إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / اغتيال الرئيس السادات






مدن تنقل بينها السادات



ملحق

ملحق

التماس مقدّم إلى السيد رئيس الجمهورية

بشأن التصديق على الحكم الصادر

في القضية رقم 7 لسنة 1981،

عسكرية عليا

يا سيادة الرئيس

قضت المحكمة العسكرية العليا، منذ أيام، بعقوبة الموت على خمسة من المتهمين في قضية مقتل الرئيس السابق، المرحوم محمد أنور السادات، وبعقوبات مختلفة على باقي المتهمين.

ولما كانت هذه القضية، بكل ملابساتها وعناصرها، ونتائجها ومقدماتها، والموقع الذي جرت فيه، والوقت الذي تمت أثناءه، هي ثمرة حقبة كاملة من حياة مصر، في فترة من أشد فترات هذه الحياة السياسية: داخلية وخارجية، والاجتماعية، والاقتصادية، ازدحاماً بكبريات الأمور، ولمّا كانت مصلحة البلاد ـ فيما نعتقد ـ تهمنا في المقام الأول، فقد نظرنا في أمر هذه القضية، وأمر المتهمين فيها، ولا سيما من قضي عليهم منهم بحكم الموت، ثم أمر المصلحة العامة، فرأينا أول ما رأينا، أن هؤلاء الشبّان الصغار، المحكوم عليهم بالموت، لم تقُم بينهم وبين السادات خصومة شخصية، ولم يدفعهم إلى العمل، الذي أقدموا عليه، طمع في مال، أو جاه أو نفوذ، فقد كانت غايتهم ـ على ما ظهر من أقوالهم، وما نشر من محتويات الدعوى، والجزء المنشور من الحكم الصادر فيها ـ هي تحقيق العقيدة، التي ملأت نفوسهم من جميع أقطارها، والتي أوحت إليهم أن العمل، الذي نفّذوه فيما بعد، دفاع عن الوطن ومصالحه الكبرى، وردّ للعوادي عنه، وإصلاح ما اعوجّ وفسد من أموره. وقد استبدّ بهم هذا الإيمان، حتى تم على أيديهم ما تم. وقد كان نظرنا هذا، بعد التجرّد من كل دافع أو حافز لا ترضى عنه بلادنا، أو لا تقرّه تقاليدها الرفيعة. ولسنا نزكِّي أنفسنا، فالله وحده يزكِّي من يشاء من عباده.

يا سيادة الرئيس

إننا نؤمن ـ ككل المسلمين ـ أن القصاص شريعة الإسلام، وأن التهاون في التمسك به، مضيع للأمة. وكلنا نؤمن أيضاً، أنه من أصول القوانين وقواعدها الأساسية، أن لكل جريمة ظروفاً، وأن من هذه الظروف ما يخفف العقوبة المقررة للجريمة، ومن هذه الظروف ما يعبر عنها. ففي القانون، جرائم قتل يُعفى مرتكبها من العقاب، وفيه جرائم قتل ينخفض فيها الجزاء إلى الحبس، وفي القانون نصوص عامة، تقضي صراحة، عند توافر ما نصّت عليه، أن تهبط المحكمة بالعقوبة إلى أدنى حدٍّ. والقاضي الذي يغمض عينيه عن تلك الظروف، لا يؤدي واجبه على الوجه الصحيح.

ومن خصائص الشريعة الإسلامية السمحة، أنها تطلب من قضاة الشرع، أن يلتمسوا سُبُل النأي عن إيقاع العقاب، أيّاً كان مقداره، كلما وجدوا لذلك مخرجاً سليماً، تطبيقاً لقاعدة "ادرأوا الحدود بالشبهات". وقد بلغ القضاء الإسلامي، في تطبيق هذه القاعدة، مبلغاً من حقّه أن يُفاخر به أنظمة القضاء الأخرى، فقد أعفى الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب ـ t ـ غلماناً من حدِّ القطع المقرر للسرقة، لأنه وجد أن الذي يستخدمهم، يُجيعهم حتى دفعهم إلى الجريمة. بل إنه أوقف هذا الحدَّ لعامٍ كاملٍ، هو عام المجاعة، الذي شحّت فيه الأرزاق، وقلّت الأقوات. وقد أمر رسول الله ـ r ـ منع الحدّ خلال الحرب، بقوله الشريف: ]لا قطع في السفر[.

كل هذه أدلة وشواهد، تؤكد أن شريعة المسلمين، تُقيم للظروف الملازمة للجريمة وزنها. وليس في هذا ـ بطبيعة الحال ـ تعطيل للشريعة، ولا إشاعة للفتنة، وإنما هذا كله استلهام لروح القانون، واستيحاء، وهذا كله جزء لا ينفصل عن القانون، لا يستقيم بغيره، ولا يصلح المجتمع بسواه. وفي مصر، سوابق تعِين على فهْم هذا المبدأ. ففي عهد الإنجليز، حين بلغ الطغيان أقصاه، وكان إهدار دواعي الرحمة بغير تحرج ولا أناة، أعفى الحكم البريطاني عبدالفتّاح عنايت[1] من عقوبة الموت، بعد محاكمة ثبت فيها أنه شارك في قتل العديد من رجالات الإنجليز، عسكريين ومدنيين، لمجرد أن أخاه المرحوم عبدالحميد عنايت، حُكم عليه بنفس عقوبة الموت، بذات الحكم، فكبر على الإنجليز أن يقتلوا شقيقَيْن في حكم واحد، وينفذوا الحكم فيهما في يوم واحد.

كما اتهم شابان بقتل مستشار مصري عظيم، له سابقة في العمل الوطني، هو المرحوم المستشار أحمد الخازندار، فكان مبرر قتله عند قاتلَيه، أنه أصدر حكماً قاسياً في قضية وطنية. وكان الظنّ عند جميع الناس، أن المستشارين الذين ينظرون قضية هذين الشّابيْن، لن يقضوا عليهما بأقل من عقوبة القتل، لأن قتل قاضٍ اعتراضاً على حكم أصدره، سيلغي معنى القضاء، ويتحدى رسالته. ولكن المحكمة، التي حاكمت الشّابيْن، أعفتهما من عقوبة الموت، تقديراً لظروف تلك الفترة، التي سادها اضطراب في النفوس بسبب القلق الوطني، ولم تمضِ إلاّ سنوات قليلة، حتى أطلقت حكومة الثورة ـ وكان من أعضائها الرئيس القتيل السادات نفسه ـ سراح هذين الشّابيْن، وهما الآن يتمتعان بحريتهما، ولم يسمع أحد عنهما سوءاً. ومما يجب ذكره هنا، أنه لم تقع، بعد ذلك العفو، أية جريمة مشابهة. فلم يُعتَد على قاضٍ حتى بمجرد اللفظ النابي، بما يقطع بأن الجرائم ثمرة الظروف العامة، والقهر والعنف، وسوء الأحوال.

سيادة الرئيس

إن دول العالم كلها ألغت، تقريباً، عقوبة الموت، ولا سيما ما يصدر في القضايا السياسية. ولكن الإسلام سبق هذه الدول جميعاً، بما قرره في شريعته السمحة، من أن وليّ الدم، يملك دائماً أن يعفو عن القاتل، مقابل ديَة يقتضيها وبغير ديَة. وقد حدث، فور اغتيال الفاروق، عمر بن الخطّاب ـ t ـ أن طاش صواب ابنه حزناً على أبيه، وغضباً على قاتليه، فقتل اثنين أو ثلاثة من زمرة القاتل. هناك، تنادى صحابة رسول الله ـ r ـ بوجوب نفاذ الحدِّ في ابن الخليفة الثاني. ولكن عثمان بن عفّان ـ t ـ قدّر الظروف السياسية المحيطة بالأمر، وقتذاك، فرفع الحدَّ عن ابن عمر، ودفع ديَة من بيت المال، وقال إنه وليّ الدم.

يا سيادة الرئيس

إن المادة 149 من الدستور، قد خوّلت رئيس الجمهورية حق العفو عن العقوبة أو تخفيضها. ونحن استناداً إلى هذا النص، أي استناداً إلى قانون القوانين، نتجه إليك لتستعمل هذا الحق، في حالة، لا نحسب أن مصر شهدت حالة، تستوجب استعمال هذا الحق أكثر منها.

فنحن أولاً في نطاق الدستور والقانون، حيث نلتمس منك العفو عن هؤلاء الشبان، الذين أثبتت وقائع الدعوى، أنهم مؤمنون بما فعلوا، فقد ظهروا، في أشدّ المواقف حرجاً، رابطي الجأش، حاضري الذهن، حَسَنِي التدبير. وهي أمور لا تتوافر لقاتل، إلاّ وهو يؤمن بأنه نذر نفسه ودمه وروحه لمثلٍ أعلى.

ولا نحسب أننا نتجنى على الحق والواقع، إذا قلنا إن سيرة الرئيس السابق في الحكم، ولا سيما في السنوات الأخيرة، وتعطيله للحرية دفعة واحدة، وهي الحرية التي طالما تغنى بأنه حاميها ومحاميها، وزجّه لأصحاب الرأي بالمئات والألوف، من كل لون وسن ودين، في السجون، والإسراف  في تعذيبهم وإيذاء ذويهم، وإهاناته المستمرة لشيوخ وعلماء الإسلام، مما أثار غضب وحنق الأمة في مصر وخارجها، دعْ عنك ما جرى في إدارة الشؤون العامة، التي ضاعفت في أزمات الشعب وسوء حاله .. مما فاضت به التقارير الرسمية والأحكام القضائية، بل أكدتموه أنفسكم بالتعهد بالضرب على أيدي المستغلين والمرتشين، والذين يعطون العمولات، والذين يتقاضونها. ولا نحسب أننا نتجنى على الحق، إذا قلنا إن هذا كله قد أرهق، بلا شك، ولا شبهة، أعصاب هؤلاء الشبّان الصغار، وهم في مقتبل العمر وعنفوان الشباب، وكان المستقبل أمامهم مديداً، وكان الأمل في نجاحهم وتفوّقهم عظيماً، لِمَا يتمتعون به من المواهب، والفضائل.

فإذا كان قضاتهم، قد رأوا أنهم يستحقون أقصى العقوبة، فأنتم ـ بحكم مكانتكم الكبيرة وإدراككم لما يظهر ويختفي من الاعتبارات، التي لا يجوز أن تهمل ـ جديرون بالتخفيف في الحكم، ليكون الحكم إلى العدل أقرب، وإلى الرحمة أدنى.

وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام،

كمال الدين حسين                   فتحي رضوان

 



[1] محام ومناضل سياسي، مصري الجنسية.