إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

الفصل الثاني

أهمية الفَتْوَى، وخطر الإفتاء بغير علم

كان الناس، في زمن النبي، يسألونه عن كل شيء: عن الساعة، وعن الروح، وعن الجبال، وعن المحيض، وعن الأهلة، وعن الخمر والميسر، وعن اليتامى... وغير ذلك كثير. فيجيبهم، بما يوحي به الله إليه. مصداقاً لقوله تعالى: )وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( (النحل: 44). فجاءت فتاويه جوامع للأحكام، واجب على الأمة اتّباعها. ولا يحلّ لمسلم العدول عنها، ما وجد إليها سبيلاً. وقد أمر الله بالعودة إليها، حيث يقول: )فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( (النساء: 59).

وبعد وفاة النبي، مسّت الحاجة إلى من يجيب عن استفسارات الناس، في أمور دينهم ودنياهم. إذ على الرغم من وجود القرآن والسنّة، بين أيدي الناس جميعاً؛ إلاّ أنه ليس في إمكان جميعهم معرفة الشرع، من دون وجود من يدلهم عليه، ويبين حلاله وحرامه. لهذا، كان لا بدّ من وجود طائفة، تتفقه في أمور دينها، وتفقه الناس فيها؛ قال ـ تعالى ـ: )فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( (التوبة: 122). وذلك حتى لا يتخبط الناس في دينهم، (فيقعون في الحرام، ويجتنبون الحلال) ، ويرتكبون المعاصي من حيث لا يشعرون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

ونظراً إلى أهمية الفَتْوَى؛ إذ هي ميزان الشريعة في المجتمع، فقد حرم الله ـ عزّ وجلّ ـ القول عليه بغير علم، وجعله من أعظم المحرمات: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ( (الأعراف: 33).

فرتب المحرمات أربع مراتب. وبدأ بالفواحش، وثنّى بما هو أشد تحريماً منها، وهو الإثم والظلم؛ فثلث بما هو أعظم تحريماً منهما، وهو الشرك به؛ ثم ربّع بما هو (أشبه بالشرك) ، وهو القول عليه بلا علم. وقال تعالى: )وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( (النحل: 116، 117).

يتوعّد الله المتقولين على أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه، هذا حرام، ولما لم يحله، هذا حلال. وهذا بيان منه، أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام، إلاّ بما علم أن الله أحله وحرمه. كذلك رهّب النبي من ليس أهلاً للفَتْوَى من التصدر لها، ذلك الذي "يفتي في المسألة، لو وردت على صحابي جليل، لجمع لها إخوانه من بقية الصحابة؛ فقال: )مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ( (أبو داود: 3172). ورهّب أهل الفَتْوَى من التسرع والجرأة عليها، فقال: )أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ( (الدارمي: 152). ورهّب الناس من ترك العلم، حتى لا يتصدر الجهال للفَتْوَى، فقال: )إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ. وَلَكِنْ، يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا( (البخاري: 98). وقال بعض السلف: ليتق أحدكم، أن يقول: أحلّ الله كذا، وحَرّم كذا؛ فيقول الله له: كذبت، لم أحلّ كذا، ولم أحَـرّم كذا.

وكان السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، يكرهون التسرع في الفَتْوَى. و"كانوا يقولون: أجرؤكم على الفتيا أقلّكم علماً. وقد قال ابن مسعود: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه، لمجنون. وودّ كلّ واحد منهم، لو أن أخاه يكفيه إياها. فإذا رأى أنها تعينت عليه، جهد في معرفة حكمها، من الكتاب والسنّة، ثم أفتى. قال سفيان الثوري[1]: "أدركنا الفقهاء، وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بداً من أن يُفتوا. وإذا أعفوا منها، كان أحب إليهم". وقال ابن أبي ليلى[2]: "أدركت مائة وعشرين من الأنصار، من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول. وما منهم من أحد يحدث بحديث، أو يسأل عن شيء، إلاّ ود أن أخاه كفاه". وقال أبو حسين الأزدي[3]: "إن أحدهم يفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها، أهل بدر".

وكان كثير من الأئمة يتورعون عن قول: حرّم الله كذا، وأحلّ كذا؛ حتى لا يتعرضوا للوعيد المذكور في الآية الكريمة. وكانوا يقولون: أُحب كذا وأكره كذا، ويعجبني كذا ولا يعجبني كذا. كما قال الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ في الجمع بين الأختَيْن بملك اليمين (أي أن تكونا أختَيْن فيشتريهما رجل واحد؛ فيستمتع بهما): أكرهه، ولا أقول هو حرام؛ ومذهبه تحريمه. وقال أبو القاسم الخرقي[4]، في ما نقله عن أحمد: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة؛ ومذهبه أنه لا يجوز. وقال: لا يعجبني المكحلة والمرود، من الفضة. وقد صرح بالتحريم، في عدة مواضع؛ وهو مذهبه. وَسُئل عَمَّنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ . فَقَالَ: لا أتَكَلَّمْ فِي هَذَا، الإِمْسَاكُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى اشْتِغَالِ الإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ عَنْ لَعْنِ غَيْرِهِ . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: )قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثُ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً( (مسلم: 4704). وقال أبو يوسف[5] ومحمد[6]: يكره النوم على فرش الحرير، وتوسد وسائده؛ ومرادهما التحريم. وقد نص الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ على كراهة الشطرنج؛ وهذا عند أكثر أصحابه على التحريم. وحمله بعضهم على الكراهة، التي هي دون التحريم.

وقال الإمام الشافعي ـ يرحمه الله ـ في اللعب بالشطرنج، إنه لهو شبه الباطل: أكرهه، ولا يتبين لي تحريمه. وقد كان الإمام مالك يقول في ما يجتهد فيه برأيه: إن نظن إلاّ ظناً، وما نحن بمستيقنين.

قال الحافظ بن رجب[7]: ومن عدم طلب الشرف بالدِّين، كراهة السلف الصالح الجرأة على الفتيا، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها. وسُئل عمر بن عبدالعزيز عن مسألة، فقال: "ما أنا على الفتيا بجريء". وكتب إلى بعض عماله: "إني والله ما أنا بحريص على الفتيا ما وجدت منه بدّاً، وليس هذا الأمر لمن ود أن الناس احتاجوا إليه، وإنما هذا الأمر لمن ود أنه وجد من يكفيه". وعنه أنه قال: "أعلم الناس بالفَتَاوَى أسكتهم، وأجهلهم بها أنطقهم".

وقال الإمام أحمد: من عَرَّض نفسه للفتيا، فقد عرضها لأمر عظيم؛ إلاّ أنه قد تلجئ إليه الضرورة. قيل له: فأيهما أفضل الكلام أم السكوت؟ قال: الإمساك أحَبّ إليَّ. قيل له: فإذا كانت الضرورة؟ فجعل يقول: الضرورة، الضرورة، الإمساك أسلم له. وقال عمرو بن دينار[8] لقتادة[9]، لمّا جلس للفتيا: أتدري في أي عمل وقعت؟ وقعت بين الله وبين عباده. وقلت: هذا يصلح، وهذا لا يصلح.

وكان ابن سيرين[10]، إذا سُئل عن الشيء، من الحلال والحرام، تغيّر لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان. وكان النخعي يُسأل، فتظهر عليه الكراهة، ويقول: ما وجدتَ أحداً تسأله غيري؟ وقال: قد تكلمتُ، ولو وجدت بداً ما تكلمت، وإن زماناً أكون فيه فقيه أهل الكوفة لزمان سوء. وقال بعض العلماء لبعض المُفْتِين: إذا سُـئلت عن مسألة، فلا يكن همّك تخليص السائل؛ ولكن تخليص نفسك، أولاً. وسُئل الشافعي عن مسألة، فسكت. فقيل: "ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب". وأُثر عنه، أنه قال: "ما رأيت أحداً، جمع الله فيه، من آلة الفتيا، ما جمع في ابن عيينة. وما رأيت أسكت عن الفتيا منه".

قال الخطيب البغدادي[11]: "وقلّ من حرص على الفَتْوَى، وسابق إليها، وثابر عليها، إلاّ قلَّ توفيقه، واضطرب في أمره. وإذا كان كارها لذلك، غير مختار له، وما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره، كانت المعونة له، من الله، أكثر، والصلاح، في فتواه وجوابه، أغلب". وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن سمرة: )يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا. وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا. وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ( (البخاري: 6613). وذلك أن الأمير، في العهد الأول من الإسلام، كان هو الذي يفتي الناس، ويقضي بينهم.

قال ابن القيم: "الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم، (وهذه مذمومة). وتكون من غزارته وسعته. فَمَن قل علمه، أفتى عن كل ما يُسأل بغير علم. ومن اتسع علمه اتسعت فتياه. ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا، وقيل إن فتاواه جُمعت في عشرين سفراً. وكان سعيد بن المسيب[12] أيضاً واسع الفتيا، وكانوا يسمونه الجريء، كما ذكر ابن وهب[13] عن أبي إسحاق، قال: كنت أرى الرجل في ذلك الزمان. وإنه ليدخل يسأل عن الشيء، فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس، حتى يُدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب، كراهية للفتيا، قال: وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجريء.

وسُئل عامر الشعبي[14] عن مسألة، فقال: لا أدري. فقيل له: ألا تستحي من قولك لا أدري؛ وأنت فقيه أهل العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستحي حين قالوا: )لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا( (البقرة: 32).

وقال عتبة بن مسلم[15]: صحبت ابن عمر، أربعة وثلاثين شهراً. فكان كثيراً ما يُسأل، فيقول: لا أدري. وكان سعيد بن المسيب، على جرأته، لا يكاد يفتي فتيا، ولا يقول شيئاً، إلاّ قال: اللهم سلّمني، وسلّم مني.

وسُـئل القاسم بن محمد[16] عن شيء، فقال: إني لا أحسنه. فقال له السائل: إني جئتك، لا أعرف غيرك. فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي، والله، ما أحسنه! فقال شيخ من قريش، جالس إلى جنبه،: يا ابن أخي، الزمها؛ فوالله، ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم! فقال القاسم: والله، لأن يُقطع لساني، أحب إليَّ من أن أتكلم بما لا علم لي به.

وكتب سلمان إلى أبي الدرداء وكان بينهما مؤاخاة: "بلغني أنك قعدت طبيباً (أي مُفْتِياً). فاحذر أن تكون متطبباً (أي دعياً)، أو تقتل مسلماً. فكان ربما جاءه الخصمان، فيحكم بينهما؛ ثم يقول ردوهما عَلَيَّ، متطبب، والله! أعيدا عليَّ قضيتكما".

وقد كره العلماء للعالم التصدر الفَتْوَى، إذا وجد مَن يتصدى لمنصب الفَتْوَى ويصلح لها غيره، أمّا إن كان غيره لا يصلح لها، فإن التصدي للإفتاء يكون واجباً في حقه، عندئذٍ. وكذلك الحال إن وجد من يصلح لمنصب الفَتْوَى غيره، إلاّ أنه أفضل منه، فيسنّ له الطلب عند ذلك. ونظراً إلى خطر الإفتاء وأهميته، فقد أوجب الفقهاء على ولي الأمر، أن يتفقد أحوال المُفْتِين؛ فيقر صالحهم، ويستبدل سيئهم. وسبيله إلى معرفة من يصلح للفَتْوَى، أن يسأل عنه علماء عصره، الموثوق بهم. فقد روي عن الإمام مالك أنه قال: "ما أفتيت حتى شهد لي سبعون، أني أهلٌ لذلك".

 



[1] أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الربابي التميمي المضري (97 ـ 161 هـ)، من بني ثور من حلف الرباب. يقول عنه الذهبي: "هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع". وقال علي بن الحسن بن شقيق عن عبد الله: "ما أعلم على الأرض أعلم من سفيان". راجع:  سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، ج7، ص 229.

[2] ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، العلامة، الإمام مفتي الكوفة وقاضيها، الأنصاري الكوفي. ولد سنة نيف وسبعين هـ، ومات أبوه وهو صبي. تعلم على يدي أخيه عيسى عن أبيه، وأخذ عن الشعبي ونافع العمري وعطاء ابن أبي رباح والقاسم بن عبد الرحمن بن عبدالله بن مسعود والمنهال، وغيرهم كثير. وكان نظيراً للإمام أبي حنيفة في الفقه. توفي عام 148هـ في شهر رمضان. راجع: سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، ج6، ص 310.

[3] هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني، أبو الحسن البلخي، صاحب التفسير. قال العسقلاني: قال ابن حبّان: كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبّهاً، يشبّه الربّ سبحانه وتعالى بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث، أصله من بلخ، وانتقل إلى البصرة فمات بها عام 150 هـ. انظر: ميزان الاعتدال 6/505، رقم 8747، تهذيب التهذيب 8/320 ـ 325، رقم 7146، وفيات الأعيان 5 / 255 رقم 733.

[4] الخرقي: العلامة شيخ الحنابلة أبو القاسم، عمر بن الحسين بن عبد الله، البغدادي الخرقي الحنبلي، صاحب المختصر المشهور في مذهب الإمام أحمد. كان من كبار العلماء، تفقه بوالده الحسين صاحب المروذي وصف التصانيف. قال القاضي أبو يعلى: كانت لأبي القاسم مصنفات كثيرة لم تظهر؛ لأنه خرج من بغداد لما ظهر بها سب الصحابة، فأودع كتبه في دار، فاحترقت الدار. توفي عام 334هـ.

[5] أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم الكوفي، سلالة أحد الصحابة، ولد عام 113 من الهجرة، وتوفي عن سبع وستين سنة عام 189 هجرية. قاضي القضاة، العلامة المجتهد المحدث، صاحب أبي حنيفة، وهو المقدم بين أصحابه؛ إذ يعدّ أول من دوّن الكتب في مذهب الحنفية، وقد ساعده منصبه في القضاء على أن يمكّن لمذهب أبي حنيفة الذيوع والانتشار. أنجب تلاميذ أبي حنيفة وأعلمهم وأكبرهم، وقام بتدوين فقهه ونشر مذهبه، وتولى القضاء في دولة بني العباس، واستحدث له هارون الرشيد منصب قاضي القضاة، فاشتهر بحسن السيرة والعدل في قضائه، وكانت أهم أعماله في هذا المجال أنه استطاع توحيد الأمة على قانون واحد هو الفقه الحنفي.

[6] محمد بن الحسن الشيباني هو صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، وناشر مذهبه وفقيه العراق. وله فضل كبير في تدوين مذهب الحنفية، على الرغم من أنه لم يتتلمذ على شيخه أبي حنيفة إلاَّ لفترة قصيرة، واستكمل دراسته على يد أبي يوسف، وأخذ عن سفيان الثوري والأوزاعي، ورحل إلى مالك بن أنس في المدينة، وتلقى عنه فقه الحديث والرواية. تولى القضاء زمن هارون الرشيد. توفي في الري بواسط سنة (189هـ = 805م).

[7] هو الامام العلامة زين الدين عبد الرحمن بن احمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي. ولد في بغداد، سنة 736هـ، لأسرة علمية. شب فيها على العلم وتقديره، فأبوه من أهل الفضل والعلم، وكان يقرأ بالروايات الموثقة في الحديث. من شيوخه: ابن قيم الجوزية، وابن جماعة، وأحمد عبد الهادي المقدسي، وابن العطار. ومن تلاميذه القاضي ابوبكر الحنبلي والزركشي وغيرهم كثير. راجع: سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي

[8] عمرو بن دينار: الإمام الكبير الحافظ أبو محمد الجمحي المكي (الأثرم)، من أوساط التابعين وشيخ الحرم في زمانه. ولد في إمرة معاوية، عام 45 هـ، وسمع من ابن عباس وجابر بن عبد الله وابن عمر وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وأبي الطفيل وغيرهم من الصحابة. كان من أوعية العلم وأئمة الاجتهاد. قال عبد الله بن أبي نجيح: "ما رأيت أحداً قط أفقه من عمرو بن دينار، ولم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار، ولا في جميع الأرض". روى أحمد بن حنبل: كان عمرو بن دينار جزأ الليل ثلاثة أجزاء ثلثاً ينام، وثلثاً يدرس حديثه، وثلثاً يصلي. سير أعلام النبلاء، ج5 ص 307

[9] هو قتادة ابن دعامة السدوسي البصري الضرير. ولد عام 60 هـ.  وروى عن عبد الله بن سرجس وأنس بن مالك وأبي الطفيل الكناني وخلق كثير. وكان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ. قال محمد بن سيرين: قتادة أحفظ الناس. ومن أقواله: "الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر"، و"ما سمعت أذناي شيئا قط إلاّ وعاه قلبي"، و"إياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله لعل الله يرفعكم". وقال الإمام أحمد: "كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئا إلاّ حفظه". توفي عام 118 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء، ج5، ص269.

[10] هو محمد بن سيرين: شيخ الإسلام، أبو بكر الأنصاري الأنسي البصري مولى أنس بن مالك، خادم رسول الله. سمع أبا هريرة، وعمران بن حصين، وابن عباس، وعدي بن حاتم، وابن عمر، وعبيدة السلماني، وشريحا القاضي، وأنس بن مالك، وخلقاً سواهم. وروى عنه قتادة، وأيوب، ويونس بن عبيد، وابن عون، وخالد الحذاء، وهشام بن حسان. ولد عام 21هـ، ومات وهو ابن ثمان وسبعين، وأدرك ثلاثين صحابياً. وقال عوف الأعرابي: كان ابن سيرين حسن العلم بالفرائض والقضاء والحساب. وقال محمد بن جرير الطبري: كان ابن سيرين فقيهاً عالماً ورعاً أديباً، كثير الحديث، صدوقاً، شهد له أهل العلم والفضل بذلك وهو حجة. وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.  كانوا إذا ذكروا عنده رجلاً بسيئة، ذكره هو بأحسن ما يعلم. مات عام 110 هـ.

[11] هو أحمد بن علي بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادي، ولد في 24 جمادى الثاني 392هـ الموافق 10 مايو 1002م. مؤرخ عربي. له مصنفات كثيرة، بلغت ستة وخمسين مصنفاً. من أشهر مؤلفاته: "كتاب تأريخ بغداد"، الذي جمع فيه ترجمة العلماء، الذين عاشوا فيها حتى أواسط القرن الخامس الهجري. ولد في غزية من قرى الحجاز، ونشأ في درزيجان، وهي قرية تقع جنوب غرب بغداد. كان أبوه خطيب وإمام درزيجان لمدة عشرين عاماً. أهتم به أبوه؛ فكان شديد الحرص على إرساله لمن يعلمه القرآن والآداب المختلفة، ثم صار يتردد على حلقات العلم في بغداد، والتي كانت في ذلك الوقت منار العلم ومركزه في العالم الإسلامي. ثم انتقل إلى البصرة وهو في العشرين من عمره والتقى بعلمائها الكبار، وأخذ عنهم، ثم عاد إلى بغداد في السنة نفسها. وفي تلك الأثناء كان اسمه قد بدأ في الانتشار والشيوع، ثم عاود الرحلة، حتى إذا استقر بنيسابور بدأ في الاتصال بعلمائها وشيوخها. تنقل بين دمشق وصور وبيت المقدس والعديد من مدن بلاد الشام. وبعد عودته من الشام إلى بغداد تولى التدريس في حلقته بجامع المنصور، واجتمع حوله طلابه وأصحابه حتى توفي فيها عام 463 هـ. راجع: الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة، "دليل خارطة بغداد المفصل"، ط المجمع العلمي العراقي، 1958. 

[12] هو سعيد بن المسيب ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم بن يقظة، الإمام العلم القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، رضي الله عنه، بالمدينة. رأى عمر، وسمع عثمان وعلياً وزيد بن ثابت وأبا موسى وسعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس ومحمد بن سلمة وأم سلمة وخلقاً سواهم. ومن حديث سعيد بن المسيب ابن حزن، أن جده حزنا أتى النبي،  فقال: )ما اسمك، قال: "حزن"، قال: بل أنت سهل(. قال: يا رسول الله اسم سماني به أبواي، وعُرفت به في الناس. فسكت عنه النبي. قال سعيد فما زلنا تعرف الحزونة فينا أهل البيت. قال عثمان بن حكيم: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلاّ وأنا في المسجد. وعن قدامة بن موسى قال: كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء. وعن محمد بن يحيى بن حبان قال: كان المقدم في الفتوى، في دهره، سعيد بن المسيب، ويقال له فقيه الفقهاء. وكان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضية، وهو أمير المدينة، حتى يسأل سعيد بن المسيب. مات سنة أربع وتسعين من الهجرة.  راجع: سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، ج4، ص217ـ 246.

[13] هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم، الفقيه المالكي المصري، المولود في الفسطاط سنة 125 هـ. لزم الإمام مالكاً أكثر من عشرين سنة. وقضى حياته كلّها في طلب العلم. لقّبه الإمام سفيان بن عيينة بشيخ أهل مصر. سمع ابن وهب من شيوخ مصر والحجاز والعراق. وقد قيل: إن شيوخه، الذين أخذ عنهم يزيدون عن أربعمائة، إلاّ أنه أطال الجلوس عند الإمام مالك، تعلّم على يديه حتى صار عالماً جليلاً. وكان الإمام مالك يحبه ويقدّره، حتى قيل: إنه ما نجا أحد من زجر الإمام مالك إلاّ ابن وهب. وقد كان يلقبه بالفقيه، وكان يسمح له بالكتابة عنه، ثم لا يجد مانعاً لمراجعة ما كتبه عليه. وكان ابن وهب أحد ناشري المذهب المالكي في مصر؛ لأن الكثيرين  كانوا لا يستطيعون السفر إلى المدينة المنورة، فكانوا يذهبون إلى ابن وهب يتعلمون منه الفقه المالكي. وقد عُرف ابن وهب بكثرة رواية الأحاديث. وعندما كان الناس يختلفون في شيء على الإمام مالك كانوا ينتظرون قدوم ابن وهب من مصر ليسألوه. وقد رفض أن يتولى القضاء في مصر، عندما كتب إليه الخليفة بذلك، فحجب نفسه ولزم بيته، فرآه رشدين بن سعد وهو يتوضأ في صحن بيته فقال له: ألا تخرج إلى الناس فتقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فرفع ابن وهب رأسه إليه وقال له: إلى هنا انتهى عقلك؟ أما علمت أن العلماء يُحشرون مع الأنبياء والقضاة يُحشرون مع السلاطين؟. توفي سنة 197 هـ عن اثنين وسبعين عاماً. راجع: سير أعلام النبلاء

[14] هو عامر بن شراحيل الشعبي، من شعب همدان، كنيته أبو عمرو. كان علامة أهل الكوفة، وكان إماماً حافظاً، ذا فنون. وقد أدرك خلقاً من الصحابة وروى عنهم وعن جماعة من التابعين، وعنه أيضاً روى جماعة من التابعين. توفي سنة 100 هجرية. راجع: سير أعلام النبلاء، ج4، ص 294ـ 319.

[15] هو عتبة بن ابى عتبة، مولى بنى تيم، روى عن ابى سلمة بن عبد الرحمن ونافع بن جبير وحمزة بن عبد الله بن عمر وعبيد بن حنين وعكرمة. روى عنه سعيد بن ابى هلال وسليمان بن بلال ومحمد وإسمعيل ابنا جعفر بن ابى كثير.

[16] هوالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد فقهاء المدينة. كان ثقة عالماً فقيهاً رفيعاً، إماماً ورعاً، كثير الحديث. مات أبوه وهو لا يزال جنينًا. وربته عمته أم المؤمنين، عائشة بنت أبي بكر، التي أخذ علمه وفقهه منها، مثله في ذلك مثل ابن عمته عروة بن الزبير بن العوام، وعن حبر الأمة عبد الله بن عباس، وعن عبد الله بن عمر، وعن أبي هريرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته، ولكن الأرجح أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة. وكانت سنه عند وفاته ثلاثاً وسبعين سنة أو سبعين، حسب اختلاف الروايات في تاريخ وفاته. راجع: سير أعلام النبلاء، ج5، ص53.