إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الفصل الخامس

الفصل الخامس

ضم الحجاز والمخلاف السليماني

 

1. الحجاز قبيل دخول السلطان عبدالعزيز إليه

بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وعودة إبراهيم باشا إلى مصر، عام 1235هـ/1819، عين والي مصر، محمد علي باشا، ابن أخته، أحمد باشا يكن، محافظاً على مكة، وحاكماً عاماً على الحجاز، وقائداً للجيوش في شبه الجزيرة العربية، مما أضعف سلطة شريف مكة. وفي عام 1242هـ/1827م، عين محمد علي باشا، الشريف محمد بن عون، شريفاً على مكة، بعد إبعاد الشريف يحيى بن سرور إلى مصر، بأمر من أحمد باشا يكن. واستمر الشريف محمد بن عون في الحكم. وقاد، عام 1250هـ/1834م، حملة كبيرة، لإخماد ثورة الثائرين، في عسير، غاب فيها سنتين عن مكة، تاركاً الأمور في يد أحمد باشا يكن. ولما فشل في حملته تلك، عاد إلى مكة. واستدعاه محمد علي باشا إلى مصر، عام 1252هـ/ 1836م واستبقاه هناك أربع سنوات، كانت مكة تحكم، خلالها، من دون شريف. ثم أعيد محمد بن عون إلى الشرافة، بعودة النفوذ التركي العثماني المباشر على الحجاز.

وعلى الرغم من تقديمه خدمات كبيرة للدولة العثمانية، في محاولاتها القضاء على ثورات عسير، والاستيلاء على اليمن، إلا أن العثمانيين، قبضوا عليه، وأرسلوه إلى الآستانة، عام 1267هـ/ 1850م، وعينوا بدلاً منه الشريف عبدالمطلب بن غالب. ولكن هذا الأخير، لم يمكث طويلاً؛ وأعاد العثمانيون الشريف محمد بن عون، ثانية، إلى شرافة مكة، عام 1271هـ/1854م، إلى أن توفي، في عام 1274هـ/1857م، وتولى ابنه عبدالله بن محمد، وبقي في الحكم حتى وفاته، عام 1294هـ/1877م. وخلفه أخوه، الحسين بن محمد بن عون، الذي اغتيل في جدة، 1297هـ/ 1879م. فأعيد الشريف عبدالمطلب بن غالب إلى الشرافة، وبقي في منصبه حتى وفاته، عام 1299هـ/1881م . وخلفه الشريف عون الرفيق بن محمد بن عون. واستمر شريفاً لمكة حتى وفاته، عام 1323هـ/ 1905م. وتولى من بعده ابن أخيه، علي بن عبدالله. وعزل عام 1326هـ/ 1908م. وفي خريف تلك السنة، عُين الحسين بن علي بن محمد بن عون، شريفاً لمكة ( اُنظر ملحق سلسلة نسب أشراف مكة من آل عون)، وهو الذي عاصر الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

2. توتر العلاقات بين نجد والحجاز

في الوقت الذي استلم فيه الشريف الحسين بن علي، منصب الشرافة في مكة، كان الأمير عبدالعزيز في القصيم، منشغلاً بترتيب أوضاعها، ولم يهتم بأمر الشرافة في الحجاز. لكن الشريف حسيناً، كان يهمه أن يتقدم على منافسيه في الحكم في مكة، من ولاة الدولة العثمانية وقواتها. فجهد في خدمة الدولة العثمانية، محاولاً تأديب من خرج عن طاعتها، من القبائل والأفراد. كما شعر بالانزعاج للأخبار، التي تأتيه عن انتصارات ابن سعود، في نجد والأحساء. فكتب إلى الدولة العثمانية تقريراً، في شأن الحالة على الحدود الشرقية للحجاز، وطلب اتخاذ تدابير عاجلة لوقف نشاط ابن سعود. فجاءته الموافقة. وأطلقت يده في اتخاذ ما يراه من تدابير.

وبعد تعيينه بعامين، أي سنة 1328هـ / 1910م، قاد بنفسه حملة، لتأديب قبيلة عتيبة. وتقدم الشريف نحو نجد، حتى نزل في بلدة القويعية، حيث نفوذ ابن سعود، مستغلاً، وقتها، انشغال الأمير عبدالعزيز بترتيب أمور القصيم، وإخماد عصيان أحفاد عمه سعود بن فيصل، في نجد. وقد استطاع الشريف حسين، بمعونة بعض قبيلة عتيبة، أن يأسر سعد بن عبدالرحمن، شقيق الأمير عبدالعزيز بن سعود. وسعى الشريف خالد بن منصور بن لؤي، أمير الخرمة، في الصلح. وفهم منه الأمير عبدالعزيز، أن الشريف حسين، لا مطالب له سوى إظهار سطوته أمام الدولة العثمانية. وطلب منه أن يعترف، ولو اسمياً، بسلطة الدولة العثمانية. ولما تحقق ذلك، انتهى الأمر بإطلاق سعد بن عبدالرحمن، ومن معه، هدية من الشريف حسين للأمير عبدالعزيز.

وتحسنت العلاقات بين الشريف حسين والأمير عبدالعزيز بن سعود، لفترة وجيزة، برزت في تبادل الرسائل الودية بينهما (انظر ملحق نماذج من بلاغات ورسائل الملك عبدالعزيز آل سعود).

أعلن الشريف حسين، خلال الحرب العالمية الأولى، في 9 شعبان سنة 1334 هـ/12 يونيه 1916م، الثورة على الدولة العثمانية، حليفاً لبريطانيا. وأصبحت العلاقة بين الشريف حسين والسلطان عبدالعزيز، يشوبها التوتر، بعد إعلان الشريف نفسه ملكاً على كل العرب، وعد أرض نجد ومن يحكمها، خاضعين لسلطته، وجزءاً من مملكته. كما زاد من حدة التوتر في العلاقات النجدية ـ الحجازية، الخلاف بين الملك حسين والأمير عبدالعزيز، في الحدود بين نجد والحجاز، خاصة خلافهما في واحتَي تُربة، والخرمة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، سنة 1337هـ/1918م، بهزيمة الدولة العثمانية، وازدياد نفوذ الشريف حسين في الحجاز، وشعوره بنشوة الانتصار والقوة، بعد استيلائه على بقايا الجيش العثماني وذخائره في الحجاز ـ بدأ بالاستعداد لاحتلال واحتَي تُربة والخرمة[1]، اللتَين كان معظم سكانهما من المتحمسين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ وهي الأساس الذي قام عليه الحكم السعودي. وكان في طليعة هؤلاء المتحمسين للدعوة، أمير الخرمة، الشريف خالد بن منصور بن لؤي، الذي حدث خلاف بينه وبين الأمير عبدالله بن الحسين، أدى إلى خروجه عن طاعة ملك الحجاز.

وقد أرسل الملك حسين عدة سرايا، لإخضاعه. ولكن أتباعه، ومن انضم إليهم، من الإخوان، التابعين للسلطان عبدالعزيز، رسمياً، تمكنوا من صد تلك السرايا.

3. معركة تُربة

وفي سنة 1337هـ/1919م، اعتقد الملك حسين، أنه بما لديه من قوات وذخائر، يمكن أن يستولي على واحتَيْ تُربة والخرمة. وكانت الحكومة البريطانية، قد شجعته على ذلك، وأرادت أن تشغله عن الوضع في بلاد الشام وفلسطين. فقرر مسؤولوها عن شبه جزيرة العرب، تشجيع الملك حسيناً على الاستيلاء على الواحتين، على الرغم من تحذير موظفهم، جون فيلبي (John Philby )، الذي كان يرى عدم قدرة الملك حسين على مقاومة أتباع السلطان عبدالعزيز.

وبعد أن نال الملك حسين تأييد بريطانيا المعنوي، وكل إلى ابنه، الشريف عبدالله بن الحسين، قيادة جيش نظامي، قوامه ألفا رجل، إضافة إلى خمسة آلاف من رجال القبائل المختلفة، مزوداً بمدافع وأسلحة حديثة. وتقدم هذا بجيشه، وتمركز في عُشيرة، على مقربة من تربة، بانتظار أوامر والده بالهجوم.

حذر السلطان عبدالعزيز بريطانيا من خطر الموقف. فطلبت، بدورها، من الملك حسين، أن يتريث، ويبحث الموقف مع ابن سعود. ولكن الملك حسيناً، لم يصغ إليها. وأصر على احتلال الواحتين المذكورتين. فتقدم الجيش الهاشمي، بقيادة عبدالله بن الحسين، إلى تُربة، ودخلها، من دون مقاومة تذكر، في 24 شعبان 1337هـ/24 مايو1919م، وعلى الرغم من ذلك، فقد عامل أهلها بقسوة وأباحها جنوده.

وكان الأمير عبدالعزيز بن سعود، يراقب تحركات الأمير عبدالله بن الحسين. وكان على علم بتوجهه إلى تربة، فأرسل كتيبة من الإخوان، بقيادة سلطان بن بجاد بن حميد، من زعماء الإخوان من عتيبة، كبير هجرة الغُطغط. وانضم إليه فئات من قحطان، تحت إمرة حمود بن عمر، ومعهم الشريف خالد بن منصور بن لؤي، أمير الخُرمة[2]، وأتباعه. كما قاد الأمير عبدالعزيز بنفسه جيشاً، قوامه اثنا عشر ألف مقاتل، سار به إلى هناك. وقد رغب الأمير عبدالعزيز بن سعود، أن يحل مشكلة الحدود بينه وبين الشريف، بالوسائل السلمية. فأرسل إلى الأمير عبدالله بن الحسين، بعد احتلاله تُربة، وفداً يعرض عليه المفاوضة. لكن الأمير عبدالله، رفض التفاوض، مدعياً بأن تُربة تابعة للحجاز، فلا مفاوضة في شأنها. وعاد الوفد إلى معسكر الإخوان، بين تُربة والخرمة، فأخبرهم بتعنت الأمير عبدالله وقسوته واستهزائه بهم، وتهديده لنجد. فالتهبوا حماسة، وصمموا على مهاجمته.

ومع بزوغ فجر الخامس والعشرين، من شهر شعبان سنة 1337هـ/25مايو 1919م، هجم جيش الإخوان على جيش الأمير عبدالله بن الحسين، من مختلف الجهات، الأمر الذي أصابه بالارتباك. فلم يستطع أن يفعل شيئاً، على كثرة عدده وعتاده. ومزق الإخوان جيش عبدالله، وبلغ عدد قتلاه خمسة آلاف وخمسة وستون رجل. ولم ينج منه إلا عدد قليل. فاستولى الإخوان على أسلحة ومؤن وأموال وعتاد كثير. وتمكن الأميرعبدالله بن الحسين من النجاة بنفسه، والوصول إلى الطائف. وبعد خمسة أيام من وقوع المعركة، وصل السلطان عبدالعزيز، بجيشه الذي انطلق به من الرياض، إلى تُربة، فأقام بها خمسة عشر يوماً، يدير شؤونها.

أما الملك حسين بن علي، فقد أفزعه ما حل بجيشه، في تُربة. وخاف من مواصلة الإخوان تقدمهم نحو الطائف. فاتصل بالحكومة البريطانية، يطلب مساعدتها، وذلك من طريق المعتمد البريطاني في جدة. وقد استجابت طلبه، وحذرت السلطان عبدالعزيز من التوغل في الحجاز، واعتبرته محارباً لها إن فعل.

ويقول الدكتور العثيمين في ذلك: "لقد استبد الذعر بالمسؤولين في الحجاز، بعد معركة تُربة. وظنوا أن الإخوان سيواصلون زحفهم إلى الطائف. فاتصلوا بالمعتمد البريطاني في جدة، طالبين مساعدة حكومته. فأخبر هذه الحكومة بما جرى، وما يخشاه أولئك المسؤولون. وحذرت بريطانيا الملك عبدالعزيز من التقدم في اتجاه الطائف، بل طلبت منه أن ينسحب بقواته من تُربة، حتى تتاح الفرصة للمفاوضات بينه وبين الملك حسين".

وقد قام السلطان عبدالعزيز بسحب قواته من تُربة، بعد أن عين أميراً من قبله عليها، وذلك مراعاةً للظروف المحيطة به، في ذلك الوقت.

لقد كانت نتائج معركة تُربة وخيمة، بالنسبة إلى الملك حسين بن علي. فقد أدت نتائج تلك المعركة إلى زعزعة موقفه بين أتباعه، إضافة إلى فقدانه كثيراً من قواته النظامية المدربة، وجزءاً مهماً من عتاده المتطور، وأمواله الضخمة، الأمر الذي زاده تعنتاً. فأوقف التعامل التجاري مع النجديين، ومنعهم من أداء فريضة الحج. وقد تكرر ذلك عاماً بعد عام، وتدخلت الحكومة البريطانية لطمأنة الملك حسين بن علي، فأمدته ببعض الطائرات. وطلبت من الأمير عبدالعزيز، ألا يقوم باعتداء عليه، وأن يؤجل حج أتباعه، فلم يمانع. ويعلل الدكتور العثيمين موقف السلطان عبدالعزيز ذاك، فيقول: "من الواضح أنه (أي الأمير عبدالعزيز) راعى أموراً كثيرة، في اتخاذ ذلك الموقف المرن. منها هيمنة بريطانيا على المنطقة، حينذاك، بدرجة كبيرة، بحيث تصعب معارضتها. ومنها أن مرونته، ستجعل تلك الدولة أكثر ميلاً إليه، وأقل اندفاعاً مع خصمه. ومن المحتمل جداً، أنه قد أدرك بأنها لن تحرص كل الحرص على مساندة هذا الخصم، بعد أن انتهت الحرب العظمى، وحققت ما تريده منه. ومن تلك الأمور أن الأمير عبدالعزيز، كان، حينذاك، بصدد معالجة قضايا ملحّة، كقضية جبل شمر، وقضية عسير".

وقد نجحت بريطانيا في التوسط بين الأمير عبدالعزيز والملك حسين، إذ وقّعا هدنة بينهما، عام 1338هـ/1919م. إلا أنها أخفقت في تغيير موقف الملك حسين من السماح لأهل نجد بالحج، في ذلك العام، والعام الذي تلاه. ولكنها نجحت، في سنة 1340هـ/1922م، إذ سمح الملك حسين، لعدد محدود من النجديين بالحج، على أن يكونوا تحت إمرة أمير منهم، يمنعهم من القيام بعمل يعكر الأمن. ولكن الملك حسيناً، لم يلتزم بالهدنة. فأخذ يساعد أمراء حائل، وأمراء آل عايض، ضد السلطان عبدالعزيز. ولكن تلك المحاولات، لم تفلح. فقد استطاع السلطان عبدالعزيز، عام 1340هـ/1922م، أن يقضي على إمارة آل رشيد، في حائل، ويبسط نفوذه على ما يليه، شمالاً، من شبه الجزيرة العربية. كما استطاع أن يوطد حكمه في عسير، وذلك في سنة 1341هـ/1922م. كما قام أتباعه بأنشطة عسكرية، حول الحدود مع العراق وشرق الأردن، مما أثار مخاوف الملك حسين. فطالب بتخلي السلطان عبدالعزيز عن جبل شمر، وعسير، ومنع أهل نجد من أداء فريضة الحج، مرة أخرى.

عمدت بريطانيا، إزاء تدهور العلاقات بين السلطان عبدالعزيز، من جهة، والملك حسين، في الحجاز، وابنيه فيصل وعبدالله، الحاكمين في العراق وشرق الأردن، من جهة أخرى ـ إلى عقد لقاء بينهم. فدعتهم إلى مؤتمر، يعقد في الكويت، لبحث مشكلاتهم ولكن الملك حسيناً، رفض حضور المؤتمر، إلا بعد انسحاب السلطان عبدالعزيز من المناطق، التي لم تكن تحت إمرته قبل الحرب العالمية الأولى.

وانعقد مؤتمر الكويت، سنة 1342هـ/ 1923م، من دون حضور ممثل عن الملك حسين، فباء بالفشل ولم يتحقق الهدف منه، خاصة أن ممثلي العراق والأردن، تعرضوا لأمور تخص الحجاز. وكان الملك حسين، تمادى في تعنته، وادعى أنه الممثل الوحيد للعرب، وأن له الكلمة العليا، في كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية. وأعلن نفسه، من عمّان، خليفة للمسلمين، بعد إلغاء الخلافة في تركيا، في 3 مارس 1924م، في وقت لم يستطع فيه توفير الأمن لسكان الأماكن المقدسة، أو لزوارها حجاجاً أو معتمرين. كما قام الملك حسين بتجريح السلطان عبدالعزيز. ويذكر الزركلي في ذلك: "فنشر الملك حسين أحاديث، في جريدة المقطم (في القاهرة)، في 21 جمادى الآخرة 1342هـ/27 يناير 1924م، وفي بعض الصحف، السورية والعراقية، تعريضاً بسلطان نجد، وتجريحاً لموقفه من القضية العربية والاتحاد العربي". وأثار إعلان الملك حسين بن علي نفسه خليفة للمسلمين، غضب شخصيات وجهات إسلامية، وبخاصة في مصر والهند. وغضب السلطان عبدالعزيز، أيضاً، من تصرف الملك حسين في الخلافة، موضحاً عدم أهليته لخلافة المسلمين، التي هي شأن عام لجميع المسلمين. وقد نُشر ذلك البيان في عدة جرائد عربية وهندية، ولقي تعليقات مؤيدة. وكان لهذا التطور في العلاقات النجدية ـ الحجازية، دور في التصادم من جديد.

4. الحملة السعودية على الحجاز، والاستيلاء على الطائف

في غمرة تلك الأحداث، ذهب السلطان عبدالعزيز إلى القصيم، حيث أعاد ترتيب أمورها، الإدارية والعسكرية. فعين عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أميراً على جبل شمر. وربط به كلاً من القصيم، وما يقع شمال جبل شمر. وذلك تمهيداً لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد الملك حسين بن علي، خاصـة أن بريطانيـا قـد قطعت المعونـة الاقتصادية عنه، فأصبح السلطان عبدالعزيز، لا يخشى أن تستغل الحكومة البريطانية تلك المعونة سلاحاً ضده. بعد ذلك، عاد إلى الرياض، حيث عقد مؤتمراً، في أواخر 1342هـ/يونيه 1924م، برئاسة والده، الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود. وحضر المؤتمر العلماء، وأمراء المناطق، وقادة الإخوان، ورؤساء القبائل. وتحدث الإمام عبدالرحمن إلى المؤتمرين، وأوضح تذمر أهل البلاد من منعهم من أداء فريضة الحج. كما تحدث السلطان عبدالعزيز وقال: "ما ادخرت جهداً لحل ما بيننا وبين أهل الحجاز، بالتي هي أحسن. ولكن الحسين، كلما دنوت منه، تباعد. وكلما لنت له، تجافى". وقد قرر الجميع في ذلك المؤتمر "وجوب أداء الحج، سلماً أو عن طريق القوة".

بعد ذلك، قام السلطان عبدالعزيز باتخاذ بعض الإجراءات العسكرية، على الحدود، العراقية والأردنية، لصد أي هجوم، يقوم به ابنا الملك حسين، الحاكمان في العراق وشرق الأردن. فأرسل فئة من أتباعه إلى الحدود مع هاتَين الدولتَين. كما سيّر السلطان عبدالعزيز كلاًّ من سلطان بن بجاد، على رأس قوة من الإخوان، من أهل الغطغط، ومن أهل هجر عتيبة، عرجاء والعسيلة وساجر، وأهل هجر قحطان؛ والشريف خالد بن منصور بن لؤي، على رأس قوة من أهل رنية والخرمة. وبلغ عدد قواتهم ثلاثة آلاف مقاتل، وأمرهم بالتحرك نحو الطائف. فوصلوا قرية "الحَوِيَّة"، على مقربة منها، وتمركزوا فيها، وذلك في أول صفر سنة 1343هـ /أول سبتمبر 1924م. فخرج جيش الملك حسين بن علي، النظامي، وقوامه أربعمائة جندي، من الطائف، تحت قيادة أمير اللواء، صبري باشا العزاوي، ناظر الحربية الهاشمية، لمنع جيش السلطان عبدالعزيز آل سعود، من دخول البلدة. فدارت بين الطرفَين معركة الحَوِيَّة، التي انتهت بهزيمة الجيش الهاشمي، وتقهقره إلى منطقة الهدا. ولما علم الملك حسين، في مكة، بما لحق بقواته، أرسل نجدة، سرية من الخيالة، وسرية من الهجانة، بقيادة ابنه الشريف علي بن الحسين. ولكنه تقهقر، أيضاً، أمام قوة الإخوان. وانتشر الذعر بين سكان الطائف، وهرب أشرافها وموظفوها، وقسم من سكانها، وهرع قسم آخر إلى فتح أبواب البلدة. فدخلها الإخوان غسق يوم 7 صفر 1343هـ/7 سبتمبر 1924م، وأعملوا في أهلها القتل، وراح ضحية ذلك كثير من الأبرياء، ونهبت الدور والأموال. وفي صباح اليوم التالي، 8 صفر 1343هـ/8 سبتمبر 1924م، دخل سلطان بن بجاد، ببقية الجيش، فكف الجنود عن أعمال القتل والنهب.

ويقول الدكتور عبدالله العثيمين، في ذلك: "فاستبد الذعر بالسكان. وفتح قسم منهم أبواب البلدة، مظهرين أنهم يظهرون السلامة. فاندفع إليها مئات من عامة الإخوان والملتحقين بهم، من البدو المحيطين بها. وراحوا ينهبون ويقتلون من يقاومهم، أو يظنون أنه عقبة في سبيل ما يهدفون إليه. ولما علم القائدان، الشريف خالد بن لؤي، وسلطان بن بجاد، بذلك، هرعا إليها، وأوقفا تلك المأساة". وبذلك، دخلت الطائف تحت حكم السلطان عبدالعزيز بن سعود.

أفزع الملك حسيناً هذا الانتصار لقوات الإخوان ودخولهم الطائف. فسارع إلى إمداد ابنه، الشريف علي بن الحسين، بكل ما استطاع، من قوات ومعدات. ولكن ذلك، لم يرفع من معنويات القوات الهاشمية المنهارة. واستطاع الإخوان أن ينتصروا على قوات الأمير علي بن الحسين، في منطقة الهدا، وذلك في 26 صفر سنة 1343هـ/27سبتمبر 1924م، استولوا على أسلحتها وذخيرتها. وتوقف زحف الإخوان، في الطائف والهدا. وأرسل ابن بجاد وخالد بن لؤي، إلى السلطان عبدالعزيز، في الرياض، يخبرانه بما حدث، وينتظران أوامره بالزحف إلى مكة المكرمة.

5. الاستيلاء على مكة المكرمة

فشل الملك حسين بن علي في الحصول على مساعدات من أتباعه، أو من أي قوة خارجية مؤثرة. ونتيجة لهذا الوضع، فقد اجتمع وجهاء الحجاز، في جدة، وقرروا أن يتخلى الحسين عن عرش الحجاز لابنه، علي، "أملاً في أن يمهد ذلك الطريق أمام حل سلمي، مع السلطان عبدالعزيز". فاستجاب لهم. وفي ربيع الأول سنة 1343هـ/أكتوبر 1924م، نودي بالأمير علي بن الحسين، ملكاً على الحجاز. وغادر الشريف الحسين بن علي مدينة جدة، إلى العقبة، بحراً، في يوم 16 ربيع الأول/15 أكتوبر من السنة نفسها.

وكان الحزب الوطني الحجازي، أرسل في ربيع الأول/أكتوبر في اليوم الذي تنازل فيه الملك الحسين عن العرش لابنه الملك علي، رسالة إلى السلطان عبدالعزيز بن سعود يخبره فيها بالتغييرات الجديدة، في الحكم والسياسة، في الحجاز. وناشد الحزب، في رسالته، السلطان ابن سعود، أن يترك الحجاز لأبنائه يحكمونه. ورجاه أن يبدأ صفحة جديدة، في تاريخ علاقات نجد بالحجاز. وناشده أن يقبل الصلح. وعزز الحزب رسالته تلك، ببرقية، رفعها إلى السلطان، في 26 ربيع الأول 1343هـ، تلقى عليها رداً منه، بين فيه أنه لا سلام في الحجاز، ما دام الحسين وأبناؤه يحكمونه . كما أن الملك علي بن الحسين قد تبادل عدة رسائل برقية مع السلطان عبدالعزيز بن سعود، يعرض عليه حقن الدماء والصلح. ورد السلطان عبدالعزيز عليه بأن موقفه لن يتغير، وأن الشريف إذا أراد وحقن الدماء، فعليه أن يترك الحجاز، وينتظر حكم العالم الإسلامي، وما يمكن أن يقرره المؤتمر الذي يدعو السلطان. (انظر الملاحق).

ولما بشر السلطان عبدالعزيز بفتح الطائف، أرسل إلى أعيان مكة وجدة، خطاباً، لإدخال الطمأنينة إلى نفوسهم (اُنظر ملحق نداء السلطان إلى أهل مكة وجدة).

تقدم جيش الإخوان نحو مكة، ووصل إلى "الزيمة"، على بعد 44 كم منها، في 15 ربيع الأول 1343هـ/14 أكتوبر 1924م. وأدرك الملك علي بن الحسين، أن قواته، لا تقوى على الصمود أمام جيش الإخوان، ولا تقدر على الدفاع عن مكة، وأن وضعه في مكة، يبعث على اليأس. فتركها، مع أربعمائة من جنوده، إلى جدة، ليحارب منها. وترك في مكة قوة صغيرة للأمن الداخلي.

واتصل وجهاء مكة بالشريف خالد بن لؤي، طالبين منه دخولها، بأمان. فدخلها في ربيع الأول 1343هـ/أكتوبر1924م، ومعه الإخوان، محرمين مهللين مكبرين، من دون إراقة دماء. وتولى الشريف خالد بن لؤي مقاليد الأمور فيها. وتألفت حكومة مؤقتة لإدارة شؤونها. وبهذا أصبحت مكة تحت حكم السلطان عبدالعزيز بن سعود.

غير أن بعضاً من كبار أهالي جدة، كتبوا إلى خالد بن لؤي، يعرضون عليه الهدنة بين الطرفَين، ويذكرون له نص الخطاب، الذي كتبه السلطان عبدالعزيز إلى أهالي مكة وجدة، ويعدهم فيه بالأمان على دمائهم وأموالهم. فأجابهم خالد "بأنه يجب على الملك علي بن الحسين، أن يقدم إليه. وأن أمر السلم والحرب، من شأن السلطان عبدالعزيز". فأرسلوا إلى خالد وفداً، للتتفاهم، وقد خير خالد أهل الحجاز بين أمرَين: القبض على الملك علي، أو إخراجه من الحجاز. فإن كانوا لا يقدرون على ذلك، فإنه مستعد لإمدادهم بقوة، تحقق لهم ما يختارون. فلم يتفقوا على رأي.

كما أن معتمدي الدول الأجنبية وقناصلها، في جدة، أرسلوا إلى خالد بن لؤي، وسلطان بن بجاد، يؤكدون لهما التزام دولهم بالحياد، إزاء النزاع في الحجاز، ما دام رعاياها في أمان، ورد السلطان عبدالعزيز برسالة مطمئنة لهؤلاء القناصل وما يجب عليهم عمله حيال رعاياهم.(اُنظر نص ذلك الخطاب ورد السلطان عليه في الملاحق).

عزم السلطان عبدالعزيز على التوجه من الرياض إلى مكة. فدخل على أبيه، الإمام عبدالرحمن، فقبل يديه، وتزود بدعائه ورضاه. واحتشد رؤساء القبائل والأعيان، في الرياض، لوداعه. فكان مما قاله لهم: "إني مسافر إلى مكة، لا للتسلط عليها، بل لرفع الظلم عنها. وإني مسافر إلى مهبط الوحي، لبسط أحكام الشريعة وتأييدها. إن مكة للمسلمين كافة. وسنجتمع، هناك، بوفود العالم الإسلامي، فنتبادل الرأي في الوسائل، التي تجعل بيت الله بعيداً عن الشهوات السياسية ... وسيكون الحجاز مفتوح لكل من يريد عمل الخير، من الأفراد والجماعات".

وجعل والده، الإمام عبدالرحمن، هو المرجع في الشؤون الداخلية. وأناب مكانه ابنه، سعود بن عبدالعزيز، على أن يعمل بمشورة جده. وجعل القيادة، على الحدود الشامية، بيد عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي؛ وعلى الحدود العراقية، بيد عبدالله بن جلوي. وكان سفره إلى مكة، في يوم 13 ربيع الثاني1343هـ / 11 نوفمبر1924م. وسافر معه جمع كبير، من أهل بيته، ومن العلماء والوجهاء، والحاشية. وتبعه خمسة عشر لواء من الجند.

وفي يوم الخميس 7 جمادي الأولى سنة 1343هـ /4ديسمبر 1924م، دخل السلطان عبدالعزيز، ومن معه، مكة، معتمرين. ولما اكتملت عمرته، توافد إليه سكان مكة، مرحبين، ومبايعين. فرحب بهم، وأظهر أسفه لما حدث في الطائف، ووعد بإزالة الظلم، وبإقامة العدل. وفي صباح الجمعة، أعدت بلدية مكة سرادقاً كبيراً للسلطان، استقبل فيه وفود المهنئين. وفي صباح السبت، استقبل علماء مكة وأعيانها. وخطب فيهم أول خطبة له في مكة (اُنظر ملحق نص بلاغ من السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى من في مكة وضواحيها من سكان الحجاز، الحاضر منهم والباد). وقبل من العلماء والأهالي بيعتهم، ووعدهم بإزالة الظلم، وتحقيق الأمن، وتطبيق الشريعة.

وفي أثناء إقامة السلطان عبدالعزيز بمكة دخل في طاعته كلٌّ من رابغ والليث والقنفذة، سلماً. وكانت هذه البلدت موانئ ذات أهمية كبيرة، في توفير طرق آمنة إلى مكة. وأعلن السلطان عبدالعزيز، أن الطريق إلى مكة آمنة، من طريق الموانئ على البحر الأحمر.

وحاولت جهات مختلفة، أن تتوسط بينه وبين الملك علي بن الحسين، مثل المجلس الإسلامي، في فلسطين؛ والملك فؤاد الأول، ملك مصر، الذي أرسل وفداً، برئاسة الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الجامع الأزهر. كما توسطت شخصيات بارزة، تربطها صداقة بالطرفَين، مثل السيد طالب النقيب، من العراق؛ وأمين الريحاني، من لبنان؛ والمستر جون فيلبي الإنجليزي. ولكن تلك الوساطات، لم تنجح.

وبعد شهر من دخوله مكة، أمر السلطان عبدالعزيز أتباعه، بالتوجه إلى جدة، بعد ما اجتمع إليهم في الوزيرية، ثم في الرغامة. وكان الملك علي بن الحسين، قد حصن جدة تحصيناً جيداً. فحفر الخنادق، ومد الأسلاك الشائكة. كما وصلته إمدادات كبيرة، من والده وأخيه، في الأردن، اشتملت على مختلف أنواع الأسلحة والأموال.

وقد عسكر السلطان عبدالعزيز بالرغامة، مشدداً الحصار على جدة. وتبادل الهجمات مع خصمه من وقت إلى آخر. ويقول الدكتور العثيمين، إن السلطان عبدالعزيز، "لم يحاول أن يقتحم تلك البلدة (جدة)، لأنه كان يدرك حجم الخسائر، التي قد تنجم عن الاقتحام، ويخشى حدوث خطر على ممثلي الدول الأجنبية، هناك، فتقف ضده".

وتوالت عليه الإمدادات، من داخل البلاد، وهو في الرغامة، فازداد موقفه العسكري قوةً، يوماً بعد آخر. وتمكن أتباعه من إدخال ينبع النخل والعلا، في الشمال تحت حكمه. وبذلك، فتحت الطريق بين مكة وتلك الجهات.

وفي أواخر شهر ذي القعدة عام 1343هـ/يونيه 1925م، ذهب السلطان عبدالعزيز إلى مكة، لأداء فريضة الحج. فاستغل ذلك الملك علي بن الحسين ليهاجم معسكره، في الرغامة. ولكن أتباعه استطاعوا صد الهجوم، وأبادوا معظم جيش الملك علي بن الحسين.

وقد قام كثير من الأهالي بأداء فريضة الحج ذلك العام 1343هـ/يونيه 1925م. كما أمكن بضعة آلاف، من خارج البلاد، أداء مناسك الحج، وعادوا إلى بلادهم، في يسر وأمان، عبْر موانئ رابغ والليث والقنفذة. فكان لهذا أثره الطيب، معنوياً واقتصادياً.

6. الاستيلاء على المدينة المنورة

في الوقت الذي كانت فيه قوات السلطان عبدالعزيز بن سعود، تحاصر جدة، توجه اهتمامه إلى المدينة المنورة، التي حرص على دخولها في طاعته، بسلام. فأرسل إليها، أولاً، سرية، بقيادة صالح بن عَذْل، ثم وجه سرية أخري بقيادة إبراهيم النشمي، وطلب منهم عدم دخول المدينة ولو فتحت أبوابها، إلا بعد مراجعته. وبعد انقضاء موسم الحج عام1343هـ/1925م، بعث إليها قوات، يقودها فيصل الدويش، وعبد المحسن الفرم، فحاصراها، وطلبا من أهلها التسليم. وبعد حصار، دام عشرة أشهر، أدرك بعض كبار أهل المدينة، أنه لا محيص عن الاستسلام، ولا بدّ دخولهم في طاعة السلطان عبدالعزيز. فكتبوا إليه أن يرسل أحد أبنائه، ليسلموا له. فأرسل السلطان ابنه، محمد بن عبدالعزيز. واستسلمت له المدينة، في 19 جمادى الأولى سنة 1344هـ/5 ديسمبر 1925م، شريطة أن يؤمن الأمير محمد أهلها على دمائهم وأموالهم، وأن يسلموه جميع ما للحكومة السابقة، من أموال وعتاد.

وكان دخول المدينة في طاعة الملك عبدالعزيز، مكسباً، سياسياً وعسكرياً له؛ ونكسة للملك علي ابن الحسين، لأن حاميات المدينة المنورة، كانت تملك أسلحة ومعدات حربية كثيرة.

7. تسليم جدة

كان للاستيلاء على المدينة المنورة، أثره السلبي في الملك علي بن الحسين، الموجود في جدة. وتوالت النكبات عليه. بينما ازداد موقف السلطان عبدالعزيز ثبوتاً ورسوخاً. وأخذت الإمدادات تتوالى عليه من جميع أنحاء البلاد التابعة له. فوصلته قوة، بقيادة ابنه، فيصل بن عبدالعزيز. واشتد الحصار على جدة، وقلت الأطعمة ومياه الشرب. ونفدت الذخيرة والأموال. ودب اليأس في نفوس الناس. وكان السلطان عبدالعزيز على دراية تامة بما يحدث في جدة، فأصدر عفوه العام عمن يغادر جدة إلى مكة، أو إلى أي مكان آخر (انظر ملحق نص خطاب العفو العام، الموجه من السلطان عبدالعزيز آل سعود، إلى أهالي مكة، وملحق بلاغ من السلطان عبدالعزيز لبراءة الذمة إلى أهل جدة). وقد شجع ذلك بعضاً من أهلها على المغادرة. كما تبعهم بعض القوات النظامية، وكبار الموظفين. وكان لهذا الوضع المتردي أثره السلبي في الملك علي بن الحسين، الذي أدرك أن لا فائدة من المقاومة. فدخل في مفاوضات مع السلطان عبدالعزيز، في شأن تسليم البلاد إليه. واتصل بالمعتمد البريطاني، في جدة، في يوم الثلاثاء 29 جمادي الأولى سنة 1344هـ/15ديسمبر 1925م، مقترحاً شروطه للتسليم. فقابل المعتمد البريطاني السلطان عبدالعزيز، وأطلعه على الشروط. وبعد أن أدخل السلطان بعض التعديلات الطفيفة عليها، قبلها الطرفان، ووقعها كلٌّ من السلطان عبدالعزيز والملك علي بن الحسين، وذلك في أول يوم من جمادى الآخرة /17 ديسمبر من السنة نفسها. وكان أهم شروط التسليم:

·    يتنازل الملك علي بن الحسين عن ملك الحجاز، ويغادرها في 17 ديسمبر بممتلكاته الشخصية فقط. على أن يُسلم للسلطان عبدالعزيز كل ما كانت تملكه حكومة الحجاز السابقة، من أسلحة ومدافع وطائرات وسائر المعدات الحربية.

·    يضمن السلطان عبدالعزيز سلامة الموظفين، الملكيين (أي المدنيين) والحربيين، والأهالي والقبائل عموماً، ويمنحهم العفو العام. ويتعهد بترحيل الضباط والعساكر، الذين يرغبون في العودة إلى أوطانهم (انظر ملحق اتفاقية تسليم جدة، بين الملك علي بن الحسين والسلطان عبدالعزيز آل سعود).

رحل الملك علي بن الحسين عن جدة، على ظهر البارجة الإنجليزية، "كورن فلاور"، متجهاً إلى العراق، في 6 جمادى الآخرة سنة 1344هـ/22ديسمبر 1925م. ودخل السلطان عبدالعزيز جدة، في اليوم التالي، بعد حصار دام عاماً كاملاً. فرحب به الأهالي، وعاملهم معاملة حسنة. وباشر في تشكيل لجنة إدارية، من أهلها، للنظر في شؤونها وما تحتاج إليه؛ وتعرض عليه نتيجة ما تراه، وما فيه المصلحة.

وأسدل الستار على ملك الهاشميين في الحجاز. ووحدَّت الحجاز مع بقية ما وحده السلطان عبدالعزيز.

8. مبايعة أهل الحجاز للسلطان عبدالعزيز ملكاً على الحجاز

عاد السلطان عبدالعزيز آل سعود، من جدة، بعد فتحها، إلى مكة المكرمة. واجتمع أعيان أهل الحجاز، في يوم 22 جمادى الآخرة عام 1344هـ/7 يناير 1926م، وقرروا، بالإجماع، مبايعة السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ملكاً على الحجاز. واتفقوا على شروط البيعة ونصها، ثم قدموها إلى السلطان ليرى فيها رأيه. وطلبوا منه، إذا حازت قبوله، أن يعين الوقت لعقد البيعة. فرحب برأيهم، وأجاب طلبهم. وبعد صلاة الجمعة، من يوم 25 جمادى الآخرة، اجتمع الناس في المكان المعد لأخذ البيعة، عند الحرم الشريف. وجاء السلطان إلى الحفل، وأخذ مكانه في وسطهم. وتُلي نص خطاب البيعة التالي، وسط طلقات المدافع، ابتهاجاً بالمناسبة:

بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. نبايعك، يا حضرة السلطان، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل السعود، على أن تكون ملكاً على الحجاز، على كتاب الله، وسنة رسول الله ـ r. وما عليه الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والسلف الصالح، والأئمة الأربعة، رحمهم الله ـ. وأن يكون الحجاز للحجازيين، وأن أهله الذين يقومون بإدارة شؤونه، وأن تكون مكة المكرمة عاصمة الحجاز، والحجاز جميعه تحت رعاية الله، ثم رعاية جلالتكم".

وبعد ذلك، اجتمع كبار أهل المدينة المنورة، في المسجد النبوي الشريف، ودعوا الأمير محمد بن عبدالعزيز، وعقدوا البيعة للملك عبدالعزيز، ملكاً على الحجاز. وتوالت إعلانات البيعة من مناطق الحجاز الأخرى.

9. توحيد المخلاف السليماني (جازان)

في أوائل القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي، كان الشريف حمود بن محمد، الملقب بأبي مسمار (تُوفي عام 1233هـ / 1818م) يحكم سيطرته على منطقة المخلاف السليماني (جازان وصبيا وصامطة وأبو عريش). وكان يعادي الدولة السعودية الأولى التي سيرت إليه حملات لإخضاعه. كما كانت علاقاته بجيرانه، زعماء عسير، غير ودية، وتعاون مع قوات محمد علي باشا. وعلى الرغم من أن الزعماء العسيريين، وجهوا حملاتهم إلى منطقة المخلاف السليماني، إلا أن الأشراف، حافظوا على استقلالها عن نفوذ عسير. وبعد أن أحكمت الدولة العثمانية سيطرتها على عسير، مدت نفوذها إلى منطقة المخلاف.

وقد انتقل أحد المتصوفة المغاربة، السيد أحمد بن إدريس، من بلاده إلى مكة، ومكث بها ثلاثين سنة، وأسس طريقة صوفية، استقطب لها مريدين فيها. ثم توجه إلى تهامة، واستقر في صبيا، شرق جازان، عام 1246هـ / 1830م. وأخذ ينشر طريقته، هناك، حتى تُوفي، عام 1253هـ/1837م. وبعد عدة عقود، أي في عام 1293هـ /1876م، ولد له حفيد، هو محمد بن علي الإدريسي. تلقى تعليمه الأوّليّ في صبيا، ثم سافر إلى القاهرة، ودرس في الأزهر ست سنوات (1314 ـ 1320هـ). ومن هناك، توجه إلى ليبيا، وزار مركز الدعوة السنوسية. وفي طريق عودته إلى مسقط رأسه صبيا، عرج على السودان، وتزوج فيه. ولما وصل صبيا، نشط في الدعوة إلى طريقة جده، التي تحولت، على يديه، إلى حركة سياسية، مما شكل خطراً على الحكم العثماني، في تهامة وعسير. وجردت عليه الدولة العثمانية حملة، بعد أن بسط نفوذه في تهامة، واشترى أسلحة من إيطاليا. وعجزت الحامية العثمانية في متصرفية عسير، عن مقاومته. وقاد الحملة العثمانية شريف مكة، الحسين بن علي، يرافقه أحفاد سعود بن فيصل آل سعود، عام 1328هـ/1910م.

وتحالف الإدريسي مع بريطانيا، عام 1333هـ/1914م. واعترفت له بالسيادة على تهامة، وتعهدت بحمايته. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهزيمة العثمانيين، استأثر محمد بن علي الإدريسي بحكم المخلاف السليماني. فتنازلت له بريطانيا عن ميناء الحديدة، وضمها إلى دولته. وبعد ذلك، وجد الإدريسي نفسه بين نارَين، الشريف حسين بن علي، شمالاً، في الحجاز؛ والإمام يحيى حميد الدين، جنوباً، في اليمن. فاضطر إلى إرسال وفد إلى الرياض، في عام 1338هـ/1919م، للاتفاق مع الأمير عبدالعزيز بن سعود، على حمايته، وعقد معاهدة حُسن جوار. وصدر بيان في شأن ذلك، في 16 من ذي الحجة في عام 1339هـ/أغسطس 1921م (اُنظر ملحق عقد أخوة سعودي - إدريسي).

وبعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي، في 3 شعبان سنة 1341هـ/مارس1923م، حل محله أكبر أبنائه، السيد علي بن محمد الإدريسي. وكان فتى يافعاً، في السابعة عشرة من عمره. وحدث خلاف داخل أسرة الإدريسي، حينما دعا بعض رؤساء القبائل، إلى تولية عم الأمير الشاب، السيد حسن بن علي الإدريسي، بدلاً منه، ليتمكن من إصلاح الأحوال في الإمارة. وكان السيد حسن هذا ميالاً إلى الزهد والتصوف. وانتهى الخلاف بتعيين السيد حسن وصياً على ابن أخيه، الذي لم يسلم بذلك، فأخذ ينكل بأنصار عمه. وانقسمت الناس إلى قسمَين، كل قسم، يؤيد صاحبه. وأقام السيد علي بجيزان وعمه، السيد حسن بصبيا. وتوالت النداءات من نجل الإدريسي، إلى السلطان عبدالعزيز، لضم الإمارة إلى السلطنة النجدية؛ وكان السلطان يتريث في استجابة لطلبه.

وفي جمادى الأولى 1344هـ/ديسمبر 1925م، اشتد الخلاف بين الطرفَين. واستنصرا بالسطان عبدالعزيز، الذي سعى في الصلح بينهما. وأرسل أمير أبها، ابن عسكر، لفض النزاع، سلماً. فبعث ابن عسكر وفداً من مشايخ عسير، ومعهم سرية من الجند، استطاعوا تهدئة الأوضاع في المنطقة. بعد ذلك آلت الأمور إلى تمكن مؤيدي السيد حسن من الحكم، ولجأ الشاب السيد محمد بن علي الإدريسي، إلى مكة. ولما اضطربت الأحوال في الإمارة، تشجع الإمام يحيى، وقاد جيشه، واسترد ميناء الحديدة من الأدارسة. كما استولى على بلدان، تقع في شمال المدينة وشرقها.

ولما آل الحكم، في جازان، إلى السيد حسن بن علي الإدريسي، حاول الحصول على مساعدة من إيطاليا. ولكنه فشل في ذلك. وفي تلك الأثناء، كان السلطان عبدالعزيز، قد بسط نفوذه على الحجاز. فرأى السيد حسن بن علي الإدريسي، أن من الأفضل له أن يحصل على حماية السلطان عبدالعزيز، ضد إمام اليمن، الذي كان يطمع في بلاده. فأرسل مندوبه، ابن عمه، السيد محمد ميرغني الإدريسي، إلى مكة، يطلب من ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، الدعم والمساندة. فانتهت المباحثات إلى عقد اتفاقية مكة بين الطرفين، في 14 ربيع الآخر سنة 1345 /21أكتوبر 1926 (اُنظر ملحق اتفاقية مكة المكرمة، بين جلالة الملك والإدريسي). وبموجب هذه الاتفاقية، أصبحت الأمور الداخلية في منطقة جازان، للإدريسي. أما الأمور الخارجية، فللسلطان عبدالعزيز، الذي تعهد بالدفاع عن منطقة جازان، ضد أي عدوان عليها. وأرسل مندوباً من قبله، هو صالح بن عبدالواحد، ومعه بعض الخبراء والموظفين، لمساعدة حسن على تصريف شؤون البلاد. وبقيت العلاقات بين الطرفين جيدة، إلى أن أسند السيد حسن بن علي الإدريسي إدارة البلاد، إلى الملك عبدالعزيز، في 17جمادى الأولى 1349هـ/أكتوبر1930م (انظر ملحق نص البلاغ الرسمي).

وفي عام 1350هـ/ 1931م، وفد بعض دعاة حزب الأحرار الحجازي، من شرق الأردن، إلى جازان. وزينوا للسيد الإدريسي إعلان الثورة، واسترداد إمارته وسلطانه، فأعلن العصيان، في 5 رجب 1351هـ/4نوفمبر 1932م. وتزامنت ثورته تلك، مع تمرد ابن رفادة، في شمالي الحجاز. وأرسل الملك عبدالعزيز إليه قوة انطلقت من مكة. واكتسحت الإمارة، في أواخر شوال 1351هـ/24فبراير1933م. ولجأ السيد حسن، وابن أخيه، عبدالوهاب، وحاشيته وأنصاره، إلى صنعاء. ولكن الحكومة السعودية استعادتهم، ضمن شروط الصلح، بعد الحرب بين اليمن والسعودية، التي عقدت في 6 صفر 1353هـ/مايو 1934م. وبذلك، تم توحيد المخلاف السليماني (جازان)، وأصبحت، عملياً، تابعة لحكم السلطان عبدالعزيز.

 



[1]  بلدتان تقعان بالقرب من جبل حضَن الفاصل بين نجد والحجاز، تربة على مسافة خمسة وسبعين ميلاً إلى الجنوب من حضَن، وسكانها من البقوم، وهي مفتاح الطائف من الشرق والخرمة على مسافة خمسين ميلاً إلى الشرق منه ،وتقع في وادي سبيع وكان أميرها الشريف خالد بن منصور بن لؤي. وتحيط قبيلة عتيبة بالبلدتين. وتعدان من نجد ولكن كانت السيادة فيهما لأشراف الحجاز، فادعى الملك حسين رعايتهما. ولكن أهلهما من بدو وحضر وأشراف قد اعتنقوا مبادىء الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب منذ أيام الدولة السعودية الأولى، ولهذا كان ابن سعود يراهما من مناطق نفوذه. وللبلدتين أهمية خاصة من الناحية التجارية بين الحجاز ونجد.

[2] خالد بن منصور بن لؤي من الأشراف العبادلة، كان أميراً على الخرمة من قبل الشريف حسين. ولما ساءت العلاقة بينه وبين الشريف، انضم لابن سعود صار من زعماء جيش الإخوان، وعزله الشريف عن الإمارة وصار له شأن في فتح الحجاز.