إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود




الملك عبدالعزيز آل سعود
الملك عبدالعزيز وملك أفغانستان
الملك عبدالعزيز والملك حسين بن طلال
الملك عبدالعزيز والملك عبدالله بن الحسين
الملك عبدالعزيز والملك فاروق
الملك عبدالعزيز والملك فيصل بن الحسين
الملك عبدالعزيز وتشرشل
الملك عبدالعزيز يطالع جريدة





القسم السادس

القسم السادس

خطب الملك عبدالعزيز وثقافته ومعارفه

 

1. موضوعات خطبه

إذا خطب الملك عبدالعزيز في حشد من الناس يرسل الكلام إرسالاً، من دون أن يتقيد بأساليب البلغاء، أو بقواعد اللغة، بل يخطب بلهجة أهل نجد، وتغلب على خطبه المسحة الدينية، وكثيراً ما يستشهد بآيات قرانية وأحاديث نبوية.

لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس، وفيهم من يكتبها ويحفظها. ويكاد سامعه لا يعرف أنه يخطب، إلا من ارتفاع صوته هادراً، ومن ابتدائه ـ حين يريد الاسترسال والتوسع ـ بحمد الله، ثم بالصلاة على نبيه كما يفعل السلف.

يتحدث حين يخطب، منطلقاً على سجيته، غير متأنق ولا متكلف. فيفيض في الشطر الأول من خطبته ـ أو من حديثه ـ يما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها، أو يستمد معاني أكثرها من آيات كتاب الله، ومن الحديث النبوي. ويأتي بالشواهد، وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر، يرد في كلامه عرضاً، لا على أنه قول ينشد، ولكن على أنه كلام محكم يورد.

ويتناول الموضوع، فإن كان عادياً، كافتتاح مجلس أو شروع في تنفيذ مشروع، أو تحدث إلى فريق من الناس، تكلم هادئاً متمهلاً، تتخلل قوله ابتسامة خفيفة تجتذب إليه قلوب سامعيه، وإن لم تكن الابتسامة، فليس هناك عبوس ولا تجهم، ولا يلمح على وجهه في أي حال ما يعلو وجوه معظم الخطباء من تحديق، في قريب أو بعيد، ومن اصطناع للجد. لا أثر للنكتة في خطاباته ولا توقف لمعرفة رأي السامع فيما يقول.

وتجدر الإشارة، إلى أنه كانت له كذلك، خطب وتصريحات، رسمية أو شبه رسمية، كان يملي الفكرة فيها، على بعض كتابه، فتصاغ الصياغة الأنيقة، ولا يلقيها هو، وإنما يتلوها بالنيابة عنه أحد مستشاريه أو وزرائه. ولا يكون عبدالعزيز هو المتكلم إلا إذا تحدث، أو ارتجل واستثير.

من عادته أن يخطب وهو جالس، يشير بسبابته اليمنى، ويستعين بها أو بقضيب صغير يحمله في يده، على أداء ما في فكره.

وكانت ذاكرة الملك مثيرة للإعجاب. فقد كان يحمل في رأسه كثيراً من المعلومات. وكانت لديه موهبة التذكر الفوري. فكان ـ مثلاً ـ عالماً بكل قبائل مملكته، وبطونها، وأفخاذها، وتواريخها وتقاليدها. وكان يستطيع في بضع ثوان من بدء حديثه، مع أي بدوي، أن يعرف من طريقة كلامه، القبيلة التي ينتسب إليها، والفرع الذي ينحدر منه.

وكان متحدثاً ومجادلاً بارعاً، كما كان بليغاً في خطبه. وكانت سيطرته على نفسه من القوة، بحيث لا يتكلم بكلمة في غير محلها، أو زائدة عن المقصود. ولم يقل شيئاً ندم على قوله فيما بعد أو ود لو لم يقله. وهو مشهور بالإفاضة في الحديث. فإذا بدأ بموضوع لا يتركه قبل أن يلم به من جميع نواحيه، ولا يدع زيادة لمستزيد. فإذا قاطعه جليسه أو محدثه مستدركاً على شيء، أو مبدياً رأيا لاح له أو فكرة مرت بخاطره قال: "اسمع أنا أعلّمك" أي أخبرك، أو: "اسمع، اسمع الله يهديك "  أو  "ما تسمع الله يسلمك". ويردد هذه الجمل كثيراً في محادثاته اليومية.

وكان يخاطب كل جماعة بما يناسبها، لأهل الحضر لغة، ولأهل البادية لغة، وللعلماء لغة. وكان فصيح اللسان، سريع الخاطر، لطيف الجواب.

وكان كلامه العادي مليئاً بالمجازات الذكية، والحكم والأمثال، التي تجعل سامعه يود لو أنه لا يتوقف عن الحديث. وكان دائماً يجد الملاحظة الدقيقة، والمثل المناسب لأي موقف. من ذلك أنه تحدث مرة مع عبد الوهاب كاتب الحرم، أحد وزراء الشريف حسين السابقين. ولدى مصافحة عبدالوهاب له، علق على نعومة يدي السلطان عبدالعزيز، معبراً عن دهشته أن تكونا لمحارب مثله. ولم ينزعج الملك أو يحرج، بل ابتسم، واستشهد ببيت الشعر المشهور:

إن الأفاعي وإن لانت ملامسها       عند التقلب في أنيابها العطب

2. أسلوبه ولهجته

ومن مزايا الملك عبدالعزيز الحميدة، اعترافه بأنه لم يتلق العلوم، ولم يرزق حظ الإحاطة بها. ويكرر ذلك في معظم المناسبات ويقول: "حنّا ( نحن) ما تعلمنا، فيجب على الذين تعلموا أن يساعدونا ويرشدونا".

ولذا، كان يعتذر عن أخطائه الكتابية إذا كتب بنفسه. وكان يتكلم بالعامية النجدية، ولا يبالي بقواعد النحو والصرف مادام يُعْرِب عن قصده، ومادام أمره يفهم وينفذ. وكان أهل الحجاز ومصر، والحجاج من بعض الأقطار العربية لا يكادون يستوعبون ما يقول، إذا خطب فيهم، لكثرة استخدامه للألفاظ النجدية الدارجة، التي لم يألفوها.

وفي أول اجتماع بين الملك (أو السلطان آنذاك) عبدالعزيز، والشيخ  محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الذي جاء موفداً من الملك فؤاد ملك مصر، ليتوسط في مسألة حصار جدة عام 1925م، تحدث الملك بلهجته النجدية، وتعذر على الشيخ المراغي فهمها، ووجد صعوبة في الرد على أسئلة الملك. فاحتال حافظ وهبة، المستشار المصري لدى الملك، لتأجيل الحديث إلى اليوم التالي، تاركاً للشيخ المراغي فرصة للتفكير. وقد أنقذ حافظ وهبة الشيخ المراغي من هذه الورطة. وحدث الشيء نفسه عندما زار الملك فاروق، ملك مصر، الملك عبدالعزيز، والتقيا على سفح جبل رضوى قرب ينبع في 10 صفر 1364هـ/ 25 يناير 1945م. فكان بعد كل حديث للملك عبدالعزيز، يقول لعبدالرحمن عزام باشا: ترجم يا عزام[1].

ويروي حافظ وهبة: أنه في أول عهده بالعمل عند الملك عبدالعزيز، أملى عليه عبدالعزيز مذكرة طويلة، عن بعض غزوات عشائر العراق على عشائر نجد. وبعد الانتهاء من الإملاء، طلب حافظ وهبة منه مهلة، لكي يضع المذكرة في قالب عربي. فاستشاط السلطان غضباً، وصاح في وجه مستشاره: هل نحن عجم؟.

وقد عانى المترجمون الأجانب، كذلك، من صعوبة فهم لهجة الملك عبدالعزيز، ولذا كانت تفوتهم أجزاءً مهمة من حديثه.

وكان الملك يجد صعوبة في نطق الكلمات الغريبة والأجنبية، وكان يتغاضى عن بعضها أو يتصرف فيها. مثلاً موسوليني يصبح ميسولوني، والإنجليز، تصبح الإنجلايز. حتى الكلمات العربية غير المعتادة، كان يتصرف فيها، فكان لا يجري على لسانه السّكون في أواخر الأسماء المنتهية بالتاء المربوطة، مثل مدحت أو حكمت أو طلعت فيجعلها هاء ساكنة: مدحه، حكمه، طلعه. وينادى طبيبه الخاص الدكتور مدحت شيخ الأرض بـ (مدحه). واستثقل لقب مستشاره الليبي خالد القَرْقَني، فدعاه بأبي الوليد، فكان يقال له خالد أبو الوليد.

وكانت له لازمة في لهجته، وهي الإكثار من استخدام كلمة: (ترى الصحيح)، بمعني (في الحقيقة أو في الواقع)، وذلك للفت انتباه السامع والمخاطب.

3. إكباره للعلماء وأساليبه في الإقناع

كان لعلماء الدين المقام الأول عند الملك عبدالعزيز. يقدمهم على إخوانه وأبنائه وكبار جلسائه. يُصغي إلى آرائهم، ويعمل بمشورتهم، ويبالغ في إكرامهم. وقلّ أن يجادلهم في أمر يرون فيه ما لا يرى، قبل أن يفسح المجال لهم ليناقشوا الأمر فيما بينهم. فإن انفرد بعضهم أو أحدهم بما يوافق رأيه، لم يعجل في الأخذ بما قال، وتريث إلى أن يقتنع الآخرون.

وعودهم إذا بدا لهم أمر، ورأوا فيه النصيحة  له، أن يكتبوا له فيه خطاباً، ثم يحضرون لمقابلته، أو يكلفون واحداً منهم أن يعرضه عليه، بالنيابة عنهم، فيرى فيه رأيه. (والشيوخ أبخص)، كما يقول جمهور النجديين، أي: الملك أدرى. وكان لكبارهم هيبة في نفسه، لا يصطنعها ولا يتعمْلها. ولا سيما آل الشيخ، حفدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي قامت على دعوته دعائم الدولة السعودية، في سابق عهدها.

سُمع الملك عبدالعزيز ذات مرة يقول: ما لقيت الشيخ ـ يعني عبدالله بن عبداللطيف ـ إلا تصيب العرق من إبطي.

4. عنايته بالأخبار

كان الملك عبدالعزيز يعتني بالأخبار عن البلاد المجاورة. وتنقل إليه الأخبار عن طريق جهاز استعلامات منظم، فلا يكاد يفوته شيء مما يقع من حوادث. ويوافيه أمراء المناطق في بلاده بالأخبار، في تقارير برقية بشكل يومي. وقد ساعدت أجهزة اللاسلكي والمبرقات، في سرعة وصول الأخبار إليه. وبعد توفر أجهزة التقاط الإذاعات، كان يكلف من يعرض عليه تلخيصاً يومياً، لِما تبثه الإذاعات العربية والأجنبية، من أخبار.

ويحكي أمين سعيد:  أنه دخل على الملك عبدالعزيز، وكان يومئذ في مكة سنة 1930م، فبادره الملك بقوله: اليوم انقطعت المفاوضات بين النحاس باشا والمستر هندرسن، وغادر الوفد المصري لندرة (لندن) من دون الوصول إلى اتفاق. ودخل عليه ذات مرة، فقال له: لقد أعلن المسيو بونسو الدساتير في سورية.

وكانت له عناية بالصحف العربية، خاصة المصرية، ويقرأ ما تكتبه عن بلاده بإمعان. وتُرفع إليه قصاصات من الصحف العربية. ويتولى قلم الترجمة في ديوانه، ترجمة المقالات الخاصة ببلاد العرب في الصحف الأجنبية، مثل التايمز، والنيرإيست، وكذلك ما يكتب في الصحف الهندية عن الحجاز.

5. عنايته بنشر الكتب ومساعدة ناشريها

أحيا الملك عبدالعزيز تراث السلف الصالح، بالعناية بطباعته، خاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، فانتشرت في مختلف الأمصار. كذلك، ووجه عناية خاصة إلى كتب العلوم الإسلامية المخطوطة، فأمر بطبع طائفة منها وتوزيعها مجاناً. وبلغ ما طبعه منها نيف ومئة مجلد. كما طُبعت على نفقته كتب كثيرة، في الهند ومصر، لم يذكر عليها اسمه، إلاّ ما جاء على بعض مطبوعاته في الهند من أنها (طبعت على نفقة من قصده الثواب من رب الأرباب).

وهناك عشرات  من كتب التفسير والحديث والتاريخ والأدب، القديمة والحديثة، أمر بشراء مجموعات منها، كبيرة وصغيرة، لتوزيعها مجاناً.

6. معرفته بطب البادية

كان للملك عبدالعزيز "سفوفاً" مما يستعمله أهل البادية للتداوي، وهو مزيج من خشب العود والصبر والمصطكا، ممزوج بالتساوي. ويأخذ الملك منه يومياً، على الريق، في حضره وسفره.

وكان له إلمام بشيء من طب البادية، أخذه عن أهلها في حياته بينهم. كما كانت لأبيه الإمام عبدالرحمن معرفة، كذلك، في هذا العلاج المستمد من كتب الطب القديم، مثل القانون لابن سينا وتذكرة داود. وكان يرجع إليه في بعض الأمراض، فيصف لها ما يعرفه من دواء. وورث الملك عبدالعزيز بعض هذه المعارف من والده.

ويروي الزركلي: أصيب طفل للملك عبدالعزيز، بحمى طال أمدها، فأرسله إلى القاهرة. وعالجه فيها كبار الأطباء، على غير جدوى. وأبرقنا إلى الملك بذلك، فجاءنا منه:

   "إذا كان عندكم الكناكينا فليعالج بها".

ولم يعرفوا "الكناكينا"، وهي نوع من الكينا (Cuinine)، كان يجلب إلى جزيرة العرب من الهند. ويئس الأطباء، ولم يبالوا ببرقية الملك، فطلبوا منا أن نبرق إليه برأيهم في سفر الأمير إلى بلاده. وقال لي أحدهم: لأن يموت بين أهله أفضل من أن يموت هنا!. وأبرقنا إلى الملك، فأرسل طبيه الخاص، وهو يؤمئذ الدكتور رشاد فرعون، فأخذ الأمير إلى الرياض، وعالجه "بالكناكينا" فشفي.

 



[1]  عبدالرحمن عزام باشا (1310-1396هـ/ 1892-1976م) ولد بقرية الشوبك في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة بمصر. حصل على إجازة في القانون، اشتغل بالسياسة وساهم في الجهاد الليبي ضد الإيطاليين. عمل قنصلاً لمصر في جدة، التقى بالملك عبدالعزيز مراراً، عمل عضواً بالمجلس النيابي، وهو أول أمين عام لجامعة الدول العربية، واستمر في هذا المنصب حتى استقال منه في أغسطس 1952م.