إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود




الملك عبدالعزيز آل سعود
الملك عبدالعزيز وملك أفغانستان
الملك عبدالعزيز والملك حسين بن طلال
الملك عبدالعزيز والملك عبدالله بن الحسين
الملك عبدالعزيز والملك فاروق
الملك عبدالعزيز والملك فيصل بن الحسين
الملك عبدالعزيز وتشرشل
الملك عبدالعزيز يطالع جريدة





القسم الخامس

القسم الخامس

طعامه ومائدته

 

1. طعامه

كان الملك عبدالعزيز قليل الطعام، مقارنة بحجمه، وكان ذلك ديدنه منذ شبابه. وكانت شهيته للأكل في تناقص على مر السنين، حتى ليعجب الإنسان كيف يمكن أن يكفى هذا الطعام القليل، جسم الملك الفارع المتين. كان يأكل ثلاث مرات في اليوم، وتكاد أنواع الطعام التي اعتادها لا تتغير، متشابهة في كل الأحوال. ويذكر د.عبدالوهاب عزام أنه، على كثرة ما كان على مائدة الملك عبدالعزيز من أصناف وألوان، كان يأكل من طعام واحد. وقال له إن طعامه، في الغداء والعشاء الخبز والحساء واللبن[1].

ففطور الصباح، ويسمونه (الريوق)، يتألف من الخبز والعسل واللبن الرائب. والغداء وموعده وقت الضحى، يكون من الأرز واللحم مطبوخين معاً، وإلى جانبهما نوع من المرق المعمول بالخضار. وقد يكتفي باللحم، مشوياً أو مقلياً. ومثله العَشَاء، ويكون بعد العصر قبيل الساعة العاشرة (بالتوقيت العربي)، الرابعة بعد الظهر (زوالية)، ويزاد فيه شيء من الحلوى. وكان يكثر من شرب حليب النياق.

وكان يكثر من أكل التمر، كما كان يأكل الفواكه، إن وجدت، وكانت قليلة في نجد والحجاز في ذلك الوقت، قلة الخضار، وتأتي من الطائف،  أو وترسل من السويس إلى مكة، فيتناول منها إبان إقامته في مكة.

والماء المفضل عنده، ماء بئر (الجعرانة)، يحمل إليه شرابه منها يومياً، حين يكون في مكة أو قريباً منها. أما حين يكون في الرياض، فإن ماء الجعرانة من هدايا خاصته إليه، معبأ في ثلاجات. وهذه البئر، تاريخية، من قبل عصر النبوة، على بُعد 18 كيلومتراً من مكة. وفي نجد كان يشرب من بئر حصى في وادي حنيفة، على بعد بضعة أميال من الرياض.

ويحب المباسطة على المائدة، خلال تناوله الطعام، ويمازح جلساءه، ورجال خاصته، ويحادثهم أحاديث طلية، ويعاملهم معاملة لا أثر فيها للكلفة. وهم يحبونه حباً جماً، ويتفانون في سبيله.

2. قهوته

كان الشيء الوحيد الذي يكثر منه شرب القهوة بالهيل، حتى أصبح خبيراً بها. وكان عدد من الخدم في القصر، مهمتهم صنع القهوة له، ويسافرون معه أينما ذهب، لهذا الغرض. وكان عمل القهوة يتطلب كثيراً من الدقة. وكان من يعملونها يحتفظون بسر إتقانها، احتفاظ الغيور على فنه. ويضاف إلى القهوة كثير من الهيل وبعض الزعفران. وقلما يطلب أو يشرب الشاي.

وكان يسترعي انتباه ضيوفه الجدد، سماعهم في مجالسه العامة، كلمة لها دوي، بين الفينة والفينة، فإنه حين يريد القهوة، يقول بصوت خافت: اقْهُوَة!. وكانت من عاداته أنه حين يحتدم غيظاً يطلب القهوة. وعندما يطلبها يردد الأخوياء (الخدم والمرافقون) الجالسون في أقصى المجلس: اقهوة.. وتتعالى الأصوات بها حتى خارج المجلس، فيسمع السقاة، ويأتي بها ثلاثة منهم أو خمسة، حسب عدد من بالمجلس الحاضرين، وبأيديهم اليسرى أباريق القهوة، وباليمنى ما لا يقل عن ستة فناجين منهم، بعضها فوق بعض.

ويتقدم أحد السقاة فيصب للملك. ويبدأ الثاني والثالث معاً، عن يمين الملك ويساره، بحركة سريعة يسمع فيها رنين الفناجين، فيسقون من في المجلس. ومن لا يريد أن يشرب، يشير إلى الساقي بكلمة (بس) فيتجاوزه. ويعودون فيجمعون الفناجين. ومن ترك بقية في فنجانه، كبها الساقي على الأرض المفروشة بالسجاد العجمي. ومن أراد الزيادة رد الفنجان إلى الساقي، فيصب له ثانية وثالثة ورابعة إلى أن يرتوي. ومن اكتفى، هز الفنجان عند تسليمه إلى الساقي، أو رده إليه مقلوباً، أو غطاه ببعض أصابعه، أو قال له: بس!

يقول الزركلي: حدثني أحد السفراء أنه في زيارته الأولى للملك عبدالعزيز، أديرت القهوة، وكان لا يستسيغها إلا بالسكر. فشربها حياء كما يشرب الدواء. ورد الفنجان إلى الساقي، فملئ، وأعيد إليه، فشربه مكرهاً. وتكرر ذلك، فقال للساقي: أرجوك.. بزيادة .. (وهو تعبير في بلاد الشام، يراد به كفى)، فظنه يطلب الزيادة، فأتحفه بها.. وحار في أمره، فتنبه له أحد الحضور، وأخرجه من المأزق.

3. مائدته

يجلس على مائدة الملك عبدالعزيز كل يوم، عشرات من الناس، غداء وعشاء. وإن كان عنده ضيف، جعله أقربهم إليه، على يمينه. ويصطف الأمراء حسب أعمارهم، على يساره. و يقابلهم إلى يمينه ووزراؤه ومستشاروه وكبار الدولة. ثم يجلس من يليهم على الجانبين من دون ترتيب.

ولا تقييد في وقت دخول الآخرين، فقد يجئ أحد الكتاب، أو صغار الموظفين العسكريين، أو الملكيين، أو بعض رؤساء البدو، في منتصف الطعام، أو أواخره، فيجلس حيث ينتهي به المجلس. وإن كان من الحاشية الملكية، دخل متسللاً، ولاحظ إن كان بين الجالسين من أقرانه، مكان خال، وإلا جلس في الأواخر. ولا يتخلى أحد لآخر عن مكانه خلال الطعام.

وإذا شبع أحد الآكلين، انسحب. وقد ينصرف نصفهم أو أكثرهم، والملك يتحدث مع من حوله أو مع أحد البعيدين عنه، ويتمهل إلى أن يشعر بأن الجالسين اكتفوا، فينهض.

وإذا قام الملك، قام معه جميع الآكلين، حتى الذين جاءوا متأخرين. ويتجه إلى غسل يديه بالطست والإبريق والصابون. وكذلك يفعل من شاء منهم، والطسوت تتعدد إذا كثر الطاعمون.

ثم يأخذ زجاجة، فيها عطر الورد، فيتطيب. ويتهافت عليه من حوله، فيمس كل منهم مرود الطيب. وتدور القهوة، وينصرف من أراد، ولا استئذان في الانصراف.

ولم تجلس امرأة على مائدة الملك عبدالعزيز، مع الرجال، طول حياته، إلا امرأة واحدة، هي الأميرة البريطانية أليس، قرينة حاكم كندا، الإيرل أوف أثلون. وكانت مع زوجها في ضيافة الملك، عندما قدما ليعبرا الجزيرة العربية، من جدة إلى العقير. وجلست الأميرة أليس مع زوجها إيرل أوف أثلون في مأدبة عشاء علنية، أقامها الملك عبدالعزيز لهما في جدة  يوم 28 ذي الحجة 1356هـ/ 1938م، وكانت تلبس أزهى الثياب العربية، وعلى وجهها شبه قناع.

سأل الزركلي يوسف ياسين: أكانت هذه المرة الأولى؟ فقال: نعم، والأخيرة.

4. كرهه التدخين

وطبقاً لما نشأ عليه من تعاليم الدعوة الإصلاحية في نجد، التي تحرم التدخين، كان الملك عبدالعزيز يكره التدخين ورائحة التبغ، ويشمئز منها. يروي خير الدين الزركلي: أن الحديث جرى بين الملك عبدالعزيز والاقتصادي المصري المعروف، طلعت حرب باشا، في أثناء زيارته للمملكة عام 1354هـ/ 1935م[2]. وسأل طلعت حرب الملك، عن تحريم التدخين في المملكة، فقال الملك: بكم يدخّن أفقر إنسان عندكم يومياً؟.

فقال طلعت: بقرشين.

ـ  كم عدد الذين يدخنون، على أقل تقدير؟.

ـ  خمسة بالمائة.

ـ  كم تخمن عدد سكان بلادنا؟.

ـ  حوالي خمسة ملايين.

ـ  إذا لم ننظر إلى ناحية التحليل والتحريم، وأُبيح التدخين، فكم ينفق المدخنون عندنا على هذا القياس؟.

قال طلعت حرب: فأخذت قلماً، وعملت الحساب، فوجدت أن عدد المدخنين سيكون 250 ألفاً، ينفقون خمسة آلاف جنيه في اليوم.

فقال الملك: ما عندنا دخان، ولا ورق للدخان، ولاشيء من آلاته، كله يأتي من الخارج، تريد أن نرسل، مع فقرنا، خمسة آلاف جنيه، هدية للخارج كل يوم، مقابل ما ننفخه في الهواء!.

قال طلعت حرب، وهو يحدث الزركلي ورفاقه: في الناس من يقول إن لي شيئاً من العلم بالاقتصاد، ووالله لقد كان صاحبكم أعلم به مني. وألجم لساني فما نطقت بحرف.

قال فيلبي في كتابه " قلب البلاد العربية ":

كنت أنا ورفيقاي ندخن ذات ليلة، وكانا مثلي ضيفين في القصر، إذ دخل علينا  "عبد" يعلمنا بقدوم الشيوخ. وكانت الغلايين وعلب التبغ مبعثرة على الديوان، فخبأناها مسرعين، وفتحنا الشبابيك كلها. إلا أنه عندما دخل السلطان (الملك عبدالعزيز فيما بعد)، كان الدخان لا يزال منتشراً  في الغرفة. فجلس، وجاء أحد العبيد تواً بالمجمرة، وفيها الطِيب، فقدمها إليه، ودار بها علينا مراراً. ثم تركها على السجادة في وسط القاعة تطهيراً للهواء. ومع أن دخان الغلايين كان أكره شيء لدى السلطان، فقد تجاهل ما كان، وظل ظريفاً على عادته. ولكنها كانت زيارته الأولى لضيوفه في منزلهم والأخيرة!. وكان إذا علم أن من سيزوره من الناس من المدخنين، أرسل إليه قبل ذهابه من يحمل البخور لتطهير الحجرة أو الخيمة التي هو فيها.

ولقد روى من حضر اجتماع الملك عبدالعزيز، مع الملك فيصل بن الحسين ملك العراق، في الطرادة البريطانية لوبن، أن فيصلاً تضايق من الامتناع عن التدخين في أثناء الحديث، فاستأذن من الملك عبدالعزيز، فأجابه: اصعد إلى فوق. (إي إلى ظهر السفينة).

وجامل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الملك عبدالعزيز، عندما التقيا بمصر عام 1945م، واحترم تقاليده، ولم يدخن في حضرته، في داخل السفينة، وبينما هو في طريقه إلى قاعة الطعام، أوقف المصعد، ليدخن سيجارتين، قبل أن يلتقي مع الملك في القاعة. وفي تلك الزيارة كذلك لم يتمكن رئيس وزراء بريطانيا، ونستون تشرشل، من إشعال سيجاره الشهير في حضرة الملك لعلمه بمدى التزامه بحرمة التدخين.

 



[1]  كان الملك يقنع بقطعة من الخبز الجاف يغمسها في المرق.

[2]  جاء في جريدة أم القرى، أن طلعت باشا حرب قد وصل إلى مكة في شعبان عام 1352هـ/ ديسمبر 1933م، جريدة أم القرى، العدد 469، الصادر في 20 شعبان 1352هـ/ 7 ديسمبر 1933م، ص2، كما ورد في الجريدة نفسها، العدد الرقم 638 الصادر في 17 ذي الحجة 1355هـ/ 28 فبراير 1937م، ص1، 5. استقبال الملك عبدالعزيز لطلعت حرب ضمن كبار الحجاج.