إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحقد والضغينة









بسم الله الرحمن الرحيم

1. الحقد

أ. تعريف الحقد

(1) الحقد لغةً

حَقَدَ وحَقِدَ يَحْقِد حَقْداً وحِقْداً وحَقَداً: أضمر العداء، وتحيَّن الفرصة لإظهاره.

الحِقْد: الضِّغْن، وجمعه أَحقاد وحُقود.

الحَقِيدَة: الضِّغْن، وجمعها حقائد.

(2) الحقد اصطلاحاً

العداوة القلبية، الغل.

ب. الحقد في القرآن الكريم

لم يرد لفظ الحـقد في كتـاب الله، وإنما ورد بمعناه، أي ورد بلفظ الغلّ، قال تعالى: ]وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ[ (سورة الأعراف: الآية 43).

يقول الإمام الرازي في تفسير الآية: "الغلُّ الحقد. قال أهل اللغة: وهو الذي يغل بلطفه إلى صميم القلب، أي يدخل، ومنه الغلول وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة، ويقال: انغل في الشيء، وتغلغل فيه إذا دخل فيه بلطافة، كالحب يدخل في صميم الفؤاد. إذا عرف هذا فيقال: لهذه الآية تأويلان":

القول الأول: أن يكون المراد أزلنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا، ومعنى نزع الغل: تصفية الطباع وإسقاط الوساوس ومنعها من أن ترد على القلوب؛ فإن الشيطان لما كان في العذاب لم يتفرغ لإلقاء الوساوس في القلوب، وإلى هذا المعنى أشار علي بن أبي طالب t فقال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل .

والقول الثاني: أن المراد منه أن درجات أهل الجنة متفاوتة بحسب  الكمال والنقصان؛ فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى أن صاحب الدرجة النازلة لا يحسد صاحب الدرجة الكاملة. قال الزمخشري صاحب « الكشاف »: هذا التأويل أولى من الوجه الأول، حتى يكون هذا في مقابلة ما ذكره الله تعالى من تبري بعض أهل النار من بعض، ولعن بعضهم بعضاً، ليعلم أن  حال أهل الجنة في هذا المعنى أيضاً مفارقة لحال أهل النار.  فإن قالوا: كيف يعقل أن يشاهد الإنسان النعم العظيمة، والدرجات العالية، ويرى نفسه محروماً عنها عاجزاً عن تحصيلها، ثم أنه لا يميل طبعه إليها، ولا يغتم بسبب الحرمان منها، فإن عقل ذلك، فلم لا يعقل أيضاً أن يعيدهم الله تعالى، ولا يخلق فيهم شهوة الأكل، والشرب؟ والوقاع، ويغنيهم عنها؟ قلنا: الكل ممكن، والله تعالى قادر عليه، إلا أنه تعالى وعد بإزالة الحقد والحسد عن القلوب، وما وعد بإزالة شهوة الأكل والشرب عن النفوس؛ فظهر الفرق بين البابين.

قال تعالى: ]وَالَّذِينَ جَآؤوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَـانِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ربنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ[ (سورة الحشر: الآية 10).

قال الزمخشري: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ  عطف أيضاً على المهاجرين: وهم الذين هاجروا من بعد. وقيل: التابعون بإحسان. "غِلاًّ" وقرىء: "غمراً" وهما الحقد.

ج. حكم الحقد

من المعلوم أن الحقد وهو عداوة القلب محرم بين المؤمنين، واجب ضد الكفار المحاربين للمسلمين. لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[ (سورة الممتحنة: الآية 1)

ولقوله تعالى: ]أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ[ (سورة المائدة: الآية 54).

ولقوله تعالى: ]أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[ (سورة الفتح: الآية 29).

د. الحقد في الأمثال العربية

(1) لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك.

(2) العتاب خير من مكتوم الحقد.

(3) ظاهر العتاب خير من باطن الحقد.

(4) الحَفِيظَةُ تُحَلِّلُ الأحقاد.

(5) أحقد من جمل.

(6) عند الشدائد تذهب الأحقاد.

هـ. معنى الحقد ونتائجه

إن الغضب إذا لزم كظمه لِعَجزٍ عن التشفي في الحال، رجع إلى الباطن واحتقن فيه؛ فصار حقداً. ومعنى الحقد  أن يلزم قلبه استثقاله، والبغضة له، والنفار عنه، وأن يدوم ذلك ويبقى. فالحقد ثمرة الغضب.

و. نتائج الحقد

(1) الحسد: وهو أن يحمل الحاقد على أن يتمنى زوال النعمة عن المحقود عليه، فيغتم بنعمة إن أصابها، ويسر بمصيبة إن نزلت به.

(2) أن يزيد الحاقد على إضمار الحسد في الباطن، فيشمت بما أصابه من البلاء.

(3) أن يهجر ويصارم وينقطع عنه، وإن طلب وأقبل على المحقود عليه وهو دونه.

(4) أن يعرض الحاقد عن المحقود عليه استصغاراً له.

(5) أن يتكلم الحاقد في المحقود عليه بما لا يحل، من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره.

(6) أن يحاكي الحاقد المحقود عليه استهزاءً به، وسخرية منه.

(7) الاعتداء عليه بأي صورة من الصور.

(8) أن يمنعه حقده من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة، وكل ذلك حرام.

وأقل درجات الحقد أن يتحرز المرء من الآفات الثماني السابقة، ولا يخرج بسبب الحقد إلى ما يعصى الله به، ولكن الحاقد قد يستثقل المحقود عليه في الباطن، ولا ينهى قلبه عن بغضه، حتى يمتنع عما كان يتطوع به من البشاشة، والرفق، والعناية، والقيام بحاجاتهن والمجالسة معه على ذكر الله تعالى، والمعاونة على المنفعة له، أو بتركه الدعاء له، والثناء عليه، أو التحريض على بره ومواساته. فهذا كله مما ينقص درجة المرء في الدين، وإن كان لا يعرض الإنسان لعقاب الله تعالى.

ولما حلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن لا ينفق على مسطح[1]، وكان قريبه، لكونه تكلم في واقعة الإفك، نزل قوله تعالى: ]وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة النور: الآية 22)، فقال أبو بكر نعم نحب ذلك، وعاد إلى الإنفاق عليه. والأولى أن يبقى على ما كان عليه، فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان مجاهدة للنفس، وإرغاماً للشيطان، فذلك مقام الصديقين، وهو من فضائل المقربين.



[1] مِسْطَح (22 ق هـ  ـ 34هـ = 601 ـ 654 م) بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف, من قريش, أبو عباد: صحابي. من الشجعان الأشراف. كان اسمه عوفاً ولقب بمسطح فغلب عليه. أمه بنت خالة أبي بكر, وكان أبو بكر يمونه لقرابته منه, فلما كان حديث أهل الإفك في أمر عائشة جلده النبي r مع من خاضوا فيه, وحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه, فنزلت الاَية: ]وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى[ فعاد أبو بكر إلى الإنفاق عليه. وأطعمه رسول الله r بخيبر خمسين وسقاً. وهو ممن شهد معه بدراً وأحداً والمشاهد كلها.