إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الهيئات التنصيرية وأثرها في العالم الإسلامي









المصادر والمراجع

خامساً: النشاط التنصيري في مصر حتى وصول الإرسالية الإنجليزية

1. تغلغل النفوذ الأجنبي

تعود الجذور التاريخية لإرساليات التنصير الأجنبية في مصر، إلى الوقت الذي كانت فيه مصر باشوية عثمانية، وإلى تولية (محمد على؛ 1805ـ1848م) الحكمَ وتثبيته في الباشوية المصرية في نوفمبر 1806م. ففي هذا الوقت بدأت مرحلة الامتيازات الأجنبية، التي تأثرت بها مصر بدرجة خطيرة للغاية. فقد كان لمحمد علي سياسة تتسم بالتسامح الديني، لدرجة "أنه أباح الحرية الدينية للأجانب في البلاد، عندما سمح لهم بدق أجراس كنائسهم، وألغى القاعدة التي كانت تحتم عليهم، الحصول على تصريح من الحكومة لبناء كنيسة أو ترميمها أو إعادة بنائها. كما سمح محمد علي بمرور مواكب جنازات الموتى الأجانب في الشوارع العامة، دون قيد أو شرط، على أن القيد الوحيد كان يتمثل في حتمية إقامة الطقوس الدينية الخاصة بهم، داخل كنائسهم لا خارجها.

والحقيقة أن ظهور الامتيازات الأجنبية في مصر، يرجع إلى ما قبل الفتح العثماني، حوالي أواسط القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت البداية حينما عقد لويس ملك فرنسا معاهدة امتيازات مع سلطان مصر عام 1251م، والتي أصبح بمقتضاها لفرنسا الحق في تعيين قنصل ثابت بالإسكندرية، لينظر في مصالح الرعايا الفرنسيين، ويطبق عليهم القوانين الفرنسية، في حالة نشوب نزاع بينهم، ثم عقدت معاهدة أخرى بعد فتح العثمانيين لمصر بين الفرنسيين والسلطان سليم الأول، صدق عليها جميعها السلطان (سليم الأول) عام 1517م، والسلطان سليمان القانوني عام 1528م. ثم وقعت اتفاقات نهائية بين السلطان العثماني، وملك فرنسا فرانسوا الأول في عام 1535م، شملت جميع الامتيازات السابقة، ووضعت لها نظاماً خاصاً، وأصبحت ـ منذ ذلك الوقت ـ سارية المفعول.

وبطبيعة الحال، حددت هذه الامتيازات أوضاع الأجانب الاجتماعية في البلاد، "كالتعهد بحرية المجيء والإقامة والانتقال، ومنح المسكن الملائم، وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والطقوس الدينية، وحمايتهم من الاضطهاد، والتعسف في جباية الضرائب والرسوم".

وقد شجع الأجانب على الوفود إلى مصر انقضاء فوضى العهد المملوكي، وتأسيس الحكومة القوية التي استطاعت، منذ استتباب الأمر لمحمد علي، تأمين الأجانب على أرواحهم وأموالهم، فقد بلغ عدد الأجانب في مصر عام 1833م حوالي خمسة آلاف أجنبي. وبعد كسر معاهدة لندن 1840م لنظام رأسمالية الدولة، الذي أنشأه محمد علي في مصر، شهدت البلاد تدفق الأجانب، ورؤوس الأموال الأجنبية إليها. حيث كانت الظروف ـ بصفة عامة ـ ملائمة لوفود الإرساليات التنصيرية على اختلاف أنواعها من كاثوليكية إلى بروتستانتية، وتغلغلها في مدن مصر الجنوبية والساحلية.

وقد رسخت أقدام هذه الإرساليات الأجنبية، في الوقت الذي بدأت فيه الدولة العثمانية تضعف. ولا شك أن الدولة العثمانية، عندما منحت تلك الامتيازات للأجانب، كانت قد بدأت في الضعف فعلاً. كما أن الإسلام بعظمته، كان السبب الأول في ظهور تلك الامتيازات الأجنبية في ولايات دولة الخلافة، الدولة العثمانية؛ فذكرى الحروب الصليبية كانت لا تزال مطبوعة في الأذهان، وهذا يؤدي إلى عدم توافر الثقة بين المسلمين وغير المسلمين، لذلك كان على الدولة العثمانية أن تغلق أبواب ولاياتها في وجه الأجانب، ولكن الذي حدث، أن الدولة العثمانية، كانت مضطرة إلى منح هؤلاء الأجانب، بعض الامتيازات والحقوق، بدعوى الإفادة من نشاطهم التجاري والثقافي!!

وكانت أولى هذه المعاهدات تلك، التي عقدها فرنسوا الأول ـ ملك فرنسا ـ مع السلطان سليمان القانوني ـ سلطان الدولة العثمانية ـ في عام 1535م. وعندما حاول السلطان العثماني عبدالمجيد الأول بن محمود (1808 ـ 1861م)، التخلص من الامتيازات الأجنبية في عام 1856م؛ بمؤتمر باريس، كانت الدول الأوروبية قد تكاتفت ضد الدولة العثمانية، ولم تمكن سلطانها من ذلك. من هنا كانت الامتيازات الأجنبية، هي جواز المرور الشرعي، لوفود الإرساليات التنصيرية، وهى أيضاً المظلة الشرعية، التي مارست تحتها الإرساليات نشاطها التنصيري في بلاد الإسلام وبين المسلمين، ليس في مصر وحدها، وإنما في كل أقطار العالم الإسلامي!!

وإن كانت تركيا قد نجحت ـ فيما بعد ـ في إلغاء الامتيازات الأجنبية، بعد أن ظلت سارية حوالي خمسة قرون (تقريباً) ؛ في معاهدة لوزان؛ 24 يوليو 1923م؛ فإن هذه الامتيازات ظلت قائمة وسارية في مصر، حتى عام 1937، عندما تم إلغاؤها نهائياً، بعد أن عانت من جرائها كثيراً. وكانت الإرساليات التنصيرية، واحدة من ضروب هذه المعاناة، التي عايشها الشعب الإسلامي في مصر.

2. القناصل الأجانب

لقد أساء الأجانب استعمال هذه الامتيازات، فأخذ القناصل يقومون بدور خطير في مساعدة الإرساليات التنصيرية في مصر. وأثار قناصل الدول الأوربية والولايات المتحدة، في مصر الكثير من المشكلات، وذلك ضمن مخطط شامل على مستوى الأقاليم المصرية، بسبب انحيازهم إلى المنصرين الأجانب، وتسهيلهم مهمة الإرساليات التنصيرية، وحمايتهم لأعوان المنصرين وأذنابهم، من الأقباط المصريين، وبشكل فاضح.

3. بداية النشاط التنصيري الألماني في مصر

جاء أول اتصال بين هذه الإرساليات التنصيرية الأجنبية ـ عامة ـ وبين مصر، في عام 1633م، عندما جاء أول منصر لوثري، إلى مصر، وهو بيتر هيلنج P. Heyling وكان عمره 26 عاماً، في محاولة من جانب الكنائس الألمانية لدراسة أوضاع مصر الدينية، والوقوف على مدى نجاح التبشير بين المسلمين، ومكث هذا المنصر في مصر حتى أكتوبر عام 1634م.

وعندما قررت الكنيسة المورافية أو كنيسة الإخوة المتحدين، وهى كنيسة ألمانية، تأسست في عام 1457م في (بوهيميا) ـ بدء نشاطها التبشيري في عام 1750م، في أثناء زيارة كونت زنزندورف Zinzendorf لها، بعثت بأول منصر لها إلى مصر في عام 1752م، وكان هذا الرجل هو الدكتور فريدريك وليم هوكر F.W. Hocker، الذي أسس أول إرسالية ألمانية في القاهرة. وقد كان من أهداف هذه الإرسالية دراسة اللغة العربية، باعتبارها الأساس الجوهري، لممارسة النشاط التنصيري بين المسلمين في مصر. وكان هوكر عند وصوله إلى القاهرة، قد استأجر منزلاً صغيراً، جعله مركزاً لممارسة نشاطه، وفتح فيه خدمة طبية، باعتبار التطبيب من الوسائل الضرورية والمهمة للعمل التنصيري في مصر. وبعد عام قضاه (هوكر) في مصر، كان الرجل قد أجاد اللغة العربية عن جدارة. وكان عليه أن يبدأ نشاطه التنصيري بين المسلمين.

وبالفعل، بدأ هوكر في عام 1756م؛ بعد أن انضم إليه منصر موارفي آخر، جاء من ألمانيا، هو جورج بيلدر G. Pilder؛ وأخذ يعرض عقيدته على المترددين على داره، التي جعلها مركزاً طبياً وتنصيرياً. وفى عام 1757 انضم إليهما، منصر موارفي ثالث، وفد من ألمانيا، هو هنري كوسارت. H Cossort، وأخذت الإرسالية الألمانية، تمارس نشاطها التنصيري، تحت ستار التطبيب، في القاهرة وبني سويف. غير أن بيلدر قرر فجأة، في عام 1759م، العودة إلى بلاده. بعد أن تعرضت حياته للخطر، في حادثة كان أحد طرفيها، بعض المسلمين من أعيان منطقة البهنسا، القريبة من بني سويف!!

أما هوكر وكوسارت؛ فبقيا وحدهما في القاهرة، وأخذا يعملان في مهنة التطبيب، ومن خلالها كانا يعظان المترددين عليهما، لكن كانا على حذر ويقظة، ومع ذلك فقد افتضح أمرهما، وتعرضا لمتاعب كثيرة من جانب الشبان المسلمين، فقررا الرحيل عن مصر في عام 1761م، وسافرا معاً إلى أوروبا، بلا عودة. ومنذ ذلك التاريخ، توقف نشاط الإرسالية الألمانية اللوثرية المورافية، في مصر، لمدة سبع سنوات. حتى كان عام 1768م عندما جاء المنصر جون هنري دانك J.H. Danke، وتوجه على الفور، إلى منطقة البهنسا، لمواصلة نشاط زميله السابق المنصر بيلد، الذي كاد يلقى حتفه هناك.

وفى عام 1770م وصل إلى القاهرة، المنصر جون آنتس J. Antes، ولكنه مكث في القاهرة، يمارس نشاطه، بمعاونة بعض الأقباط المصريين، الذين كانوا على صلات وثيقة بالمنصر الألماني هوكر، وفي الوقت نفسه، كان دانك هو الآخر، قد أخذ يتودد إلى الناس في البهنسا، ونجح في جذب لفيف من أقباط المنطقة، بذكائه الحاد، وشخصيته الرقيقة المهذبة، وبدأ يمارس نشاطه التنصيري هناك. وكادت إرساليته تلقى رواجاً بين المسلمين في (البهنسا)، لكن المرض الذي أصابه هناك، جعله يترك (البهنسا) إلى القاهرة، في يوليو عام 1772م، وبعد شهور قليلة، رجع ـ هو الآخر ـ إلى بلاده، بلا عودة.

وفى عام 1772م، وصل إلى القاهرة، المنصر جورج هنري وينجر Wieniger J.H، لينضم إلى جون آنتس ويؤسسا معاً خدمة طبية، بالقاهرة. ولكن نشاطهما التنصيري كان محدوداً للغاية، لعدم إقبال الناس على خدمتهم الطبية. لذلك قرر السنودس العام للكنيسة المشيخية "المصلحة"في الشمال الأمريكي، وقف النشاط التنصيري الألماني المورافي، في مصر عام 1772م. لتتولى هي بمعرفتها- أي الكنيسة المشيخية الأمريكية ـ العمل التنصيري في مصر. والذي تقرر أمره في اجتماع السنودس العام، يوم 21 مايو عام 1853م، عندما تقرر ذهاب بعض المنصرين الأمريكيين من سوريه إلى مصر.

4. وصول الإرسالية الإنجليزية إلى مصر (1819م)

كان أول اتصال بين الإرساليات الإنجليزية، وبين مصر في أعقاب هزيمة نابليون بونابرت في المعركة الشهيرة ووترلو، بأوروبا. يقول تقرير أول إرسالية إنجليزية: "إنه بعد سقوط نابليون أصبح البحر المتوسط مفتوحاً للنشاط التبشيري. وخلال أقل من ثلاثة شهور، بعد معركة ووترلو، كان القس جويت في طريقه إلى مالطة، ليزور قادة الكنائس اليونانية، والأرمنية والقبطية والمارونية، بقصد نشر التعليم وتداول الكتاب المقدس". وبالفعل وصل المنصر وليم جويت W. Jowett.، إلى مصر في عام 1819م، موفداً من جانب جمعية إرساليات الكنيسة الإنجليزية.

وقد قضى جويت في مصر، بضعة أشهر خلال عامي 1819/1820م، ثم في عام 1823م؛ وخلال هذه الفترة، تعلم اللغة العربية، وأجادها. وأخذ يتصل ببعض الأقباط المصريين، الذين سهلوا له مهمته التنصيرية. فأخذ يمارس نشاطه التنصيري، بتوزيع منشوراته، باللغة العربية، والتي كانت تدعو إلى الدخول في المسيحية، والتي كانت تحت عنوان البشائر الأربع. وهذا المنصر الإنجليزي الخطير، كان له دور فعّال جداً، في نجاح الحركة التنصيرية عامة في مصر. فقد أسس هذا المنصر، وأنشأ مجلة "الشرق والغرب" ـ لسان حال كل الإرساليات التنصيرية في مصر والشرق الإسلامي ـ ومستشفى (هرمل) في منطقة مصر القديمة، هذا المستشفى، الذي تحول إلى مركز تنصيري في مصر أيضاً!!

ويقول التقرير السابق نفسه: "وفي عام 1825م وصل إلى مصر خمسة مُرْسَلين. وقد مكنت الامتيازات الأجنبية، الإرسالية الإنجليزية من الانتشار بسرعة، وممارسة نشاطها التنصيري، تحت ستار "إنها من الكنائس، وإجراء التعديلات الداخلية فيها، وإعادة تعليم الأكليروس". لقد كان هؤلاء الخمسة، هم النواة الأولى، لتأسيس الإرسالية الإنجليزية في مصر.

ويروي توفيق حبيب ـ في هذا الصدد ـ "في أوائل القرن الماضي، أنه حضر إلى مصر خمسة من رجال الكنيسة الإنجليزية، للوعظ و التبشير". بينما يذكر آخرون: "أن هؤلاء الخمسة، كانوا ألماناً من معهد بازل، وهم صموئيل جوبات S. Gobat، وهو من أصل سويسري، وعمل لمدة 23 سنة في مصر والحبشة ومالطة، وخلال هذه الفترة أجاد اللغة العربية، لكنه توفي في عام 1879م، "وهو الوحيد الذي بقي من الخمسة الإنجليز، الذين غادروا البلاد عائدين إلى بلادهم، الواحد بعد الآخر، وقد سكن ليدر بمنطقة (الدرب الواسع ـ في القاهرة" ثيودور مولر.The Muller، ووليم كرواس W. Kurse، وكريستيان كوجلر Ch. Kugler.

وكان لأعضاء هذه الإرسالية، مقر دائم بالقاهرة. ويروي توفيق حبيب، "أن الأسقف جويت ذكر، أنه كانت لهم دار في ميدان الأزهار الفلكي للمساجلات الأدبية والبحث في العقائد، لم تلبث أن عطلت نتيجة لما كان يقع في بعض اجتماعاتهم من مشاغبات". وبطبيعة الحال، لم يكن هذا المقر، كما ذكر توفيق حبيب على لسان، جويت يقوم بهذه المهمة فقط، وإنما كان مركزاً تنصيرياً على درجة عالية من الخطورة. وقد ظهرت آثاره فيما بعد، في عام 1932 ـ 1933م.

على أي حال، أجمعت المصادر على أن مراكز التنصير الأجنبية، بدأت عملها في جزيرة مالطة، في أواخر القرن السادس عشر، واعتبرت الجزيرة قاعدة هجوم على مصر والشرق الإسلامي كله.

وأخذ نشاط المنصرين الإنجليز، يظهر بشكل ملفت للنظر في مصر، منذ أن لجؤوا إلى فتح المدارس، باعتبارها من أفضل الوسائل الإيجابية في العمل التنصيري، لجعلها مراكز لعملهم، إذ ينجذب إليها الناس. وإن كانوا قد بدؤوا بعملهم الجاد، بين الأقليات الدينية، وراحوا يركزون نشاطهم في البداية بين اليهود، فإن ذلك الأمر، لا يعدو أن يكون من جانب المنصرين الإنجليز، محاولة لجس النبض، ثم التحول إلى الهدف المنشود، وهو العمل بين المسلمين لتنصيرهم. وهذا هو الذي حدث بالفعل فيما بعد !!

وقد أنشأت جمعية إرساليات الكنائس الإنجليزية، ثلاث مدارس في مصر، خلال الفترة من عام 1839 ـ 1840م، كما فتح المنصر الإنجليزي آل ويسليان، مدرسة، أخرى في القاهرة. وأمام هذه الموجة من فتح المدارس التابعة للإرساليات الإنجليزية، توهم البعض، أن التعليم في مصر، كان يسير بخطى إيجابية، غير أنه بعد قبول اتفاقية لندن 1840م، كان التعليم الحكومي الوطني، ينهار بصورة ملحوظة. وقد استمر هذا التدهور حتى أوائل الستينيات من القرن التاسع عشر.

ومع انكماش التعليم الحكومي الوطني، انفتحت مصر على مصراعيها للمؤسسات والهيئات الأجنبية، لإنشاء مدارسها، مما ساعد على نشر الثقافة الغربية المسيحية بين أبناء المسلمين؛ وهذا ما كان يسهل مهمة الإرساليات التنصيرية. وفي عام 1842ـ1843م، أنشأت الإرساليات الإنجليزية في مصر، معهداً لاهوتيّاً، لتعليم كهنة الأقباط المصريين، الذين انساقوا وراء العملية التنصيرية، وليكون هذا المعهد بمثابة المركز العام، لتخريج الكوادر التنصيرية المحلية في مصر.

ولقد حاولت الإرسالية الإنجليزية، الحصول على قطعة أرض من الخديوي سعيد 1854 – 1863م، غير أنها لم توفق في ذلك، وكانت الإرسالية تنوي تشييد كنيسة ومدرسة عليها. لكن الحلم تحقق فيما بعد، عندما أصدر الخديوي إسماعيل 1863 – 1879م أوامره، في عام 1864م، لمحافظ القاهرة، بوهب قطعة أرض مساحتها ثمانمائة وثلاثة أذرع وثلث ذراع مربع، لإنشاء كنيسة بروتستانتية، لرعايا إنجلترا. ومع ذلك فإن نشاط الإرسالية الإنجليزية، قد واجهته عقبات في طريقه.

فلم يلبث صراع النفوذ بين فرنسا وإنجلترا، أن ظهر في ميدان الإرساليات التنصيرية في مصر، فحاولت المدارس البروتستانتية الإنجليزية، أن تنافس المدارس الكاثوليكية الفرنسية، في نشاطها التنصيري في مصر.

وكان كان محمد على في عام 1840م قد أعطى تسهيلات وامتيازات خاصة، للمدارس الكاثوليكية الفرنسية؛ فانتشرت في طول البلاد وعرضها، من قنا إلى بورسعيد، وبجانب المدارس، ظهرت المستوصفات الفرنسية، التي تقوم، وتحت ستار التطبيب، بالتنصير بين أوساط المسلمين، وأمام تنامي النشاط التنصيري الفرنسي؛ الذي أخذ يستشري في صعيد مصر، في شكل عشرات المدارس الفرنسيسكان، ومئات المستوصفات للراهبات، ومثلها في الوجه البحري، قررت الإرسالية الإنجليزية إغلاق المعهد اللاهوتي في عام 1847م.

ومع ذلك استمر نشاط الإرسالية الإنجليزية، ولكن لم يتواصل أمام تنامي النشاط التنصيري الفرنسي. وبدأ حجم نشاط الإرسالية الإنجليزية، يتراجع ويتناقص إلى أن صدرت التعليمات من لندن، بوقف نشاط الإرسالية الإنجليزية في مصر!! وبالفعل أغلقت الإرسالية الإنجليزية، أبوابها رسمياً في عام 1862م. مع أن المنصر (جاردنر)، الذي كان من أبرز عناصرها، وأعرفهم باللغة العربية، والذي كانت له اليد الطولى في تأسيس فرع مصر لجمعية اتحاد الكنائس، وإنشاء أقسام مصرية لجمعية اتحاد الشباب المسيحية، كان لا يوافق على هذا الانسحاب، أمام النفوذ الفرنسي، والانحسار عن مصر.

وهكذا، بإغلاق أبواب الإرسالية التنصيرية الإنجليزية، أصبحت المحاولات التنصيرية الإنجليزية، بعيدة عن عملها في مصر، إلى أن عادت، مرة أخرى، في عام 1882م، تحت رايات جيش الاحتلال البريطاني، وفي أعقاب جنوده؛ لتعمل بحرية تامة، ودون قيود، وبلا منافسة فرنسية!!.