إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحدود الشرعية









سادساً: حد شرب الخمر

سادساً: حد شرب الخمر

1. تعريف الخمر وحكم شربها

الخمر لغة وشرعاً: كل مسكر سواء كان من العنب أو من غيره. وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بقول الرسول r ]كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3733). وذهب بعض أهل اللغة، أن الخمر: ما أسكر من عصير العنب، قال ابن سيده: إن الخمر حقيقة إنما هي للعنب، وغيرها من المسكرات يُسمى خمراً مجازا.

قال ابن حجر: الخمر كل مسكر، سواء كانت من العنب أم من غيره. وقال ابن عبدالبر: وهو قول أهل المدينة، وأهل الحجاز، وأهل الحديث كلهم.

وشرب الخمر من الكبائر المنهي عن تعاطيها بالكتاب والسنة وبالإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ (سورة المائدة: الآيتان 90، 91).

وأما السنة فقول الرسول r ]كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3733).

وقوله ]لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1216).

وقوله r ]لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2295).

وقوله ]مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3366).

وأما الإجماع فقد اتفقت كلمة المجتهدين من السلف والخلف على تحريم شرب الخمر.

وحكمة تحريم تعاطي الخمر هي رغبة المشرع في حفظ عقول البشر، فضلا عن أنها تفسد الأبدان، وتتلف الأموال، الأمر الذي يكون من نتيجته هدم كيان المجتمع.

2. أركان جرم شرب الخمر

لجريمة شرب الخمر ثلاثة أركان، أولها فعل الشرب، وثانيها الشارب، وثالثها القصد الجنائي الواجب توافره لدى الشارب لإمكان عقابه.

أ. فعل الشرب

هو تعاطي الخمر عن طريق الفم فقط، بحيث يصل إلى الحلق، ولو لم يصل إلى الجوف. فإذا كان التعاطي من طريق الفم، ولم يصل إلى الحلق، أو كان عن طريق غير الفم، كالأنف ونحوه، أو الحقن، سواء وصل إلى الحلق أو الجوف، أو لم يصل، فإنه لا يعتبر شربا للخمر يترتب عليه الحد.

ولا خلاف بين الحنفية، والحنابلة، والشافعية، والمالكية، في أن من شرب من نيء عصير العنب المشتد يجب حده سواء شرب قليلا أم كثيرا، وسواء سكر أم لا.

ولكنهم اختلفوا فيمن شرب النبيذ المسكر. فذهب الشافعية، والحنابلة، والمالكية، إلى أن من شرب النبيذ المسكر، قليلا كان أو كثيرا، يجب حده، سكر أو لم يسكر؛ لما رواه مالك عن ابن شهاب عن السائب ابن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب t، خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر t الحد تاماً.

ب. الشارب

لا بد أن يكون الشارب، بالغاً، عاقلاً. ولذا لا عقاب إذا كان الشارب صبياً، أو مجنوناً، وذلك لعدم التكليف. كما أوجب جمهور الفقهاء أن يكون الشارب مسلما لإمكان عقابه.

ولذا لا حد عندهم إذا كان الشارب كافرا، أو ذميا، ولو رضي بحكمنا؛ لاعتقاده إباحة الشرب، ولأنه لم يلتزم بالذمة مالا يعتقده.

كما ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا حد على الحربي، والمعاهد؛ لأنهما لم يلتزما أحكام الإسلام.

ويجب إقامة الحد على الشارب، ذكرا كان أو أنثي، حرا كان أو رقيقا.

وذهب أبو يوسف، ومحمد، والحنابلة، والشافعية، إلى أن السكران الذي يجب عقابه هو الذي يخلط في كلامه، مخالفا عادته حال صحوة، لقوله U ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُون[ (سورة النساء: الآية 43)، ولما روي أن عليا قال: "إذا شرب سكر وإذا سكر هذي"؛ ولأن السكران: هو الذي يكون غالب كلامه الهذيان، واختلاط الكلام، فالسكران في متعارف الناس: اسم لمن هذى في كلامه.

وذهب أبو حنيفة إلى أن السكران الذي يجب عقابه هو الذي لا يعرف السماء من الأرض، ولا الأنثى من الذكر؛ لأن عقوبة السكران حد، والحدود يؤخذ في أسبابها بأقصاها، وأقصى السكر يسلب العقل التمييز بين شي وآخر.

والذي يوافق النصوص ويحقق مقصود الشرع هو ما ذهب إليه الجمهور.

ج. القصد الجنائي

أوجب جمهور الفقهاء، أن يكون الشارب عالماً بتحريم شرب الخمر. فإذا ادعى الشارب الجهل بالتحريم، فإن كان ناشئا ببلد الإسلام لم تقبل دعواه؛ لأن هذا لا يكاد يخفى على مثله، أما إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو ناشئاً ببادية بعيدة عن بلاد الإسلام، قُبل منه ادعاؤه لاحتمال ما ادعاه. وذهب مالك إلى عدم قبول دعوى الجهل بالتحريم؛ لأن ظهور الإسلام وانتشاره يبعد معه جهل تحريم شرب الخمر.

وذهبوا كذلك إلى أنه، يشترط أن يعلم الشارب أن ما يشربه خمر. ولذا لا حد على من جهل أن ما يشربه خمر؛ لأن الشارب في هذه الحالة يكون جاهلا بحقيقة المشروب. وإذا شرب شيئا يعتقد أنه خمر فتبين أنه غير خمر فلا حد عليه، ولكن عليه إثم الإقدام على الفعل.

كما أوجب الفقهاء أن يكون مختاراً، لقوله r ]إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2033).

ولذا لا حد على الشارب المكره، لانعدام الرضا عنده. سواء أُكْرِه بالوعيد من قادر، أو بالضرب، أو أُجبر على شربها بأن يُفتح فمه وتصب فيه.

ويُشترط ألا تكون هناك ضرورة لشربها.

ولذا لا حد على من غص باللقمة، وخاف على نفسه الهلاك. ولم يجد سائلاً يسيغها به، ولو نجسا سوي الخمر، لقوله عز وجل: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة البقرة: الآية 173).

وذهب الحنفية، والظاهرية،والشافعي في رواية عنه،إلى أنه لا حد إذا شُربت الخمر لدفع الجوع أو العطش الشديد الذي يخشى صاحبه الهلاك على نفسه، ولم يجد ما يسد به رمقه أو يزيل به ظمأه، ولو نجسا إلا الخمر، لقوله تعالى: ]وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِين[ (سورة الأنعام: الآية 119).

وذهب المالكية، والشافعي في رواية أخري، والحنابلة، إلى وجوب إقامة الحد في هذه الحالة؛ لأنه لا فائدة في شرب الخمر لدفع الجوع والعطش.

وذهب بعض الحنابلة إلى أن شرب الخمر لعطش ينظر فيه، فإن كانت الخمر ممزوجة بما يروي من العطش، أبيحت لدفعه عند الضرورة كما تباح الميتة عند المخمصة وان كانت صرفاً، أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش، حرمت وعلى شاربها الحد. وهذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب.

وذهب الحنفية، والحنابلة،والمالكية، والشافعي، في رواية عنه، إلى وجوب إقامة الحد على من اضطر إلى شرب الخمر للتداوي، وخاف على نفسه الموت، سواء أكانت الخمر صرفة أم ممزوجة. لما رواه الإمام أحمد عن مخارق ]أن النبي r دخل على أم سلمة وقد نبذت نبيذا في جرة فخرج والنبيذ يهدر فقال النبي r ما هذا، فقالت فلانة اشتكت بطنها فقعت لها فدفعه برجله فكسره وقال r إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء[ (رواه الأمام أحمد). ولما رواه أبو داود عن أبي الدرداء قال، قال رسول الله r ]إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3376).

3. أدلة إثبات جرم شرب الخمر

وهي تنقسم إلى قسمين:

أ. أدلة متفق عليها

وهي الشهادة والإقرار.

(1) الشهادة

(أ) الشروط العامة للشهادة

لقبول الشهادة أوجب فقهاء الحنفية، والحنابلة، والشافعية، أن تؤدى بلفظ أشهد دون غيره من الألفاظ الأخرى، وأن تكون بمعنى الخبر دون القسم. فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ وقال أعلم أو أتيقن لا تقبل شهادته.

والرأي الراجح عند المالكية، أنه يصح أداء الشهادة بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه.

(ب) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

هي البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة.

فلا تُقبل شهادة صبي لم يبلغ بعد، ولا مجنون، ولا معتوه، ولا أنثى ولو مع ذكر، ولا أخرس ولو فُهمت إشارته، ولا أعمى. ولا كافر، ولا رقيق، ولا فاسق، ولا مستور حال، لا تُعلم عدالته، لجواز أن يكون فاسقاً.

وأوجب الفقهاء، أن لا تجر شهادة الشاهد إلى نفسه مغنماً، وأن لا تدفع عنه مغرماً؛ لأن ذلك يورث التهمة التي تدفع شهادته.

(2) الإقرار

(أ) الشروط العامة للإقرار

لا بدأن يكون صريحاً، لا لبس فيه ولا غموض يثير الشك.

وأن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحد. ولذا لا اعتداد بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.

ويكفي الإقرار مرة واحدة، ولا حاجة إلى تعدده؛ لأنه حد لا يتضمن إتلافاً.

(ب) الشروط الواجب توافرها في المقر

أوجب الفقهاء أن يكون المقر في هذا الجرم، بالغا، وعاقلا، ومختارا. ولذا لا اعتداد بإقرار الصبي، والمجنون، والمكره.

أما إقرار الأعمى، والأنثى، والعبد، فيعتد به؛ لأن البصر، والذكورة، والحرية ليست بشروط في الإقرار.

ب. أدلة الإثبات المختلف فيها

ذهب أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والشافعي، والثوري، إلى أن هذا الجرم لا يثبت بالرائحة فقط. أو بالقيء فقط، أو بشهادة واحد بالشرب وآخر بالرائحة أو القيء؛ لأن الرائحة أو القيء قد توجد من غير الخمر، كوجودها من بعض الفواكه.

وذهب مالك إلى صحة الإثبات بوجود الرائحة فقط، ولو لم يشهد أحد برؤية الجاني، وهو يشرب، أو القيء فقط، أو شهادة واحد بالشرب وآخر بالرائحة أو القيء، لما روي عن علقمة قال، كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت فقال عبد الله: والله لقد قرأتها على رسول الله r فقال أحسنت، فبينما هو يكلمه إذا وجد منه ريح الخمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟ فضربه الحد. ولما روي عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب t خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. وإذا ثبتت بالرائحة فقط فبالأولي يثبت بالقيء لنزول الخمر من الجوف، وكذلك يثبت بشهادة واحد مع الرائحة بطريق الأولي.

ويري جمهور الفقهاء عدم قبول الشهادة على الشهادة في إثبات جرم شرب الخمر؛ لأنه قد عهد في التشريع الإسلامي الاحتياط، وزيادة التوثق، والتثبت في الحدود عامة ودرؤها بالشبهات، والشهادة على الشهادة، توجد فيها الشبهة لاحتمال الكذب والغلط في شهود الأصل أو شهود الفرع.

4. عقوبة جرم شرب الخمر

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن حد شارب الخمر الحر، ثمانون جلدة، ذكراً كان أو أنثى.

وذهب أبو ثور، والشافعي في رواية أخري، وداود، وأحمد بن حنبل في رواية ثانية، إلى أن حد الشارب الحر هو أربعون جلدة، دون تفرقة بين ذكر وأنثى، لما روى البخاري ومسلم عن أنس t ]أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ r جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3219).

وقد ذهب جمهور الفقهاء، إلى أن عقوبة الرقيق هي نصف عقوبة الحر، سواء أكان ذكراً أو أنثى.