثخين، كدر، لا رائحة له، يخرج عقب البول.

أما المنيُّ، فهو ماء أبيض رقيق، دافق، يخرج بتدفق ولذة، يعقبه فتور وانكسار شهوة. وإذا كان رطباً كان له رائحة العجين، أو الطلع. وإذا كان جافاً، كانت له رائحة البيض. ويكون منه الولد، ويخرج من الرجل والمرأة، عند الجماع أو الاحتلام. وهو يوجب الوضوء، كما يوجب الغسل.

ب. النوم الثقيل المستغرق، مع عدم تمكن المقعدة من الأرض؛ لقول صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُنَا، إِذَا كُنَّا سَفَرًا، أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْم[ (سنن الترمذي، الرقم 89). ولقول النبي r ]وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 175). والسَّه: فتحة الشرج. فإذا كان النائم جالساً، مُمكِّنًا مقعدته من الأرض، فلا ينتقض وضوءه، لحديث أَنَسٍ ] tكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّأونَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، فَرَأَى أَكْثَرُهُمْ أَنْ لاَ يَجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، إِذَا نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، حَتَّى يَنَامَ مُضْطَجِعًا؛ وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا نَامَ، حَتَّى غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، مَنْ نَامَ قَاعِدًا، فَرَأَى رُؤْيَا أَوْ زَالَتْ مَقْعَدَتُهُ، لِوَسَنِ النَّوْمِ، فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ[ (سنن الترمذي، الرقم 73).

ج. استتار العقل، وفقد الشعور، بإغماء أو سكر أو جنون؛ لأنه أقوى من النوم.

د. مسّ الفرج بلا حائل، سواء أكان فرج نفسه، أم فرج غيره؛ لقول الرسول r ]مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8053).

هـ. مس المرأة، بشهوة؛ لقوله تعالى ]أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ[ (سورة النساء: الآية 43)، وذهب كثير من العلماء إلى أن مجرد اللمس، لا ينقض الوضوء. فعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r، أَنَّهَا قَالَتْ: ]كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ r وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ؛ فَإِذَا قَامَ، بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ، يَوْمَئِذٍ، لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيح[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 369). وقالوا إن إيجاب الوضوء، للمس فقط، فيه مشقة عظيمة؛ والحرج مرفوع عن هذه الأمة، خصوصاً أن النبي r ]قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ[ (سنن الترمذي، الرقم 79). أمَّا قول ابن عمر رضي الله عنهما ]قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَجَسُّهَا بِيَدِهِ، مِنَ الْمُلاَمَسَةِ؛ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ، فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 87 ) فلعله يقصد الملامسة بشهوة.

فائدة: لا يجوز لِمُسلِمٍ أنْ يَمَسَّ امْرأةً لا تَحِلُّ لَهُ بِشَهْوةٍ، أو بِغَيرِ شَهْوةٍ؛ فقد ثبت أن رسول الله  لم تمس يده امرأة، لا تحل له.

و. أكل لحم الإبل: سُئِلَ النبي ] rأَنُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: لا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 17954). وعن البراء بْنِ عَازِبٍ، قَالَ]سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقَالَ تَوَضَّأوا مِنْهَا. وَسُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: لاَ تَتَوَضَّأوا مِنْهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 76). بل يستحب الوضوء لمن شرب من ألبان الإبل؛ لقول الرسول r: ]لاَ تَتَوَضَّأُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ. وَتَوَضَّأُوا مِنْ أَلْبَانِ الإبِلِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 489).

ز. الرِدَّة: لأنها تبطل جميع أعمال الإنسان؛ لقوله تعالى ]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ[ (سورة الزمر: الآية 65).

ح. تغسيل الميت أو حمله؛ لقول الرسول ] rمن غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِل[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1452).

12. صفة وضوء النبي

ورد وصف وضوء النبي r ]إذ إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا؛ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ـ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلاَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 331).

13. فوائد يحتاج إليها المتوضئ

أ. الكلام أثناء الوضوء لا يبطله، ولم يرد في الشرع ما يمنعه.

ب. إذا شك المتوضئ في عدد الغسلات، يبني على اليقين، وهو الأقل.

ج. وجود الحائل الشمعي، على أي عضو من أعضاء الوضوء، يبطل الوضوء، كطلاء الأظفار، والدهان الشديد. أما اللون، وحده، كالحناء، مثلاً، فإنه لا يؤثر في صحة الوضوء.

د. أصحاب الأعذار: كالمستحاضة (أي المصابة بنزف الدم من الفرج)، والمصاب بسلس البول، أو انفلات الريح، أو غير ذلك، يتوضأون لكل صلاة، وصلاتهم صحيحة حتى مع وجود العذر.

هـ. يجوز الاستعانة بالغير على الوضوء.

و. يجوز التجفيف بمنديل ونحوه، عقب الوضوء.

ز. يجوز المسح على الخفَّين، وعلى العمامة، وعلى الجبيرة ونحوها، وسيأتي بيان ذلك.

ح. يجوز، لعذر، اللجوء إلى التيمم، بدلاً من الوضوء أو الغسل.

14. المسح على العمامة والخفَّين والجبيرة

يجوز المسح على العمامة، بدلاً من المسح على الرأس، إذا لبسها بعد كمال الطهارة، وكانت متماسكة (مُحنَّكة) تستر جميع الرأس، بما جرت به العادة. وكذلك المسح على الخفَّين بدلاً من غسل الرَّجلين، إذا لبسهما بعد كمال الطهارة، وكانا ساترين لمحل الفرض، وهما ظاهران يمكن تتابع المشي عليهما؛ لورود ذلك عن رسول الله r، ]فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ r فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: ادْنُهْ. فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 402).

وعن المغيرة بن شعبة t قال ]كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ r ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِي سَفَرٍ. فَقَالَ: أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا، حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ. ثُمَّ أَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا[ (صحيح، البخاري، الحديث الرقم 5353). وفي رواية ]تَوَضَّأَ النَّبِيُّ r وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ[ (سنن الترمذي، الرقم 93)0

أما الجورَبَين فيجوز المسح عليهما، كالخفَّين، إذا كانا ثخينَين، لا يشفان عن البشرة، ويمكن متابعة المشي عليهما، ويستمسكان على الرَّجلين، من غير شد عليهما، كالخفَّين. ويمسح المسافر، ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يوماً وليلة. وابتداء المدة من أول حدث يحدثه، بعد لبس الخفَّين، عند أكثر العلماء؛ وقال الأوزاعي وأحمد، في رواية ابتداء المدة من وقت المسح. وإذا انقضت مدة المسح، أو نزع الخف في أثناء المدة، أو تخرَّق شيء من خفه في محل الغسل، فظهر بعض رِجلَيه ـ يجب عليه غسل الرِّجلين.

عن أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّr  ]أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ، إِذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ وُضُوءاً أَنْ يَمْسَحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَة[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 549).

وعَنْ عَلِيٍّ t قَالَ ]لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ؛ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ[(سنن أبو داود، الحديث الرقم 140). ويبطل المسح على الخفَّين بنواقض الوضوء، وموجب الغسل ونزع أحد الخفين أو كليهما، وظهور بعض الرّجل، بتخرق أو غيره، ومضي المدة.

وأما الجبيرة: وهي ما يوضع فوق الكسر، من خشب وجبس ونحوه، والعصابة: وهي ما يوضع فوق الجرح من قماش ولصوق ودواء ونحوه ـ فيمسح على كلٍّ منهما، إذا خاف الضرر بنزعها، سواء في ذلك الحدث الأصغر والأكبر، ولا يتقيد المسح بمدة من الزمن، كالمسح على الخفَّين، بل له أن يمسح إلى أن يحلها.

وإذا لم يكن على الجرح عصاب أو لصوق، فإنه يغسل ما حوله، ولا يمسح على الجرح؛ لئلا يتأذى بالمسح، ويتيمم بشرط ألا تتجاوز الجبيرة محل الحاجة. فإن تجاوزت محل الحاجة، وجب نزعها وغسل الجزء الصحيح، من غير ضرر. فإن كان يتضرر من نزعها، تيمم للجزء الزائد على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك؛ حينئذ، يكون قد جمع بين الغسل والمسح والتيمم. ويجب أن يكون وضع الجبيرة قد تم بعد طهارة العضو بالماء؛ فهي كالخف من حيث اشتراط اللبس بعد كمال  الطهارة. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. وعند غيرهما كالحنفية والمالكية، لا يشترط وضعها بعد كمال الطهارة، دفعاً للحرج، ويمسح على الجبيرة.

15. التيمم

أ. تعريف التيمم

التيمم لغة: القصد.

واصطلاحاً: التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب، لمسح الوجه واليدين، بنية استباحة الصلاة ونحوها.

ب. دليل مشروعيته

وقد ثبتت مشروعيته، في الكتاب والسُّنة والإجماع.

قال الله تعالى: ]وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا[ (سورة النساء: الآية 43).

والتيمم نعمة وخاصية للأمة الإسلامية، كرمها الله به. عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ]أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ؛ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ، فَلْيُصَلِّ؛ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي؛ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّة[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 323). وقد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم، بدلاً من الوضوء والغسل، في أحوال خاصة.

ج. سبب مشروعية التيمم

]عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ r، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ. فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ! فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ r وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ. فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ r وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ t، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاذَ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى فَخِذِي. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ، يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ! قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ، الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ[ (صحيح البخاري، الرقم 323).

د. متى يشرع التيمم؟

يلجأ الإنسان إلى التيمم عند حاجته إلى الصلاة ونحوها، في أي وقت، وعدم الماء، أو وجد منه ما لا يكفيه للطهارة؛ لحديث عِمْرَانَ قَالَ: ]كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ r وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ، ثُمَّ فُلاَنٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ، فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t الرَّابِعُ. وَكَانَ النَّبِيُّ r إِذَا نَامَ، لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ؛ لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُt وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ؛ وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ، بِصَوْتِهِ، النَّبِيُّ r. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ: لاَ ضَيْرَ، أَوْ لاَ يَضِيرُ. ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ. وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاس. فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ. قَالَ: مَا مَنَعَكَ، يَا فُلاَنُ، أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ؛ وَلاَ مَاءَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 331).

كما يلجأ الإنسان إلى التيمم إذا وجد الماء بثمن، يعجز عن دفعه، فهو كالعادم للماء؛ لقول الله تعالى: ]فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[ (سورة النساء: الآية 43).

أو وجد الماء، وخاف، إن استعمله، أن يتضرر بدنه من مرض ونحوه؛ لقول الله تعالى: ]فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[ (سورة المائدة: الآية 6).

أو خاف من ضرر ببدنه، عند طلبه، كشدة برودة أو وجود خطر في الطريق ونحوه؛ لقول الله تعالى: ]وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ[ (سورة النساء: الآية 29) ولحديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِt، قَالَ: ]احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ. فَأَشْفَقْتُ، إِنِ اغْتَسَلْتُ، أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ r. فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ، وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاِغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا". فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 283).

أو خاف، إن استعمل الماء، ضرر رفقته، أو من له ولاية عليهم من النساء، أو دابة، من العطش أو المرض، الذي يحتاج لإزالته إلى الماء، أو الهلاك من شدة العطش.

ويجب طلب الماء، والجد في البحث عنه في رَحْلِه، أو رُفقته، أو بالقرب من مكانه، فلو كان لا يعرف المكان، طلب من غيره أن يدله، ولو بأجر.

ويحرص على ألاّ يفوته وقت الصلاة، فإن تيقن عدم وجود الماء، تيمم. عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ]إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ؛ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ. فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ، فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 115).

ولا يختص التيمم بالتراب، بل يصح بكل أجزاء الأرض؛ لقول الله تعالى ]فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[ (سورة المائدة: الآية 6)، والصعيد هو كل ما تصاعد على وجه الأرض، رطباً كان أو يابساً. والطيب هو الطهور، والأحوط الاقتصار على استخدام الرمل أو التراب فقط.

هـ. صفة التيمم

عند البدء بالتيمم، يجب استحضار النية لاستباحة فعل الصلاة ونحوها. وقبل الشروع في المسح؛ ومحل النية القلب؛ لما روي عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ t، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ]إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ؛ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1). ثم يسمي الله تعالى كتسميته في الوضوء، ويضرب بكفَّيه الصعيد الطاهر ضربة واحدة، ويمسح بهما وجهه، ثم يمسح الكفَّين ببعضهما؛ لقولَ النَّبِيُّ r:] إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ r بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 326).

وقال الأحناف يباح للمتيمم ما يباح للمتوضئ، من الصلاة والطواف ومسّ المصحف. وله أن يصلي ما شاء من النوافل والفرائض؛ فهو كالوضوء في رفع الحدث، سواء بسواء. وهذا خلافاً للجمهور (الحنابلة، الشافعية المالكية) الذين قالوا إن التيمم مبيحٌ فقط للصلاة وليس رافعاً للحدث.

و. نواقض التيمم

كل ما ينقض الوضوء، ينقض التيمم؛ لأن التيمم بدل من الوضوء.

كما ينقضه وجود الماء، لمن تيمم لفقده؛ لقوله تعالى ]فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا[ (سورة المائدة: الآية 6).

ولما كان التيمم بدلاً من الوضوء؛ فعند وجود الماء تزول البدلية.

ز. فاقد الطهورَين

ولو حُبس الإنسان في مكان، ولم يجد ماء، ولا تراباً، ولا يستطيع الخروج، ولم يجد من يجلب له المـاء أو التراب صلى على حسب حاله، ولا إعادة عليه، ولا يؤخر صلاته؛ لقول الله تعالى: ]فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا[ (سورة التغابن: الآية 16). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ r: ]فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَدَعُوهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2380).

 

ثانياً: الغُسل

1. تعريفه

·   الغسل (بضم الغين أو فتحها): هو فعل الاغتسال، أو الماء الذي يغتسل به. وبالكسر: ما يُغسل به من صابون ونحوه.

·   لغة: سيلان الماء على الشيء.

·   شرعاً: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجه مخصوص.

·   موجباته: ستة أشياء، أربعة مشتركة بين الرجال والنساء، وشيئان يخصان النساء. فأما الأربعة المشتركة، فهي:

أ. خروج المني، بشهوة، في النوم أو اليقظة، من ذكر أو انثى. ويُعرف المني بأنه ماء ثخين. والاحتلام مع إنزال، يوجب الغسل؛ لقول الرسول: ]إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 518). وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ: ]جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ؛ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ، إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاء[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5656).

وإذا خرج المني بغير اللذة أو الشهوة، كمرض، أو برد، أو كسر ظهر، من غير نائم أو مجنون أو مغمى عليه أو سكران، فإنه لا يوجب الغسل؛ لقول الرسول: ]إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ، فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ. وَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 193).

وإذا قام الشخص من نومه، فرأى في فراشه، أو ملابسه، منياً؛ ولم يذكر احتلاماً أو غيره ـ وجب عليه الغسل. وإذا استيقظ من نومه، أثناء الاحتلام، ولم يخرج منه شيء، لا يغتسل. وإذا احتلم، ولم يمن، فلا شيء عليه. وإذا شك، ولم يجد ما يؤكد شكه، بالنفي أو الإثبات، فالأَولى أن يغتسل، احتياطاً. وإذا أحس بتحرك المني عند الشهوة، فأمسك ذكره، فلم يخرج، فلا غسل عليه؛ لما تقدم من أن النبي علّق الاغتسال على رؤية الماء.

ب. التقاء الختانَين، ولو من غير إنزال: أي ختان الرجل وختان المرأة، وهو ما يسمى الجماع؛ لقول الله تعالى: ]وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[ (سورة المائدة: الآية 6). وكذلك لقول الرسول: ]ِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، وَجَبَ الْغُسْل[ُ (سنن الترمذي، الحديث الرقم  102). ولقول النبي] r إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 282). ولا بدّ من الإيلاج بالفعل، بحائل أو بغير حائل.

ج. الموت: إذا مات المسلم، وجب على الأحياء تغسيله. ويستثني من ذلك الشهيد، والسِقط الذي لم يستهل صارخاً، فهذان لا يغسلان.

والحكمة من تغسيل الميت، أنه ذاهب إلى ربه؛ فينبغي أن يلقاه طاهراً مطهراً؛ ولأن الملائكة تحضره، فينبغي ألا تتأذى به، وكذلك من يحضرونه من المشيعين والمصلين عليه. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمْا قَالَبَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ. قَالَ النَّبِيُّ r: ]اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1186).

د. إسلام الكافر: لحديث ]قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ r أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْر[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 550) وإن كان بعض الفقهاء يرون أن هذا الغسل مستحب؛ لأن النبي لم يأمر كل من أسلم بالغسل. أما إذا أسلم الكافر، وكان جنباً، فيجب عليه الغسل.

أما الأمران اللذان خُصَّت بهما النساء، فهما:

أ. انقطاع دم الحيض والنفاس: أما بالنسبة إلى الحيض فقد قال الله تعالى ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[1]. وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين[ (سورة البقرة: الآية 222). فقوله ]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ[، يعني بالماء. ولأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النَّبِيَّ r قَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ؛ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ]لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ. وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 314[. وأما النفاس، فهو الدم الذي يعقب الولادة، وله حكم الحيض، بإجماع الصحابة.

ب. الولادة: وهي توجب الغسل، إما لأنها مظنة خروج الدم؛ فقلما تلد المرأة إلا وينزل عليها الدم. وإما لأن الولد نفسه مني متجمع، فكان خروجه موجباً للغسل.

2. كيفية الغسل

للغسل فرائض وسُنن. فالفرائض لا يصح الغسل من دونها، والسُّنن تتمة وتكملة.

أما فرائض الغسل، فثلاثة أشياء، هي:

أ. النية: لأن الغسل عبادة وعادة؛ فقد يغتسل الإنسان لمجرد النظافة، أو للتبرد من الحر. وقد يغتسل للعبادة، كرفع جنابة، أو غيرها. ومن ثَم، لزمت النية، للتفريق بين ما هو عبادة وما هو عادة؛ لأن الشخص يثاب على العبادات. أما العادات، فأمور مباحة، في الأصل، لا ثواب، ولا عقاب عليها. وينوي المغتسل رفع الحدث الأكبر، أو فرض الغسل، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل. ومحل النية القلب، وتكون مقرونة بأول الغسل.

ب. إزالة النجاسة، إن كان على بدنه نجاسة.

ج. إيصال الماء إلى أصول شعره وجلده؛ وذلك لقول الرسول] rمَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ، لَمْ يَغْسِلْهَا، فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ. قَالَ عَلِيٌّ بن أبي طالب t. فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي ثَلاَثًا؛ وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 217).

هذا بالنسبة إلى الرجل قصير الشعر. أما المرأة، وهي، عادة، طويلة الشعر، والرجل ذو الشعر الطويل، فهل يجب وصول الماء إلى أصول الشعر؟ الراجح أنه لا يجب نقضه من الجنابة؛ فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنقضه غير واجب؛ وذلك لحديث أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ:] لاَ. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ، فَتَطْهُرِين[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 497).

هذا ما لم يكن في رأسها حشو، أو أي شيء يمنع وصول الماء، إلى ما تحته، فيجب إزالته. وإن كان خفيفاً، لا يمنع، لم يجب. والرجل والمرأة في هذا سواء؛ وإنما اختصت المرأة بالذكر، لأن العادة اختصاصها بكثرة الشعر، وتوفيره وتطويله.

وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب نقضه، للغسل من الحيض؛ لأنه لا يتكرر، فلا مشقة في نقضه.

3. سُنن الغسل

وأما سُنن الغسل، فسبعة أشياء، هي:

أ. التسمية.

ب. غسل اليدَين، قبل إدخالهما الإناء.

ج. البدء بإزالة الأذى.

د. الوضوء قبله.

هـ. إمرار اليد على الجسم لتدليكه؛ ولإزالة ما على البدن من عرق وغيره، وليحصل إنقاء البشرة، ويتعهد مواضع الالتواءات والانثناءات، كالأُذنَين وغضون البطن، وتحت الإبط.

و. الموالاة، أي بغسل العضو التالي قبل أن يجف العضو السابق.

ز. تقديم الميامن على المياسر؛ فيقدم غسل جانبه الأيمن، قبل جانبه الأيسر، ويده اليمنى، قبل اليسرى، ورِجله اليمنى، قبل اليسرى.

ح. ويغسل بدنه ثلاثاً.

ومن المستحب أن يبدأ بأعضاء الوضوء، ثم الرأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر. ثم يصب الماء على رأسه ثلاث مرات، ليعم جسده. ويستحب عدم الإسراف في الماء.

4. كيفية اغتسال رسول الله r

]عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّه[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 240.).

5. الأغسال المسنونة

أ. غسل الجمعة، وهو غسل مؤكد الاستحباب؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ[ (مسند أحمد، الرقم 11149). قال أَبُو هُرَيْرَةَ t ]بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t يَخْطُبُ النَّاسَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ t، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَر tُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ t: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا زِدْتُ، حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ، أَنْ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَر tُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا! أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ؟[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم  1396) وفي رواية ]إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1393).

ويرى بعض العلماء، أن هذا الغسل فرض واجب. ولكن الصحيح ما قاله ابن عبدالبر: أجمع علماء المسلمين، قديماً وحديثاً، على أن غسل يوم الجمعة، ليس بفرض واجب.

ويدل على أن الغسل يوم الجمعة، ليس فرضاً، قول الرسول] rمَنْ تَوَضَّأَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ. وَمَنِ اغْتَسَلَ، فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ". وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَمَنْ بَعْدَهُمُ، اخْتَارُوا الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ وَرَأَوْا أَنْ يُجْزِئَ الْوُضُوءُ مِنَ الْغُسْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ r بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَنَّهُ عَلَى الاِخْتِيَارِ، لاَ عَلَى الْوُجُوبِ ـ حَدِيثُ عُمَر tَ، حَيْثُ قَالَ لِعُثْمَانَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَلَوْ عَلِمَا أَنَّ أَمْرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، لاَ عَلَى الاِخْتِيَارِ، لَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ عُثْمَانَ حَتَّى يَرُدَّهُ، وَيَقُولَ لَهُ: ارْجِعْ فَاغْتَسِلْ؛ وَلَمَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ t ذَلِكَ، مَعَ عِلْمِهِ. وَلَكِنْ دَلَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ فَضْلٌ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ فِي ذَلِكَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 457). وكذلك قول الرسول] r مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى، فَقَدْ لَغَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1419). وغسل الجمعة، يمتد وقته من طلوع الفجر إلى الظهر.

ب. غسل العيدين، ]فعن الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ. وَكَانَ الْفَاكِهُ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالْغُسْلِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1306). ولأن صلاة العيد أشبهت الجمعة، فاستحب لها الغسل.

ج. الغسل للإحرام (للحج والعمرة)، فعن زيد بن ثابت t ]أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ r تَجَرَّدَ لإِهْلالِهِ وَاغْتَسَلَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 760). وقد أمر الرسول r أسماء بنت عميس بالغسل، حينما ولدت محمد بن أبي بكر الصديق، وهي متوجهة إلى الحج.

د. الغسل لدخول مكة. ويندب الغسل، كذلك، لدخول المدينة، تعظيماً لحرمتها، والقدوم على مسجد النبي. r ]كان ابْنَ عُمَرَ لاَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، إِلاَّ بَاتَ بِذِي طَوًى، حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ، نَهَارًا، وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ فَعَلَه[ُ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2207).

هـ. الغسل للوقوف بعرفة ]كَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ لإِحْرَامِهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ، وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَة[ُ (موطأ مالك، الحديث الرقم 619).

و. غسل المستحاضة لكل صلاة: فعن عائشة، قالت: ]إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ تَغْتَسِلَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَة[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 250). أما الواجب عليها، فهو الغسل مرة واحدة، إذا انقطع دمها. وبهذا قال جمهور العلماء  من السلف والخلف. ويدل على أن الغسل لكل وقت، ليس واجباً، ]أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ r فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ، أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 253).

ويستحب الغسل، كذلك، لمبيت مزدلفة، ورمي الجمار في منى، والطواف. قال النووي: قال أبو عبدالله الزبيري، في الكافي: يستحب في كل أمر اجتمع الناس له، أن يغتسل المرء له، ويقطع الرائحة الكريهة من جسده، ويمس من طيب أهله، هذه هي السٌّنة. ومن اغتسل لجنابة أو نحوها، كحيض، مع غسل جمعة أو عيد، أجزأه غسل واحد، مع نية متعددة، كمن نوى تأدية السُّنة القَبْلية، وتحية المسجد، معاً.

 

 



[1] المراد اعتزال الزوج زوجته في هذه الحالة. أي الامتناع عن جماعها وليس المراد تجنبها كلية كما كان يفعل اليهود