إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

ملحق

الحِيَل في الدِّين

الحِيَل في الدِّينِ نوعان:

1. نوع جائز: يراد به التوصل إلى تنفيذ أمر الله واجتناب الحرام، والتخلص منه، وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي. وهذا النوع محمود يثاب فاعله.

2. نوع محرم: يحتال به لإسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً، والحق باطلاً، والباطل حقاً. وهذا النوع مذموم يعاقب فاعله. ودليل تحريمه قوله تعالى: )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ( (البقرة: 8 و9). وقال رسول الله: )مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ يَقُولُ أَحَدُهُمْ قَدْ طَلَّقْتُكِ قَدْ رَاجَعْتُكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ( (ابن ماجه: 2007). وفي حديث آخر: )أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. حَتَّى قَامَ رَجُلٌ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَقْتُلُهُ( (النسائي: 3348).

جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل( أي يتزوجها ليلة، ثم يطلقها)؟ فقال: من يخادع الله يخدعه". وقد عاقب الله أهل السبت من اليهود، فمسخهم قردة، لما احتالوا على إباحة ما حرم الله من الصيد يوم السبت، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة، وأخذوها بصيدها يوم الأحد. وقال الرسول:َ )لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ( (ابن ماجة: 4010).

ومن المعلوم أن تغيير صور المحرمات وأسمائها، مع بقاء مقاصدها وحقائقها، زيادة في المفسدة، التي حرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله، ونسبة المكر والخداع إلى شرع الله. وكأنه يحرم الشيء لمفسدة، ثم يبيحه لأعظم منها.

ومن أمثلة الحيل المحرمة:

1. قيل لأحمد بن حنبل: امرأة تريد أن تفارق زوجها، فيأبى عليها، فقال لها بعض أرباب الحيل: ارتدي عن الإسلام، فينفسخ عقد النكاح ففعلت. فغضب أحمد، وقال: "من أفتى بهذا، أو علمه، أو رضي به، فهو كافر".

2. رجل حلف على امرأته، وعلى درجة سلم، إن صعدت فانت طالق، وإن نزلت فأنت طالق. فقيل له: إذاً أحملها أنت.

وهذا هو الحنث بعينه.

3. حلف رجل ألاّ يطلق امرأته بوجه من الوجوه، فبذلت له مالاً كثيراً، فاستفتى رجلاً خبيثاً، فأفتاه أن يعاشر أمها، فتحرم عليه. قال يزيد بن هارون "من يخادع الله يخدعه".

4. اتفق العلماء على أن:

أ.  من قتل مورثه؛ ليتعجل الميراث، أنه يُحرم منه.

ب. وعلى بطلان وصية الموصَى له بمال، إذا قتل الموصي.

ج. وعلى تحريم المنكوحة في عدتها على الزوج، تحريماً مؤبداً.

د.  وعلى توريث المرأة من زوجها، إذا طلقها في مرض موته، يريد حرمانها من الميراث، حتى وإن انقضت عدتها.

وقال العلماء من عاش بالمكر، مات بالفقر.

5. امرأة تريد مواقعة مملوكها، فتهبه لرجل، فيزوجها به. فإذا قضت منه وطرها، استوهبته من الرجل، فوهبها إياه، فانفسخ النكاح. قال ابن تيمية: هذه الهبة فاسدة.

6. رجل يهب ماله لابنه، وهو يريد أن يرجع في الهبة، لئلا تجب عليه الزكاة. فهي هبة فاسدة.

ومن أمثلة الحِيَل من النوع الأول (النوع الجائز):

1. قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ لنبيه أيوب ـ عليه السلام ـ وقد حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة )وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ( (ص: 44)؛ إذ أمره الله أن يأخذ أصلاً فيه مائة قضيب، فيضرب به ضربة واحدة. فأبر الله نبيه، وخفف عن أَمَتِهِ.

وقد علّم الله نبيه يوسف ـ عليه السلام ـ الحيلة، التي توصل بها إلى أخذ أخيه؛ بإ ظهار أنه سارق، ووضع الصواع في رحله، ولم يكن كذلك حقيقة. لكن أظهر ذلك؛ توصلاً إلى أخذ أخيه، وجعله عنده. وأخبر الله أن ذلك كيد، كاده سبحانه ليوسف؛ ليأخذ أخاه. ثم أخبر سبحانه وتعالى أن ذلك من العلم الذي رفع به درجات من يشاء )نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ( (الأنعام: 83). وأن الناس متفاوتون فيه؛ ففوق كلّ ذي علم عليم. )نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ( (يوسف: 76).

2. )عن أمِّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا. وَقَالَتْ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلاَّ فِي ثَلاثٍ الْحَرْبُ وَالإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا( (مسلم: 4717). ومعنى الكذب، في ذلك، هو المعاريض، لا صريح الكذب.

3. لقي رسول الله طليعة للمشركين، وهو في نفر من أصحابه. فقال المشركون )ممن أنتم؟ فقال النبي: نحن من ماء. فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: أحياء اليمن كثير. لعلهم منهم، وانصرفوا(. وأراد رسول الله بقوله: نحن من ماء" قوله تعالى: )خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ( (الطارق: 6).

ولما جامع عبدالله بن رواحة جاريته، أبصرته امرأته، فأخذت السكين وجاءته. فوجدته قد قضى حاجته. فقالت: "لو رأيتك حيث كنت لوجأت بها في عنقك" فقال: ما فعلت. (أي لم أفعل ما تتهمينني به) فقالت: إن كنت صادقاً فأقرأ القرآن. فقال:

شهدت بأن وعد الله حق                 وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف            وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد                     ملائكة الأله مسومينا

فقالت آمنت بكتاب الله، وكذبت بصري. فبلغ ذلك رسول الله. فضحك حتى بدت نواجذه". قال ابن سيد البر: ثبت ذلك عن عبدالله بن رواحة.

ويذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال: "عجبت لمن يعرف المعاريض. كيف يكذب؟ ".

ودُعي أبو هريرة إلى طعام فقال: إني صائم. ثم رأوه يأكل. فقالوا: ألم تقل: إني صائم. فقال: ألم يقل رسول الله: )صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ( (النسائي: 2377).

وكان محمد بن سيرين إذا اقتضاه غريم، ولا شيء معه، قال: "أعطيك في أحد اليومَيْن إن شاء الله تعالى"، يظن أنه أراد يومه والذي يليه؛ وإنما أراد يومي الدنيا والآخرة.

وذكر الأعمش عن إبراهيم أنه قال له رجل: إن فلاناً أمرني أن آتي مكان كذا وكذا، وأنا لا أقدر على ذلك المكان، فكيف الحيلة؟ فقال له: والله ما أبصر إلاّ ما سددني غيري،  إلاّ ما بصرك ربك.

وذكر هشام بن حسان عن ابن سيرين أن رجلاً كان يصيب بالعين. فرأى بغلة شريح، فأراد أن يعينها، ففطن له شريح. فقال: إنها إذا ربضت، لم تقم؛ حتى تقام. فقال الرجل: أف أف. وسلمت بغلته. وإنما أراد: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقيمها.

)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ،َ فَقَال:َ إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ! فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلا النُّوق؟( (الترمذي:1941).

)عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَال:َ كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رَجُلٌ مُخْدَجٌ ضَعِيف،ٌ فَلَمْ يُرَعْ إِلا وَهُوَ عَلَى أَمَةٍ، مِنْ إِمَاءِ الدَّارِ، يَخْبُثُ بِهَا. فَرَفَعَ شَأْنَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّه.ِ فَقَال:َ اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ. لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةَ سَوْطٍ مَات.َ قَالَ: فَخُذُوا لَهُ عِثْكَالا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَة(. (ابن ماجه: 2564). 

وقال عقبة بن المغيرة: كنا نأتي إبراهيم وهو خائف من الحجاج. فكنا، إذا خرجنا من عنده، يقول: إن سُـئلتم عني وحلفتم، فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا. ولا لنا به علم، ولا في أي موضع هو. واعنوا أنكم لا تدرون: أي موضع أنا فيه قائم أو قاعد. وقد صدقتم.

وقد يكون التعريض بالقول والفعل معاً، مثلما حدث عندما جاءت امرأتان، إلى سليمان عليه السلام، ومعهما طفل تزعم كل منهما أنه ولدها، فقال سليمان، تعريضاً: ائتوني بالسكين أشقه بينكما"، فجزعت إحداهما، وقالت بل هو لها. فحكم سليمان لتلك التي جزعت وصاحت.

وقال أبو عوانة عن أبي مسكين: كنت عند إبراهيم، وامرأته تعاتبه في جاريه له، وبيده مروحة، فقال أشهدكم أنها لها. قال أما رأيتموني أشير إلى المروحة؟ إنما قلت لك أشهدوا انها لها، وانا أعني المروحة. وعن الشعبي: من حلف على يمين لا يستثنى، فالبر والإثم فيها على علمه. قلت: ما تقول في الحيل؟ قال: لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز، وإنما الحيل شيء يتخلص به الرجل من الحرام، ويخرج به إلى الحلال. فما كان من هذا ونحوه، فلا بأس به، وإنما نكره من ذلك أن يحتال الرجل في حق لرجل حتى يبطله، أو يحتال في باطل حتى يموهه، أو يحتال في شيء حتى يدخل فيه شبهة، وأمّا ما كان على السبيل الذي قلنا، فلا بأس بذلك.

قالوا: وليس مذهب من مذاهب الأئمة المتبوعين، إلاّ وقد تضمن كثيراً من مسائل الحيل. فأبعد الناس عن القول بها. وقد سُئل أحمد عن رجل حلف بالطلاق: ليطأن امرأته في نهار رمضان، فقال: يسافر بها. ويطؤها في السفر.

ومن أمثلة الأحكام، التي يراد منها سد باب الشرور:

1. نهى النبي أن تقام الحدود في دار الحرب، وأن تقطع الأيدي في الغزو؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اللحاق بالكفار.

2. اتفاق الصحابة على قتل الجماعة الكثيرة، إذا اشتركوا في قتل الواحد؛ حتى لا تتعاون الجماعة على قتل الواحد.

3. واتفاقهم على القصاص من السكران، إذا قتل؛ لئلا يتخذ السُّـكر ذريعة إلى القتل.

4. نهي الله رسوله عن الجهر بالقرآن بحضرة العدو، حتى لا يكون ذريعة إلى سبهم القرآن.

5. نهي الله الصحابة أن يقولوا للنبي "راعنا"، مع قصدهم معناها الصحيح، وهو المراعاة والنظر؛ لئلا يتخذ اليهود هذه اللفظة ذريعة إلى سب النبي ( أي قصدهم، حين ينادونه، أنك راع للغنم تابع لنا).

6. أمر المأمومين أن يصلوا جلوساً، إذا صلى إمامهم جالساً؛ سداً لذريعة التشبه بفارس والروم، في قيامهم على ملوكهم وهم قعود. اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلاتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: )إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُود.ٌ فَلا تَفْعَلُوا، ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُم.ْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا. وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا( )مسلم: 624(.

7. أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان، وأمر بإخفاء قبر النبي دانيال؛ سداً لذريعة الشرك. ونهى عن تعمد الصلاة في الأمكنة، التي كان الرسول ينزل بها في سفره، وقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد، من أدركته الصلاة، فليصل، وإلاّ فلا".

8. جمع عثمان بن عفان الأمة على حرف واحد، من الأحرف السبعة، في لهجات العرب؛ لئلا يكون الاختلاف ذريعة إلى الاختلاف في القرآن. ووافقه الصحابة على ذلك.

9. نهي النبي عن الذرائع التي توجب الاختلاف والتفرق والعداوة، كخطبة الرجل على خطبة أخيه، وسومه على سومه، وبيعه على بيعه، وسؤال المرأة طلاق ضرتها. ونهى عن قتال الأمراء، والخروج على الأئمة، وإن ظلموا، ما أقاموا الصلاة؛ سداً لذريعة الفساد العظيم.