إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

ملحق

أصبحت الفَتْوَى مجالاً فسيحاً يتسابق فيه من يريد الشهرة وإرضاء الناس

كانت الفَتْوَى في الإسلام لها أهميتها ومكانتها، ولا يقدم على القيام بها إلاّ من هو مؤهل لها علمياً، مع تقوى الله والخوف منه؛ لأنها إخبار عن الله إنه أحلّ كذا. وقد قال الله تعالى: )وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ( (النحل: 116).

إن الإمامة في الدِّين لا تنال إلا بالعلم الراسخ، والعمل الصالح، والصبر على الجهاد في سبيل الله؛ ببيان الحق ورد الباطل. قال تعالى: )وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ( (السجدة: 24). وإن الاجتهاد المطلق لا ينال إلاّ بمؤهلاته العلمية وشروطه المعروفة في كتب أصول الفقه. وهناك مسائل ليست مجالاً للاجتهاد وهي:

أولاً: مسائل العقيدة. لأن العقيدة توقيفية، لا يدخلها الاجتهاد.

ثانياً: المسائل التي فيها نص من الشارع؛ لأنه لا اجتهاد مع النصوص المجمع عليها؛ لأنه لا تجوز مخالفة الإجماع. وعلى المُفْتِي ألا يختار ما تهواه نفسه أو ما يرضى به الناس، ولو خالف الدليل. ويجب الرد على من خالف الدليل، ولا يجوز السكوت؛ لأن الرد بيان للحق، والسكوت كتمان للعلم، وإقرار للباطل. والله تعالى يقول: )إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( (البقرة:159، 160). ولا يعدّ الرد على المخطئ تنقيصاً له، وإنما هو من باب النصيحة، والتعاون على البر والتقوى. وقد قال النبي: )الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ( (مسلم:82).

وضد النصيحة هو الغش والكتمان. ولهذا كان السلف الصالح يتهيبون الفَتْوَى ولا يفتي أحدهم إلاّ عند الضرورة؛ إذا لم يوجد غيره. وكانوا يتدافعون الفَتْوَى ويقول قائلهم: أجرؤكم على الفَتْوَى أجرؤكم على النار. لكن في العصر الحاضر صارت الفَتْوَى مجالاً، فسيحاً يتسابق فيه من يريد الشهرة، أو من يلتمس رضاء الناس بسخط الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وهناك من يشجعه على هذا الإجرام، ويلقبه بلقب: الإمام ومجتهد العصر، بدلاً من أن ينصحه ويخوفه بالله. بل يَعُدّ من ينصحه ويبين أخطاءه آكلاً للحوم العلماء، ومنتقصاً لأهل الفضل، وحاسداً لهم، إلى غير ذلك من صنوف اللوم.

والذي نوصي به إخواننا، الذين يكتبون في الصحف مقالات، يؤيدون بها الفتاوي الخاطئة، ويثنون على أهلها، ويصفونهم بالأئمة ومجتهدي العصر، أن يتقوا الله، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان. وأن يكلوا النظر في مسائل العلم إلى أهله، وألاّ يدخلوا فيما لا يحسنون، وألاّ يأنفوا من أن يقال للمخطئ: أخطأت. نسأل الله للجميع التوفيق للعمل النافع، والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.