إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحدود الشرعية









المقدمة

مقدمة

ما تنزلت الشرائع إلا لتنظيم علاقات الناس، وصيانة مصالحهم العامة والخاصة، وإقامة العدل، ومنع العدوان بينهم. ومن أهم خصائص التشريع العملي أنه إلزامي يجب أن يخضع له المكلفون، ويلتزموا أوامره ويجتنبوا نواهيه، ويلتزموا الجادة التي خطها لهم في أعمالهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم العامة، سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب. فلكي يكون التشريع التنظيمي محترماً مُطاعاً في أمره ونهيه، يجب أن يكون إلى جانبه من الأحكام والترتيبات ما يضمن له هذه الحرمة، ويلجئ الناس إلى طاعته. وذلك بأن يرتب الشارع، على المخالفة لأمره، ما يجعل الطريق المخالف وعر المسالك، عقيم المساعي بحيث لا يجد الإنسان الثمرة التي يبتغيها من عمله ومسعاه، إلا في سلوك الطريق الشرعي. وإلا فإن التشريع يكون فاقداً صفته الإلزامية، أشبه بالمواعظ الإرشادية منه بالقوة الملزمة.

ومن ثم فإن الأحكام، لا تقتصر على تنظيم علاقات الناس، ومصالحهم، بل هي تؤيد أصل الشرع المنظم لهذه العلاقات والمصالح، وتسعى إلى إلجاء الناس إلى طاعته في أمره ونهيه، وهي ما تسمى في اصطلاح الحقوق الحديثة؛ مؤيدات. ذلك لأنها تؤيد التشريع، أي تكسبه القوة اللازمة، وقد تسمى كذلك: ضوامن، لأنها تضمن هذه الطاعة للشرع.

وعند بعض فقهاء الإسلام تسمى زواجر لأنها تزجر عن تنكب جادة الشرع، ومخالفة أوامره.

وتسمى في اصطلاح القانونيين الجزاء. وتسمى، كذلك، قانون العقوبات.

وعلى ذلك فإن أحكام التشريع نوعان:

·   أحكام أصلية: وهي التي يتكون منها نظام الشريعة المنظم لمصالح الناس، وعلاقاتهم، ومعاملاتهم.

·   أحكام تأييدية: لأجل تلك الأحكام الأصلية.

فالمؤيدات بالنسبة إلى أصل التشريع كالجيش بالنسبة إلى البلاد يرعى مصالحها، ويذود عنها، ويحمي حدودها.

تنقسم المؤيدات التأديبية في الشريعة الإسلامية، وهي العقوبات الزاجرة، إلى نوعين أساسيين:

الأول: عقوبات مقدّرة: وهي التي حدّدها الشارع وقدّرها بالنص الصريح، ولم يترك لولاة الأمر رأياً في التصرف في أنواعها ومقاديرها، وهي نوعان:

أ. عقوبة مقدرة شرعاً، لا يدخلها العفو، وهي الحدود.

ب. عقوبة مقدَّرة شرعاً، يدخلها العفو، وهي القصاص.

الثاني: عقوبة مفوَّضة: وهي التي لم يحدد التشريع الإسلامي لها مقداراً معيناً، بل فوَّضها لولاة الأمور، وهي ما تسمى التقرير.

أولاً: تعريف الحد

1. تعريف الحد في اللغة

اتفقت كتب اللغة في تعريفها للحد على أنه يعني "المنع" لغة، فقد جاء في لسان العرب "أصل الحد المنع، والفصل بين الشيئين"[1].

2. تعريف الحد شرعاً

وهي: العقوبات المفروضة على من ارتكب ما نُهي عنه مثل حد السارق (القطع)، وحد الزاني (الجلد)، وسُميت هذه حدوداً لأنها تحد، أي تمنع، من إتيان ما جُعلت عقوبات فيها، وسُميت حدوداً، كذلك، لأنها نهايات نهى الله عن تعديها.

فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام، فمنها ما لا يُقرب، كالفواحش المحرمة، وفيها ورد قوله تعالى ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا[ (سورة البقرة: الآية 187)، ومنها ما لا يُتعدى كالمواريث المعينة، وتزويج الأربع. قال تعالى ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 229)[2].

3. الحدود في القرآن

ورد لفظ (الحد) في القرآن الكريم (14) مرة. وأمر الله U في كتابه الكريم بإقامة الحدود، كقطع السارق، وجلد الزاني، وقتل القاتل، والقصاص في الجروح، ونحو ذلك (مما سيأتي مفصلاً).

4. الحدود في السنة النبوية

وردت (الحدود) في السنة النبوية في كثير من المواضع، وهي لا تخرج عن معاني الحدود في القرآن الكريم، مع مزيد من بيان الأحكام، ومقادير الديات ونحو ذلك (مما سيأتي مفصلاً).

ثانياً: تعريف جرائم الحدود

جرائم الحدود: هي تلك الجرائم التي فرض الشارع لها عقوبة محددة تجب حقاً لله تعالى، من أجل دفع الفساد عن الناس، وتحقيق الصيانة والسلامة لهم. وهي في التشريع الإسلامي: الزنى، والسرقة، والقذف، وشرب الخمر، وقطع الطريق، وزاد بعض الفقهاء الردة، والبغي.

ولذا فالجرائم التي لم يقدر الشارع لها عقوبة، كالغصب، لا تعد جرائم حدية، وكذلك التي تجب عقوبتها حقا للعبد، كالقصاص لا تعد جرائم حدية وإن كانت عقوبتها مقدرة.



[1] وسميت الحدود بين المواضع والبلدان والدول للسبب نفسه؛ فهي ( تفصل ) بين الشيئين، وتمنع من الاعتداء على أملاك الآخرين واستعمالها. وسمي السجان: حداداً لأنه يمنع المسجونين من الخروج. والمحدود: هو المحروم لأنه مُنع من أشياء. والحد: الصرف عن الشيء، فيقال: حده عن الأمر: أي صرفه عنه وكفه، وهذا قريب من المعنى السابق وهو المنع.

[2] الحدود من حيث العقوبة الدنيوية والأخروية قسمان؛ فالحدود الدنيوية كحدود السرقة والزنى والخمر، والحدود الأخروية ما توعد الله عليها من العذاب، مثل بعض الذنوب الكبيرة، كأكل الربا وعقوق الوالدين والظلم. واللمم ( صغار الذنوب) هي ما ليس فيه حد في الدنيا، ولا وعيد بالعقوبة في الآخرة.