إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الهيئات التنصيرية وأثرها في العالم الإسلامي









المصادر والمراجع

ثانياً: تاريخ التنصير في العالم الإسلامي

شهد العالم الإسلامي أول تحول جوهري في علاقته العقدية بأوروبا، مع بدء الغزوات الصليبية على السواحل الإسلامية، وهي تلك الغزوات، التي كانت تتم تحت شعار الصليب وبرعاية مباشرة من بابا روما الكاثوليكي، وكانت الجيوش الغازية تتضمن فرقاً متخصصة في الدعوة للنصرانية، أشهرها فرقة فرسان المعبد، وهم مكونون من فرسان وفارسات يحاربون، وفي الوقت نفسه يدعون للمذهب الكاثوليكي، وكانوا شديدي التعصب، وهناك قناعة لدى أوساط تاريخية كثيرة بأنهم جزء من جمعية سرية ترتبط باليهودية والماسونية ومحفلها الممتد عبر التاريخ.

على أن هذا التحول لم يأت فجأة؛ بل سبقته بعض المظاهر الأخرى للعمل على صرف المسلمين عن دينهم، بعضها فشل، وبعضها نجح بشكل منقطع النظير، وفي مقدمتها إعادة احتلال قبرص في القرن السابع الهجري، لكن فشلت البابوية في تحويل أهل الجزيرة عن دينهم، وثانيها احتلال صقلية في المرة الأولى في منتصف القرن السادس الهجري من قبل فرقة عبيد الرب، التابعة للبابا مباشرة، وتم طردهم منها على يد المجاهد الإسلامي، الإيطالي الأصل، تقي الدين بابا روسيا، الملقب بالفارس الأحمر، لكن الإيطاليين تمكنوا من احتلال الجزيرة بعد ذلك في عهد الدولة الإسلامية، وتحويل المسلمين عن دينهم، كما نجح اليونانيون في تثبيت الواقع المسيحي لجزيرة قبرص.

والواقع أن الحملات الصليبية، وإن كانت قد فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية؛ فإنها نجحت في تحقيق أهدافها نجاحاً جزئيّاً، وهو زرع المذهب الكاثوليكي في المشرق العربي إذ لم يكن له وجود، وكان الوجود المسيحي مقصوراً على المذهب الأرثوذكسي.

1. سقوط الأندلس

أدى سقوط الأندلس في القرن التاسع الهجري إلى تحول هائل في علاقة الإسلام بالمسيحية، فمن انتصارات إسلامية متوالية على المسيحيين الأرثوذكس، إلى هزيمة إسلامية كاملة أمام الكاثوليك بزعامة فريدناند وإيزابيلا، وظهور محاكم التفتيش، التي أدت إلى خروج الإسلام عملياً من الأندلس، فقد مر المسلمون بأول تجربة قاسية للخروج الجماعي من ملتهم، تحت إرهاب السيف، والخشية من القتل والصلب، إن هم فشلوا في أداء العبادات المسيحية على أفضل ما يكون، أمام محاكم التفتيش المكونة من الكرادلة والرهبان، وهو ما أدى من الناحية العملية إلى مداومة المسلمين على العبادات المسيحية حتى خرجوا من دينهم بالفعل، وإن لم تخرج الأجيال الأولى بقلوبها فكانت التبعة على الأجيال التالية، التي أصبحت مسيحية خالصة.

ومن المهم أن يُسجل هنا أن الإسلام لم ينتشر في الأندلس بهذه الوسائل، بل انتشر بالدعوة والموعظة، ومن دون أي شكل من أشكال الإكراه، وهذا ما يبين بوضوح سلامة منهج الدعوة في الإسلام، كما يرد على القائلين بانتشاره بالسيف، فالواقع أن المسيحية هي التي انتشرت بالسيف في جميع مراحلها الأساسية: تنصر الإمبراطورية الرومانية، وصراع المذاهب، والحقبة الاستعمارية.

2. الحقبة الاستعمارية

مع ظهور الحقبة الاستعمارية، التي كانت في واقع الأمر نتيجة طبيعية لاستيلاء الأوروبيين على الأندلس، وإطلالتهم مرة أخرى على بحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، إذ بدأت الحملات الاستعمارية على يد الملكة إيزابيلا، التي مولت حملة ماجلان من أجل اكتشاف العالم الجديد، والتي تعد بداية الحملات التنصيرية في صورتها الجديدة والمستمرة بلا انقطاع، حتى عهدنا الحاضر.

إن الحملات الاستعمارية على العالم الجديد، وعلى بعض أجزاء العالم القديم (أفريقيا وآسيا)، كانت في واقع الأمر تعمل من أجل هدف مزدوج، يتمثل في الاستيلاء على ثروات هذه البلدان وخيراتها. والثاني هو نشر المسيحية ـ الكاثوليكية والبروتستانتية على وجه الخصوص ـ في هذه المجتمعات، وإذا كانت البرتغال الكاثوليكية لها قصب السبق في نشر الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية، وبعض المجتمعات الأفريقية، فإن بريطانيا وألمانيا البروتستانت، كان لهما الدور الأكبر في نشر المذهب البروتستانتي في أغلب الدول الأفريقية وكامل أمريكا الشمالية.

3. تغير جوهري في موازين العلاقة بين الإسلام والنصراية

على أنه ينبغي أن نشير هنا إلى أنه، حتى في حالة نمو الحركات التنصيرية وتوغلها في بلاد المسلمين، فإن ذلك كان يقابله من ناحية أخرى توسع إسلامي مقابل في أوروبا ذاتها، فسقوط الأندلس كان فاجعة كبرى؛ ولكن فتح القسطنطينية قد خفف من مرارة الفاجعة بعض الشيء، خاصة في ظل ما تلاه من انتشار الإسلام، حتى وصل إلى وسط أوروبا، ولكن مع سقوط الدولة العثمانية، لم يبق المنصّرون متسلحين بقوتهم فقط، بل أصبحوا متسلحين، أيضاً، بتراجع المسلمين وانفراط عقدهم وضعف شوكتهم.

4. التنصير في العالم الإسلامي

شهد العالم الإسلامي، إلى جانب النشاط التنصيري، نشاطا تبشيريّاً حيوياً، وصل إلى ذروته مع الاحتلال الفرنسي والبريطاني للأقطار العربية، وبعض الأقطار الإسلامية. فعندما أدركت هذه الدول فشلها في تنصير المسلمين الناطقين بالعربية أو المناطق الإسلامية المتاخمة لهم، اتجه تركيزهم إلى نشاط التبشير، وبطبيعة الحال كان المذهب الأرثوذكسي هو المتضرر الأكبر من هذه النشاطات، التي أثرت كثيراً في الحضور النقي لهذا المذهب في دول المشرق، وهو ما ترك مرارة كبيرة على علاقة الكنيسة الأرثوذكسية بالمذهبين الآخرين، ولعل أحدث مظاهر هذه المرارة تمثلت في رفض الأنبا شنودة الثالث، بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية ورأس الكنيسة الأرثوذكسية في الشرق العربي، مقابلة البابا يوحنا بولس الثاني، عند زيارته لمصر في عام 2000م.