إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود




الملك عبدالعزيز آل سعود
الملك عبدالعزيز وملك أفغانستان
الملك عبدالعزيز والملك حسين بن طلال
الملك عبدالعزيز والملك عبدالله بن الحسين
الملك عبدالعزيز والملك فاروق
الملك عبدالعزيز والملك فيصل بن الحسين
الملك عبدالعزيز وتشرشل
الملك عبدالعزيز يطالع جريدة





القسم الثاني

القسم الثاني

قصره وديوانه

 

يصف محمد المانع قصر الملك عبدالعزيز في الرياض، في الثلاثينات من القرن العشرين، فيقول:

كان قصر الملك أكبر بناية في الرياض. وكانت مساحته حوالي ثمانية آلاف متر مربع. وكان، كغيره من بيوت المدينة، مبنياً من اللبن والطين. وكان القصر ذا طابقين، وأربعة أجنحة، تمتد من وسطه إلى الجهات الأربع. وكان كل جناح مكوناً من غرف واسعة، وقاعات، ودرج، وباحات. وكان الجناح الشمالي أوسعها. وكان في الطابق الأرضي منه، مخازن مملوءة بالأطعمة المختلفة، خاصة الأرز والتمر، اللازمة لتموين الملك وجيشه. وكان عند نهايته مطبخ كبير، يتم فيه إعداد الطعام لمن في القصر، ولجماهير الزائرين من البدو. وكان فيه قدور، يبلغ علو كل واحدة منها بين ثمانية وعشرة أقدام، وتتسع لطبخ بعير كامل. وكان الطباخون يعدون كل يوم الوجبات التقليدية من الأرز المسلوق واللحم، لما لا يقل عن مائة ضيف بدوي. وكان هؤلاء يتناولون الطعام المقدم لهم في دكة واسعة، فوق المطبخ مباشرة.

أما الجناحان الجنوبي والشرقي من القصر، فكان فيهما مكاتب ومستلزمات الشؤون الداخلية للخاصة الملكية، وإدارة الجيش، ومساكن لخمسين أو ستين زنجياً، كانوا خدماً وحراساً للقصر. وكان في داخل القصر وخارجه دكاك عديدة من الطين، يجلس عليها طيلة النهار، جمهور غفير من رجال القبائل الزائرين وغيرهم، ممن لهم حاجة عند الملك أو ديوانه.

أما ديوانه فكان في القصر نفسه، ويقع في الطابق الأول من الجناح الشمالي، الذي كانت فيه غرفة لبلاط الملك، ومجلسه الخاص والعام، وغرفة للهيئة السياسية، ومكاتب أصغر حجماً لموظفي الديوان. وكان هناك رواق يؤدي إلى مسجد القصر، الواقع في الجناح الغربي. وكان فوقه قاعة، يصلي فيها الملك وحده.

وكان في الجناح الغربي، أيضاً، غرف الملك الخاصة وأماكن للنساء العاملات في بيته، وغالبيتهن من أفريقيا. وكان بعضهن خادمات في القصر، وبعضهن زوجات للذكور من الخدم.

وكان أعظم معالم القصر أبراجه الأربعة، التي لم يكن الغرض منها دفاعياً إلا بصورة جزئية. وكان كل واحد منها مقراً لزوجة من زوجات الملك. والواقع أن ثلاثة منها فقط كانت مشغولة في وقت واحد. أما الرابع فكان دائماً شاغراً ليكون للزوجة الجديدة، إذا ما رغب الملك أن يتزوج.

لم يكن القصر يحتوي على أكثر من التسهيلات البدائية، التي لا بد أن تكون في قصر للحكم، قبل مائتي سنة أو أكثر. فلم يكن فيه ماء جارٍ ولا مجار متقدمة، ولا كهرباء. وقد كادت إحدى وسائل الترف القليلة فيه، أن تتسبب في موت الملك، الذي أخفق كل أعدائه في القضاء عليه، فقد كان في غرف الملك الخاصة، حمام في داخله غلاية (سماور)، يُسخّن ماؤها بالفحم. ودخل الملك للاستحمام ذات يوم، ولم يخرج دخان الفحم بطريقة سليمة، فملأ المكان، فغشي جلالته، وكاد أن يموت، لولا أن أدركت خادمة سريعة التفكير، عدم وجود صوت في الحمام، فدقت جرس الإنذار فوراً".

وتروى قصة طريفة عن إدخال الكهرباء إلى القصر بالرياض، مما أورده محمد المانع  أثناء وصفه القصر الملكي بالرياض، قائلاً: "ثم بدأت وسائل الراحة الحديثة تأتي تدريجياً، من الحجاز إلى الرياض. وفي سنة 1928م تقريباً أرسل مسلم من بورما مهندساً هندياً، اسمه محمد رفيق، لتشغيل مولدات الكهرباء في الحرم المكي وصيانتها. وكان رفيق مهندساً قديراً جداً، فأصبحت المولدات بإشرافه تعمل بأفضل ما يمكن من كفاءة. وقد أعجب الملك بعمله، فرأى أن الوقت قد حان ليكون في الرياض تسهيلات مماثلة. وأرسله من الحجاز سنة 1930م ليشتري مولدات وآلات جديدة، ويبعثها إلى الرياض لإنارة القصر الملكي. فاشترى ثلاث مكائن وأرسلها بالشاحنات إلى الرياض حيث وصلت إليها سليمة بأعجوبة. ثم قدم محمد رفيق وبعض مساعديه إلى الرياض، بعد ذلك بقليل. وحين عاد جلالته إلى الرياض كان القصر يموج بالعمل. إذ كان رفيق ورجاله يحومون فيه كعناكب مجنونة، يمدون شبكة الأسلاك في كل أرجائه.

ويقول المانع:

وكان رفيق لا يتكلم العربية. ولأني كنت أتكلم الأردية بطلاقة؛ فقد كان يطلب مني أحياناً أن أترجم له، في المواقف الحرجة التي كانت تنجم، خلال مده للأسلاك حول الغرف الخاصة في القصر.

وقد أفرغت حجرة واسعة، في الطابق الأرضي من القصر، ليضع فيها رفيق مولدات الكهرباء. وجاء اليوم العظيم الذي صارت فيه الكهرباء جاهزة للعمل. وكان الجميع ينتظرون اللحظة الباهرة بشوق. لكنها لم تحدث. وعندما حل الظلام أتى إليّ أحد خدام الملك، وقال إن جلالته يريد أن يراني في غرفة مكائن رفيق. فذهبت فوراً إلى هناك، ووجدت المسكين رفيق يحاول إصلاح المكائن، والملك بشخصيته العظيمة، واقف عنده ينتظر بدء إنارتها بفارغ الصبر. وقد حاول رفيق عدة مرات تشغيل المكائن، ولكنها في كل مرة تعطي ضوءاً قليلاً، ثم لا تلبث أن تحدث صوتاً مزعجاً وتنطفئ. وكانت مهمتي أن أترجم أوامر الملك لرفيق بأن يضاعف جهوده ليجعل المكائن تبدأ الإنارة، وتأكيدات رفيق المتكررة بأن كل شيء سيكون على ما يرام، في بضع دقائق.

ولم يتمكن المسكين محمد رفيق أبداً من تشغيل مكائنه. فغادر الرياض بأسرع ما يستطيع، مدعياً بأنه سيحضر قطعة غيار من جدة. ومرت بقية السنة من دون أن يعود. وحينئذ علمنا أنه أقنع الشيخ عبدالله بن سليمان وزير المالية، بأن يسمح له بالذهاب إلى مصر ليشتري ماكينة جديدة. وأخيراً عاد رفيق إلى الرياض سنة 1931م، ومعه تلك الماكينة الجديدة الغالية. ولحسن حظه استطاع من دون مشقة أن يشغل الكهرباء، وأصبح القصر يزدان بأنوارها. أما الزوار من البدو، الذين لم يروا هذه العجائب من قبل، فكانوا كثيراً ما يسألون الملك عن ماهية الكهرباء وكيف تعمل. وكان يجيبهم إجابة من لا يريد مزيداً من المناقشة بقوله: "لاشيء. مجرد ماكينة وأسلاك".

وفي الحجاز، كان السلطان عبدالعزيز يتنقل بين مكة المكرمة وجدة والطائف. وخلال السنوات الأولى من حكمه لتلك المنطقة، لم يكن له محل إقامة محدد في جدة. وكثيراً ما كان يسكن في بيت الشيخ محمد نصيف المريح ذي الطوابق الأربعة. وهو أول بيت نزله السلطان عبدالعزيز عند دخوله جدة عام 1344هـ/1926م. وكان إذا أتى الملك ليقيم في بيت الشيخ محمد، سكن هو وأسرته وخدمه في الطابق الأعلى من البيت، وترك الطوابق الثلاثة للملك. ورغم التغييرات الكبيرة التي حدثت في جدة فإن البيت، بمكتبته، لا يزال موجوداً حتى الآن.

وأحياناً كان ينزل بناية الحامية التركية القديمة المسماة (الحميدية). ثم بدأ يسكن في بيت فخم ذي طابق واحد يسمى الكندرة. وكان من البيوت المشهورة، التي بنتها أسرة السقاف، ويقع في محل فندق الكندرة كونتننتال بجدة. وكانت أسرة السقاف من الأسر الثرية، التي تملك ثروة ضخمة. وقد أُنفقت معظم هذه الثروة في إنشاء أبنية بديعة في مكة المكرمة وجدة، ووضع الملك يده على عدد منها لاستعماله الخاص، بعد أن دفع تعويضات كبيرة عنها إلى أسرة السقاف. وبذلك ضمن، كعادته، أن الأسرة لن تخسر شيئاً، من جراء تصرفه.

ولم يُبْن قصر خاص للملك عبدالعزيز في جدة، إلا في منتصف الثلاثينات من هذا القرن. ولم يبنه الملك، وإنما بناه تاجر نجدي ثري من سكان تلك المدينة، وأهداه إليه. وقد أصبح يعرف باسم (القصر الأخضر)، لأن مادة بنائه كانت خضراء إلى حد ما. وبعد ذلك شيد الملك قصر خزام بالنزلة اليمانية بجدة، وأقام به في أواخر عام 1351هـ/ربيع 1933م. أما في الطائف فقد اتخذ الملك قصراً كبيراً يسمى شبرا. وكان هذا القصر للشريف عبدالله باشا، الذي كان أميراً على مكة، قبل الشريف حسين بن علي. وكان القصر نسخة من بناية في حي شبرا بالقاهرة، خلبت لب الشريف. ويقال إنه جلب آلاف الأطنان من المرمر والمواد اللازمة لبنائه، قطعة قطعة من مصر، ليطمئن بأنه سيكون صورة مطابقة لبناية شبرا الأصلية. وفي مكة اتخذ الملك عبدالعزيز لنفسه قصوراً شيدت فيما بعد. وكان مقر الديوان العالي في أجياد بمكة، وكان يقيم بقصر بالمعابدة، ينزل فيه أيام الحج، ويقيم فيه حفلة الحج السنوية لكبار الحجاج.

1. تشكيلات ديوان الملك عبدالعزيز

كان الملك عبدالعزيز نفسه، هو الذي نظم الديوان الملكي بالطريقة المريحة التي سار عليها. وكان الديوان يتكون من شعبتين، إحداهما تهتم بالشؤون الخارجية، والثانية تعني بالأمور الداخلية. وكانت هناك وزارة خارجية منفصلة عن الديوان، ومكتملة التنظيم. وكانت شعبة الشؤون الخارجية في الديوان، مكونة من رئيس الديوان، ورئيس المترجمين، ومحرر للرسائل، وطابع على الآلة الكاتبة. وعندما توفي الملك سنة 1373هـ/ 1953م، لم تكن هذه الشعبة أكثر من ذلك. أما الشعبة التي كانت تعني بالأمور الداخلية، فلها رئيس وخمسة أو ستة كتاب. وكانوا قد وزعوا العمل بين ما هو خاص بحاضرة وسط الجزيرة العربية، وما هو خاص بالقبائل البدوية. وكان هناك، كذلك، بضع كتاب صغار، وموظف مسؤول عن دراسة العرائض المرسلة إلى الملك وتلخيصها، هو حمد المضيان.

وفي أول الأمر، لم يكن بين موظفي الديوان من يتسلم راتباً منتظماً. كان جلالته يدفع ما يراه مناسباً للعاملين معه مثلما كان يدفع لجنوده من البادية، على شكل منح، وهدايا دورية، من النقود والملابس. وعند نهاية كل سنة تُعطى هدية إضافية من النقود. إضافة إلى ذلك كان يكسو أسر موظفي الديوان الملكي على نفقته الخاصة. ولم يكن ذلك الأسلوب متبعاً في الحجاز، لأن الموظفين هناك كانوا يتسلمون رواتب منتظمة، كما كانت عليه الحال زمن حكم الأشراف. وذات يوم تقدم بعض الموظفين إلى الملك، ورجوه أن يدفع لهم رواتب منتظمة، بدلاً من الهدايا والمنح، فوافق على ذلك.

وكان من عادة الملك عبدالعزيز السنوية، أن يكسو جميع رجاله وحاشيته وموظفيه، ليلة العيد، كل حسب درجته. ولما تكاثر عدد الموظفين، اقتصر الكساء على كبارهم. وكانت هذه الكسوة تعني العباءة، والثوب، والغترة (عمامة الرأس)، والعقال. ثم أدرك الملك أن تكرار هذا النوع من الكساء، يزيد عن حاجة المكسو، فأمر بإرسال قطع من الجوخ توزع سنوياً على كبار الموظفين، وعدد ممن دونهم. ثم حوّل ذلك إلى نقد سنوي بما يساوي الكسوة أو يزيد عليها. واستمر هذا إلى آخر أيامه.

وكان ديوان الملك عبدالعزيز، في الرياض، يشتمل على ما يأتي:

     ·   المجلس الخاص: ويسمى أعضاؤه بالجماعة، أو الربْع، وينعقد مرتين في اليوم، قبل الظهر وبعد العصر، برئاسته. وفي مقدمة من كان يحضره أخوه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وولي عهده، ثم حاملو لقب وزير الدولة، والمستشارون. وينضم إليهم من يكون في الرياض من وزرائه وسفرائه، ووزرائه المفوضين.

     ·   الشعبة السياسية: اختصاصها في الشؤون الخارجية للدولة، وترتبط بوزارة الخارجية.

     ·   الديوان الملكي: اختصاصه في الشؤون الداخلية، ومنه تصدر جميع المعاملات والخطابات الخاصة والعامة، ماعدا الشؤون السياسية.

     ·   شعبة الشفرة والبرقيات: أو الشعبة السّرية، ومنها تصدر الأمور المستعجلة والسرية، وترفع منها البرقيات وتستقبلها.

     ·   شعبة البادية: أو الشعبة الداخلية، اختصاصها داخلية نجد.

     ·   الزكاة وبيت المال.

     ·   شعبة المحاسبات والأعطيات.

     ·   شعبة الوفود والضيافة: اختصاصها استقبال الضيوف، والسهر على راحة الوفود، والإشراف على القصور الملكية، المخصصة لضيوف الملك. وهي ثلاثة أقسام: مضيف الوفود الممتازة، ومضيف الحضر، ومضيف البدو.

     ·   الخاصة الملكية: اختصاصها ما يتعلق بشؤون القصر الملكي.

     ·   شعبة أهل الجهاد: اختصاصها النظر في شؤون الجند غير النظامي.

     ·   شعبة الخزينة الخاصة.

     ·   شعبة المخازن الخاصة (المستودعات).

     ·   رئاسة الحاشية: وتشمل العبيد والأخوياء (المرافقون) وحرس القصر.

     ·   رئاسة الخيل: اختصاصها الإشراف على خيول الملك.

     ·   رئاسة الجيش (الإبل): اختصاصها النظر في إبل  الخاصة الملكية .

     ·   شعبة السّيارات.

     ·   شعبة الإذاعة: تكونت بعد وصول الراديو إلى البلاد العربية. اختصاصها تلقف الأخبار من إذاعات العالم، ليلاً ونهاراً، وإعداد أهم ما فيها لتلاوته بين يدي الملك، وهي قسمان: العربي، لالتقاط ما تذيعه المحطات المختلفة باللغة العربية، والأجنبي، لأخذ المهم من الإذاعات غير العربية، وترجمته.

     ·   الحرس الملكي.

     ·   الشعبة الصحية: اختصاصها طبابة القصر الملكي.

2. النيابة العامة في الحجاز

كان أول ما عُني به الملك عبدالعزيز، بعد استصفائه الحجاز، والدخول في طور الاستقرار، تنظيم الدولة، وتوزيع المسؤوليات. فأسند إلى ثاني أنجاله الأمير فيصل، رئاسة الحكومة بمكة، وأقامه نائباً عاماً عنه في الحجاز سنة 1344هـ /1926م. ثم أضاف إلى مهامه رئاسة مجلس الشورى سنة 1345هـ /1927م، ثم وُلي وزارة الخارجية، في رجب 1349 هـ/نوفمبر 1930م، وهي أول وزارة أحدثت في الحكومة العربية السعودية بصفة رسمية. وظل الفيصل محتفظاً بها حتى وفاته.

وأضيفت إلي الأمير فيصل رئاسة  مجلس الوكلاء، فكان يُخاطب بلقب (النائب العام)، حين يكون والده الملك عبدالعزيز في نجد. وبلقب (رئيس الوكلاء) حين يكون الملك في الحجاز. ووزير الخارجية في كل ما يتعلق بهذه الوزارة في داخلها، وفي الشؤون الخارجية كافة.

وربطت بالنيابة العامة أو رئاسة مجلس الوكلاء، شؤون الحجاز الداخلية، وعسير، والقضاء، والشورى، والمعارف، والبريد. أما وزارة الخارجية، فكان ارتباطها به شخصياً، بصفته وزيرها.

3. ديوان النيابة العامة في الحجاز

كان للنيابة العامة ديوانها، يجمع بين أعمالها الكثيرة، وأعمال مجلس الوكلاء. ولا صلة له بأعمال مجلس الشورى، أو وزارة الخارجية، إلا فيما يكون من المعاملات بينه وبين الدواوين الأخرى.

وكان ديوان النيابة مؤلفاً من:

أ. المكتب الخاص، لتلقي مكاتبات النائب العام السرية والخاصة، والإجابة عنها.

ب. مكتب النيابة، لتلقي المعاملات والأوراق الرسمية وعرضها عليه، واستيفاء ما يتعلق بها.

ج. مكتب اللجنة الدائمة لمجلس الوكلاء.

د. شعبة الحاشية والضيافة.

هـ. شعبة اللوازم الخاصة.

و. شعبة الخيل.

ز. شعبة البادية.

ح. شعبة الجيش (أي الإبل).

ط. شعبة السيارات.

وكان مقر ديوان النيابة العامة الدائم، في مكة المكرمة.

4. الملك عبدالعزيز في مجالسه العامة والخاصة

أ. المجلس العام

كانت للملك عبدالعزيز أوقات مخصصة لمجلسه العام، يدخله كل قادم عليه. ويمتلئ كثير من مقاعد المجلس، بمن يحضر من اخوته وأبنائه ومستشاريه وخاصته. يجلس آل سعود عن يمينه أو يساره، في صف واحد، وفي نظام ثابت محكم، حسب أعمارهم، الأكبر فمن يليه. ويفسح كل منهم المكان لمن هو أسن منه، ولو بأيام، يفعلون ذلك في حركة سريعة. ومن لم يكن من آل سعود، يجلس في صف آخر إلى جانب الملك، عن يمينه أو عن يساره. ويظل عن يمين الملك فراغ لبضعة أشخاص، قد يحضرون أو يحضر بعضهم، من ضيف كبير أو ذي شخصية مرموقة. فإذا دخل أحد الضيوف، وقف الملك له، ووقف الجميع، ومد يده لمصافحته، وأشار إليه بالمكان، الذي ينبغي أن يجلس فيه، إلى جانبه، أو قريباً منه، أو بين (الجماعة)، الذين هم المستشارون والخاصة، فمن يليهم.

فإذا كان الداخل على المجلس لا يريد أن يكلف الملك القيام، والسّلام باليد، أو تقبيل يده، يقف في مدخل المجلس، ويرفع صوته قليلاً بتحية الملك: صبّحك (أو مسّاك) الله بالخير، ويجلس حيثما يجد فراغاً في المكان. وإذا كان الملك مشغولاً بحديث مع أحد القريبين منه، أو بقراءة ورقة، أو بإملاء كلمة، أو بشاغل ما، دخل القادم بهدوء إلى حيث ينتهي به المجلس، أو إلى مكانه المعتاد جلوسه فيه، ويجلس مترقباً انتهاء الملك من عمله فيقف، رافعاً صوته بالتحية. وقد يجيب الملك بهز رأسه، أو تحريك شفتيه، أو بلفظ "بالخير". وإذا أراد أحد الجالسين الانصراف، انسل بحركة خفيفة، لا سلام معها ولا كلام.

و يستطيع كل من يريد أن يحضر المجلس العام. وكان المجلس يضم، عادة، ما بين ثمانين وثلاثين ومائة رجل. وكان يبدأ بتلاوة آية من القرآن الكريم وتفسير لها. ثم يتحدث عن موضوع ذي أهمية وطنية، ويطلب من الحاضرين أن يناقشوه فيما يودون مناقشته. وكان الأمر يتم بطريقة أشبه ما تكون بالمؤتمر الصحفي، إلاّ أنها أقل رسمية.

وإذا تكلم الملك في مجلسه العام، أنصت الجميع بطبيعة الحال. فإذا سكت أو انتهى من حديثه، فلكل شخص من الجالسين، كبيراً كان أو صغيراً، أميراً أو موظفاً أو زائراً، أن يتكلم موجهاً خطابه إلى الملك، ولا يقاطعه أحد مهما تكن مكانته، إلاّ من كان من المعبرين، عادة، عن رأي الملك، أو من معارض له يريد مناقشته. والمبدأ العام هو حرية القول لمن شاء الكلام، عندما يصغي الملك أو يصمت. وأكثر ما تكون مجالس الملك العامة، قبل الظهر، وبعد صلاة العصر.

ب. مجلس الدرس

وهناك مجلس يومي آخر، هو بين الخاص والعام، يشبه الجلسة المفتوحة غير الرسمية. يبدأ بعد صلاة العشاء، وينتهي بانقضاء سهرة الملك. وقلّما يحضره أحد من الأمراء السعوديين. ويقتصر، في الغالب، على كبار الموظفين، وبعض الأعيان، والضيوف غير الأجانب. وكان الجو السائد في المجلس المسائي، دائماً، أكثر اتساماً بالانبساط والراحة، من جو مجلس العمل الصباحي. وهذا المجلس، عادة، تناقلها حكام آل سعود عن أسلافهم. وتُتلى فيه مختلف أنواع المعارف. يُفتتح هذا المجلس، عادة، بقراءة قارئ الملك الخاص، عبدالرحمن القويز، جزءاً من السّيرة النبوية لمدة نصف ساعة، ثم يفتح المجال، لمن يريد أن يطرح موضوعاً للمناقشة.

يقول الزركلي:

"كانت تتلى فيه مختلف الأنواع، بين تفسير للقرآن، سمعت فيه فصولاً من (تفسير القرطبي). وبين نظرة في كتب التاريخ، سمعت فيها صفحات من (البداية والنهاية)  لابن كثير. وبين إلمامه بالأدب والأخبار، حضرت منها شيئاً من ( الآداب الشرعية ) لابن مفلح. وقد قرأت له هذه الكتب الثلاثة، وغير القليل من أمثالها، من بدايتها إلى نهايتها، في زمن امتد من بدء إمارته، إلى ختام حياته. وكانت الطريقة في هذا الدرس اليومي، أن يجلس القارئ، وهو موظف رسمي، من رجال العلم بهذا الشأن، في أقصى مقعد عن يسار الملك، وأمامه مصباح كهربائي، ويدير زره فيضيء. ويفتح كتاباً فيقرأ منه فصلاً، بعد الفصل الذي قرأه في الدرس السابق. ثم يغلقه، ويقرأ فصلاً آخر من كتاب آخر. والعادة أن يبدأ بتفسير القرآن، ويثني بالتاريخ، ولا تزيد المدة عن نصف ساعة. ويختم الدرس بإغلاق الكتاب وإطفاء المصباح، وانسحاب القارئ بهدوء. وليس من عمل القارئ أن يشرح أو يزيد شيئاً على تلاوة المتن. وفي أكثر الأيام تعلق في ذهن الملك آية يستشكل تفسيرها، أو حديث نبوي أو موعظة أو حادثة من التاريخ تستحق التعليق عليها، فيتساءل، أو يتحدث بما يخطر بباله في الموضوع. ويتناول أهل المعرفة (وسواهم) من الجالسين، الآية أو الخبر ـ تاريخياً أو أدبياً، وربما كان بيتاً من الشعر ـ بتعليقاتهم.

وكثيراً ما يدور الحديث حول خبر جديد، مما يلتقطه موظفو الاستماع إلى مختلف الإذاعات. وهؤلاء يدخل أحدهم مجلس الملك العام، أو شبه الخاص، ويتلو ما تجمع لديه، ولدى زملائه، من أخبار، وهو واقف، بصوت يسمعه كل من في المجلس. فإن كان في ملتقطاته جديد دار الحديث حوله. وقد يتكرر الدرس مرتين في اليوم، والإذاعة مرتين أو أكثر.

وبعد فراغ القارئ من قراءته، كان يؤتي عادة بإناء كبير مملوء بحليب النوق، فيشرب منه الملك، ثم يناوله إلى ضيوفه فيشربون منه واحداً بعد الآخر.

وكان الملك عبدالعزيز، في أعوامه الأخيرة، إذا انقضى الدرس، أخرج الجلوس عن صمتهم بخبر سمعه، وترك لهم مجال التعليق. وقد يناقشهم ويناقشونه، حتى إذا سكنت حدة النقاش، هدأت أعصاب الملك، وغفا اغفاءات خفيفة، بينما يتهامس جلساؤه، كل متجاورين فيما بينهما. وإذا صمت الجميع وساد السكون، فتح الملك عينيه وقال: ما يخالف! (أي: لا بأس) امضوا في أحاديثكم كما كنتم. وكأنه بهذا يأنس بسماع الحديث، ويظل بين النائم واليقظان. ثم ينظر في الساعة، فإذا حان موعد انفضاض المجلس، قال: هاتوا الحصان! ويعني بالحصان الكرسي الذي أهداه إليه الرئيس الأمريكي روزفلت، حينما التقيا في البحيرات المرة، عام 1364هـ/1945م، ويسرع بعض الخدم بتقديم الكرسي ذي الدراجات الأربع، فينهض الملك متثاقلاً من مجلسه، ويعتلي الكرسي، فيدفعه الخدم إلى جهة غرف أسرته.

وفي العادة، حين يغادر هؤلاء الضيوف، يقوم الملك بجولة في الديوان، حتى ينتهي غالباً عند الشعبة السياسية حيث ينتظره مستشاروه، لمناقشة بعض الأمور المهمة. وقبل أن يذهب إلى غرفه الخاصة، يقوم بزيارة أخيرة لمكتب ديوانه، ليرى إن كان هناك ما يتطلب عنايته الشخصية. وكان مستعداً دائماً للاستماع إلى أية مشكلة، مهما كانت صغيرة، وإبداء النصح والتوجيه.

ج. المجلس الخاص

كانت مجالس الملك عبدالعزيز الخاصة، جلها للعمل، ويحضرها أخوه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وولي عهده الأمير سعود، وبعض مستشاريه، ورئيسا الديوان والشعبة السياسية، ومساعد رئيس الشعبة. ويُسمي الجميع (الربع)، يجلسون متربعين بين يديه، كالحلقة، وهو على كرسيه، ينحني عليهم، ويمتد عنقه فوقهم. ويبدأ رئيس ديوانه تلاوة ما عنده من برقيات. ويُملي عليه الملك أجوبتها. وكثيراً ما ينظر في وجوه "الربع" عند إملاء الأجوبة، فإن كان لأحدهم رأي، طُرح للبحث. ثم يأتي دور مساعد رئيس الشعبة السياسية فيقرأ خلاصات للرسائل والعرائض الواردة. ويجيب الملك على كل منها بإيجاز يصوغه الكُتّاب فيما بعد. وقد يعاد عرض المهم منها عليه، قبل إنفاذه. وهناك ما يأتي من سفاراته في البلاد الأجنبية، كالتقارير السياسية وأمثالها، كان يقرأها بنفسه، ويملي الإجابة على بعضها، كما يملي التعليمات والأوامر، بالنص، ولا يأذن لأحد من كتابه بزيادة فيها أو نقصان. واستمر على هذا الحال إلى أن ضعف بصره في العامين الأخير، قبل وفاته، ولكنه يرعى بسمعه وببصره أية ملحوظة يبديها أحد الجلوس لديه، في الموضوع.

5. البرنامج اليومي لعمل الملك عبدالعزيز

كان موظفو الديوان الملكي  يقولون، إنهم يضبطون ساعاتهم على تنقلات الملك وأعماله اليومية المعتادة، كخروجه من قصره الداخلي، وعودته إليه، وجلوسه للنظر في الأعمال، وقيامه للنزهة، وابتدائه السهرة، وغير ذلك. فهو من أشد الناس محافظة على برنامج عمله، حتى في أسفاره، أيام كانت مطاياه ظهور الخيل والإبل.

اعتاد أن يستيقظ قبل الفجر بنحو ساعة، أي في الثلث الأخير من الليل، فيقرأ سوراً من القرآن الكريم، ويتعبد ويتهجد، وكثيراً ما يُـسمع له نشيج. ويستمر إلى أن يؤذن الفجر، فيصلي الصبح مع الجماعة، ويسبّح، ويقرأ ورد الصباح. ويدخل فيضطجع إلى أن تشرق الشمس. ثم ينهض فيغتسل، ويلبس ثيابه ويتناول طعام الإفطار. وفي الثامنة صباحاً يخرج إلى المجلس الخاص، فتُعرض عليه مهام الحكومة في فترة غير طويلة، يأذن بعدها بالمقابلات الخاصة لكبار الزوار، كما يقابل شيوخ البدو، ويسمع شكوى المشتكي ونصح الناصح، ويتباحث مع زواره في شؤونهم.

ثم ينتقل إلى المجلس العام، حيث يدخل كل من يريد مقابلته. ويقضي في ذلك نحو ساعة، يمضيها في حديث أشبه بخطابة، فيما يهم أمر الدين والدنيا. فإذا اقترب وقت الظهر، نهض للغداء، ومنه إلى القصر فيستريح قليلاً، ثم يصلي الظهر مع الجماعة، ويعود إلى مجلسه الخاص، فيعرض عليه ما تجدد من الشؤون العامة، إلى صلاة العصر. ويجلس بعدها لإخوانه وأولاده وأقاربه وكبار الموظفين، يسامرهم. ثم يخرج بسيارته إلى ظاهر المدينة للرياضة، ويعود بعد صلاة المغرب.

وبعد العشاء يجلس في مجلس شبه عام. وهناك يحضر القارئ، فيتلو فصولاً من كتب مختلفة، في الحديث والتفسير والتاريخ والأدب، كما تقدم. وبعد قليل، يدخل قارئ الإذاعة العربية، فيتلو ما التقط من محطات الإذاعة الشرقية من متنوع الأخبار. ويأتي بعده قارئ الإذاعات الأجنبية، علي النفيسي، وقد ترجم أهم ما أذيع. ويتكرر دخول قراء الإذاعات في الضحى، وبعد العصر، والهزيع الأول من الليل.

وفي نحو الساعة الرابعة بالتوقيت العربي، (العاشرة زوالية) مساء، ينفض المجلس بنهوض الملك عائداً إلى داخل القصر، بعد أن يتلطف بكلمات يختمها بتحية الجميع: السلام عليكم.

وكان هناك أفراد قلائل من الخاصة، في مقدمتهم عبدالله السليمان، لم يكونوا يحجبون عن الدخول عليه في أوقات راحته وتهجده، قبل الفجر، وبعد صلاة الصبح، يعرضون ما يعن لهم من أنباء أو مقترحات أو همسات، وهو يصغي، ويستوعب ما يقال، وربما كان بين النائم واليقظان.

وهذه صورة أخرى لبرنامج عمل الملك يرسمها المانع:

وكان الملك يبدأ عمله اليومي في القصر حوالي الساعة الثامنة صباحاً، حيث يقدم له رئيس التشريفات، إبراهيم بن جميعة، أسماء الذين يودون مقابلته ذلك اليوم. وكان على من يرغب أن يرى الملك، أن يرتب ذلك مع إبراهيم، ولكن الملك كان من الناحية الواقعية يرى تقريباً كل إنسان يود مقابلته. وكان يبدأ بمقابلة من لديهم أمور مهمة، في مجلس خاص، حيث يقدمون له واحداً بعد آخر طبقاً لأسبقيتهم ومكانتهم. فإذا أخذ عدد هؤلاء في التناقص، بدأ بتصريف الرسائل اليومية. وكان من المألوف أن تراه يتحدث إلى أحد زعماء البادية، وهو يملي رسالتين في وقت واحد.

وكان للملك قدرة فذة في فهم النّقاط المهمة، في أية قضية يُسأل عنها. كما كان قادراً، دائماً، على إعطاء إجابة فورية كاملة، بعبارات موجزة مختارة. وبهذه الطريقة كان كل من يشهد مجلسه يغادره وهو مرتاح، لأنه قد نال من جلالته اهتماماً شخصياً. ونادراً ما كان المجلس العام يدوم أطول من أربعين دقيقة، لكن كمية العمل، التي كانت تنجز فيه، مدهشة.

وكانت فترة عمل الملك الصباحية تنتهي، عادة، بنهاية مجلسه العام. ثم يتناول غداءه ويستريح لدى أهله، حتى أذان الظهر. وبعد الصلاة، يجتمع بالشعبة السياسية، التي كانت وظيفتها إبداء المشورة للملك، من دون أن تكون لها أية سلطة تنفيذية. وكان بعض أعضائها رجالاً أقوياء ومهمين. وكان الملك يطرح الموضوع الذي يود أن يستشير الأعضاء فيه، فيناقش مناقشة عامة يبدي خلالها كل عضو رأيه الحقيقي بحرية، ويقدم ما يراه من اقتراحات. ثم يُنهي الملك المناقشة حين يظن أن الأمر نال ما يستحق من نقاش، ويتخذ قراره الخاص تجاهه. ولم يكن أحد من أفراد الشعبة يفكر أبداً، في اقتراح موضوع للمناقشة بمبادرته الشخصية، لأن ذلك كان خاصاً بالملك وحده.

وبعد أن يُنهي الملك اجتماعه بمستشاريه، يخرج وعدد قليل من حاشيته، بجولة في السيارة في ضواحي المدينة، حتى قرب غروب الشمس. وكان الملك يحب التجول في السيارة. وكانت لذلك فائدته، إذ يتيح لشعبه أن يراه يومياً. وكان أحياناً يذهب مسافة قصيرة في الصحراء، حيث يؤدي صلاه المغرب قبل أن يعود إلى القصر، لتناول العشاء. وكان أحد الأمكنة الأثيرة لديه في الصحراء تلاً ـ اسمه أبو مخروق ـ ذا سمة مميزة، إذ يوجد في أعلاه قوس طبيعي متكون من الصخر ذاته. ومع نمو الرياض في السنوات الأخيرة أصبح هذا التل في حي الملز، ضمن المدينة. ولأهميته لدى الملك، حوفظ عليه بعناية، وجعل تذكاراً وطنياً.

واستمر روتين ديوان الملك كما هو، سواء كان في مكة المكرمة أو في الرياض. ولم يكن عمل المرء في خدمة الملك، بأية حال، عملاً مستقراً في المدينة دائماً. ذلك أن من سمات الديوان الفريدة، أن كل أفراده، تقريباً، كانوا يسيرون مع الملك أينما سار.