إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحدود الشرعية









خامساً: حد السرقة

خامساً: حد السرقة

1. تعريف السرقة وحكمها[1].

السرقة هي: أخذ البالغ العاقل الملتزم بحكم الإسلام نصاب القطع خفية من مال معصوم، وإخراجه من حرز غير مأذون له في دخوله، بلا شبهة، وهي من الكبائر.

قال تعالى ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (سورة المائدة: الآية 38).

عن أبي هريرة t أن النبي r قال: ]لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6285). وقال ]أَلا وَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 20170).

وعلة التحريم هي المحافظة على الأموال، وصيانتها من كل اعتداء غير مشروع قد يقع عليها؛ لأنه لو لم يُقم الحد لأدى ذلك إلى كثرة وقوع هذه الجريمة، والإخلال بالأمن العام والنظام في الدولة.

المبحث الأول: أركان جريمة السرقة

2. أركان جريمة السرقة ثلاثة، هي:

أ. الأخذ خفية

يجب أن يكون الأخذ من المجني عليه خفية  واستتاراً، أي دون علم المالك[2].

ولذا لا قطع مطلقاً على المختلس؛ لأنه يأخذ المال عياناً، لا خُفية، وإن وجب التعزير. كما لا قطع على المنتهب؛ لأنه يأخذ المال عيانا بالقوة، وعلى وجه الغنيمة، لا خُفية، وإن استحق التعزير، لما روى جابر أن الرسول r قال: ]لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلا مُنْتَهِبٍ وَلا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1368).

ومثلهما الخائن الذي يأخذ المال المؤتمن عليه، لقصور في الحرز، وإن استحق التعزير. وكذلك الحال بالنسبة لجاحد الوديعة، أو العارية، وإن كان أحمد، وإسحاق يريان القطع فيهما.

ب. المسروق

(1) أن يكون المسروق مالاً:

يجب أن يكون المسروق مالاً. فلا قطع بسرقة الصبي الحر غير المميز، وإن كان عليه حلية، لأن الحر الصغير ليس بمال، كما أن الحلية التي عليه تابعة له فتأخذ حكمه. وذهب أبو يوسف، وابن المنذر، إلى القطع بسرقة الصبي الحر، إذا كانت عليه حلية، تبلغ قيمتها نصاباً، وإلا ضاعت أموال كثيرة تحت هذا الستار.

كما يجب أن يكون المال محترما شرعا. فلا حد في سرقة مال الحربي في دار الحرب. ولا قطع في سرقة خمر وخنزير، ولو لكافر أو لذمي.

كما أنه لا قطع في سرقة آلات اللهو، وإن كانت عليها حلية تبلغ نصابا، كالدف، والطبل، والمزمار، والطنبور، والشبابة، وإن بلغت قيمتها نصابا؛ لأن هذه معازف قد نُدب إلى كسرها؛ لأنها تستعمل في المعاصي.

كما لا قطع بسرقة النرد، والشطرنج، وإن كانت من ذهب أو فضة. ولا في سرقة كتب بدع، أو سرقة كتب محرمة. أما كتب العلم المباحة، فيجب القطع بسرقتها عند الحنابلة، والشافعية؛ لأنها مال حقيقة وشرعاً، أما الحنفية فيرون عدم إقامة الحد على الجاني في هذه الحالة؛ لأن المقصود من سرقتها هو معرفة ما اشتملت عليه من أحكام شرعية، وهو ليس بمال، وكفى بذلك شبهة توجب درء الحد. ولعل الأخذ بالرأي الأول أولى لقوة حجته.

وذهب جمهور الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلى أنه لا قطع مطلقاً بسرقة صليب، أو صنم من الذهب، أو من الفضة، ولا حد في سرقة كلب، ولو كان معلماً أو كان للحراسة، ولو كان في عنقه طوق من ذهب أو فضة، لأن النبي r ]نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2930).

وإذا سرق الجاني عبداً صغيراً لا يميز، وجب إقامة الحد عليه؛ لأن السارق سرق مالاً مملوكاً متقوماً.

أما إذا سرق عبداً كبيراً فأكثر الحنفية، والحنابلة، ذهبوا إلى أنه لا حد عليه، إلا أن يكون العبد نائماً، أو مجنوناً، أو أعجمياً، لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة؛ لأن هذا العمل يعد خداعاً لا سرقة.

وذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا قطع فيما يسرع إليه الفساد، واستدلوا على ذلك بقول النبي r ]لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَر[ٍ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1369)، هذا فضلا عن أنهم قاسوا ما يتسارع إليه الفساد، على ما لم يُحرز؛ بجامع أن كلا منهما يعرض له الهلاك، فكما أنه لا قطع في غير المحرز، فكذلك لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد.

ولذا لا قطع عندهم في الفواكه الرطبة، واللبن، واللحم، والبطيخ، والكمثري، والسمك.

أما أبو يوسف، ومالك، وأحمد بن حنبل، والشافعي، فلا يشترطون ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق مطلقاً، سواء كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد أم لا؛ ولأنهم قاسوا ما يتسارع إليه الفساد على ما لا يتسارع إليه؛ بجامع أن كلا منهما يتمول عادة ويرغب فيه.

وذهب جمهور الحنفية إلى أنه لا قطع في سرقة المصحف، ولو كان عليه حلية من ذهب أو فضة تساوي ألف درهم؛ لأن المصحف يدخر لا للتمول بل للقراءة. وذهب أبو يوسف إلى وجوب إقامة الحد إن بلغت الحلية نصاباً. وذهب الحنابلة إلى أنه لا قطع بسرقة مصحف؛ لأن المقصود منه هو ما فيه من كلام الله تعالى، وهو لا يجوز أخذ العوض عنه، كما نبهوا كذلك إلى أنه لا يقطع بما عليه من حلي؛ لأنه تابع لما لا حد فيه. وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه يجب القطع إن بلغت قيمة المصحف نصاباً؛ لأنه سرق مالا متقوماً من حرز لا شبهة فيه.

ويجب أن يكون المال المسروق مملوكاً للغير وقت السرقة. ولذا لا قطع بسرقة الجاني ماله الذي بيد غيره، وإن كان مرهوناً، ولا بسرقة المسلم من بيت المال؛ لأنه مال لكافة المسلمين وهو منهم وإن عُزر.ولا بسرقة مال للسارق له فيه شركة؛ لأن ثبوت ملكه في بعض المال شبهة تدرأ الحد.

وعند الحنفية لو أُوصي للسارق بشيء، فسرقه قبل موت الموصي وجب القطع، ولكن إن سرقه بعد موته، وقبل القبول، لا يحد.

(2) بلوغ النصاب

لا بد أن يبلغ المال المسروق نصابا فأكثر، قال رسول الله r ]لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3190) ولإجماع الصحابة على اعتبار النصاب شرطا لوجوب القطع في هذا الجرم، وذهب الحسن البصري، وداود، وغيرهما إلى اشتراط النصاب فيقطع عندهم، في القليل والكثير على السواء لإطلاق الآية، ولما رواه مسلم عن أبي هريرة t أنه قال، قال رسول r ]لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ[ (صحيح البخاري، الحديث 6285).

ولعل الراجح أن النصاب الذي يجب بسرقته القطع هو ربع دينار فصاعداً، من غالب الدنانير الجيدة، أو ما قيمته ذلك؛ لأن هذا المقدار أقل ما تتعلق النفس به، ويصعب عليها إخراجه من غير وجه حق.

ولا خلاف بين الفقهاء في إقامة الحد على الجماعة إذا اشتركوا في السرقة وبلغ ما خص كل واحد من المال المسروق نصابا فأكثر. وإنما اختلفوا فيما إذا لم يبلغ حظ الواحد منهم نصابا. والذي يتفق مع التشريع وجوب إقامة الحد حتى ولو أصاب كل واحد منهم أقل من النصاب، لأن من اشترك في اقتراف جرم فعليه عقوبته المقررة.

وذهب، الجمهور، إلى أن الشيء المسروق، إذا كانت قيمته، وقت الإخراج من الحرز نصاباً، ثم نقصت عنه عند الحكم بالحد، وكان النقص بسبب تغيير ذات المسروق لتلف فيه، أو لتغير الأسعار، اعتبرت قيمته وقت الإخراج لا غير، وقطع سارقه.

(3) الأخذ من الحرز

اتفق جمهور الفقهاء على وجوب أخذ النصاب المسروق من حرزه؛ لأن النصاب غير المحرز ضائع بتقصير صاحبه.

والحرز هو الموضع الحصين الذي يُحفظ فيه المال عادة، بحيث لا يعد صاحبه مضيعا لو وضعه فيه.

وهو على نوعين:

(أ) حرز بنفسه: وهو كل بقعة معدة للإحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بالإذن، وهو لا يشترط فيه وجود الحافظ.

(ب) وحرز بغيره: وهو كل مكان غير معد للإحراز، يُدخل إليه بلا إذن ولا يمنع منه، ولا يعطي حكم الحرز إلا إذا كان عليه حافظ، وهو يختلف باختلاف العادات، ونوع المال المراد حفظه، والبلدان، وباختلاف عدل السلطان وجوره وقوته.

فإذا أخذ الجاني ما قيمته نصاباً من غير حرز، أو أخذ مالاً ضائعاً من صاحبه، أو أخذ من حرز مهتوك، أو أخذ من خيمة لم يكن فيها أحد، ولا عندها حارس، أو أخذ إبلا باركة غير معقولة، وكان حافظها نائماً أو مشغولاً عنها، أو أخذ إبلاً لم يكن معها أحد سواء كانت معقولة، وكان حافظها نائماً أو مشغولاً عنها، أو أخذ إبلاً لم يكن معها أحد سواء كانت معقولة أو لم تكن كذلك، أو أخذ إبلا راعية غابت عن نظر راعيها، أو نام عنها، أو أخذ من حمام لا حافظ فيه، أو أخذ فاكهة على شجر، أو زرعاً لم يُحصد بعد، فلا يجب حد السرقة عليه؛ لفوات شرطه وهو عدم إحراز الشيء المسروق، وإن كان يعزر بالأخذ في هذه الحالات، ويضاعف عليه الغرم في بعضها.

وأما إذا أخذ الجاني الثوب من تحت رأس المجني عليه، فهنا يجب توقيع حد السرقة على الآخذ؛ لأنه سرق من محرز بالنوم، ولأن النوم على الثوب مانع من أخذه غالباً، سواء أوقع الفعل في الصحراء، أو في المسجد: ]عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ r فَقَالَ إِنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 4798).

وقد أوجب الفقهاء ألا يكون الجاني مأذونا بدخول الحرز الذي تمت فيه السرقة.

ولذا لا قطع على الضيف عند، الحنفية، وأحمد بن حنبل، إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزاً في حق الضيف؛ لكونه مأذوناً له في دخوله.

وفرق بعض الفقهاء بين ما إذا سرق الضيف من الموضع الذي أنزله فيه المضيف، أو لم يحرزه عنه، وبين ما إذا سرق الضيف من موضع غير الموضع الذي أنزل فيه، أو سرق من مال أُحرِز عنه. ففي الحالة الأولى لا يجب القطع لأن الشيء المسروق لم يسرق من حرز، وفي الحالة الثانية يجب القطع، لأن الضيف سُرق من حرز.

ومن سرق من منزل يحل له دخوله، كمن سرق من امرأة ابنه، أو زوج ابنته، أو زوج أمه، أو امرأة أبيه، لا يقام عليه الحد؛ لافتراض الإذن بالدخول عادة في تلك الأحوال، وإن وجب التعزير.

(4) عدم توافر الشبهة في المسروق

لثبوت حد السرقة يجب ألا يكون للجاني شبهة في المال المسروق، لقوله r ]ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1344).

ولذا لا يقطع من سرق مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد في مال والده، وله حق الدخول في بيته، والبساطة بينهما في المال موجودة.

كما أنه لا قطع في سرقة الوالد مال ولده[3]. وإن نزل، لوجود الشبهة في هذه الحالة، لقوله ]أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2282).

أما بقية الأقارب، كالأخوة، والأخوات، والأعمام، والأخوال، فيحدون بسرقة بعضهم من بعض؛ إذ لا شبهة، ولا إباحة في الاطلاع على الحرز، ولا بساطة في المال بينهم، خلافا لبعض الحنفية في سرقة ذوي الأرحام.

ولا قطع كذلك إذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر، ولو أحرزه عنه؛ لوجود الإذن في الدخول عادة فاختل شرط الحرز، وللبساطة بينهما في الأموال عادة، ولأن بينهما سبباً يوجب التوارث بغير حجب.

أما مالك فقد فرق بين حالة الزوج إذا سرق من بيت سوى البيت الذي هما فيه، وحالة ما إذا سرق من البيت الذي هما فيه، ففي الحالة الأولى يجب إقامة الحد، وفي الثانية لا يقام الحد.

أما إذا كانت الزوجة مطلقة طلاقاً بائناً، وهي في العدة، وسرق أحد الزوجين الآخر، ففي ذلك خلاف. ففريق ذهب إلى أنه لا يُقطع كل منهما بسرقة مال الآخر، وفريق آخر ذهب إلى وجوب القطع، أما إذا كانت السرقة قد تمت بعد انتهاء العدة، فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب إقامة الحد.

وقد ذهب جمهور الحنفية إلى أنه، لو سرق الجاني من أجنبية ثم تزوجها قبل أن يقضي عليه بالقطع، لم يُقم عليه الحد؛ لأن الزواج مانع طرأ على الحد، وإن تزوجها بعد القضاء بالحد وقبل تنفيذ الحد فكذلك لا يقام عليه الحد؛ ذلك لأن الإمضاء عندهم في الحدود من تمام القضاء، فكانت الشبهة مانعة من الإمضاء.

ولو سرقت المرأة من زوجها، أو سرق هو منها، ثم طلقها قبل الدخول بها، فبانت بغير عدة لم يُقطع واحد منهما؛ لأن السرقة وقعت مع وجود الشبهة.

ولا قطع كذلك إذا سرق العبد من مال سيده، لما روى ابن عباس ]أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ r فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ مَالُ اللَّهِ U سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2580).

وكذلك لا قطع إذا سرق العبد من امرأة سيده، أو سرق زوج سيدته، لوجود الشبهة.

ج. القصد الجنائي

ذهب الجمهور، إلى أن مقترف جرم السرقة الذي يقام عليه الحد يجب أن يكون: مكلفاً وقت اقتراف الجرم. أي يجب أن يكون بالغاً، عاقلاً، مختاراً، ذكراً أكان أو أنثي، حراً كان أو عبداً، كافراً كان أو مسلماً، ولا حد على الصبي والمُكْرَه والنائم والمغمى عليه. ولا حد على الحربي غير المستأمن.

كما يجب على الجاني أن يكون عالماً بتحريم إتيان هذا الفعل؛ لأن عدم العلم شبهة تدرأ الحد.

3. أدلة إثبات جريمة السرقة (الشهادة ـ الإقرار)

السرقة تثبت عند القاضي، إما بالإقرار، وإما بالشهادة. ولا تثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بعلم القاضي الشخصي، ولا بكتاب القاضي للقاضي.

أ. الشهادة

(1) الشروط العامة للشهادة

أوجب الفقهاء أن تُؤدى الشهادة بما يفيد معني الخبر، وأن تكون عن علم ويقين، لا عن ظن وتخمين، لقوله تعالى: ]وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً[  (سورة الإسراء: الآية 36) في مجلس القضاء، لا في غيره، وأن يشهد بذلك شاهدان، فإذا اختلفا في الوقت الذي حصلت فيه السرقة، أو مكان وقوعها، أو في الشيء المسروق، لم يجب القطع.

أوجب جمهور، الحنفية، والحنابلة، والشافعية ، أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد بمعنى الخبر، دون غيره من الألفاظ. فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ، لا تقبل شهادته.

أما الراجح في مذهب المالكية، فهو صحة الأداء بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه، ولعل هذا الرأي أقرب إلى الصواب من سابقه.

ويجب أن يُسأل الشاهد عن ماهية السرقة، وكيفتها، لاحتمال أن يكون السارق قد سرق من غير حرز، وعن مكانها لاحتمال وقوعها في دار الحرب أو في دار البغي، وعن زمانها لاحتمال تقادم العهد، وعن قيمتها لاختلاف الفقهاء في ذلك، وعن المسروق منه لجواز أن يكون المسروق منه أحد الزوجين، أو أحد الأصول، أو أحد الفروع.

واتفق الفقهاء على أن جرم السرقة لا يثبت إلا بشهادة شاهدين.

ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة رجل واحد، ولو مع يمين المسروق منه، أو بشهادة رجل وامرأتين، أو بشهادة رجل وثلاثة نساء، أو بشهادة أربع نساء، خلافا لبعض الفقهاء.

(2) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

يرى جمهور الفقهاء أنه يجب أن يتوافر له وقت الأداء، البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاختيار. ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة النساء منفردات، أو مع رجال، ولا بشهادة الصبي، أو الأعمى، أو الفاسق، أو المجنون، أو المكره، أو الأخرس؛ لأن في هذه الشهادات شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.

وأوجب الحنفية، خلافاً لجمهور الفقراء، ألا يكون الشاهد محدودا في قذف وإن تاب، لقوله U:]وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ (سورة النور: الآية 4).

كما أوجب الفقهاء ألا يكون هناك صلة قوية، بين الشاهد والمشهود له، وألا تجر شهادته إلى نفسه مغنما، وألا تدفع عنه مغرما؛ وإلا يصير الشاهد متهماً، ولا شهادة لمتهم.

فإذا ما توافر في الشاهد كل هذه الشروط، أدي شهادته في جرم السرقة، دون يمين، عند بعض الفقهاء الذين يرون أن تحليف الشاهد اليمين ينافي إكرامه. ويرى البعض الآخر من الفقهاء وجوب تحليف الشاهد اليمين للتأكد من صدقه، مع توافر الشروط السابق الإشارة إليها.

ب. الإقرار

(1) الشروط العامة للإقرار

لكي يعتد بالإقرار في جرم السرقة، يجب أن يكون صريحاً، دون لبس أو غموض، يجعله محتملاً للتأويل أو مثيراً للشك؛ لأن الإقرار الذي يحتمل التأويل أو يثير الشك يورث شبهة تدرأ الحد. ويجب أن يكون الإقرار الصادر موافقاً للحقيقة والواقع، لتزول الشبهة ويثبت الحد.

وأوجب جمهور الفقهاء أن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحد. ولذلك لا اعتداد على الإطلاق بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.

ويكتفي أبو حنيفة، والشافعي، ومحمد، وعطاء، والثوري، ومالك في رواية عنه، بالإقرار مرة واحدة ولا حاجة لتكراره؛ لأن عمرو بن أبي سمرة أتى النبي r فقال: ]يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَرَقْتُ جَمَلاً لِبَنِي فُلَانٍ فَطَهِّرْنِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ النَّبِيُّ r فَقَالُوا إِنَّا افْتَقَدْنَا جَمَلًا لَنَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2578). أما أحمد بن حنبل، وزفر، وأبو يوسف، ومالك في رواية أخرى، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فإنهم لا يكتفون بصدور الإقرار مرة واحدة، وإنما يوجبون تكراره مرتين في مجلسين مختلفين للاعتداد به.

ولعل الأخذ بالرأي الأول أولى؛ لأن الإقرار إخبار والخبر لا يزيد رجحانا بالتكرار.

وإذا رجع المقر عن إقراره قبل القطع، فإنه يُقبل رجوعه، ويسقط القطع لوجود الشبهة بالرجوع، وإن لم يسقط غرم المسروق؛ لأنه حق لآدمي، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء. وذهب ابن أبي ليلى، وداود، إلى عدم قبول رجوع المقر عن إقراره؛ لأنه لو أقر لآدمي بقصاص أو حق لم يقبل رجوعه عندهما، فكذلك إقراره بالسرقة.

وقد اشترط أكثر، الحنفية، والحنابلة، والشافعية، لقبول الإقرار أن يطالب المسروق منه بماله، لأن عدم مطالبته بالمسروق شبهة تدرأ إقامة الحد.

أما المالكية، وأبو يوسف، وأبو ثور، وابن المنذر، فلم يشترطوا المطالبة في قبول الإقرار؛ لأن الله تعالى أمر بالقطع مطلقاً طالب المسروق منه بماله أو لا، ولم يوجد ما يصلح مخصصاً لهذا العموم.

والذي يظهر أن الأخذ بالرأي الأول القائم على عدم سماع الإقرار قبل مطالبة المسروق منه بماله، أولى؛ لجواز أن يكون عدم مطالبة رب المال راجع إلى أنه قد أباحه للسارق أو أوقفه على جماعة المسلمين، أو على طائفة السارق منهم، أو أباح دخول الحرز بلا إذن، وهذه الاحتمالات كلها تمنع من إقامة الحد، والتحقق من عدمها لا يكون إلا بمطالبة المسروق منه بماله.

(2) الشروط الواجب توافرها في المقر

أوجب جمهور الفقهاء أن يكون المقر مكلفا. أي عاقلاً، بالغاً، ناطقاً، مختاراً.

4. عقوبة جريمة السرقة في التشريع الإسلامي

أ. القطع

اتفق الفقهاء في التشريع الإسلامي على أن القطع هو عقوبة جرم السرقة، وذلك لقوله U ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم[ (سورة المائدة: الآية 38). إلا أنهم مع هذا اختلفوا في العقوبة الواجبة التطبيق، إذا ما عاد الشخص وسرق، بعد تنفيذ العقوبة عليه، في المرة الأولى والثانية.

واتفقوا كذلك على أن من سرق مراراً، قبل إقامة الحد عليه، ليس عليه إلا حد واحد عن جمعيها.

كما أجمعوا على تحريم الشفاعة في قطع السارق بعد الرفع للحاكم، لما رواه النسائي، وأبو داود، عن عبد الله بن عمر t، أن الرسول r ]تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 4803). أما قبل الرفع فيرى جمهور الفقهاء، جواز الشفاعة. سواء اشتهر السارق بالشر والأذى أو لا. وذهب مالك إلى عدم جوازها، إذا اشتهر السارق بهما، لأن من اشتهر بالشر والأذى لا ينبغي الرحمة به والشفقة عليه.

واتفق الفقهاء على وجوب رد المسروق إلى المجني عليه، إن كان قائما، وعلى وجوب ضمانه إذا تلف ولم يُقطع فيه الجاني لمانع.

إلا أنهم اختلفوا في وجوب ضمانه، إذا تلف وقد قطع فيه سارقه. فالحنفية، ذهبوا إلى عدم وجوب الضمان مطلقاً، موسراً، كان السارق أو معسراً، تلف المسروق بهلاك أو استهلاك، لأن الله U لم يذكر في الآية الكريمة غير القطع جزاء. فوجوب الغرم زيادة على النص. وفرق المالكية، بين الموسر والمعسر فأوجبوا الضمان في حالة ما إذا كان الجاني موسرا، ولم يوجبوه إذا كان معسرا، لأن تضمين المعسر لما سرق فيه عقوبة له وقطعه عقوبة أخرى، ولا تجتمع عقوبتان على شخص واحد لجرم واحد.

وذهب الحنابلة، والشافعي، والنخعي، وحماد، إلى وجوب الضمان مطلقا تلف المسروق بهلاك أو استهلاك، لقول النبي r ]عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1187). وبقياس المسروق على المغصوب؛ بجامع أن كلاهما مال قد تعلق به حق الغير، فكما أن المغصوب يجب رد عينه إذا كان قائما، وضمانه إذا كان تالفا، فكذلك المسروق يجب رد عينه إذا كان قائما وضمانه إذا كان تالفا.

ومذهب الشافعية والحنابلة ومن وافقهم هو الأصوب، لما فيه من المحافظة على أموال الناس وعدم ضياعها، وهذا أقرب لمقصود الشريعة في تحريم السرقة ومعاقبة فاعلها.

كما أجمعوا على أنه لا قطع بالسرقة عام المجاعة، لأن الضرورة تبيح التناول من مال الغير بقدر الحاجة، لأن عمر بن الخطاب t فعل ذلك في عام المجاعة.

ب. موضع تنفيذ عقوبة القطع

(1) في السرقة الأولى

اتفق جمهور الفقهاء على أن من ثبت عليه جرم السرقة لأول مرة يجب قطع يده اليمنى، إذا كان صحيح الأطراف. فإذا لم تكن اليد اليمنى غير صحيحة أو مقطوعة قُطعت رجله اليسرى.

مكان القطع من اليد:

قال جمهور الفقهاء: مكان القطع في اليد هو من الكوع[4]. أو مفصل الزند (الرسغ) واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة سارق رداء صفوان بن أمية وفيه: "ثم أمر بقطعه من المفصل" (رواه الدارقطني). وقال بعض الفقهاء بقطع الأصابع فقط.

(2) موضع التنفيذ في السرقة الثانية

إذا عاد من قطعت يمناه، واندمل قطعه، إلى اقتراف جرم السرقة مرة ثانية، وجب قطع رجله اليسرى.

موضع القطع من الرجل:

عن الجمهور: القطع من مَفْصل القدم، واستدلوا بفعل الخليفة عمر بن الخطاب t، "أنه كان يقطع الرجل من المفصل"، وذهب بعض الفقهاء إلى أن القطع من خنصر القدم ويبقي للسارق الكعب ليعتمد عليه لأنه فعل علي بن أبي طالب t.

وبعد القطع، أوجب بعض الفقهاء الحسم على القاطع، خشية الإتلاف والهلاك[5].

(3) موضع التنفيذ في السرقات التالية

أثارت العقوبة الواجب توقيعها على الشخص المقترف لجرم السرقة بعد توقيع الحد عليه في المرة الثانية، جدلا كبيرا بين الفقهاء.

فالحنفية، والحنابلة، والإمامية، يرون أنها الحبس والضرب حتى تظهر توبته أو يموت، وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه إذا عاد السارق لاقتراف هذا الجرم للمرة الثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق مرة رابعة قطعت رجله اليمنى.

والذي يظهر أن الاقتصار في عقوبة السرقة على قطع اليد اليمني والرجل اليسرى هو الأولى بالاتباع، لأن في قطع جميع أطراف السارق إتلاف لمنافعه، وحرمانه من القدرة على الوضوء والصلاة، وذلك مما تأباه الشريعة الإسلامية.



[1] السرقة لغة هي أخذ الشيء من الغير خُفْية.

[2] الأخذ خفية إما أن يكون مباشرا، وإما أن يكون بالتسبب، والأخذ المباشر يتوافر بتولي السارق أخذ المسروق وإخراجه من الحرز بنفسه، أو أن يؤدي فعله مباشرة إلى إخراج، أما الأخذ بالتسبب فلا يباشر فيه السارق إخراج المسروق من الحرز بنفسه وإنما يؤدي فعله بطريق غير مباشر إلى إخراج المسروق.

[3] وإن كان داود أوجب القطع في هذه الحالة.

[4] الكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام. ويقابله الرسوع وما بينهما رسغ.

[5] الحسم: هو أن يغلى الزيت غلياً جيداً، ثم يغمس فيه موضع القطع لتنحسم العروق، وينقطع الدم؛ وذلك لمصلحة السارق؛ لأن الحد للزجر وليس للهلاك.