إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرى والمدن في القرآن الكريم




مدائن صالح
مدينة الحجر
مساكن الثموديين
معبد الكرنك
الأهرامات وأبو الهول
البحر الميت
البحر الميت من الفضاء
بيوت ثمودية
بيت المقدس
جبال تم نحتها بموقع العلا
خط بارليف
قبة الصخرة





المبحث السادس

المبحث السادس

قـرية قوم لوط

(القرية التي كانت تعمل الخبائث)

تضمنت قصة قوم لوط أكبر فاحشة عرفها التاريخ، كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.

قال تعالى على لسان لوط u: )إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ( (الأعراف: الآية 81).

وقال تعالى: )أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ( (النمل: الآية 55).

كان أهل هذه القرية يأتون في ناديهم المنكر، ويقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، هذه القرية سُميت في القرآن الكريم باسم نبيهم لوط u، فقد اتبعوا شهواتهم المعكوسة، لأن قومها كانت لهم نفسية معكوسة، فقد عملوا الخبائث وأسرفوا في تجاوز حدود اللياقة والآداب، وغالوا في قضاء الشهوة، حتى تعدوا المعتاد إلى غير المعتاد.

إنه الشذوذ الجنسي، ويعبر عن ذلك القرآن الكريم بألفاظ فيها لطف ورقة مثل قوله تعالى: )إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ( (الأعراف: الآية81).

وقوله تعالى: )أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ)165(وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166)( (الشعراء: الآيتان 165، 166).

وقوله تعالى: )أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَر( (العنكبوت: من الآية 29).

 وهذا شأن القرآن الكريم في التعبير عن تلك الأمور، حتى بالنسبة للعلاقة الحميمية المشروعة بين الذكر والأنثى، حين يعبر عنها بألفاظ رقيقة مثل: تغشاها، وأتوا حرثكم أنى شئتم، وغيرها من العبارات التي تمس تلك الأمور الحساسة بعبارات تحمل الإشارة ولا تصرح بالعبارة.

قال تعالى: )وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ(74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ(75)( (الأنبياء: الآيتان 74، 75).       

وقد أشار القرآن إلى تلك النوعية من القرى، التي ترفض الذين يتطهرون فيها من فواحشهم وجرائمهم، فقد تكررت العديد من الآيات التي تبين رفض قوم لوط، لأوامر نبيهم لوط u بسبب أنه يأمرهم بالتطهر من تلك الفاحشة الكبرى.

قال تعالى: )وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( (الأعراف: الآية 82).

وقال تعالى: )فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ(57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (58)( (النمل: الآيات 56- 58)، هذه القرية التي اشتهرت بتلك الفاحشة التي تتسم بالفجور، يرفضون التطهر من هذا الفحش، ويتبجحون مع رسولهم، ويريدون إخراجه هو ومن معه من المؤمنين من هذه القرية، لأنهم في نظرهم أناس يتطهرون.

ويقول أبو القاسم الزمخشري في تفسيره (الكشاف): )وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا( يعنى ما أجابوه بما يكون جواباً عما كلمهم به لوط u، وهو إنكاره لتلك الفاحشة، وتعظيم جرمها، ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله، ولكنهم أمروا بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ضجرا بهم، وبما يسمعونه من وعظ ونصيحة، وأنكروا على لوط والذين أمنوا معه التطهر من تلك الفاحشة، )إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( سخرية بهم، وبتطهرهم من الفواحش، وافتخاراً بما كانوا فيه من القذارة. لقد أرادوا أن يخرجوهم من قريتهم بحجة أنهم أناس يتطهرون، أفكار معكوسة ونفوس مقلوبة.

لقد سمي القرآن الكريم قرية قوم لوط بقرية (المؤتفكات). قال تعالى: )أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (التوبة: الآية 70). "والمؤتفكات" هم قوم لوط. وفى قوله تعالى: )وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى)54)( (النجم: الآيتان 53، 54)، أي الأمة المؤتفكة. وفى تفسير القرطبي: يراد بالمؤتفكات قوم لوط, لأن أرضهم ائتفكت بهم، أي انقلبت. قاله قتادة، وقيل: المؤتفكات كل من أهلك، كما يقال: انقلبت عليهم الدنيا. وقال تعالى: )وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ(9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً(10)( (الحاقة: الآيتان 9، 10)، وهذا التكرار في العديد من آيات القرآن الكريم يؤكد هذا المسمى لقرية قوم لوط، وهو قرية (المؤتفكات).

والبحيرة المعروفة (بالبحيرة المنتنة) في فلسطين، هي مكان قرية قوم لوط المدمرة، هذه البحيرة ليس فيها حيوان ولا سمك ولا غيره، فهي بحيرة منعدمة فيها حياة الكائنات البحرية، لذلك يسمون بحرها بالبحر الميت، وهى تقذف بشيء يسمى (الحمر)، يلطخ منه أهل تلك البلاد كرومهم وأشجار تينهم، ويزعمون أن ذلك بالنسبة للشجر كالتلقيح للنخل، وعلى القرب أيضا من تلك البحيرة المنتنة، ديار قوم لوط، وهى ديار تسمى بالأرض المقلوبة، فليس فيها زرع ولا ضرع، وهى بقعة سوداء، قد فُرِش بها حجارة متقاربة في الحجم، يُروى أنها من الحجارة المسومة التي رُمي بها قوم لوط.

وتقع قرى قوم لوط u بالقرب من البحر الميت الذي يصب فيه نهر الأردن (اُنظر صورة البحر الميت)، والبحيرة المعروفة (بالبحيرة المنتنة)، هي البحيرة التي تعرف أيضا (ببحيرة قوم لوط) (أنظر خريطة بعثة لوط u).

وقرى قوم لوط u لها أسماء متعددة مثل: (المؤتفكة – المؤتفكات – الأرض المقلوبة) ويذكر صاحب تقويم البلدان، أن مدائن قوم لوط u تقع شمال مدين، وأهل هذه القرية هم أخس الناس وأخبثهم، لقد أرادوا إخراج نبيهم لوطا u من القرية، فلما جاء أمر الله، نجى الله لوطاً u والذين آمنوا معه برحمة منه، وأهلك الكافرين وقد أصاب امرأة لوط ما أصابهم، ففي الصباح أمطرت الملائكة هذه القرية بحجارة من سجيل منضود، وجعلوا عاليها سافلها فماتوا جميعاً. قال تعالى: )فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ( (النمل: الآية 57).

لم يبق من هذه القرية سوى آثارها، قال العلماء إن مكان هذه القرية الهالكة، بحيرة غريبة، ماؤها ملح أجاج، وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة، وفى هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة، توحي بأن هذه الحجارة هي التي أمطرها الله على قوم لوط، والتي كانت تهبط عليهم كالشهب المشتعلة.

عاش لوط u في زمن النبي إبراهيم u، مرسلاً إلى قوم لوط، كان هؤلاء القوم، كما يخبرنا القرآن الكريم، يمارسون نوعاً من الفاحشة لم تعرفه البشرية قبلهم، وهو ما يعرف باللواط، نصحهم لوط u بأن يقلعوا عن ممارسة هذه الفاحشة، وأنذرهم بطش الله وعقابه، لكنهم كذبوه، وتمادوا في شذوذهم وغيهم، وفي النهاية أهلكم الله بظلمهم، وهى سنة الله في الذين ظلموا.

وعندما دُمِّرَ قوم لوط u لم ينج منهم إلا لوطاً u ومن آمن معه، وهؤلاء جميعاً لم يتعدوا عدد أفراد أسرة لوط u، بل إن امرأته لم تكن من الناجين، فهلكت مع الهالكين، قال تعالى: )وَإِنَّ لُوطًا لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(133)إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ(134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ(135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ(136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ(137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(138)( (الصافات: الآيات 133 - 138).

وفي العهد القديم يُشار إلى المنطقة التي أقام فيها لوط u على أنها (سدوم)، وتقع هذه المنطقة إلى الشمال من البحر الأحمر (اُنظر صورة البحر الميت من الفضاء)، وجنوب نهر الأردن، فقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً، كما جاء في القرآن الكريم، وقال تعالى: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83)( (هود: الآيتان 82، 83).

وتدل الدراسات الأثرية أن تلك المدينة كانت في منطقة البحر الميت، التي تمتد على طول الحدود الأردنية الفلسطينية، (أنظر خريطة بعثة لوط u).

القصة من منظور علمي

توضح الآية 82 من سورة هود ماهية العذاب الذي وقع على قوم لوط، قال تعالى: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ( (هود: الآية 82).

جملة )جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا( تشير إلى أن المنطقة قد أصابها هزة أرضية قوية، وهنا نجد أن بحيرة لوط  هي المكان الذي وقع فيه العقاب، وتلك البحيرة تحمل دلائل واضحة عن تلك الكارثة التي وقعت لهم أثناء إهلاكهم.

يقول عالم الآثار الألماني وورنر كيلر: (غاص وادي سديم الذي يتضمن سدوم وعمورة مع الشق العظيم، هذا الشق الأرضي الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، ففي يوم واحد غاصت قرية لوط إلى أعماق سحيقة، حدث هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة انفجارات، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل).

وتعد منطقة البحر الميت، أو بحيرة لوط، منطقة زلازل نشطة، وهي تقع في صدع تكتوني متجذر، ويمتد هذا الوادي 300 كم، على طول الوتر الواصل بين البحر الميت، وبحيرة طبرية شمالاً إلى منتصف وادي عربة جنوباً، والجملة الأخيرة من الآية: )وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ( قد تعني حدوث انفجار بركاني على ضفتي بحيرة لوط، ولهذا كانت الحجارة التي انطلقت، والتي عبر عنها القرآن الكريم أنها )مِنْ سِجِّيل( أو المطر السيئ، أو مطر السوء في قوله تعالى: )وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ(. وقوله تعالى: )وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا( (الفرقان: الآية 40). فالعبارة القرآنية التي تحمل معنى الإمطار بالحجارة، تشير إلى إمكانية حدوث الانفجار البركاني، وهو ما يحدث عادة في صورة قذف حجارة ملتهبة، والمُعبر عنها بحجارة  )مِنْ سِجِّيل(، وهو الطين المطبوخ أو الملتهب، كما جاء في تفسير الجلالين، فتلك الحجرة الملتهبة تتساقط من أفواه البراكين، على قرية قوم لوط كالمطر.

وعن ذلك يقول وورنر كيلر: "تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق، على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة، تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الضفة الغربية، بينما تترسب الحمم البركانية وتوضع على شكل طبقات عميقة من البازلت، على مساحة واسعة من السطح الكلسي، وتدل هذه الحمم المتحجرة، وطبقات البازلت، على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر، في زمن من الأزمنة".

هذه الكارثة تبدو واضحة في السياق القرآني، في قوله تعالى: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ( (هود: الآية 82 وكذلك في قوله تعالى: )فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ( (الحجر: الآية 74). فالقرآن يشير، إلى هذا الانفجار البركاني، المعبر عنه بالإمطار بالحجارة.

وفى قوله تعالى: )فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ(ـ يشير إلى، وقوع الزلزال الذي استثار البركان لينفجر على سطح الأرض، وليترك آثاراً مدمرة وشقوقاً وحمماً ملتهبة على قرية قوم لوط. ويُلاحظ تأكيد القرآن الكريم لوقوع هذا الزلزال المدمر، وهذا البركان الثائر في تلك القرية، حيث تأتى آيتان متطابقتان في المعنى، وهما المشار إليهما عاليه، في سورة هود، والحجر، الآيات 82، 74 على الترتيب، إلا أن أحداها تشير إلى أن الحجارة التي أُمطرت قد أصابت منازلهم المقامة، وذلك في قوله تعالى: )وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً(، أي على القرية، أما الأخرى فتشير إلى أن الحجارة أُمطرت على أشخاصهم، وأصابتهم هم في أجسادهم لقوله تعالى: )وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً(، وهناك فرق بين، قوله تعالى: )عَلَيْهَا(، و)عَلَيْهِمْ(، والمعنى العام هو: أن البركان أصابهم ومنازلهم في آن واحد.

والدلائل تُشير إلى انخفاض قاع بحيرة لوط انخفاضاً كبيراً، فالعلامات الواضحة التي تظهر في بحيرة لوط مثيرة للغاية. وكل الأحداث التي يرويها القرآن الكريم، قد أكد الجيولوجيون أنها تقع في الشرق الأوسط ـ الجزيرة العربية ومصر؛ ففي منتصف هذه المناطق تماماً تقع بحيرة لوط، وقد أثارت بحيرة لوط والمناطق المجاورة لها اهتمام الجيولوجيين من ناحية عمق البحيرة، إذ تنخفض هذه البحيرة 400 م عن سطح البحر.

 لقد أظهرت صور الأقمار الصناعية التي تعمل بتقنية الاستشعار عن بعد Remote Sensing والمعروفة باسم الأقمار الأرضية Land sat مقدار انخفاض المياه في غور البحر الميت، بين 573 و504 م تحت سطح البحر الأحمر، وأنه آخذ في الانخفاض، حتى هبط في عام 2003 إلى 410 م تحت سطح البحر تقريباً، الأمر الذي حفَز بعض الخبراء إلى القول: إنه في طريقه إلى الجفاف·

 وبما أن أخفض نقطة في هذه البحيرة تغوص حتى 400 م عن سطحها، إذن قاع البحيرة يكون بانخفاض حوالي 800م عن سطح البحر، وهذه أخفض نقطة على وجه الأرض، ولا يتعدى عمق المناطق المنخفضة عن سطح البحر في البحر عادة، أكثر من 100 م.

الخاصية الأخرى التي تختص بها هذه البحيرة دون غيرها، هي الكثافة الملحية فيها، حيث تبلغ نسبة 30%، ولا تسمح هذه النسبة لأي نوع من الكائنات البحرية مثل الأسماك، الطحالب، وما إلى ذلك، بالعيش فيها، ولهذا سميت في الأدب الغربي بالبحر الميت Dead Sea.

في القديم كان من الممكن الانتقال من ضفة البحيرة إلى الضفة المقابلة مشياً على الأقدام، لأن الأرض ضحلة حيث لا يوجد عمق فيها، أما الآن فإن الجزء السفلي من البحر الميت، يغطي مدن (سدوم وعمورة) الموجودتان في وادي سديم، نتيجة لانهيار الأرض بسبب كارثة طبيعية مرعبة حدثت في الألف الثاني ق.م. حيث إن من المرجح أن المياه المالحة اندفعت من الشمال، إلى هذا الفراغ والتجويف الحادث وملأت هذا القسم تماماً.

عندما تبحر في قارب عبر بحيرة لوط، وتتجه إلى أقصى نقطة جنوباً، وعندما تكون الشمس مرسلة أشعتها باتجاه اليمين، سترى شيئاً مذهلاً، فعلى بعد معين من الشاطئ، وتحت ماء البحر الصافي تظهر حدود الغابات التي حفظتها ملوحة البحر الميت واضحة (سترى أغصان قديمة جداً، وجذور ضاربة في القدم تحت المياه الخضراء المتلألئة). ويبدو أن وادي سديم، كان أجمل أماكن تلك المنطقة في ذلك الوقت، حيث كانت الأغصان والأشجار خضراء يانعة والورود فيها متفتحة.

تكشف الأبحاث الجيولوجية عن الناحية الديناميكية لكارثة قوم لوط، فتقول الدراسات: أن الزلزال الذي دمر قوم لوط، جاء نتيجة لتشكل صدع طويل في الأرض يسمى (خط التصدع)، وهو على بعد 190 كم من البحيرة، ويشكل حوض نهر الشريعة، ويشير انحدار نهر الشريعة نزولاً حوالي 180 كم، بالإضافة إلى انخفاض البحر الميت بمقدار 400 م عن سطح الأرض، إلى أن حادثاً جيولوجياً على جانب كبير من الأهمية، قد اتخذ مجراه في حقبة من الزمن.

إن البنية المثيرة لنهر الشريعة وبحيرة لوط، تشكل جزءاً صغيراً فقط من الشق أو الصدع الذي يمر من هذه المنطقة من الأرض، لقد اكتُشِفَ مكان هذا الصدع وطوله حديثاً، فقد وجد العلماء أن الصدع يبدأ من مناطق جبال طوروس، ويمتد جنوباً حتى بحيرة لوط، ثم يواصل امتداده خلال الصحراء، ليصل إلى خليج العقبة، ثم يستمر عبر البحر الأحمر لينتهي في إفريقيا، وعلى امتداد هذا الصدع يلاحظ بعض الأنشطة البركانية، حيث يمكن ملاحظة الحجارة البازلتية والبركانية في جبل الجليل في فلسطين، وفي المناطق المنبسطة والمرتفعة من الأردن، وفي خليج العقبة والمناطق المجاورة.

إن هذه الآثار، والمعلومات الجيولوجية مجتمعة، تدل على أن بحيرة لوط قد شهدت كارثة جيولوجية مخيفة. كتب وورنر كيلر: (غاص وادي سديم الذي يتضمن ـ سدوم وعمورة ـ مع الشق العظيم، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، غاص إلى أعماق سحيقة في يوم واحد، حدث هذا الدمار المخيف، بفعل هزة أرضية عنيفة، صاحبتها عدة انفجارات وأضواء، نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل، حيث تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق، على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة، تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الأردن قرب باشان، بينما تترسب الحمم البركانية في شكل طبقات عميقة من البازلت، على مساحة واسعة من السطح الكلسي، وتدل تلك الحمم المتحجرة، وطبقات البازلت، على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة).

حررت مجلة "ناشيونال جيوجرافيك National Geographic الجغرافية، في ديسمبر 1957، مقالاً يحتوى تلك المعلومات، حيث قالت: (لم يجد أحد حتى الآن المدن المدمَّرة (سدوم وعمورة)، إلا أن الباحثين يرون أنهما كانتا في وادي سديم أمام المنطقة الصخرية). وقالت أنه: (قد تكون مياه البحر الميت غمرتهما بعد زلزال مدمر).

كان من المعتقد أن تدمير سدوم وعمورة من الأمور الخيالية، حتى كشف الدليل الأثري، أن الخمس مدن المذكورة في التوراة، كانت بالفعل مراكز تجارية نشطة بالمنطقة، وكانت مواقعها الجغرافية هي بالضبط كما وصف الكتاب المقدس، وتشير الأدلة أيضاً إلى وجود نشاط بركاني، وأن طبقات الأرض المختلفة قد انفجرت، وتشتت عالياً في الهواء. فالبيتوفين منتشر بدرجة عالية هناك، وهو الذي يستخرج منه الكبريت، والوصف الدقيق يبرهن على أن الكبريت (أحد مخلفات البيتوفين) قد سقط على تلك المدن، كما أن هناك دلائل أخرى توضح، أن الصخور الرسوبية قد اختلطت مع بعضها البعض بفعل الحرارة الهائلة.

لقد تعددت في القرآن صور هلاك بعض الأمم السابقة، الذين شقوا عصا الطاعة على أنبيائهم بكوارث طبيعية غير عادية، ففنيت تلك الأمم، ولم يبق منها سوى آيات وعظات لمن يتفكر ويتدبر، مصداقاً لقوله تعالى: )فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (العنكبوت: الآية 40).

قال ابن كثير في تفسيره للآية: "فكلا أخذنا بذنبه"، أي كانت عقوبته بما يناسبه، "فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً"، وهم قوم عاد، وذلك أنهم قالوا: من أشد منا قوة، فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد، عاتية شديدة الهبوب، تحمل عليهم حصباء الأرض فتلقيهـا عليهم، وتقتلعهم من الأرض، فترفع الرجل منهم من الأرض إلى عنان السماء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه، فيبقى بدناً بلا رأس كأنهم أعجاز نخل منقعر، ومنهم من أخذته الصيحة وهم ثمود، ومنهم من خسفنا به الأرض "وهو قارون"، ومنهم من أغرقنا وهو "فرعون ووزيره هامان وجنودهما عن آخرهم".

 ونتوقف عند قوم لوط ، الذين كانوا يمارسون الشذوذ الجنسي، الذي يباركونه في الغرب، وينعتونه بأنه زواج المثليين، والحديث الذي يدور في الغرب الآن عن الديموقراطية، يخلط بين الحرية وبين حقوق الإنسان، وحق الشواذ الذين يسمونهم (المثليين)، الأمر الذي يثير قدراً من الحيرة والاشمئزاز.

وقد نهى رسول الله e عن عمل قوم لوط في كثير من الأحاديث منها:

سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَالَ قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ: )هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى، قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ( (مسند أحمد: 6673).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ( (الترمذي: 1376).

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الرَّجْمَ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَغَيْرُهُمْ قَالُوا: حَدُّ اللُّوطِيِّ حَدُّ الزَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ e فِي الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قَالَ: )ارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ ارْجُمُوهُمَا جَمِيعًا( (ابن ماجه: 2552).

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: )إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ( (ابن ماجه: 2553).

وقد بين لنا القرآن الكريم، كيف سلط الله علي قوم لوط عذاباً شديداً وفريداً، هذا العذاب الذي كان له ثلاث صور هي:

1. الرجم: وهو الرمي بالحجارة، حيث أمطرهم الله بحجارة من سجيل منضود.

2. التدمير: أو تقويض ما يكون قائماً من مبانٍ وإنشاءات، حيث جعل الله عاليها سافلها.

3. الحاصب: وهو ما دون الحجارة والذي يصاحبه الغبار، كما في قوله تعالى )إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ(.

 والقرآن الكريم يرسم صور هذا العذاب، الذي ألحقه الله بقرية لوط، وذلك في العديد من الآيات:

قال تعالى: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ( (هود: الآية 82).

و قال تعالى: )وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ( (الشعراء: الآية 173).

وقال تعالى: )إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ( (العنكبوت: الآية 34).

وقال تعالى: )وَإِنَّ لُوطًا لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ)133 (إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ)134 (إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) 135 (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ)136(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ)137)( (الصافات: الآيات 133 – 137).

 وقال تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ( (القمر: الآية 34·(

 كانت قرى لوط تتألف من خمس قرى أكبرها (سدوم)، إضافة إلى أربع قرى أصغر منها حجماً وكثافة هي: صعبة، وصعود وغمره، ودوحا، وكانت متاخمة لجبال قرب بيت المقدس، وبعد دمارها تخلف عن ذلك تجويف، كان يعرف باسم غور زغر، والغور هو المنخفض العميق، وهو الذي عُرف بعد ما انسابت فيه مياه الأمطار، والمياه الجوفية باسم (البحر الميت)، وهو اسم معبر، حيث لا حياة فيه للكائنات البحرية، وتقول كتب التاريخ: أنه كانت تملؤه مياه نتنة خبيثة، وهو دون كل بحار العالم ـ فهو عالي الملوحة ومياهه تميل إلى اللون الأسود، ومستوى مياهه شديد الانخفاض·

 ولا شك أن الله قد أبقاه هكذا ليكون عبرة للناس الذين جاءوا من بعدهم، مصداقاً لقوله تعالى: )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ(75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ(76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ(77)( (الحجر: الآيات 75 – 77).

والمتوسمون: هم الناظرون المفكرون المعتبرون، والسبيل: هو المَعْلم الظاهر الذي يتخذه الناس أو الماء سبيلاً.

ويصف علماء الجيولوجيا مسار البحر الميت، بأنه فالق انشق في صخور المنطقة منذ زمن سحيق، ويمتد من شمال خليج العقبة ويبلغ عمقه 293 م تحت مستوى سطح مياه البحر الأحمر، وتوضح الخرائط الجيولوجية الحديثة، أن هذا الفالق الذي يعرف بالفالق السوري، يمتد بدءاً من خليج العقبة فالبحر الميت فسورية حتى تركيا، كما أكدت الصور المأخوذة من الفضاء بتقنية الاستشعار عن بعد، بوساطة مكوك الفضاء تلك المعلومات.

لم يكن هلاك قوم لوط u عارضاً، بل كان بسبب جنوح فاحش في الخلق، وخروج على ناموس الحياة الطبيعية، وعن الفطرة والمألوف، بل والغلو في الشذوذ، بممارسته علناً وأمام بعضهم بعضاً دون حياءً، شأنهم في ذلك شأن الحيوانات والبهائم. بل كانوا يعمدون إلى قطع الطريق، وخطف الرجال لإتيان هذا الشذوذ، إن إتيان الرجال من الدبر، أمر يأباه العقل والفطرة السليمة، وله عواقب وخيمة تكشفت في العصر، ويرجع السبب الأساس في تفشي مرض نقص المناعة (الإيدز) إلى ارتكاب تلك الفاحشة وتفشيها، إنهم يجهلون تلك العواقب وقد حذرهم الله منها.

قال تعالى: )أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ((النمل: الآية 55).

 ولذا تتجلى حكمة الله في النهي عن إتيان تلك الفاحشة للرجال، والنهى عن إتيان الزوجات في دبرهن، بل وفى فروجهن أثناء المحيض إلا بعد أن يطهرن، قال تعالى: ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[ (البقرة: الآية 222(.

كل ذلك كي يحمى الله البشرية من أشد الأمراض فتكاً بحياة الإنسان، نتيجة تلك التصرفات الشاذة التي نهى عنها الله ورسوله e.

 وتتسلسل وقائع قصة قوم لوط u، بهبوط رهط من الملائكة على إبراهيم u، حيث أخبروه بأنهم جاءوا تنفيذاً الأمر الإلهي بإهلاك هذه القرية الظالمة، حين بشروه بإسحاق u ومن وراء إسحاق يعقوب u، فلما سألهم عن مقصدهم: )قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ(34)( (الذاريات: الآيات 32 – 34).

 سيناريو هلاك قوم لوط u كما صوره الجيولوجيون

في محاولة لتجميع وقائع هلاك قوم لوط u، نجد أنها تمت في تتابع منطقي فريد، ولنتصورها في لقطات كانت أولاها صوت مدوي، حدث نتيجة لانشقاق الصخور الصلدة.

 أما اللقطة الثانية فكانت التدمير؛ حيث قلبت أوضاع خمس قرى متجاورة بجعل عاليها سافلها، وهو أمر يختلف عما تحدثه الزلازل، التي تأتي في صورة هزة أرضية أو رجفة، وما حدث لقوم لوط u كان أمراً مختلفاً، لأن الصخور والطين الساخن الذي قذفهما الانفجار إلى أعلى، تحولت تلك القذائف التي وصفها القرآن، بأنها حجارة من سجيل منضود، والسجيل لغوياً هو الطين المتماسك، ومنضود تعني أنه مرتب أو مصفوف، والمعنى أنه طين حولته النيران إلى صخر صلب ساخن أو مشتعل، فتساقط نحو الأرض كقذائف غزيرة ملتهبة كأنها المطر·

 ولقد اختلف المفسرون في معاني حجارة من سجيل، والرأي المنطقي أنها صخور مشابهة للتي سقطت على أصحاب الفيل، في قوله تعالى: )وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ)3 (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)4)( (الفيل: الآيات 3 - 4).

ولنتوقف عند كلمة (منضود) لأن فيها دلالة على نوع القذائف التي أفنت من الوجود قوم لوط u وقراهم. قال ابن عباس: إنها تعني متتابع. وقال قتادة نضد بعضه على بعض أي صار جسماً واحداً. وقال عكرمة: إنه متقارب. وقال ابن جريج: إنها تعني الاختلاف عن حجارة الأرض. وقال مخلوف: متتابع أو مجموع. وقال الشعراوي: إنه كان هلاكاً منظماً ومدبراً.

 وهذا اللفظ المعبِّر لا نجد له في الأوصاف المتقاربة السابقة، إلا معنى واحداً يقودنا إليه علم الذرة الحديثة، وهو أنها أحجار ذات طبيعة خاصة، انفجرت بتحولها من مادة إلى طاقة مدمرة، فطوحت ما حولها مثل القذائف.

 ويقودنا هذا التطور إلى اللقطة الثالثة، وهي ذات أهمية، تتمثل في الأمر الإلهي بإبعاد لوط u وأهله عن مركز الانفجار، أو بؤرة الحدث، توخياً للنجاة، وتتجلى الحكمة الإلهية في حساب التوقيتات، إذ كانت البداية قبل الأمر بالتحرك هي بعث الاطمئنان في نفس لوط u بتأكيد نجاته هو وأهله، ثم حُدِّد التوقيت ليبدأ في السحر أي في النصف الأخير من الليل، )قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ( (هود: الآية 81)

 والليل في لغة العرب يبدأ من الغروب، ويكون باقياً إلى إشراق الصباح، أي ما يعني قطع مسافة تقرب من 40 كم، وهي كافية للابتعاد عن مركز التفجير، الذي سيهلك قرية قوم لوط دون تأثير على لوط u وأهله الناجين، (وهذا تصور علمي افتراضي).

 ولا بد من وقفة عند تعبير بالغ الدقة له دلالات في التعبير القرآني، هي قوله تعالى: )وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ( (هود: من الآية 81)، والالتفات لغة له معان عدة، إذ قد يكون حسياً أو معنوياً أو جسدياً أو بصرياً، وفي رأينا أنه في هذه الآية يحمل كل هذه المعاني مجتمعة، بمعنى أنه يجب ألا تتحسروا على ما خلفتم وراءكم في بيوتكم أو أهليكم، ولا تتقهقروا عند سماع أي صوت، أو يحاول أحدكم حتى النظر إلى الخلف حتى لا يصيبه ما أصابهم·

إن العلماء المهتمون بالطاقة، يصورون ما حدث لقوم لوط u بما حدث في هيروشيما وناجازاكي، فهو محصلة لتعرضهم لأربع أنواع من الطاقة في آن واحد: فالصيحة طاقة صوتية Acrostic Energy، وسقوط المقذوفات من أعلى طاقة حركية Kinetic Energy، والنيران التي حولت الطين إلى صخر صلد طاقة حرارية Heat energy، والبريق الذي انبعث منها ليخطف الأبصار طاقة ضوئية Light Energy، ومجموعة هذه الطاقات الأربع، لا تنبعث إلا بتفجير ذري على نحو ما حدث في اليابان، في نهاية للحرب العالمية الثانية عام 1945، والذي أدى إلى محو مدينتي هيروشيما وناجازاكي من الوجود، هكذا يتصور العلماء محو قرية لوط u من الوجود.

لقد خلف الانفجار الذري فوق هيروشيما طاقة حرارية، وصفت بأنها كانت كشمس صغيرة تبلغ حرارتها عشرة ملايين درجة مئوية، وتحول بسببها الهواء إلى كرة من نار، زاد ارتفاعها عن كم، وتحول كل شيء في نطاق أربعة كم، إلى رماد خلال ثوان، وتحولت صدمات الصوت إلى موجات ضاغطة تفوق الضغط الجوي ملايين المرات، وتحرك الهواء بسرعة تزيد عن ألف كم/ ساعة.

 ومُحي من الوجود مدن كاملة كانت قائمة بمختلف النشاطات، وتحول في ثوان إلى تراب، وتخلف عن هذا الهلاك مقتل نحو 92 ألف شخص، وإصابة عشرة آلاف آخرين بحروق شديدة، وأصيب مئات الألوف بالعمى، وكان الهلاك في ناجازاكي أشد وطأة حيث لم يبق حجر فوق آخر، بل سويت جميع المباني بالأرض.

وقد يكون ما حدث لقوم لوط u مشابهاً لما وقع في اليابان، أو قد يكون شبيهاً بسلاح تدمير شامل، وقد يكون الإشعاع الذي ظل في منطقة سدوم وعمورة، هو السبب في اختفاء الحياة السمكية في البحر الميت، وأياً كان الأمر فهذا التفسير هو اجتهادات، تحتمل الخطأ والصواب، لكنها تقرب للأذهان فقط عظم ما حدث لقرية قوم لوط، وإن كان من المؤكد أن عقاب الله للظالمين لا يشبه عقاب البشر للبشر، كالذي حدث في اليابان من قبل في هيروشيما وناجازاكي.

 وما الحكمة من القصص القرآني، إلا التدبُّر فيما خلَّفه العصاه من آيات مازالت باقية على الأرض، لتكون آية وعبرة وموعظة للمتقين، مصداقاً لقوله تعالى: ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ[ (الحجر: الآية 75).

وقوله تعالى: )وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (العنكبوت: الآية 35).

وقوله تعالى: )وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ[ (الذاريات: الآية 37).

المثليون ومصيرهم المحتوم

 تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية، إلى أن مرضى نقص المناعة الإيدز، بلغ أكثر من ثلاثة ملايين شخص، أغلبهم من أفريقيا، ومصير أكثرهم هو الموت بعد عزله اجتماعياً بصورة مهينة، وإن كان أصل هذا الداء شذوذاً جنسياً بين القردة، فإن التمسك بحقوق الإنسان بالنسبة للمثليين أشد قبحاً من الشذوذ مع الحيوانات، وما مصير هؤلاء إلا كمثل ما أصاب قوم لوط u، لكنه بصورة أخرى عصرية، هي الإصابة بمرض الإيدز المعروف.