إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الفتوى









المعنى الشرعي

ملحق

فوضى الفتاوى

أولاً: شر الفتاوى ما يضحك

فجر أحد أساتذة "علم الحديث" مفاجأة مذهلة؛ إذ أباح للمرأة العاملة أن ترضع زميلها في العمل؛ منعاً للخلوة المحرمة، إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلاَّ بواسط أحدهما. وأكَّد الأستاذ الدكتور لـ"العربية.نت": "أن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات، وهو يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وأن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته". وطالبً توثيق هذا الإرضاع، كتابة ورسمياً، ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلاناً.

وقد عارضه كثير من الأساتذة والعاملين في حقل الدعوة. فقال أحدهم: "إن حديث إرضاع الكبير صحيح ولا يجوز إنكاره، لكن جمهور العلماء اختلف في إعطاء الواقعة حكماً عاماً أم خاصاً؟ والرأي الراجح أن هذه حالة خاصة ولا يمكن القياس عليها، وإباحة رضاع الكبير بهذا الشكل هو اجتهاد خاطئ وخروج على الإجماع، ويفتح الباب لانتشار الرذيلة في المجتمع، فليس من المعقول أن نتحدث عن رضاع للكبير في مجتمعنا الحديث".

وقد بَيَّن ابن القيم، عندما ذكر هذا الحديث، أنها فتوى خاصة بسالم مولى أبي حذيفة، لأن الرضاع مدته عامَيْن ولا رضاع بعد ذلك. ومن شروطه أن ينبت اللحم ويقوي العظم، ورضاع الكبير لا يؤدي إلى ذلك بل يثير الشهوات، لأن كشف المرأة ثديها لغير زوجها يُعَدّ كشفاً لعورة.

ولا شك أن اثارة هذا الموضوع يعد سبيلا للطعن في الاسلام نفسه، فحديث رضاع الكبير وارد في صحيحي البخاري ومسلم، وقصة الحديث تدور حول شخص اسمه أبو حذيفة كان له ولد بالتبني، وعندما أبطل الاسلام التبني، حصلت مشكلة، فكيف يرى هذا الولد، واسمه "سالم"، زوجة أبي حذيفة التي ربته وكان يدخل عليها بصورة طبيعية كأنها أمه. وعندما ذهبا للرسول قال لها: )أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ( (مسلم: 2637). هناك من العلماء من رأى أن هذا الحديث خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وهناك من قال إن هذه القاعدة على أي شخص في مكانة سالم، وهناك طرف ثالث قال إنه حكم منسوخ. والخلاصة أن هذا الكلام برمته كان أيام إباحة التبني، وبعد انتهاء التبني ونزول تحريمه، استقر الأمر أنه لا يجوز ارضاع الكبير ولا يؤثر؛ لأن الرضاع لابد أن يكون في الحولين وقبل الفطام.

ومن يستدل بقصة سالم، فليأت بها من جميع الوجوه، وبنفس حالة سالم، وهذا غير ممكن؛ لأن قصة سالم جاءت مباشرة بعد حظر التبني، ومن ثَمَّ فهي قصة نادرة لن تتكرر مرة أخرى؛ إذ لما انتفى الحال، انتفى الحكم، يدل على ذلك حديث الرسول: )إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ. قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ( (البخاري: 4831). والحمو هو أخ الزوج، وفي حاجة لأن يدخل بيته، فلماذا لم يقل الرسول، لمنع حرمة خلوته بزوجة أخيه في البيت، إن عليها أن ترضعه؟ هذا يدل أن مطلق الحاجة لا يبيح رضاع الكبير، لأننا لو قلنا بهذا لكان فيه مفسدة عظيمة. أي أن تأتي امرأة لزوجها بمن تقول إنه رضع منها، وهنا تحصل مشكلة كبيرة جدا، فلو أبحناها للموظفين والموظفات فلماذا لا نبيحها لأخ الزوج مثلاً؟

وقد صدر بيان، جاء فيه "إن ما جاء على لسان الأستاذ الدكتور يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ويخالف مبادئ التربية والأخلاق، ويسيء إلى الجهة التي يعمل فيها".

 

ثانياً: فوضى الفتاوى

* قالت مراسلة الجزيرة توك، في الجزائر،  28 أكتوبر 2008

يستيقظ الجزائريون صباح كل يوم جديد على فتوى أغرب من سابقاتها، أحدث أغلبها اندهاشاً و بلبلة في أوساط الشعب؛ فالموظفون الحكوميون، الذين يتقاضون أجوراً ثابتة، تفاجئوا مؤخراً بفتوى "تحريم الأجر الثابت". وقد استند أصحابها في ذلك إلى أن الرسول كان يعمل لقوت يومه ويكسب رزقه يومياً، وأن مسألة الأجر الثابت لم تكن واردة في السنة النبوية. هذه الفتوى أثارت قلق وحيرة الموظفين الحكوميين ودفعت بعضاً منهم إلى التخلي عن وظائفهم الرسمية فعلياً.

وأكدت فتوى أخرى أن البيوت، التي يسكنها الجزائريون، والمبنية بمواد بناء حديثة، كالإسمنت والحديد، محرم العيش فيها؛ لأن البيوت في زمن النبوة لم تكن مبنية على تلك الشاكلة واستخدام تلك المواد يُعَدّ بدعة.

لا شك أن الجزائر تأثرت بالمرحلة التي تمر بها ساحة الإفتاء في العالم الإسلامي، والتي أصبحت تعج بفتاوى أثارت استغراب المسلمين ولم يستطع العامة والبسطاء منهم ابتلاعها، كفتوى تحريم مشاهدة "ميكي ماوس"، وفتوى قتل مُلاك القنوات الفضائية، وفتوى سجن الصحفيين الذين ينتقدون فتاوى المشايخ، وفتوى تحريم الجلوس على الكرسي للنساء، والقائمة طويلة، حتى بتنا نخشى أن تصدر ذات يوم فتاوى تحرم استخدام جهاز الكومبيوتر أو الهواتف النقالة أو السيارات أو الثلاجات، بدعوى أنها بدعة محدثة لم تكن موجودة في عصر النبوة !

* في شهر رمضان 1429، ارتفع عدد برامج الإفتاء، ومن ثَمّ الأسئلة التافهة، التي لا يجد بعض "وعّاظ الفضائيات"، حرجاً في الإجابة عليها.

ومن الأمثلة على ذلك: متصِلة سألت شيخاً، في أحد البرامج، عن حكم قص الشعر يوم الجمعة. وأخرى استفسرت عن فتوى جلوس المرأة أمام الإنترنت من دون محرم؛ بينما سأل شاب عن حكم الغش في اختبار مادة الإنكليزي كونها أجنبية. وآخر عن حكم ارتداء قميص T-Shirt والقبعة.

ومن النوادر التي تتداولها مواقع الإنترنت، استفسار رجل عن حكم غسل اللحية أثناء الوضوء؟ ليجيبه الشيخ ممازحاً، بعدما ازداد إلحاح السائل وحرصه على وصول الماء إليها: "انقعها قبل ليلة".

وتقول إحدى المتابعات المواظبات لبرامج الإفتاء: "إن أغرب ما سمعت في هذه البرامج هو اتصال سيدة من إحدى الدول العربية، لتستفسر عن خروفها الذي اشترته ووضعته في حديقة المنزل، وأكل من طريق الخطأ صحيفة أجنبية. وسألت الشيخ إذا كان في إمكانها ذبح الخروف وأكل لحمه؟.

* فتاوى الجنس

من هذه الأمور التي تطغى بوضوح على ظاهر الفتاوى التي يطلبها الناس، أرضياً وفضائياً، فتاوى الجنس وفتاوى شؤون المرأة. ومن أغرب الفتاوى الجنسية في العام الماضي، فتوى حول عدم جواز تعري الزوجين أثناء المعاشرة الجنسية، وفتوى أخرى حول جواز استمتاع الزوجين بملامسة كل منهما عورة الآخر بالفم! ولم تنعكس أية قضية أو هموم اجتماعية حقيقية على طلب الناس للفتاوى المتعلقة بالمرأة أو بالجنس، سوى في فتوى واحدة تقدم بها البعض إلى مجمع البحوث الإسلامية حول "جواز تولي المرأة رئاسة الجمهورية"، وجاءت الفتوى بأنه "لا يجوز"!

وفيما حرّم مجمع البحوث الإسلامية التدخين عملاً بالمبدأ الإسلامي "لا ضرر ولا ضرار"، فإن أحد المفكرين أفتى بأن التدخين في نهار شهر رمضان لا يفطر الصائمين، واستند في فتواه إلى أن الدخان لا يدخل المعدة، وبالتالي فإنه لا يُفطر!

* فتاوى سياسية

أفرزت فتاوى الفضائيات، وغيرها من الفتاوى "المنهمرة"، عدداً من أزمات الرأي العام، ولعل أهمها فتوى إهدار دم "كل يهودى إسرائيلي موجود في البلاد العربية بمن فيهم من دخلوا بقصد السياحة"، رداً على جرائمهم ضد الفلسطينيين. واليهودى غير الإسرائيلي لا يجوز قتله كونه ينتمى لجنسية أخرى. وتكررت الفتوى في حوارات صحافية، ما صنع بلبلة في الأوساط الاجتماعية والسياسية، وجعل السفارة الإسرائيلية تطلب تشديد الحراسات على رعاياها، بخاصة أن السائحين الإسرائيليين يصل عددهم إلى قرابة مئة ألف سائح سنوياً !

ولم يفق المصدومون بفتوى قتل اليهود حتى صدموا بفتويين أخريين قبل نهاية العام الماضي.. الأولى جواز استحمام الإنسان باللبن لأمور علاجية أو تجميلية. والثانية: فتوى تبيح إعدام رئيس وزراء إحدى الدول العربية الكبرى، بحجة "التربص بالإسلام"، لأنه أصدر قراراً بهدم مسجد، وكذلك إعدام وزيري الأوقاف والاستثمار، بحجة تبديدهما أموال الأوقاف.