إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

سادساً: جمع القرآن وتدوينه

يُقصد بمصطلح "جمع القرآن"، تارة حفظه واستظهاره في الصدور، كما يراد به كتابته حروفاً وكلمات وآيات وسوراً. فهذا جُمع في الصحائف والسطور، وذلك جُمع في القلوب والصدور. ثم إن جمعه بمعنى كتابته، حدث في الصدر الأول للإسلام ثلاث مرات: الأولى في عهد النبي، r، والثانية في خلافة أبي بكر،t، والثالثة في عهد عثمان t، وفي عهد عثمان نُسخت المصاحف وأرسلت إلى الآفاق.

1. في عهد النبي r

أ. جمع الحفظ والاستظهار

عندما نزل القرآن على النبي r، كانت همته في بادئ الأمر موجهة إلى أن يحفظ القرآن ويستظهره، ثم يقرأه على الناس على مكث، ليحفظوه، ويستظهروه، لأنه نبي أمي بعثه الله في الأميين: ]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ[ (سورة الجمعة: الآية 2).

ومن شأن الأمي أن يركز على حافظته فيما يهمه أمره، ويعنيه استحضاره وجمعه، خاصة إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار، ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار. وكذلك كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن، متمتعة بخصائص العروبة الكاملة، التي منها سرعة الحفظ، وصفاء الأذهان، حتى كانت عقولهم سجلات أنسابهم وأيامهم، وحوافظهم دواوين أشعارهم وأيامهم ومفاخرهم. ثم جاء القرآن فهزّهم بقوة بيانه، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه، فأوقفوا عليه حياتهم حين علموا أنه روح حياتهم.

أمّا النبي r، فبلغ من حرصه على استظهار القرآن وحفظه، أنه كان يحرّك لسانه به في أشد حالات حرجه وشدته، وهو يعاني ما يعانيه من الوحي وسطوته، وجبريل في هبوطه عليه بقوته. يفعل الرسولr، كل ذلك استعجالاً لحفظ القرآن وجمعه في قلبه، مخافة أن تفوته كلمة، أو يفلت منه حرف. وما زال  يفعل ذلك، حتى طمأنه ربّه بأن وعده أن يجمع له القرآن في صدره، وأن يسهل له قراءة لفظه، وفهم معناه، فقال سبحانه مخاطباً نبيه: ]لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[ (سورة القيامة: الآيات 16ـ 19)، وقال سبحانه: ]وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[ (سورة طه: الآية 114).

وهكذا، كان r، أول جامع للقرآن في قلبه الشريف، وسيّد الحفاظ في عصره بلا منازع، ومرجع المسلمين في كل ما يعنيهم من أمر القرآن وعلومه. وكان r، يقرأ القرآن على الناس على مكث كما أمره مولاه، وكان يحيي به الليل، ويزيّن به الصلاة، وكان جبريل يعارضه إياه مرة في كل عام. وعارضه إياه في العام الأخير، الذي قُبض فيه مرتين، عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ]أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ r فَقَالَ النَّبِيُّ r مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِr حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّr فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3353).

وأمّا الصحابة، رضوان الله عليهم، فقد كان القرآن في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه؛ ويسابقون إلى مدارسته وفهمه. ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه. وربما كانت قرّة عين المرأة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن، يعلّمها إياها زوجها. وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الفراش، إيثاراً للذة القيام به في الليل، وتلاوة القرآن في الأسحار، والصلاة به والناس نيام، حتى لقد كان الذي يمرّ ببيوت الصحابة في الليل، يسمع فيها دوياً كدوي النّحل. وكان الرسول r، يذكّي فيهم روح العناية بالتنزيل، يُبلغهم ما أُنزل إليه من ربه، ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم، كما بعث مصعب بن عمير وعبدالله بن أمّ مكتوم، إلى أهل المدينة قبل هجرته، يعلمان الناس الإسلام، وقراءة القرآن، كما أرسل معاذ بن جبل إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء.

وهكذا، بلغ حُفّاظ القرآن في حياة الرسول r، عدداً كبيراً؛ منهم الخلفاء الراشدون، الأربعة، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن معاذ، وعبدالله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن السّائب بن يزيد. كما حفظ القرآن من الأنصار في حياتهr ، أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك. وقد روى البخاري أنّ عَبْدَ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عندما ذُكر لدى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ، r يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: ]مِنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3524).

وعَنْ أَنَسٍt أن الْقُرْآنَ، جمعه عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ r: ]أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3526)، فهذا الحصر الذي بدا في هذين الحديثين أقرب لأن يكون حصراً نسبياً، ولا ينفي ذلك أن الصحابة غير من ذكر في الحديثين قد حفظ وكان جامعاً له. وإلاّ فكيف نفسر القول بأنه قد قُتل في عهد النبي r، ببئر معونة سبعون من حفظة القرآن، وقتل يوم اليمامة سبعون، فعلام يدل هذا العدد! ألا يؤكد هذا كثرة الصحابة الذين جمعوا القرآن في صدورهم؟!.

ب. جمع الكتابة والتدوين

لم تكن أدوات الكتابة ووسائلها ـ بداهة ـ ميسورة في ذلك العهد. لذلك، كان الأوفق التعويل على حفظ القرآن في الصدور، جرياً على عادة العرب عندئذ، من جعل صفحات صدورهم وقلوبهم، دواوين لأشعارهم وأنسابهم ومفاخرهم وأّيامهم.

وقد حظي حفظ القرآن بأوفى نصيب، من عناية النبي r ولكن لم تصرفه العناية بحفظ القرآن واستظهاره، عن العناية بكتابته ونقشه، بالقدر الذي سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في ذلك العصر. فقد اتخذ الرسول r، كُتاباً للوحي، كلّما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابه، حرصاً على تسجيله وتقييده، وزيادة في التوثيق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ، ويعاضد الرسم اللفظ. وكان كتاب الوحي من خيرة الصحابة، فيهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وأبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وغيرهم. وكان  يَدُلّهم على موضع المكتوب من سورته، فيكتبونه فيما يجدونه من العُسب (جريد النخل)، واللخاف (الحجارة البيضاء)، والرقاع (الورق)، وقطع الأديم (الجلد)، وعظام الأكتاف، والأضلاع، ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله r. وهكذا، انقضى العهد النبوي والقرآن مجموع على هذه الطريقة، لم يُكتب في صحف، ولا في مصاحف، بل كُتب متفرقاً في الرِّقاع والعظام، ونحوهما.

وهكذا، فإن القرآن كله قد كُتب في عهد رسول الله r، لكنه لم يُكتب مجموعاً في موضع واحد. يقول الزركشي: وكان كلّما أُنزل عليه شيء من القرآن أمر بكتابته، ويقول: في مفترقات الآيات. "ضعوا هذه في سورة كذا "، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان كل عام مرة. ومعنى ذلك أنّ القرآن كله دوّن في عهد رسول الله r. فكانت كل آية أو آيات تدوّن عند نزولها، في السورة أو السور الخاصة بها.

وقُبض رسول الله r، والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف على نحو مفرق الآيات والسور، وكل سورة في صحيفة على حدة.

2. في عهد أبي بكر الصديق t

جاء في صحيح البخاري: ]أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ t وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ t إِنَّ عُمَر tَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ t. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ t إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r، فَقَالَ أَبُو بَكْر tٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4311).

يتبيّن من هذا الحديث، أن السبب المباشر لجمع القرآن في صحف مجتمعة، الخوف عليه من الضياع، لأنه كان محفوظاً في صدور الصّحابة. ولمّا كثُر القتل في القُراء وخيف ضياع القرآن، عمد أبو بكرt إلى تنفيذ الفكرة، بانتداب زيد بن ثابت إلى هذه المهمة، وأبو بكر وعمر يعاونانه.

وانتهج زيد في جمع القرآن طريقة دقيقة، وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ، وحذر دقيق، وتحديات شاملة. فلم يكتف زيدٌ بما حفظ قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه. بل جعل يتتبع ويستقصي، آخذاً على نفسه أن يعتمد في جمع القرآن، على مصدرين اثنين:

أحدهما: ما كُتب في عهد رسول اللهr، وبين يديه.

والآخر: ما كان محفوظاً في صدور الرجال.

وبلغ زيدٌ بن ثابت في الحيطة والحذر، حداً جعله لا يقبل شيئاً من المكتوب، حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدّي رسول اللهr.

ويدل على ذلك، ما روي عن عمر،t أنه قال: "من كان تلقى من رسول اللهr، شيئاً من القرآن فليأت به، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان".

كما يدل على ذلك ما روي من أن أبا بكر، t قال لعمر ولزيد: "اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ". وهكذا، دونت تلك الصحف على يد زيد بن ثابت، وقوبلت بما تستحقه من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنه. ثم حفظها عمر بعده. ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة عمر، حتى طلبها منها خليفة المسلمين عثمان t، حيث اعتمد عليها في استنساخ مصاحف القرآن، ثم ردّها إليها.

وكان من سمات هذه المصاحف الأولى، أنها جَمعت القرآن على أدق وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي. كما اقتُصر فيها على ما لم تُنسخ تلاوته، مع تواتره ونقله، وأنها ظفرت بإجماع الأمة عليها.

3. في عهد عثمان بن عفَّان، t

اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة في حاجة إلى دراسة القرآن. وكان أهل كل بلد من البلاد الإسلامية، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة. فأهل الشام يقرأون بقراءة أُبيّ بن كعب، وأهل الكوفة يقرأون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري. فأصبح بينهم اختلاف في حروف الأداء، ووجوه القراءة، على نحو فتح باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن. وهو خلاف يُشبه ما كان بين الصحابة ـ على عهد رسول الله r ـ قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف[1]. ولكن الشقاق هذه المرة، كان أشد، لبعد عهد هؤلاء القوم عن عصر النبوة، وعدم وجود الرسول r، بينهم، يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعاً عن رأيه. واستفحل الداء حتى كفّر بعض الصحابة بعضاً، وكادت تقع فتنة في الأرض، وفساد كبير.

وكانت الأمصار النائية، أشد اختلافاً ونزاعاً من المدينة والحجاز. وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار، إذا جمعتهم المجامع، أو التقوا على جهاد أعدائهم، يعجبون من ذلك. وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار، كلّما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن، وأدى بهم التعجب إلى الشكّ والمداراة، ثم إلى التأثيم، والمنازعة، وتيقظت الفتنة، التي كادت تطيح فيها الرءوس، وتُسفك الدماء، وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتابهم.

ويُضاف إلى ذلك أن الأحرف السّبعة ـ أي الألسنة أو القراءات ـ التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأقطار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلّها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، فقد كان كل صحابي في إقليم، يُقرئ أهل الإقليم بما يعرف فقط من الحروف، التي سمع بها القرآن وقراءه. ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع، يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف، والشقاق البعيد.

وخير ما يصور الموقف وخطورته، ما روي عن أنس بن مالك في صحيح البخاري: ]أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ، فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ، إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ. فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4604) .

وبناء على هذه الأسباب رأى عثمان، t بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء قبل أن يعزّ الدواء. فجمع أعلام الصحابة، وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، وحسم مادة هذا النزاع. فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف، يُرسل منها إلى الأمصار، وأن يُؤمر الناس بإحراق كل ما عداها، وألاّ يعتمدوا سواها. وبذلك يرأب الصدع، ويجبر الكسر. وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية، نورهم الهادي في ظلام هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحكمهم العدل في ذاك النزاع، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء.

أ. شروط عثمان لكتابة المصاحف

وكان مما تواضع عليه الصحابة المنتدبون للمهمة، ألاّ يكتبوا في هذه المصاحف إلاّ ما تحققوا أنه قرآن، وعلموا أنه قد استقرّ في العرضة الأخيرة (التي عرض فيها رسول الله القرآن على جبريل، في العام الذي قُبض فيه)، وما أيقنوا صحته عن النبي r، مما لم يُنسخ، وتركوا ما سوى ذلك، مثل قراءة (فامضوا) بدل "فاسعوا" في سورة الجمعة في قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ (سورة الجمعة: الآية 9)، ومثل قراءة: (سفينة صالحة) في قوله تعالى: ]وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا[ (سورة الكهف: الآية 79)، بزيادة (صالحة)، إلى غير ذلك. وقد كتبوا مصاحف متعددة، لأنّ عثمان،t قصد إرسال ما وقع عليه الإجماع إلى أقطار بلاد المسلمين، وهي الأخرى متعددة. وقد كتبوا المصاحف متفاوتة، في إثبات وحذف وبدل، وغيرها، لأنه،  قصد اشتمالها على الأحرف كُلها. وجعلوها خالية من النقط والشكل، تحقيقا لهذا الاحتمال، فكانت بعض الكلمات يُقرأ رسمها بأكثر من وجه، عند تجردها من النقط والشكل، مثل: ]فَتَبَيَّنُوا[ من قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[ (سورة الحجرات: الآية 6)، فإنها تصلح أن تقرأ (فتثبتوا)، عند خلوها من النقط والشكل، وهي قراءة أخرى.

أمّا الكلمات التي لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل، مع أنّها واردة بقراءة أخرى أيضاً، فكانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعضها الآخر برسم آخر يدل على القراءة الثانية، مثل قراءة (وصّى) بالتضعيف و(أوصى) بالهمز، وهما قراءتان في قوله تعالى: ]وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ[ (سورة البقرة: الآية 132).

وخلاصة الأمر، أن اللفظ، الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات، كانوا يرسمونه بصورة واحدة، في كل المصاحف وأما الذي تختلف فيه وجوه القراءات، فإن كان لا يمكن رسمه في الخط، محتملاً لتلك الوجوه كلّها، فإنهم يكتبونه برسم يوافق بعض الوجوه في مصحف، ثم يكتبونه برسم آخر يوافق بعض الوجوه الأخرى في مصحف آخر. وكانوا يتحاشون أن يكتبوه بالرسمين في مصحف واحد، خشية أن يُتوهم أن اللفظ نزل مكرراً بالوجهين في قراءة واحدة، وليس الأمر كذلك، بل هما قراءتان نزل اللفظ في إحداهما بوجه، وفي الثانية بوجه آخر، من غير تكرار في قراءة واحدة منهما.

وقد دعا الصحابة إلى إتباع هذه الخطة، في رسم المصاحف وكتابتها، أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله r، بجميع وجوه قراءاته، وبحروفه كافة، التي نزل عليها، فكانت هذه الطريقة أقرب إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها، حتى لا يقال: إنهم اسقطوا شيئاً من قراءاته، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء، على حين أنها كلها منقولة نقلاً متواتراً عن النبي r. وكان مما اشترطه عثمان t  في هذا الجمع للقرآن، أنه قال لهؤلاء الكُتّاب: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم". وقد توافر لتلك المصاحف من المزايا، ما لم يتوافر في غيرها، مثل:

(1) الاقتصار في وجوه القرآن على ما ثبت بالتواتر[2]، دون ما كانت روايته آحاداً.

(2) إهمال ما نُسخت تلاوته من الآيات، ولم يستقر في آخر قراءة.

(3) ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر،t فقد كانت مرتبة الآيات دون السّور.

(4) كتابة هذه المصاحف على نحو يجمع كل وجوه القراءات المختلفة، والأحرف التي نزل عليها القرآن، مع عدم إعجامها وشكلها، وتوزيع وجوه القراءات على المصاحف، إذا لم يحتملها الرسم الواحد.

(5) تجريد المصاحف من كل ما ليس قرآناً، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ ومنسوخ.

ب. قواعد رسم المصحف العثماني

للمصحف العثماني قواعد خاصة به في خطه ورسمه، حصرها علماء هذا الفن في ست قواعد، وهي: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل، والفصل والوصل، وما فيه قراءتان فأُخذ بإحداهما.

(1) قاعدة الحذف

(أ) تحذف الألف من ياء النداء الداخلة على (أيّ)، ومن (ها) التنبيه، ومن لفظ الجلالة، ومن كلمة (إله)، ومن لفظي (الرحمن ـ سبحان)، وبعد لام نحو كلمة (خلائف)، وبين اللامين، مثل (الكلالة)، ومن كل مثنى، ومن كل جمع تصحيح لمذكر أو لمؤنث، ومن كل جمع على وزن (مفاعل)، ومن كل عدد مثل (ثلاث)، ومن البسملة، ومن أول الأمر من (سأل)، إلاّ ما استثني.

(ب) تحذف الياء من كل اسمٍ منقوص منون رفعاً وجراً، ومن مثل (اطيعون) إلا ما استثنى. وهناك ملحظ لطيف في حذف الياء، وهو أنّ اسم (إبراهيم) u حذفت منه الياء في كل موضع ورد فيه، من سورة (البقرة)، بينما أثبتت الياء فيه في بقية سور القرآن على غير القاعدة، وكذلك ألف (مالك).

(ج) تحذف الواو، متى وقعت مع واو أخرى.

(د) كذلك تحذف اللام، إذا كانت مدغمة في مثلها، إلا ما استثنى.

(2) قاعدة الزيادة

تزاد الألف بعد الواو في آخر كل اسم مجموع، أو ما كان في حكم المجموع، وبعد الهمزة المرسومة واواً، وفي كلمات مثل: مائة، والظنون ... ألخ. وتزاد الياء في نحو: (بأييد). وتزاد الواو في (أولو، أولئك، أولاء، أولات).

(3) قاعدة الهمز

تُكتب الهمزة إذا كانت ساكنة، بحركة الحرف الذي قبلها، إلا ما استثني. فإن كانت أول الكلمة، واتصل بها حرف زائد كتبت بالألف مطلقاً، سواء أكانت مفتوحة أم مكسورة أم مضمومة نحو (إذا، سأصرف، أولو). وإن كانت الهمزة متوسطة، فإنها تكتب بحرف من جنس حركتها (سأل، سُئل، نقرؤه)، إلاّ ما استثني، وإن كانت متطرفة كتبت بحرف من جنس حركة ما قبلها، نحو: (سبأ، شاطيء، لؤلؤ)، وإن سُكِّن ما قبلها، أُفردت (ملء، خبء).

(4) قاعدة البدل

تُكتب الألف واواً للتفخيم، في مثل: (الصلاة " الصلوة "، الزكاة " الزكوة "، الحياة " الحيوَة)، إلاّ ما استثني.

وترسم الألف ياءً إذا كانت منقلبة عن ياء، وكذلك ترسم الألف ياءً في بعض الكلمات مثل، (إلى، على، متى)، وترسم النون ألفاً في نون التوكيد الخفيفة، وفي كلمة (إذن). وترسم هاء التأنيث تاء مفتوحة في مثل (رحمة "رحمت"، لعنة الله "لعنت الله"، شجرة الزقوم "شجرت الزقوم"، امرأة عمران "امرأت عمران").

(5) قاعدة الوصل والفصل

موجز هذه القاعدة، أن توصل كلمة (أن)، بفتح الهمزة، بكلمة (لا) إذا وقعت بعدها، لأن اللام من حروف الإدغام فمتى وقعت بعد نون ساكنة أو تنوين، تتحول النون إلى لام ساكنة وتدغم في اللام المتحركة التي تلتها، فتنطق هكذا بالإدغام كقوله تعالى: ]أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ[ (سورة الرحمن: الآية 8). ويستثنى بعض المواضع مثل: (أن لا تقولوا).

كما توصل كلمة (من) بكلمة (ما) إذا وقعت بعدها، ويستثنى (من ما ملكت) في سورتي النساء والروم، (ومن ما رزقناكم) في سورة المنافقين. وتوصل كلمة (مِنْ) بكلمة ( َمنْ ) مطلقاً. وتوصل كلمة (عن) بكلمة (ما)، إلاّ قوله سبحانه (عن ما نهوا عنه). كما توصل كلمة (إنْ) بالكسر بكلمة (ما) التي بعدها، إلاّ قوله سبحانه (وإن ما نرينّك). وتوصل كلمة (أنْ) بالفتح بكلمة (ما) مطلقاً، وتوصل كلمة (كل) بكلمة (ما) التي بعدها، إلاّ قوله سبحانه (كل ما ردّوا) و(كل ما سألتموه). وتوصل كلمات (عمّا، وربما، وكأنّما، ويكأنّ) ونحوها.

(6) قاعدة ما فيه قراءتان

موجز هذه القاعدة، أن الكلمة إذا احتملت القراءة على وجهين، يُكتب رسم أحدهما، كما رسمت الكلمات التالية من غير ألف في المصحف: (مالك "ملك" يوم الدين، يخادعون "يخدعون" الله، وواعدنا "وعدنا" موسى، تفادوهم "تفدوهم") ونحوها، فكلها مقروءة بإثبات الألف وحذفها. وكذلك، رسمت بعض الكلمات بالتاء المفتوحة (غيابة "غيابت" الجب، أنزل عليه آية "آيت") في سورة العنكبوت، و(ثمرة "ثمرت" من أكمامها) في سورة فصّلت، و(وهم في الغرفة "الغرفات" ءامنون) في سورة سبأ، وذلك لأنها جميعها مقروءة بالجمع والإفراد. وغير هذا كثير.



[1]. أي سبعة ألسنة أو قراءات.

.[2] التواتر: مصطلح يعني الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب